خذلان السوريين جريمة عامة قد تعرض الأمة لعقاب إلهي عام (2)
بقلم : أبو ياسر السوري
الذين تجب لهم النصرة في عصر النبوة :
كان المسلمون الأوائل في عهد النبوة ، أشبه بدولة إسلامية ، عاصمتها المدينة المنورة ، وقائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان المهاجرون والأنصار أشبه بجيش منظم ، يتحرك وفق أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان رسول الله يحارب بهؤلاء المسلمين من عصا من المشركين .. وكان بإمكان المهاجرين والأنصار ، القيام بواجب النصرة لإخوانهم من المسلمين الأعراب الذين آثروا البقاء في منازلهم بالبادية ، ولم يهاجروا إلى المدينة ، في حال تعرضهم لأي اعتداء من القبائل العربية ، التي ما زالت على شركها . عملا بقوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) .
دار الإسلام ودار الحرب قبل سقوط الخلافة :
ثم جاء فتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وقويت شوكة الإسلام في الجزيرة العربية كلها ، وتبلورت معالم هذه الدولة أكثر فأكثر في عهد الخلفاء الراشدين ، ولم تزل المدينة المنورة هي دار الخلافة ، ومنها كان يتم تسيير جيوش الفتح ، وفي خلافة عمر تكامل الفتح ، وسقطت إمبراطورية الفرس وانتزعت منها أرض العراق ، كما أزيحت دولة الروم عن أرض الشام ، وأبعدت إلى ما وراء جبال طوروس الفاصلة ما بين سوريا وتركيا حاليا .. ويمكن القول أنه منذ ذلك الحين انقسمت الكرة الأرضية إلى دارين : دار إسلام ودار حرب ... ومع استمرار الفتوح في العهدين الأموي والعباسي ، اتسعت رقعة البلاد الإسلامية ، حتى امتدت إلى الهند والصين شرقا ، وإلى بلاد الأندلس غربا .. واستمرت الحال على هذا المنوال ستة قرون ونصف .. بدأ بعدها الزحف الصليبي من الغرب ، والزحف المغولي التتري من الشرق ، ولم تلبث الخلافة العباسية أن سقطت على أيدي التتار ، فقتل الخليفة وسقطت بغداد عام 656 هـ .. ثم أعقب سقوط بغداد ، سقوط غرناطة ، وطويت أعلام الخلافة الأموية في الأندلس عام 897 هـ ، وخضعت لحكم الفرنجة من جديد ، وأعمل السيف بالمسلمين فشرد من شرد وأبيد من أبيد ..
سقوط الخلافة العثمانية والتقسيم العالمي الجديد :
ثم بقي الغرب والشرق مصرا على إسقاط الخلافة العثمانية فترة أربعة عقود ونصف ، حتى أسقطها عام 1344هـ .. وتلا سقوطها مؤامرة ( سايكس بيكو ) التي قسمت الخلافة أوصالا ، وفصلت العرب عن بعضهم في دويلات صغيرة ، وفرضت عليهم رؤيتها ، وسيرتهم في هواها . فتغيرت حال الأمة عما كانت عليه ، وتبدلت الخارطة السياسية ، والمعالم الديموغرافية ، والتقسيمات الإدارية ، وتم تمزيق دولة الخلافة إلى دول إسلامية متنافرة ، وأمثالها من الدول العربية المتناحرة ، ولم يعد مجال لتقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب ، كما كانت عليه الحال قبل سقوط الخلافة العثمانية . فقد صار الآن من الصعوبة بمكان تنفيذ الأحكام الفقهية ، وإسقاطها على الواقع المتغير ، لأنها أحكام صيغت لتعالج واقعا مضى ، ولم تعد صالحة لمعالجة مشاكل المسلمين اليوم ...
