السلام عليكم ، زوار وأعضاء المنتدى الكريم مسايرة لما يحدث من انتفاضة شعبية عارمة في سوريا الشام ،أضع بين أيديكم هذا المقال للكاتب السوري الطاهر إبراهيم يتناول فيه كيفية وصول عصابة البعث الدموية إلى سدة الحكم في دولة الأمويين سوريا.
شيء من التاريخ.....كيف قفز حزب البعث إلى السلطة في سوريا ؟
موقع أخبار الشرق - السبت، 16 نيسان/أبريل 2011 04:12 بتوقيت دمشق
على وقع الاحتجاجات التي تجتاح سورية من أقصاها إلى أقصاها، قد يكون من المفيد أن يعرف الشباب السوري المنتفض، كيف وصل الحكم الحالي إلى السلطة في سورية؟ فقبل شهر مرت الذكرى الثامنة والأربعون لانقلاب 8 آذار عام 1963، الذي غير مجرى تاريخ سورية الحديث وعكس وجه الحياة السياسية فيها من عهد ديمقراطي واعد يزدهر أحياناً ويتعثر أحياناً أخرى، جاء ذلك اليوم الذي غير كل شيء في سورية، وسار بها باتجاه آخر غير الاتجاه الذي بدأته يوم استقلت عن فرنسا في 17 نيسان عام 1946.
اليوم، ونحن نتابع فصول الانتفاضة التي يقوم بها الشباب السوري على نظام "بشار أسد"، يعود إلى الذاكرة ذلك اليوم من خلال شريط فيديو لبرنامج “شاهد على العصر” الذي بثته قناة الجزيرة القطرية، حيث استضاف فيه الإعلامي “أحمد منصور” المقدَّم “عبد الكريم النحلاوي” قائد الانقلاب الذي أنهى الوحدة بين سورية ومصر.
لقد برر المقدم النحلاوي قيامه بالانقلاب بأنه احتجاج على مظالم كان يمارسها عبد الناصر في سورية -على الجيش والمواطنين- ما كانت تستأهلها من عبد الناصر بعد أن أستلم البلد على طبق من ذهب. كان ضباط الجيش السوري يحسون بالمظالم أكثر من بقية المواطنين، فعمل النحلاوي هو ورفاقه من الضباط الانقلابيين على القيام بتلك الخطوة التي أنهت عهد الوحدة بين سورية ومصر في 28 أيلول “سبتمبر” عام 1961.
كنت شاهدا على تلك الفترة. ورغم حزني على فصم عرى الوحدة، إلا أن الأيام أوضحت أن السوريين كانوا قد خسروا حريتهم في عهد “عبد الناصر”، وأنه لا يمكن للبلد أن يتقدم في غياب الحرية والديمقراطية. كنت أشعر مدى الحرية التي استعادها المواطن في سورية بعد أن سُلبت منه على مدى 4 أعوام على يد أعوان عبد الناصر وفي مقدمتهم “عبد الحميد السراج” وزير الداخلية في عهد الوحدة. ففي عهد حكومة الانفصال لم يعد المواطن يشعر بالخوف من رجال “المكتب الثاني” -شعبة المخابرات- بفعل المقولة التي أشاعها “السراج” بين المواطنين وهي: ” كل مواطن خفير” أي جاسوس على أخيه المواطن.
في نيسان 1962 غادر “النحلاوي” البلاد وغدت سورية بدون رقيب من العسكر وأصبحت بيد حكومة مدنية صرفة، بعد أن تم سحب الصلاحيات الاستثنائية من يد القوات المسلحة. لكن هذا لم يجعلها بمنأى من خطر الانقلابيين، خصوصاً وقد أصبحت سورية مفتوحة أمام أطماع ضباط مغامرين، كلهم يتمنى السلطة. بعضهم يعمل لزعامة منفردة، وأكثرهم يسعى للزعامة من خلال تبنيه أيديولوجيا حزبية كالبعثيين، أو وطنية عاطفية مثل من كانوا يسمون أنفسهم “ناصريين”.
