كشفت أسبوعية الـ" إيكونوميست" البريطانية العريقة المتخصصة عن أن حجم الأموال السائلة المهربة من سورية منذ بدابة الانتفاضة الشعبية السورية بلغت نحو 20 مليار دولار. وقالت المجلة في تحقيق نشرته في عددها الأخير تحت عنوان "الضغوط الواقعة الأسد". وقالت المجلة إن سائقي السيارات العمومية المتجهة من دمشق إلى لبنان يلاحظون ركاب سياراتهم وهم يتوجهون مباشرة من مصارفهم في دمشق إلى مصارف أخرى في بيروت حاملين حقائب كبيرة. ونقلت المجلة في تحقيقها عن رجال أعمال ومصرفيين ومسؤولين سابقين تقديراتهم بأن 20 مليار دولار من الأموال السورية جرى تهريبها منذ آذار / مارس الماضي. وهو ما يمثل ضغطا كبيرا على الليرة . ويفوق هذا المبلغ حجم الاحتياطي المعلن عنه في مصرف سورية المركزي ، والذي يبلغ حوالي 18 مليار دولار.

وحول هذه الأرقام ، تنقل صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن أحد المسؤولين في جمعية المصارف في لبنان قوله لها إنّه لا يُمكنه الجزم بصحّة هذه المعطيات التي أوردتها المجلّة انطلاقاً من رصد التغيّرات في نشاط المصارف اللبنانيّة، إذ إنّ زيادة ودائع القطاع الخاص لدى المصارف منذ بداية العام لم تكن إلّا عند المعدّل المعتاد، «ما يعني أنّه لم تدخل أموال إلى الجهاز أبعد من المعقول». كذلك فإنّ «السريّة المصرفية التي يعمل بها النظام المصرفي اللبناني تعوق تحديد مصدر الأموال، من أي بلد أتت. فمصدر تلك الأموال لا يظهر في الميزانيّة المجمّعة العلنية».

و يجزم المسؤول المذكور بأن الأرقام المتاحة حالياً في شأن زيادة ودائع القطاع المصرفي اللبناني لا تدفع إلى الاعتقاد بأن حجم الأموال الهاربة من سوريا إلى لبنان كبير جداً، حسب ما توحي به المعلومات التي تنقلها المجلّة البريطانية، ويشير إلى أنّ «الكلام يبدو مبالغاً به في بعض الأحيان لدى الحديث عن هروب رساميل من سوريا أو من أي بلد آخر يعاني من أزمة سياسيّة».

لا يعني كلام هذا المسؤول المصرفي أن لبنان لم يستقطب أموالاً هاربة من سوريا، بل يحاول أن يجعل التقديرات واقعية. فالمصارف اللبنانية لم تسجّل أي حركة لافتة تنمّ عن هروب ودائع من لبنان، وبالتالي فإن الزيادة المسجّلة في محفظة الودائع في النصف الأول من هذا العام تبدو زيادة حقيقية، وقد يكون قسم مهم منها مصدره سوريا، وهذا أمر لا غرابة فيه، ولا سيما أن ودائع السوريين في المصارف اللبنانية تتراوح ما بين 20 مليار دولار و25 ملياراً، وهي تمثّل نحو 20% من مجمل ودائع المصارف التجارية العاملة في لبنان. وبحسب الإحصاءات المعلنة حتى أيّار الماضي، سجّلت ودائع القطاع الخاص لدى الجهاز المصرفي اللبناني ارتفاعاً بواقع 3.27 مليارات دولار إلى 110.47 مليارات دولار، أي بنسبة 3.04%، وتُمثّل ودائع القطاع الخاص 82.4% من الأصول الإجمالية للمصارف التي بلغت في نهاية أيار الماضي 134.04 مليار دولار. وانطلاقاً من هذا المؤشّر، فإنه لا أحد يمكنه أن يتكهّن بما كانت عليه وضعية الميزانيّة المجمّعة للمصارف اللبنانية إذا لم تكن هناك أحداث في سوريا، فنسبة نمو الودائع كان يمكن أن تكون أقل من المحقق.
ويلفت مصرفي لبناني آخر في دردشة عبر الهاتف إلى مسائل أخرى تُقلق المصرفيين في لبنان بدلاً من إسعادهم. فودائع السوريين في لبنان قد تتأثّر سلباً بما يحصل في سوريا، إذ إن جزءاً مهماً من هذه الودائع يعود إلى أفراد متصلين بالنظام هناك، وقد يتعرّض بعضهم للملاحقة أو العقوبات، كذلك فإن المصارف اللبنانية تورّطت كثيراً في تمويل مشاريع عدّة في سوريا، مباشرة أو عبر مصارف تابعة لها بدأت العمل في السوق السورية منذ سنوات، بمعنى أن بعض المصارف اللبنانية العاملة في سوريا استدانت من لبنان لتمويل قروض في سوريا نفسها، وبالتالي فإن هناك درجة مخاطر عالية باتت تؤرق المصرفيين اللبنانيين.