ضعف حكام العرب والمسلمين عن نصرة الشعوب الإسلامية :
فلا يمكن مثلا إسقاط وصف الخلافة الإسلامية على المملكة العربية السعودية ، لأنه لا سلطان لها على بقية المسلمين في العالم .؟ وصار المسلمون بحسب تقسيمات ( سايكس – بيكو ) يعيشون في أوطان جديدة ، تضم أكثرية مسلمة ، يعيش إلى جانبهم أقليات من المسيحيين واليهود واللا دينيين . وصارت رعايا هذه الأوطان تحكم بالقوانين الغربية ، التي ترعى مصالح الأقليات غير المسلمة وتحابيهم على حساب مصلحة المسلمين . وصار بمقتضى هذه القوانين أيضا ، أنه ليس لأي بلد أن يتدخل في شؤون البلد الآخر من أسرة المجتمع الدولي الكبير ، فالعالم اليوم يتحكم فيه خمس دول كبرى . ويفرضون علينا " سياسة فرق تسد " . وهذا ما يجعل الدول العربية والإسلامية عاجزة عن حماية المسلمين . الذين يُقتلون ويضهدون ويبادون في كل من : سوريا وفلسطين وبورما ومالي والصومال وكشمير ... وليس لأي دولة عربية أو إسلامية الحق في الدفاع عن هؤلاء المسلمين المظلومين .. لما فيه من تدخل بشؤون الغير ، وهو أمر يخالف القانون الدولي ، ويعرض المخالف لأن تنزل فيه أشد العقوبات ، لهذا تجد الدول العربية عاجزة عن فعل أي شيء لا يسمح به أولئك الكبار ، فكيف إذن نطالبهم بنصرة غيرهم من المسلمين وهم عن نصر أنفسهم عاجزون .؟
هل البلاد العربية اليوم دار إسلام .؟
وهذا الإشكال – أعني تعذر النصرة على الحكومات العربية - يعود بنا لزاما إلى تحديد المقصود بـ " دار الإسلام ودار الحرب " .. ولئلا يأخذنا الحديث في متاهات التقسيمات ، بين " دار الإسلام ودار الحرب " .. و" دار العدل ودار البغي " و" دار الشرك ودار التوحيد " .. أكتفي بما يتعلق فيما نحن فيه من أحكام النصرة .؟ لأن حكمها متعلق بوصف الدار وتبعٌ لها ..
فهل البلاد العربية اليوم هي دار إسلام .؟؟ وهل يزول هذا الوصف بزوال سلطان الإسلام عنها ؟ فيطالبُ المسلمُ بالنزوح منها إلى دار الإسلام ، ويأثم بالبقاء فيها تحت سلطان الكفرة .؟
أم أنها تظل دار إسلام وإن غلب عليها الكفار .؟ ولم يحكم فيها بالإسلام ؟ فيجبُ بالتالي على المسلمين أن يجاهدوا لاستعادتها من أيدي مغتصبيها . وإعلاء كلمة الله فيها ؟
هذان رأيان لفقهاء المسلمين القدامى كالماوردي وغيره .. ولكن الفقهاء وإن اختلفوا في توصيف الدار ، فإنهم لم يختلفوا في وجوب نصرة المسلمين المستضعفين في الأرض .. ولم يختلفوا في وجوب الدفاع عنهم والقتال من أجلهم ومحاربة عدوهم حتى ينقذوهم من براثن الكفرة المعتدين .
ولكن كيف يقاتل المسلمون اليوم ، وتحت أية راية يجاهدون .؟ وهم في حال لا يحسدون عليها .؟ فالحكومات العربية والإسلامية ليس بينها رابطة تجمعها ، ولا تحالف يشد عضدها . وهي عاجزة عن نصر أنفسها ، فهي بالتالي أعجز عن نصر غيرها من المسلمين المستضعفين في العالم . فقد استأثر الغرب والشرق بأسباب القوة من دون هذه الدول التي تحكمنا ، وأصبحنا في ظل أنظمة مجردة من كل أسباب القوة ، فهي أضعف من بيت العنكبوت ، وقد باتت منزوعة القرار ، محكومة لإرادة الدول الكبرى ، وذلك من خلال ما يسمى بالمنظمات الدولية ، ومجلس الأمن ، ومحكمة العدل في لاهاي .. وصار بإمكان الدول صاحبة القرار ، محاسبة أي زعيم عربي أو مسلم خارج عن إرادتها ، وإلقاء القبض عليه ، ومحاكمته وإعدامه .. وقد فعلت ذلك بصدام حسين ذات يوم ، وعلقته على حبل المشنقة ، والعرب والمسلمون يشهدون ، ولم يجرؤ أحد منهم أن يبدي استنكاره أو احتجاجه ، ناهيك عمن شارك في القضاء عليه ، وتدمير جيشه وبلده ، الذي لم تقم له قائمة ، وما أظنها ستقوم إلا بعد مضي عشرات السنين .؟؟ فما العمل إذن .؟ وكيف يمكن أن يتناصر المسلمون فيما بينهم وهم على هذا السوء من الحال .؟
يتبع في المقال -3
بقلم : أبو ياسر السوري
الذين تجب لهم النصرة في عصر النبوة :
كان المسلمون الأوائل في عهد النبوة ، أشبه بدولة إسلامية ، عاصمتها المدينة المنورة ، وقائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان المهاجرون والأنصار أشبه بجيش منظم ، يتحرك وفق أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان رسول الله يحارب بهؤلاء المسلمين من عصا من المشركين .. وكان بإمكان المهاجرين والأنصار ، القيام بواجب النصرة لإخوانهم من المسلمين الأعراب الذين آثروا البقاء في منازلهم بالبادية ، ولم يهاجروا إلى المدينة ، في حال تعرضهم لأي اعتداء من القبائل العربية ، التي ما زالت على شركها . عملا بقوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) .