وهكذا أفاق سكان عاصمة الأمويين مرة أخرى صبيحة يوم 8 آذار عام 1963 على صوت المارشات العسكرية والبلاغات الانقلابية تنطلق من الإذاعة، فأطلوا من نوافذ بيوتهم ليروا الدبابات تحيط بمبنى قيادة الأركان ومبنى الإذاعة وحول المنشآت الحكومية ذات الصبغة العسكرية، ولمّا يمض على انقلاب الانفصال إلا سنة واحدة وخمسة أشهر و10 أيام فقط. كانت اللافتة التي رفعها إنقلابيو 8 آذار هي إنهاء حكم الانفصال وإعادة الوحدة بين مصر وسورية، أو هكذا أعلن مذيع البلاغات العسكرية. وقبل أن ينتصف نهار يوم الانقلاب أعلن عن تشكل مجلس قيادة الثورة برئاسة العميد “لؤي الأتاسي”.
لكن كيف انفرد البعثيون بالحكم بعد انقلاب 8 آذار؟
العميد “زياد الحريري” قائد الجبهة مع “إسرائيل” هوالقائدَ الفعلي للانقلاب. ولم يكن الضباط البعثيون يشكلون إلا مجموعة صغيرة من المشاركين في الانقلاب. مع ذلك فقد استولوا على حصة الأسد في مجلس قيادة الثورة الذي تشكل في نفس اليوم. وقد عمل البعثيون في الهيئة القيادية العليا –مجلس قيادة الثورة- منذ اليوم الأول، وقد عملوا على أن يضعوا يدهم على انقلاب 8 آذار، ومن ثم يسيطرون على حكم سورية.
وفيما يلي جدول يبين أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة وانتماءاتهم:
اسم الضابط عمله قبل الانقلاب ورتبته الوظيفة بعد الانقلاب رفع إلى الانتماء
لؤي الأتاسي عميد معتقل رئيس مجلس القيادة، لا منتمي، رفع إلى رتبة فريق
العميد زياد الحريري – قائد الجبهة رئيس الأركان العامة غير حزبي، رفع إلى رتبة لواء
العميد محمد الصوفي – قائد لواء بحمص وزير الدفاع، ناصري، رفع إلى رتبة فريق
العميد راشد قطيني رئيس الاستخبارات نائب القائد العام، ناصري رفع إلى رتبة لواء.
العميد غسان حداد – قائد لواء بدمشق، بعثي، رفع إلى رتبة لواء استلم إدارة شئون الضباط
عقيد مسرح محمد عمران، موظف مدني، بعثي، عضو في المجلس رفع إلى رتبة لواء.
مقدم مسرح صلاح جديد، بعثي، رفع إلى رتبة لواء،معاون قائد شئون الضباط
فهد الشاعر عقيد قائد لواء في الجبهة عضو في المجلس لا منتمي رفع إلى رتبة لواء
الرائد فواز محارب شارك في الانقلاب عضو في المجلس ناصري، رفع إلى رتبة عقيد.
النقيب موسى الزعبي شارك في الانقلاب عضو في المجلس بعثي، رفع إلى رتبة مقدم.
لم يشارك فعلياً في انقلاب 8 آذار من البعثيين إلا غسان حداد وموسى الزعبي. مع ذلك كان تشكيل مجلس قيادة الثورة يوحي بأنهم في طريقهم إلى الاستيلاء على الحكم.
“صلاح جديد” ودوره في ترسيخ وجود البعثيين في الجيش:
يؤكد من تابع الانقلاب منذ يومه الأول أن “صلاح جديد” -سرح من الجيش بعد انقلاب الانفصال- جاء من مكان وظيفته المدنية إلى مبنى رئاسة الأركان راكباً دراجة هوائية “بسكليت”. وقد شارك مشاركة فعالة في اختيار أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة، واختار لنفسه مركزاً بعيداً عن الأضواء لكنه في منتهى الخطورة، وهو منصب معاون مدير إدارة شئون الضباط.
