كيف يتلاعب الأسد بالمعطيات الديموغرافية في سوريا؟ / على باكير
2013-08-20 --- 13/10/1434
المختصر/ أثار قيام نظام بشّار الأسد بمنح الجنسيّة السورية لأعداد كبيرة من الشيعة مؤخرًا، الكثير من المخاوف والهواجس المرتبطة بسيناريوهات المرحلة المقبلة، خاصة أنّ ذلك جاء مترافقًا مع قيام النظام بعملية إبادة وتهجير ممنهجة لبعض المناطق، تبعها إحراقه للعديد من مراكز تسجيل الملكيات، ومباني التسجيل العقاري في مناطق مختلفة كما حصل مؤخرًا في حمص.
يبلغ عدد الشيعة في سوريا وفقاً للأرقام الرسميّة حوالي 0.4% من إجمالي السكّان، فيما ترفع بعض المواقع الإلكترونيّة التابعة لهم نسبتهم إلى 2%، علماً أنّه غالبًا ما يتم دمجهم مع العلويين حينما يتم الإشارة إلى نسبة العلويين من إجمالي الشعب السوري، والتي تصل مع كل الفئات الأخرى من التشيّع إلى حوالي 12% من السكّان. ناهيك عن المهاجرين من الإيرانيين واللبنانيين، والعراقيين أيضًا الذين يتجاوز عددهم وحدهم المليون، أي أكثر من 5% من السكان.
دراسات سابقة عن التشيّع في سوريا
ولا يُعدّ موضوع التشيّع والتجنيس جديدًا على المشهد السوري، حيث تم تداوله سابقًا على مستويات متعددة داخل وخارج سوريا بشكل سري وعلني، وعلى فترات مختلفة من مرحلة الرئيس السابق حافظ الأسد، كما في عهد الرئيس بشار الأسد، على أنّ الجزء الأكبر منه كان خلال الفترة الثانية أي منذ تولي بشار الأسد سدّة الرئاسة خلفًا لأبيه في العام 2000.
خلال تلك الفترة تمّ إنجاز العديد من الدراسات والأبحاث التي ترصد وتناقش هذا الموضوع، بعضها غلب عليه الطابع الديني، الا أنّ البعض الآخر تميّز بالرصانة والبُعد العلمي، لعلّ أبرزهم:
1- في العام 2006، نُشرت دراسة تحت عنوان (عملية التشيع في سوريا 1985- 2006، دراسة اجتماعية- إحصائية)، وجاءت الدراسة في 32 صفحة، وقدم لها الكاتب والصحفي السوري نزار نيوف. وقد قام بهذه الدراسة باحثون ميدانيون في مجال “علم الاجتماع” و”علم الاجتماع السياسي” و”الإحصاء”، ويشتركون في أنهم جميعًا علمانيون ونشطاء في حركات “المجتمع المدني” السورية. وقد أُجريت الدراسة على مدى ستة أشهر، وهي تتناول “التشيع” في سوريا خلال عشرين عامًا، مع ملحق إضافي تناول النصف الأول من العام 2006.
2- وفي يونيو من العام 2009، نُشِرت دراسة أصغر من 26 صفحة، وحملت عنوان “التحوّل الشيعي في سوريا” وذلك كفصل من فصول إصدار “اتّجاهات حاليّة في الأيديولوجيا الإسلامية” في المجلد الثامن الصادر عن (مركز الإسلام والديمقراطيّة ومستقبل العالم الإسلامي) في معهد هادسون. وقد أعدّ هذه الدراسة البروفيسور خالد سنداوي، وهو متخصص في الدراسات الشيعيّة، وله عدّة مؤلفات وأبحاث قيّمة وعلميّة منشورة في مجلّات محكّمة في هذا المجال. وتشكّل دراسته هذه جزءًا من كتاب له سينشر عام 2014.
3- وفي العام 2009، نُشرت دراسة أخرى بدت رصينة وعلى قدر عالٍ من الاحترافيّة والتوثيق والتدقيق تحت عنوان (البعث الشيعي في سوريا 1919- 2007) قام بها “المعهد الدولي للدراسات السوريّة” والذي عرّف عن نفسه بأنّه معهد بحثي مستقل وغير ربحي ومتخصص في الدراسات السوريّة. وقد رعت هذه الدراسة التي تقع في 208 صفحات “حركة العدالة والبناء” حيث تم التنويه إلى ذلك في الدراسة المنشورة.
