في ٢٤ سبتمبر/أيلول ٢٠١٣ تفاجأ العديد من السوريين ببيان صادر عن العديد من الكتائب التي يغلب عليها الطابع الإسلامي، تعرب من خلاله عن أحقيتها في تمثيل الثورة والمعارضة وتدعوا بقية القوى المؤثرة على الأرض للانضمام إليها، كما أعلنت عن رؤيتها لتشكيل إطار تنظيمي يقوم على المبادئ الإسلامية. بعد ذلك بيومين تبعها بيان قرأه النقيب عمار الواوي متحدثاً باسم حوالي خمسين تجمّعا ثوريا عسكريا ومدنيا يضمون صوتهم للبيان الأول الصادر عن الكتائب الإسلامية. ثم تبعهم الإعلان عن تشكيل جيش الإسلام الذي أعلن بعض قادته عدم اعترافهم بالائتلاف وربطوا تعاونهم بالأركان بحدود قدرتها على دعمهم.
أزمة القيادة وشرعية التمثيل:
تفاوتت ردود أعضاء الائتلاف والمعارضة عموماً ما بين مستنكر لما سموه "ببيان سحب الشرعية" وما بين من يتفهم الدوافع ويستنكر الفعل، وآخرون شامتون. لا يخفى أن تمثيل الائتلاف للمعارضة والثورة قائم على شرعية الأمر الواقع، حيث لم تسمح الظروف بإجراء انتخابات حقيقية تعبّر عن إرادة الشعب السوري من خلال صناديق الاقتراع. مما يجعل المقياس الوحيد لاستحقاق شرعية التمثيل هو الإنجاز وخدمة أهداف الثورة من جهة، وكذلك خدمة الشعب السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من جهة أخرى. وبالتالي فإن غياب أي إنجاز واضح في هذين المضمارين سيترك الباب مفتوحاً للطعن بشرعية الائتلاف من أي جهة وفي أي وقت.
فيما يلي سرد لأهم الدوافع التي دفعت العديد من المجموعات الثورية المسلحة والمدنية للإعلان عن رفضها الائتلاف كممثل لها:
• حاول البعض تفسير البيان على أنه ردة فعل عن العدول الأمريكي عن تنفيذ ضربة عسكرية تؤدي لإضعاف النظام ولكن الحقيقة فإن أغلب الموقّعين على هذا البيان كانوا قد وقعوا في ٢٦ أغسطس/آب من العام الجاري على بيان رفض التدخل العسكري الغربي والأمريكي، وعدّوه احتلالاً مما يدفعنا لاستبعاد هذا التفسير.
• هناك خشية حقيقية لدى العديد من الكتائب أن يسفر اجتماع "جنيف ٢" عن حل سياسي ينتج حكومة مشتركة مؤلفة من الائتلاف وبقايا النظام. في حال تحقق هذا الاحتمال فإن أقل النتائج سوءاً من وجهة نظرهم هي حل سياسي بالشكل الذي لا يتماشى مع رؤيتهم للثورة ولا يحقق الانتصار المنشود. وقد يؤدي هذا الأمر في نهاية المطاف إلى محاربة الحكومة المشتركة لهذه الكتائب والسعي لنزع سلاحها. ويشارك العديد من فصائل الجيش الحر الكتائب الإسلامية هذه التخوفات، وخاصةً في غياب أي تعريف مضبوط للتشدد والإرهاب، وفي ظل غياب مفهوم مشترك لمعنى إسقاط النظام.
• تتحدث بعض المصادر عن خلافات في الرؤية، نشبت في نيويورك بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مما دفع بالأولى لإنهاء دور الائتلاف. بغض النظر عن صحة هذه النظرية فإن الانقلاب على الائتلاف بهذا الشكل قد يخدم الرؤية الغربية للصراع من خلال إتاحة الفرصة للتفاوض المباشر بين الكتائب العسكرية المقاتلة على الأرض وبقايا النظام بهدف تشكيل حكومة عسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية. حيث إن دخول الكتائب معترك السياسة المباشرة سيؤدي بهم إلى الوصول إلى تصورات وقناعات أكثر من واقعية حسب بعض المحللين الغربيين.
• عملت بعض الاتفاقات الأخيرة التي أبرمها الائتلاف (وخاصةً الاتفاق مع الأحزاب الكردية) على تغذية الشعور بضعف الائتلاف تجاه الخارج عموماً واضطراره للقبول بحلول قد لا تتفق مع رؤية جزء كبير من الثوار في الداخل.
• لا يمكن إغفال الاتهامات المتزايدة لبعض أعضاء المعارضة بالفساد وصرف أموال الإعانات الموجهة للشعب السوري على التنقلات والفنادق واستخدام العلاقات العامة لخدمة المصالح الحزبية والشخصية. تواتر وتكرار هذه الاتهامات في ظل غياب إنجازات ملموسة تخفف معاناة الإنسان السوري في الداخل، خلق حالة من القناعة بعدم أهلية الائتلاف لتمثيل المعارضة والثورة.