لم يضيعْ "صلاح جديد" وقته سدى. ففي نفس اليوم 8 آذار قام بتسريح العديد من الضباط العاملين في الجيش من غير البعثيين من كافة الانتماءات الحزبية ومن الحياديين. كما قام باستدعاء أكثر من200 ضابط احتياط بعثي من وظائفهم المدنية إلى الجيش كان أهمهم على الإطلاق الرائد الجوي المسرح “حافظ أسد”. (ليحكم جديد وأسد سورية معاً حتى عام 1970، ثم ليكون “حافظ أسد” فيما بعد “عدواً وحزناً” ل”صلاح جديد”، حيث اعتقله في 16 تشرين ثاني عام 1970، فلبث في السجن حتى وفاته عام 1993، وينفرد “حافظ أسد” بعد ذلك في حكم سورية حتى وفاته في حزيران 2000).
كانت الخطوة الثانية التي قام بها “صلاح جديد”: تنفيذ (التشكيلات التي أجريت في الجيش السوري في غياب بعض أعضاء “مجلس قيادة الثورة” في مصر أثناء مباحثات الوحدة مع مصر والعراق من 3 نيسان إلى 17 نيسان، حيث قام بنقل بعض الضباط الناصريين إلى السلك الدبلوماسي أو الوظائف المدنية وإحالة البعض الآخر إلى التقاعد، ما أدى إلى استياء القيادات الناصرية في مجلس قيادة الثورة وتقديمها استقالاتها ورفضها أي حوار أو مساعٍ حميدة قام بها الفريق “لؤي الأتاسي” واللواء “زياد الحريري”) (انظر صفحة 164 من كتاب “أوراق شامية من تاريخ سورية من عام 1946 إلى عام 1966″ كتبه عضو مجلس قيادة الثورة البعثي “غسان حداد”). عندما نشير إلى دور “صلاح جديد” الفعال في تمكين حزب البعث من الاستيلاء على الحكم في سورية، فلا يعني ذلك أنه هو المسئول الوحيد عن ذلك. إلا أن دوره كان هو الدور الأساس، وذلك على ما سأبينه لاحقاً.
ما هو معروف في أدبيات قيادة الجيش السوري أنّ إدارة شؤون الضباط هي الجهة المخوّلة بتحضير وإعداد اللوائح والنشرات المتعلّقة بالضباط. وحتى تصبح هذه اللوائح والنشرات سارية المفعول ينبغي أن يوقعها قائد الجيش ووزير الدفاع. وزير الدفاع “محمد الصوفي”، وهو ناصري، فلا يمكن أن يوقع على قائمة نقل وتسريح ضباط ناصريين. أما قائد الجيش “لؤي الأتاسي” فقد أكد “غسان حداد” -في كتابه- أنه قام بمساعيه الحميدة كما ورد ضمن القوسين أعلاه. كما أن “الأتاسي” و”الصوفي” كانا مع الوفد السوري في القاهرة أثناء مباحثات الوحدة. أما اللواء “غسان حداد” مدير إدارة شئون الضباط، فقد كان هو الآخر مع الوفد في القاهرة. عليه فإن “صلاح جديد” هو من رتب نقل الضباط الناصريين، حيث انتفت إمكانية مشاركة القيادات الأعلى الآخرين في تسريحات الضباط الناصريين.
على أن تسليط الضوء على دور “صلاح جديد” في التمكين لحزب البعث في سورية، لايعني أنه قام بذلك منفرداً. فحتى يتم لها الانفراد بالسلطة، قامت القيادة البعثية بالخطوة الثالثة التي تمثلت بإبعاد ثلاثين ضابطاً من أنصار رئيس الأركان اللواء “زياد الحريري” إلى وظائف مدنية أو مراكز أقل أهمية أوائل شهر تموز أثناء زيارة الحريري مع وفد إلى الجزائر. وبعد عودة “الحريري” إلى دمشق في 4 تموز قام مجلس قيادة الثورة –الذي اقتصر على البعثيين فقط بعد استقالة الناصريين من المجلس- بإصدار قرار بإبعاد اللواء “زياد الحريري” القائد الفعلي لانقلاب 8 آذار سفيراً متجولاً لسوريا في أوروبا على أن يكون مقره في باريس. كما استقال الفريق “لؤي الأتاسي” فيما بعد احتجاجاً على الإعدامات التي طاولت مشاركين في المحاولة الانقلابية التي قادها العقيد المسرح “جاسم علوان” ظهر يوم 18 تموز 1963، بعد أربعة أشهر من انقلاب 8 آذار، وأعدم سبعة وعشرين شخصا، منهم العقيد هشام شبيب.
