بشار والبسطار :
بقلم : أبو ياسر السوري
للأحذية قصص طريفة مدونة في كتب الأدب والتاريخ .. فحذاء الطنبوري ضرب به المثل فقيل ( أشهر من حذاء الطنبوري ) . فقد كان الطنبوري رجلا بخيلا ، لم يشتر في حياته إلا حذاء واحدا ، كان يرقعه كلما تمزق ، حتى أصبح الحذاء كله رقعا متجاورة .. وصار معروفا لدى أهل بغداد جميعا .. فلما أراد الطنبوري أن يتخلص من حذائه لم يستطع .. فكان كلما رماه في مكان جاءه به أحدهم . ورده إليه . وكلما أعيد إليه حصلت له مصيبة جديدة بسببه .. حتى لقي الطنبوري بسبب هذا الحذاء أكبر عناء ، فجلد بسببه مرات ومرات .. وكادت تضرب بسببه عنقه ، لولا أن الله سلم .
ورئيس وزراء الاتحاد السوفييتي خروتشوف كانت له قصة طريفة مع الحذاء .. فقد ذهب لحضور الاجتماع في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1960 م ، ولما شرع في إلقاء كلمته ، لم ينصت له بعض الحاضرين ، فغاظه ذلك منهم ، فنزع حذاءه من رجله ، ورفعها ، وخبط بها الطاولة لإسكاتهم ، فأنصت الحضور ، إلا رئيس وزراء بريطانيا ، فقد قال لخروتشوف ، يا معالي الوزير ، إنني لا أتقن اللغة الروسية ، فترجم لنا ماذا يقول حذاؤك . وقد دخل حذاء خروتشوف التاريخ ، فسميت تلك الدورة للجمعية العمومية ، بدورة حذاء خروتشوف .
ولكن الأطرف من هذا وذاك ، أنه في الأول من أغسطس آب 2013 ، وبمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العربي السوري ، أقيم احتفال حضره محافظ اللاذقية وكبار المسؤولين والضباط العسكريين ، وضباط المخابرات ، رفع فيه الستار عن ثلاث مجسمات كبيرة لـ ( حذاء عسكري ، ورصاصة ، وخوذة رأس عسكرية ) .
وكان المفروض في مثل تلك المناسبة أن يقام نصب تذكاري مستوحى من أمجاد الحضارة الإسلامية أو العربية في سوريا ، أو يرمز إلى حضارة أوغاريت القديمة ، والتي كانت اللاذقية مهدا لها . أو يرمز إلى معركة ميسلون التي تعد من مفاخر الجيش العربي السوري ... ولكن العقلية الأسدية ليست في هذا الوارد ولا ذاك . إنها معنية بزرع الخوف في قلوب المواطنين ، وإرهابهم من سطوة المؤسسة العسكرية ، التي لم تعد لحماية الشعوب ، وإنما لحماية الحكام المستبدين . ولم تعد لحماية الأرض والعرض ، وإنما لحماية حفنة من الظلمة ، الذين يبيعون الأرض وينتهكون العرض . لهذا رأينا الأسد ، وهو أحد هؤلاء الحكام الطغاة ، يختار هذا النصب التذكاري الغريب المريب ، وكأن لسان حاله يقول : ستحكمون بالبسطار العسكري ، وتقتلون بالرصاص الحي ، ويتقى منكم بخوذات الحديد الواقية .. وويل لمن يرفع الرأس أمام عظمة البسطار .
وليس غريبا إقامة مثل هذا النصب ، فهو يعبر بصدق عن العقلية التي تحكم بها سوريا في عهد بيت الأسد .. لقد استاثروا بمؤسسة الجيش ، وصار 90% من ضباط المؤسسة العسكرية ، هم من الطائفة النصيرية ، التي لا تتجاوز 4% من تعداد المواطنين السوريين ... لهذا كانت العلاقة بينهم وبين البسطار العسكري علاقة حميمية .
من منكم – يا سادة - لم ير على اليوتيوب عسكريا يُعذب بعض المعتقلين من المواطنين السوريين .؟ لقد رأينا الكثير من تلك المشاهد ، ورأينا كيف كان البوط العسكري هو وسيلة التعذيب المثلى ، ووسيلة الإهانة والإذلال .. فكان العسكري الشبيح يعمد إلى ركل المعتقل ببسطاره العسكري ، وكان يركله كيفما اتفق ، وأينما كان من جسده ، وكان يدعس على رأسه ، ويضع حذاءه في فمه ، ويأمره بتقبيله ، قائلا له : بوس الحذاء العسكري ، فتقبيله شرف لك ، ولكل خائن ينادي بالحرية .. بدكن حرية .؟ خود هاي للحرية ، ويركله بالبسطار .