دار الإسلام ودار الحرب قبل سقوط الخلافة :
ثم جاء فتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وقويت شوكة الإسلام في الجزيرة العربية كلها ، وتبلورت معالم هذه الدولة أكثر فأكثر في عهد الخلفاء الراشدين ، ولم تزل المدينة المنورة هي دار الخلافة ، ومنها كان يتم تسيير جيوش الفتح ، وفي خلافة عمر تكامل الفتح ، وسقطت إمبراطورية الفرس وانتزعت منها أرض العراق ، كما أزيحت دولة الروم عن أرض الشام ، وأبعدت إلى ما وراء جبال طوروس الفاصلة ما بين سوريا وتركيا حاليا .. ويمكن القول أنه منذ ذلك الحين انقسمت الكرة الأرضية إلى دارين : دار إسلام ودار حرب ... ومع استمرار الفتوح في العهدين الأموي والعباسي ، اتسعت رقعة البلاد الإسلامية ، حتى امتدت إلى الهند والصين شرقا ، وإلى بلاد الأندلس غربا .. واستمرت الحال على هذا المنوال ستة قرون ونصف .. بدأ بعدها الزحف الصليبي من الغرب ، والزحف المغولي التتري من الشرق ، ولم تلبث الخلافة العباسية أن سقطت على أيدي التتار ، فقتل الخليفة وسقطت بغداد عام 656 هـ .. ثم أعقب سقوط بغداد ، سقوط غرناطة ، وطويت أعلام الخلافة الأموية في الأندلس عام 897 هـ ، وخضعت لحكم الفرنجة من جديد ، وأعمل السيف بالمسلمين فشرد من شرد وأبيد من أبيد ..
سقوط الخلافة العثمانية والتقسيم العالمي الجديد :
ثم بقي الغرب والشرق مصرا على إسقاط الخلافة العثمانية فترة أربعة عقود ونصف ، حتى أسقطها عام 1344هـ .. وتلا سقوطها مؤامرة ( سايكس بيكو ) التي قسمت الخلافة أوصالا ، وفصلت العرب عن بعضهم في دويلات صغيرة ، وفرضت عليهم رؤيتها ، وسيرتهم في هواها . فتغيرت حال الأمة عما كانت عليه ، وتبدلت الخارطة السياسية ، والمعالم الديموغرافية ، والتقسيمات الإدارية ، وتم تمزيق دولة الخلافة إلى دول إسلامية متنافرة ، وأمثالها من الدول العربية المتناحرة ، ولم يعد مجال لتقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب ، كما كانت عليه الحال قبل سقوط الخلافة العثمانية . فقد صار الآن من الصعوبة بمكان تنفيذ الأحكام الفقهية ، وإسقاطها على الواقع المتغير ، لأنها أحكام صيغت لتعالج واقعا مضى ، ولم تعد صالحة لمعالجة مشاكل المسلمين اليوم ...