لم يبق الكثير لكي يقال عن حصاد الشوك في سورية الذي أعقب انقلاب 8 آذار 1963. فقد غيبت الحريات وأخضعت إلى قانون الطوارئ واحتكر حزب البعث الدولة والمجتمع، حيث نص في الدستور السوري في المادة 8: على أن “حزب البعث قائد للدولة والمجتمع”.
لكن هل هي نهاية المطاف في سورية؟ البعض يؤكد أنه في سورية لا يوجد خاتمة اسمها نهاية المطاف. ويستشهدون بما آل إليه حال عبد الناصر الرجل القوي، الذي ما كان يتوقع أن يأتي اليوم الذي يجرؤ فيه أحد في سورية أن يقول لعبد الناصر: لا.
فصول هذه العجالة تنتهي في 23 شباط 1966 حيث انقلب صلاح جديد وحافظ أسد -الذين تسموا بالشباطيين- على رفاقهم البعثيين، ثم انقلب حافظ أسد على صلاح جديد، واعتقله في تشرين ثاني 1970، فلبث في السجن 23 عاما حتى مات فيه. ويبقى هنالك الكثير ليقال عن حكم حافظ أسد لسورية، كتبت منه سابقا الكثير. فإذا وجدت الهمة ونشطت فقد أعيد ترتيب تلك الحقبة، ولا أظن أن الشباب المنتفض سيترك لي الوقت، لأن متابعة حراكهم أولى من العودة إلى التاريخ.
الطاهر إبراهيم: كاتب سوري
شيء من التاريخ.....كيف قفز حزب البعث إلى السلطة في سوريا ؟
موقع أخبار الشرق - السبت، 16 نيسان/أبريل 2011 04:12 بتوقيت دمشق
على وقع الاحتجاجات التي تجتاح سورية من أقصاها إلى أقصاها، قد يكون من المفيد أن يعرف الشباب السوري المنتفض، كيف وصل الحكم الحالي إلى السلطة في سورية؟ فقبل شهر مرت الذكرى الثامنة والأربعون لانقلاب 8 آذار عام 1963، الذي غير مجرى تاريخ سورية الحديث وعكس وجه الحياة السياسية فيها من عهد ديمقراطي واعد يزدهر أحياناً ويتعثر أحياناً أخرى، جاء ذلك اليوم الذي غير كل شيء في سورية، وسار بها باتجاه آخر غير الاتجاه الذي بدأته يوم استقلت عن فرنسا في 17 نيسان عام 1946.
اليوم، ونحن نتابع فصول الانتفاضة التي يقوم بها الشباب السوري على نظام "بشار أسد"، يعود إلى الذاكرة ذلك اليوم من خلال شريط فيديو لبرنامج “شاهد على العصر” الذي بثته قناة الجزيرة القطرية، حيث استضاف فيه الإعلامي “أحمد منصور” المقدَّم “عبد الكريم النحلاوي” قائد الانقلاب الذي أنهى الوحدة بين سورية ومصر.
لقد برر المقدم النحلاوي قيامه بالانقلاب بأنه احتجاج على مظالم كان يمارسها عبد الناصر في سورية -على الجيش والمواطنين- ما كانت تستأهلها من عبد الناصر بعد أن أستلم البلد على طبق من ذهب. كان ضباط الجيش السوري يحسون بالمظالم أكثر من بقية المواطنين، فعمل النحلاوي هو ورفاقه من الضباط الانقلابيين على القيام بتلك الخطوة التي أنهت عهد الوحدة بين سورية ومصر في 28 أيلول “سبتمبر” عام 1961.