ولم يقتصر الأمر على ذلك العسكري المتخلف ، الذي أوهموه أن حذاءه يصنع المعجزات ، وأن بإمكانه أن يدعس به من شاء ، ويذل من شاء ، دون حساب ولا عذاب ... وإنما تعداه حتى وصل إلى وزير إعلام النظام عمران الزعبي . الذي وقف ذات يوم يتحدث للإعلاميين في طرطوس ويقول : إنه رفع الفيتو عن كل ما كان ممنوعا ظهوره على الشاشة الرسمية والصحف السورية . مضيفا انه مسموحٌ الحديثُ عن كل المسؤولين من وزراء ومحافظين ، بشرط عدم المسِّ بالرموز الوطنية ، ومنها بشارُ الأسد ، وجيشُه العقائدي – على حد تعبيره - . ولم يكتف الزعبي بالتهديد بل أطلق سيلا من الشتائم كعادته وعادة أمثاله من الشبيحة الإعلاميين ، حيث قال : ( إن كل من يتطاول على بشار الأسد سنضع الحذاء العسكري في فمه ) .
البسطار العسكري اليوم هو الشعار . وعليه المدار في حكم بشار . لذلك صارت عروس الساحل اليوم مزدانة بالبسطار ، فأول ما يستقبل الزائر فيها ، رصاصة وبسطار .. فإذا دخل المدينة وجد السيارات العسكرية ، والسيارات الأمنية تجوب الشوارع ، عليها أصحاب البسطار ، متأبطين السلاح على أهبة إطلاق النار .
في واشنطن - يا سادة - يتوسط ساحة الحرية تمثال الحرية .. وفي باريس يرتفع برج إيفل في عزة وشموخ .. وفي الهند مازال تاج محل قبلة السياح من كل فج عميق ... والنصبُ التذكاري عندنا في اللاذقية ( بسطار ) . وسيلة إذلال الأحرار . فانتبهوا أيها الزوار ، فأنتم في بلد التوأمين : البسطار وبشار .
بقلم : أبو ياسر السوري
للأحذية قصص طريفة مدونة في كتب الأدب والتاريخ .. فحذاء الطنبوري ضرب به المثل فقيل ( أشهر من حذاء الطنبوري ) . فقد كان الطنبوري رجلا بخيلا ، لم يشتر في حياته إلا حذاء واحدا ، كان يرقعه كلما تمزق ، حتى أصبح الحذاء كله رقعا متجاورة .. وصار معروفا لدى أهل بغداد جميعا .. فلما أراد الطنبوري أن يتخلص من حذائه لم يستطع .. فكان كلما رماه في مكان جاءه به أحدهم . ورده إليه . وكلما أعيد إليه حصلت له مصيبة جديدة بسببه .. حتى لقي الطنبوري بسبب هذا الحذاء أكبر عناء ، فجلد بسببه مرات ومرات .. وكادت تضرب بسببه عنقه ، لولا أن الله سلم .
ورئيس وزراء الاتحاد السوفييتي خروتشوف كانت له قصة طريفة مع الحذاء .. فقد ذهب لحضور الاجتماع في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1960 م ، ولما شرع في إلقاء كلمته ، لم ينصت له بعض الحاضرين ، فغاظه ذلك منهم ، فنزع حذاءه من رجله ، ورفعها ، وخبط بها الطاولة لإسكاتهم ، فأنصت الحضور ، إلا رئيس وزراء بريطانيا ، فقد قال لخروتشوف ، يا معالي الوزير ، إنني لا أتقن اللغة الروسية ، فترجم لنا ماذا يقول حذاؤك . وقد دخل حذاء خروتشوف التاريخ ، فسميت تلك الدورة للجمعية العمومية ، بدورة حذاء خروتشوف .
ولكن الأطرف من هذا وذاك ، أنه في الأول من أغسطس آب 2013 ، وبمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العربي السوري ، أقيم احتفال حضره محافظ اللاذقية وكبار المسؤولين والضباط العسكريين ، وضباط المخابرات ، رفع فيه الستار عن ثلاث مجسمات كبيرة لـ ( حذاء عسكري ، ورصاصة ، وخوذة رأس عسكرية ) .