ضعف حكام العرب والمسلمين عن نصرة الشعوب الإسلامية :
فلا يمكن مثلا إسقاط وصف الخلافة الإسلامية على المملكة العربية السعودية ، لأنه لا سلطان لها على بقية المسلمين في العالم .؟ وصار المسلمون بحسب تقسيمات ( سايكس – بيكو ) يعيشون في أوطان جديدة ، تضم أكثرية مسلمة ، يعيش إلى جانبهم أقليات من المسيحيين واليهود واللا دينيين . وصارت رعايا هذه الأوطان تحكم بالقوانين الغربية ، التي ترعى مصالح الأقليات غير المسلمة وتحابيهم على حساب مصلحة المسلمين . وصار بمقتضى هذه القوانين أيضا ، أنه ليس لأي بلد أن يتدخل في شؤون البلد الآخر من أسرة المجتمع الدولي الكبير ، فالعالم اليوم يتحكم فيه خمس دول كبرى . ويفرضون علينا " سياسة فرق تسد " . وهذا ما يجعل الدول العربية والإسلامية عاجزة عن حماية المسلمين . الذين يُقتلون ويضهدون ويبادون في كل من : سوريا وفلسطين وبورما ومالي والصومال وكشمير ... وليس لأي دولة عربية أو إسلامية الحق في الدفاع عن هؤلاء المسلمين المظلومين .. لما فيه من تدخل بشؤون الغير ، وهو أمر يخالف القانون الدولي ، ويعرض المخالف لأن تنزل فيه أشد العقوبات ، لهذا تجد الدول العربية عاجزة عن فعل أي شيء لا يسمح به أولئك الكبار ، فكيف إذن نطالبهم بنصرة غيرهم من المسلمين وهم عن نصر أنفسهم عاجزون .؟
هل البلاد العربية اليوم دار إسلام .؟
وهذا الإشكال – أعني تعذر النصرة على الحكومات العربية - يعود بنا لزاما إلى تحديد المقصود بـ " دار الإسلام ودار الحرب " .. ولئلا يأخذنا الحديث في متاهات التقسيمات ، بين " دار الإسلام ودار الحرب " .. و" دار العدل ودار البغي " و" دار الشرك ودار التوحيد " .. أكتفي بما يتعلق فيما نحن فيه من أحكام النصرة .؟ لأن حكمها متعلق بوصف الدار وتبعٌ لها ..
فهل البلاد العربية اليوم هي دار إسلام .؟؟ وهل يزول هذا الوصف بزوال سلطان الإسلام عنها ؟ فيطالبُ المسلمُ بالنزوح منها إلى دار الإسلام ، ويأثم بالبقاء فيها تحت سلطان الكفرة .؟
أم أنها تظل دار إسلام وإن غلب عليها الكفار .؟ ولم يحكم فيها بالإسلام ؟ فيجبُ بالتالي على المسلمين أن يجاهدوا لاستعادتها من أيدي مغتصبيها . وإعلاء كلمة الله فيها ؟
هذان رأيان لفقهاء المسلمين القدامى كالماوردي وغيره .. ولكن الفقهاء وإن اختلفوا في توصيف الدار ، فإنهم لم يختلفوا في وجوب نصرة المسلمين المستضعفين في الأرض .. ولم يختلفوا في وجوب الدفاع عنهم والقتال من أجلهم ومحاربة عدوهم حتى ينقذوهم من براثن الكفرة المعتدين .
ولكن كيف يقاتل المسلمون اليوم ، وتحت أية راية يجاهدون .؟ وهم في حال لا يحسدون عليها .؟ فالحكومات العربية والإسلامية ليس بينها رابطة تجمعها ، ولا تحالف يشد عضدها . وهي عاجزة عن نصر أنفسها ، فهي بالتالي أعجز عن نصر غيرها من المسلمين المستضعفين في العالم . فقد استأثر الغرب والشرق بأسباب القوة من دون هذه الدول التي تحكمنا ، وأصبحنا في ظل أنظمة مجردة من كل أسباب القوة ، فهي أضعف من بيت العنكبوت ، وقد باتت منزوعة القرار ، محكومة لإرادة الدول الكبرى ، وذلك من خلال ما يسمى بالمنظمات الدولية ، ومجلس الأمن ، ومحكمة العدل في لاهاي .. وصار بإمكان الدول صاحبة القرار ، محاسبة أي زعيم عربي أو مسلم خارج عن إرادتها ، وإلقاء القبض عليه ، ومحاكمته وإعدامه .. وقد فعلت ذلك بصدام حسين ذات يوم ، وعلقته على حبل المشنقة ، والعرب والمسلمون يشهدون ، ولم يجرؤ أحد منهم أن يبدي استنكاره أو احتجاجه ، ناهيك عمن شارك في القضاء عليه ، وتدمير جيشه وبلده ، الذي لم تقم له قائمة ، وما أظنها ستقوم إلا بعد مضي عشرات السنين .؟؟ فما العمل إذن .؟ وكيف يمكن أن يتناصر المسلمون فيما بينهم وهم على هذا السوء من الحال .؟
يتبع في المقال -3