كنت شاهدا على تلك الفترة. ورغم حزني على فصم عرى الوحدة، إلا أن الأيام أوضحت أن السوريين كانوا قد خسروا حريتهم في عهد “عبد الناصر”، وأنه لا يمكن للبلد أن يتقدم في غياب الحرية والديمقراطية. كنت أشعر مدى الحرية التي استعادها المواطن في سورية بعد أن سُلبت منه على مدى 4 أعوام على يد أعوان عبد الناصر وفي مقدمتهم “عبد الحميد السراج” وزير الداخلية في عهد الوحدة. ففي عهد حكومة الانفصال لم يعد المواطن يشعر بالخوف من رجال “المكتب الثاني” -شعبة المخابرات- بفعل المقولة التي أشاعها “السراج” بين المواطنين وهي: ” كل مواطن خفير” أي جاسوس على أخيه المواطن.
في نيسان 1962 غادر “النحلاوي” البلاد وغدت سورية بدون رقيب من العسكر وأصبحت بيد حكومة مدنية صرفة، بعد أن تم سحب الصلاحيات الاستثنائية من يد القوات المسلحة. لكن هذا لم يجعلها بمنأى من خطر الانقلابيين، خصوصاً وقد أصبحت سورية مفتوحة أمام أطماع ضباط مغامرين، كلهم يتمنى السلطة. بعضهم يعمل لزعامة منفردة، وأكثرهم يسعى للزعامة من خلال تبنيه أيديولوجيا حزبية كالبعثيين، أو وطنية عاطفية مثل من كانوا يسمون أنفسهم “ناصريين”.
وهكذا أفاق سكان عاصمة الأمويين مرة أخرى صبيحة يوم 8 آذار عام 1963 على صوت المارشات العسكرية والبلاغات الانقلابية تنطلق من الإذاعة، فأطلوا من نوافذ بيوتهم ليروا الدبابات تحيط بمبنى قيادة الأركان ومبنى الإذاعة وحول المنشآت الحكومية ذات الصبغة العسكرية، ولمّا يمض على انقلاب الانفصال إلا سنة واحدة وخمسة أشهر و10 أيام فقط. كانت اللافتة التي رفعها إنقلابيو 8 آذار هي إنهاء حكم الانفصال وإعادة الوحدة بين مصر وسورية، أو هكذا أعلن مذيع البلاغات العسكرية. وقبل أن ينتصف نهار يوم الانقلاب أعلن عن تشكل مجلس قيادة الثورة برئاسة العميد “لؤي الأتاسي”.
لكن كيف انفرد البعثيون بالحكم بعد انقلاب 8 آذار؟
العميد “زياد الحريري” قائد الجبهة مع “إسرائيل” هوالقائدَ الفعلي للانقلاب. ولم يكن الضباط البعثيون يشكلون إلا مجموعة صغيرة من المشاركين في الانقلاب. مع ذلك فقد استولوا على حصة الأسد في مجلس قيادة الثورة الذي تشكل في نفس اليوم. وقد عمل البعثيون في الهيئة القيادية العليا –مجلس قيادة الثورة- منذ اليوم الأول، وقد عملوا على أن يضعوا يدهم على انقلاب 8 آذار، ومن ثم يسيطرون على حكم سورية.
وفيما يلي جدول يبين أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة وانتماءاتهم:
اسم الضابط عمله قبل الانقلاب ورتبته الوظيفة بعد الانقلاب رفع إلى الانتماء
لؤي الأتاسي عميد معتقل رئيس مجلس القيادة، لا منتمي، رفع إلى رتبة فريق
العميد زياد الحريري – قائد الجبهة رئيس الأركان العامة غير حزبي، رفع إلى رتبة لواء
العميد محمد الصوفي – قائد لواء بحمص وزير الدفاع، ناصري، رفع إلى رتبة فريق
العميد راشد قطيني رئيس الاستخبارات نائب القائد العام، ناصري رفع إلى رتبة لواء.