في حال قامت الكتائب والتجمعات الثورية بمتابعة بياناتها باتخاذ خطوات تؤدي عملياً إلى إسقاط الائتلاف فإن النتيجة قد تكون نقل زمام المبادرة والتمثيل تجاه العالم الخارجي للكتائب العابرة للمناطق والفاعلة على مساحة سوريا. قد يشكل الأمر في البداية تحديا لأصدقاء سوريا، إلاّ أن أغلب هذه الكتائب لها ارتباطات وعلاقات جيدة مع الدول الداعمة للثورة وعلى رأسها تركيا، قطر والسعودية، والتي ستسعى بدورها لبلورة قيادة مشتركة مؤهلة وقادرة على التفاوض. ستسعى الولايات المتحدة إلى خلق آلية تفاوض بين هذه المكونات وبين النظام بهدف الوصول لحل سياسي ينتج عنه مجلس عسكري يحكم الفترة القادمة وصولاً لأول انتخابات حرة.
توصيات عملية
• يتعين على قيادات الائتلاف التوجه لقيادات هذه الكتائب والوقوف على الأسباب التي دعتهم لإصدار البيان في ٢٤ سبتمبر/أيلول والإصغاء لمطالبهم. ولا يمكن للائتلاف أن يستمر بشكله الحالي كممثل للثورة و المعارضة، حيث إنه يعيش حالة من الانفصال بين قوى الداخل والخارج تصل في بعض الأحيان لدرجة التناقض. كما أن عملية التوسعة الأخيرة للائتلاف قامت على أسس المحاصصة التي تضمن مصالح المتحاصصين ولكنها لا تقدم أي قيمة مضافة عملية في خدمة الثورة أو الكتائب في الداخل. في حال تمت معالجة الإشكال الحاصل من خلال إدماج ممثلين عن الكتائب صاحبة البيان في الائتلاف، فإن هذا سيدفع مئات الكتائب لإصدار بيانات مشابهة. في حال نجحت المفاوضات مع الكتائب صاحبة البيان سيكون من الضروري إعادة هيكلة الائتلاف وآلية القرار فيه بالشكل الذي يعالج المشكلة جذرياً.
• لم تستطع الثورة السورية خلال عامين ونصف من عمرها إنتاج قيادات سياسية في الداخل قادرة على إدارة المرحلة. وانتقال زمام العمل السياسي لقيادة الكتائب إن حصل فإنه سيضعها أمام تحدٍ واستحقاق ضخم. سيكون من الضروري في هذه الحالة التعاطي بإيجابية مع المعارضة في الخارج ومحاولة الاستفادة من خبرتها المتكونة خلال السنوات الماضية، وتوظيفها في خدمة رؤية وخطة واضحة لكيفية إنهاء النزاع الدائر في سوريا. إن إقصاء المعارضة السياسية في الخارج لن يساهم إلا في إطالة الأزمة من خلال تغذية التنافس الهدّام وكسب المزيد من الأعداء.
قد يؤدي هذا الحدث إلى السعي الجدّي لإصلاح الائتلاف وتحويله إلى هيئة تنفيذية قادرة على إنجاز الفعل السياسي المدروس والمنسجم مع تطلعات الثورة في الداخل. أو ربما يساهم في إبعاد الائتلاف عن الأضواء ونزع صلاحيات التمثيل السياسي منه والعمل على نقلها إلى مجموعة من الكتائب المسلحة. قد يؤدي هذا بدوره إلى تسريع عملية الوصول لحل سياسي من خلال التفاوض المباشر بين من يملكون الضغط على الزناد. ولكن هذا يتطلب بدوره دعم عملية تهميش الائتلاف من الدول المؤثرة والفاعلة في الملف السوري. وفي حال لم يتوفر هذا الدعم ربما ستؤدي هذه المحاولة إلى إطالة الأزمة نتيجة التضييق على الكتائب للقبول بحلول إصلاحية. يبقى من المهم الإشارة إلى أنه في ظروف الثورة لا يمكن لأي جهة أن تدّعي التمثيل الصحيح للشعب السوري ولا حتى تمثيل المعارضة، وبالتالي يبقى أمر الاعتراف الدولي مناطا بالجهة التي ستقدم الاعتراف ومدى انسجام هذا الممثل أو ذاك مع خطته ورؤيته للحل في سوريا. مما يعني أنه من الممكن أن يتمسك المجتمع الدولي بالائتلاف كونه يرى فيه شريك متجاوبا مع الرؤى الدولية للحل الدولي للأزمة السورية، وبالتالي يصبح ضغط الداخل وسيلة لابتزاز الائتلاف لتقديم المزيد من المرونة. أو يمكن للمجتمع الدولي أن ينقلب على الائتلاف عندما لا يجد به شريكاً قادراً على تحقيق مصالحه، وسيكون قد عمل قبل ذلك على توفير البديل. الأيام القادمة ستعمل على إكمال الصورة وإيضاح المشهد.
حول الكاتب:
غياث بلال:
• من مواليد دمشق عام ١٩٧٨، حاصل على ماجستير في علوم هندسة الميكاترونيك من جامعة هانوفر في ألمانيا
• يعمل كمدير لتطوير الأعمال و إدارة المشاريع في شركة سيمينس العالمية
• بالإضافة لتخصصه في علوم الإدارة والتنظيم، ومهتم بقضايا الحضارة والتاريخ الإنساني
• عضو مؤسس في الهيئة العامة للثورة السورية وكذلك مجلس مدينة دمشق
• عضو في العديد من مراكز الأبحاث والدراسات داخل سوريا وخارجها
• يعمل على تقديم الاستشارات المختصة للعديد من دوائر صناعة القرار وكذلك للهيئات الإعلامية في ألمانيا.
• له العديد من الدراسات والمقالات حول الأزمة السورية في مواقع مختلفة على شبكة الإنترنت.
زمان الوصل