وكان المفروض في مثل تلك المناسبة أن يقام نصب تذكاري مستوحى من أمجاد الحضارة الإسلامية أو العربية في سوريا ، أو يرمز إلى حضارة أوغاريت القديمة ، والتي كانت اللاذقية مهدا لها . أو يرمز إلى معركة ميسلون التي تعد من مفاخر الجيش العربي السوري ... ولكن العقلية الأسدية ليست في هذا الوارد ولا ذاك . إنها معنية بزرع الخوف في قلوب المواطنين ، وإرهابهم من سطوة المؤسسة العسكرية ، التي لم تعد لحماية الشعوب ، وإنما لحماية الحكام المستبدين . ولم تعد لحماية الأرض والعرض ، وإنما لحماية حفنة من الظلمة ، الذين يبيعون الأرض وينتهكون العرض . لهذا رأينا الأسد ، وهو أحد هؤلاء الحكام الطغاة ، يختار هذا النصب التذكاري الغريب المريب ، وكأن لسان حاله يقول : ستحكمون بالبسطار العسكري ، وتقتلون بالرصاص الحي ، ويتقى منكم بخوذات الحديد الواقية .. وويل لمن يرفع الرأس أمام عظمة البسطار .
وليس غريبا إقامة مثل هذا النصب ، فهو يعبر بصدق عن العقلية التي تحكم بها سوريا في عهد بيت الأسد .. لقد استاثروا بمؤسسة الجيش ، وصار 90% من ضباط المؤسسة العسكرية ، هم من الطائفة النصيرية ، التي لا تتجاوز 4% من تعداد المواطنين السوريين ... لهذا كانت العلاقة بينهم وبين البسطار العسكري علاقة حميمية .
من منكم – يا سادة - لم ير على اليوتيوب عسكريا يُعذب بعض المعتقلين من المواطنين السوريين .؟ لقد رأينا الكثير من تلك المشاهد ، ورأينا كيف كان البوط العسكري هو وسيلة التعذيب المثلى ، ووسيلة الإهانة والإذلال .. فكان العسكري الشبيح يعمد إلى ركل المعتقل ببسطاره العسكري ، وكان يركله كيفما اتفق ، وأينما كان من جسده ، وكان يدعس على رأسه ، ويضع حذاءه في فمه ، ويأمره بتقبيله ، قائلا له : بوس الحذاء العسكري ، فتقبيله شرف لك ، ولكل خائن ينادي بالحرية .. بدكن حرية .؟ خود هاي للحرية ، ويركله بالبسطار .
ولم يقتصر الأمر على ذلك العسكري المتخلف ، الذي أوهموه أن حذاءه يصنع المعجزات ، وأن بإمكانه أن يدعس به من شاء ، ويذل من شاء ، دون حساب ولا عذاب ... وإنما تعداه حتى وصل إلى وزير إعلام النظام عمران الزعبي . الذي وقف ذات يوم يتحدث للإعلاميين في طرطوس ويقول : إنه رفع الفيتو عن كل ما كان ممنوعا ظهوره على الشاشة الرسمية والصحف السورية . مضيفا انه مسموحٌ الحديثُ عن كل المسؤولين من وزراء ومحافظين ، بشرط عدم المسِّ بالرموز الوطنية ، ومنها بشارُ الأسد ، وجيشُه العقائدي – على حد تعبيره - . ولم يكتف الزعبي بالتهديد بل أطلق سيلا من الشتائم كعادته وعادة أمثاله من الشبيحة الإعلاميين ، حيث قال : ( إن كل من يتطاول على بشار الأسد سنضع الحذاء العسكري في فمه ) .
البسطار العسكري اليوم هو الشعار . وعليه المدار في حكم بشار . لذلك صارت عروس الساحل اليوم مزدانة بالبسطار ، فأول ما يستقبل الزائر فيها ، رصاصة وبسطار .. فإذا دخل المدينة وجد السيارات العسكرية ، والسيارات الأمنية تجوب الشوارع ، عليها أصحاب البسطار ، متأبطين السلاح على أهبة إطلاق النار .
في واشنطن - يا سادة - يتوسط ساحة الحرية تمثال الحرية .. وفي باريس يرتفع برج إيفل في عزة وشموخ .. وفي الهند مازال تاج محل قبلة السياح من كل فج عميق ... والنصبُ التذكاري عندنا في اللاذقية ( بسطار ) . وسيلة إذلال الأحرار . فانتبهوا أيها الزوار ، فأنتم في بلد التوأمين : البسطار وبشار .