العميد غسان حداد – قائد لواء بدمشق، بعثي، رفع إلى رتبة لواء استلم إدارة شئون الضباط
عقيد مسرح محمد عمران، موظف مدني، بعثي، عضو في المجلس رفع إلى رتبة لواء.
مقدم مسرح صلاح جديد، بعثي، رفع إلى رتبة لواء،معاون قائد شئون الضباط
فهد الشاعر عقيد قائد لواء في الجبهة عضو في المجلس لا منتمي رفع إلى رتبة لواء
الرائد فواز محارب شارك في الانقلاب عضو في المجلس ناصري، رفع إلى رتبة عقيد.
النقيب موسى الزعبي شارك في الانقلاب عضو في المجلس بعثي، رفع إلى رتبة مقدم.
لم يشارك فعلياً في انقلاب 8 آذار من البعثيين إلا غسان حداد وموسى الزعبي. مع ذلك كان تشكيل مجلس قيادة الثورة يوحي بأنهم في طريقهم إلى الاستيلاء على الحكم.
“صلاح جديد” ودوره في ترسيخ وجود البعثيين في الجيش:
يؤكد من تابع الانقلاب منذ يومه الأول أن “صلاح جديد” -سرح من الجيش بعد انقلاب الانفصال- جاء من مكان وظيفته المدنية إلى مبنى رئاسة الأركان راكباً دراجة هوائية “بسكليت”. وقد شارك مشاركة فعالة في اختيار أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة، واختار لنفسه مركزاً بعيداً عن الأضواء لكنه في منتهى الخطورة، وهو منصب معاون مدير إدارة شئون الضباط.
لم يضيعْ "صلاح جديد" وقته سدى. ففي نفس اليوم 8 آذار قام بتسريح العديد من الضباط العاملين في الجيش من غير البعثيين من كافة الانتماءات الحزبية ومن الحياديين. كما قام باستدعاء أكثر من200 ضابط احتياط بعثي من وظائفهم المدنية إلى الجيش كان أهمهم على الإطلاق الرائد الجوي المسرح “حافظ أسد”. (ليحكم جديد وأسد سورية معاً حتى عام 1970، ثم ليكون “حافظ أسد” فيما بعد “عدواً وحزناً” ل”صلاح جديد”، حيث اعتقله في 16 تشرين ثاني عام 1970، فلبث في السجن حتى وفاته عام 1993، وينفرد “حافظ أسد” بعد ذلك في حكم سورية حتى وفاته في حزيران 2000).
كانت الخطوة الثانية التي قام بها “صلاح جديد”: تنفيذ (التشكيلات التي أجريت في الجيش السوري في غياب بعض أعضاء “مجلس قيادة الثورة” في مصر أثناء مباحثات الوحدة مع مصر والعراق من 3 نيسان إلى 17 نيسان، حيث قام بنقل بعض الضباط الناصريين إلى السلك الدبلوماسي أو الوظائف المدنية وإحالة البعض الآخر إلى التقاعد، ما أدى إلى استياء القيادات الناصرية في مجلس قيادة الثورة وتقديمها استقالاتها ورفضها أي حوار أو مساعٍ حميدة قام بها الفريق “لؤي الأتاسي” واللواء “زياد الحريري”) (انظر صفحة 164 من كتاب “أوراق شامية من تاريخ سورية من عام 1946 إلى عام 1966″ كتبه عضو مجلس قيادة الثورة البعثي “غسان حداد”). عندما نشير إلى دور “صلاح جديد” الفعال في تمكين حزب البعث من الاستيلاء على الحكم في سورية، فلا يعني ذلك أنه هو المسئول الوحيد عن ذلك. إلا أن دوره كان هو الدور الأساس، وذلك على ما سأبينه لاحقاً.