ليس هناك إحصاءات دقيقة لحجم القروض اللبنانية في سوريا، إلا أن اجتماعاً عُقد مساء الجمعة الماضي في مكتب رئيس مجلس إدارة البنك اللبناني الفرنسي، فريد روفايل، أوحى أن حجمها مهم جداً، وقد ضمّ هذا الاجتماع ممثلين عن 4 مصارف ناشطة في سوريا هي، إضافة إلى البنك اللبناني الفرنسي، كل من عودة ـــــ سرادار (سمير حنّا)، وفرنسبنك (نديم القصّار)، وبيبلوس (سمعان باسيل)... وبحسب مصادر المجتمعين، جرى البحث في وضعية المصارف اللبنانية العاملة في سوريا، وكيفية تحصينها، ووضعية القروض الممنوحة لتمويل مشاريع وأفراد ومؤسسات في سوريا! كذلك جرى التداول في مصير مساهمات بعض الأفراد في هذه المصارف في ضوء المعلومات الأكيدة التي تبلّغتها لجنة الرقابة على المصارف عن خروج رامي مخلوف من بنك بيبلوس ـــــ سوريا، إذ كان يمتلك نسبة 5% من أسهمه، وباعها بمبلغ 50 مليون دولار.

إذاً، اشتداد الضغوط على القطاع المصرفي السوري يقلق المصرفيين اللبنانيين لا العكس، وقد تضمّن تحقيق مجلّة «The Economist» ما يكفي من مؤشّرات القلق. ففي السنوات الماضية، «مثّلت قروض السيارات 60% من إجمالي نشاط الإقراض للمصارف السورية. والعديدون (من الحاصلين على تلك القروض) لا يستطيعون الوفاء بدفع سنداتهم». وهنا تنقل المجلة عن «أحد المصرفيّين الرواد» في سوريا قوله: «إذا تعثّر أحد المصارف الصغيرة في الوفاء، فسنسقط جميعاً». واحتواءً للتشنّج الشعبي والقلق من المرحلة التي يمرّ بها القطاع المصرفي، فإنّ بعض فروع البنوك في سوريا، بحسب ما أوردته المجلّة، تعرض ملايين الدولارات بأكوام على منضداتها «لطمأنة الزبائن القلقين، وبعضها يحتفظ بكمّية كافية من السيولة في خزنته لتأمين الطلب على جميع الودائع في اللحظة نفسها مباشرة.
ولوقف هروب الرساميل، يذكر التحقيق الذي نشرته المجلّة «رفع الحكومة معدّل الفائدة»، كذلك فإنّ شركة الهاتف الخلوي التابعة للسلطة بعثت رسائل نصية تحثّ فيها الناس على إعادة أموالهم إلى حساباتهم. غير أنّ تدفّق الناس لسحب أموالهم «لا يُمكن استبعاده».

تجدر الإشارة إلى أن 7 مصارف لبنانية تعمل في السوق السوريّة، ويمثّل الموظّفون اللبنانيون نصف الموظّفين في البنوك السورية الخاصّة، و30% من إجمالي موظّفي القطاع. كذلك فإنّ المصارف اللبنانية العاملة في سوريا تستقطب أكثر من 51% من إجمالي الودائع في المصارف الخاصّة، التي تمثّل ثلث نشاط العمل المصرفي هناك.

إلا أن ما لم تنتبه له جمعية المصارف اللبنانية في إفادتها لصحيفة "الأخبار" ، وهو ما ستقوم "الحقيقة" بالكشف عنه مفصلا خلال الأيام القليلة القادمة ، هو أن الأموال السورية الهاربة توجهت في معظمها إلى الإمارات العربية ودول خليجية أخرى. وقد حصلت"الحقيقة" على قائمة مفصلة بها وبأصحابها من مصاد مصرفية إماراتية . وسنقوم بنشرها فور الانتهاء من تدقيق بعض المعلومات الواردة فيها.

10.9 مليارات دولار

هي قيمة أصول المصارف التجارية الخاصة في سوريا بعد تراجعها بنسبة 4%، بحسب الأرقام التي توافرت في نهاية الفصل الأوّل. وقد تقلّصت الأصول الأجنبية لتلك المصارف بنسبة 7.6%