ما هو معروف في أدبيات قيادة الجيش السوري أنّ إدارة شؤون الضباط هي الجهة المخوّلة بتحضير وإعداد اللوائح والنشرات المتعلّقة بالضباط. وحتى تصبح هذه اللوائح والنشرات سارية المفعول ينبغي أن يوقعها قائد الجيش ووزير الدفاع. وزير الدفاع “محمد الصوفي”، وهو ناصري، فلا يمكن أن يوقع على قائمة نقل وتسريح ضباط ناصريين. أما قائد الجيش “لؤي الأتاسي” فقد أكد “غسان حداد” -في كتابه- أنه قام بمساعيه الحميدة كما ورد ضمن القوسين أعلاه. كما أن “الأتاسي” و”الصوفي” كانا مع الوفد السوري في القاهرة أثناء مباحثات الوحدة. أما اللواء “غسان حداد” مدير إدارة شئون الضباط، فقد كان هو الآخر مع الوفد في القاهرة. عليه فإن “صلاح جديد” هو من رتب نقل الضباط الناصريين، حيث انتفت إمكانية مشاركة القيادات الأعلى الآخرين في تسريحات الضباط الناصريين.
على أن تسليط الضوء على دور “صلاح جديد” في التمكين لحزب البعث في سورية، لايعني أنه قام بذلك منفرداً. فحتى يتم لها الانفراد بالسلطة، قامت القيادة البعثية بالخطوة الثالثة التي تمثلت بإبعاد ثلاثين ضابطاً من أنصار رئيس الأركان اللواء “زياد الحريري” إلى وظائف مدنية أو مراكز أقل أهمية أوائل شهر تموز أثناء زيارة الحريري مع وفد إلى الجزائر. وبعد عودة “الحريري” إلى دمشق في 4 تموز قام مجلس قيادة الثورة –الذي اقتصر على البعثيين فقط بعد استقالة الناصريين من المجلس- بإصدار قرار بإبعاد اللواء “زياد الحريري” القائد الفعلي لانقلاب 8 آذار سفيراً متجولاً لسوريا في أوروبا على أن يكون مقره في باريس. كما استقال الفريق “لؤي الأتاسي” فيما بعد احتجاجاً على الإعدامات التي طاولت مشاركين في المحاولة الانقلابية التي قادها العقيد المسرح “جاسم علوان” ظهر يوم 18 تموز 1963، بعد أربعة أشهر من انقلاب 8 آذار، وأعدم سبعة وعشرين شخصا، منهم العقيد هشام شبيب.
لم يبق الكثير لكي يقال عن حصاد الشوك في سورية الذي أعقب انقلاب 8 آذار 1963. فقد غيبت الحريات وأخضعت إلى قانون الطوارئ واحتكر حزب البعث الدولة والمجتمع، حيث نص في الدستور السوري في المادة 8: على أن “حزب البعث قائد للدولة والمجتمع”.
لكن هل هي نهاية المطاف في سورية؟ البعض يؤكد أنه في سورية لا يوجد خاتمة اسمها نهاية المطاف. ويستشهدون بما آل إليه حال عبد الناصر الرجل القوي، الذي ما كان يتوقع أن يأتي اليوم الذي يجرؤ فيه أحد في سورية أن يقول لعبد الناصر: لا.
فصول هذه العجالة تنتهي في 23 شباط 1966 حيث انقلب صلاح جديد وحافظ أسد -الذين تسموا بالشباطيين- على رفاقهم البعثيين، ثم انقلب حافظ أسد على صلاح جديد، واعتقله في تشرين ثاني 1970، فلبث في السجن 23 عاما حتى مات فيه. ويبقى هنالك الكثير ليقال عن حكم حافظ أسد لسورية، كتبت منه سابقا الكثير. فإذا وجدت الهمة ونشطت فقد أعيد ترتيب تلك الحقبة، ولا أظن أن الشباب المنتفض سيترك لي الوقت، لأن متابعة حراكهم أولى من العودة إلى التاريخ.
الطاهر إبراهيم: كاتب سوري