التشيع كمشروع سياسي في عهد بشّار الأسد
كل هذه الدراسات على اختلاف توجهاتها وآلياتها البحثية تجمع على حقيقة أنّ موضوع التشيّع بدأ في عهد حافظ الأسد الذي كان واعيًا للأمر، ويستخدمه لأغراض خاصّة فيتحكّم به سماحًا ومنعًا متى ما شاء، وتصاعد بشكل علني غير مسبوق في التاريخ السوري في عهد ابنه بشّار الأسد الذي فقد فتح الباب على مصراعيه ومن دون أيّة شروط أو قيود للنفوذ الإيراني لعملية التشيع داخل سوريا، بل وحتى بتسهيل غير محدود من نظامه وأجهزته الأمنيّة والاستخباراتيّة.
كل هذه الدراسات على اختلاف توجهاتها وآلياتها البحثية تجمع على حقيقة أنّ موضوع التشيّع بدأ في عهد حافظ الأسد الذي كان واعيًا للأمر، ويستخدمه لأغراض خاصّة فيتحكّم به سماحًا ومنعًا متى ما شاء، وتصاعد بشكل علني غير مسبوق في التاريخ السوري في عهد ابنه بشّار الأسد
فبعد وفاة والده عام 2000، وعندما أصبح بشار الأسد رئيسًا، بدأ التوازن الذي وضعه حافظ الأسد بخصوص النشاط الإيراني في الانهيار، فقد كان وصول بشّار عاملاً حاسماً في رفع أيّة قيود على النشاط الشيعي الإيراني في سوريا بالشكل الذي يحلو لهم، وقد بدا واضحًا أنّ التشيع تحول إلى مشروع سياسي.
وتشير التقارير إلى أنّه -وعلى عكس والده- لم يتقرّب بشّار من المشايخ السنّة، وإنما من نظرائهم الشيعة خاصة خارج سوريا. وقد كان بشّار متأثّرًا بشكل كبير أيضًا بشخصيّة حسن نصر الله، حيث كان لهذه العوامل أثرها في تسهيل النشاط الشيعي في سوريا، بالإضافة إلى وجود قرار سياسي وأمني بدعم عمليات التشيّع، لدرجة أنّ رجل الدين البارز “البوطي” والمقرّب من النظام (قُتل مؤخرًا) انتقد في نيسان/أبريل 2006 بشكل علني التمدد الشيعي في البلاد واحتلالهم حتى للمنابر والمقامات السنيّة.
ويضيف آخرون إلى هذه الأسباب، عوامل أخرى، منها:
1- إنشاء عدد كبير جدًا من المزارات الشيعيّة في أنحاء مختلفة من سوريا. ويتم هذا الأمر بداية من خلال السيطرة على أحد القبور (او حتى اختلاقها كما جرى في دارايا) ومن ثمّ نسبته إلى أحد أفراد أهل البيت حتى يتم العمل على إنشاء بناء عليه، ثم يتم تطويره وتوسيعه حتى يصبح مزارًا يأتيه الإيرانيون والشيعة حجّاجًا بالآلاف، فيقيم بعضهم ويستقر هناك، ثمّ ينشأ “مجتمع المقابر” فيتم شراء البيوت والأراضي المحيطة بالقبر للتوسّع، فتضاف حسينية إلى المكان، وربما مجمّع كبير، وكذلك بناء فنادق وأسواق وأماكن سكن محيطة بالقبر والحسينية، بحيث تكون مستعمرة إيرانية تحت غطاء الدعوة الدينية للتشيع لأهل البيت.
2- الإغراءات الماليّة والاقتصاديّة والتعليمية للفقراء، وقوّة الإعلام الشيعي، وفتح المجال له بشكل رسمي. إذ لم يفهم المواطنون السوريون لماذا يقوم التلفزيون السوري الرسمي للبلاد بتقديم برنامج لمدة ساعة للمبشر الشيعي العراقي عبد الحميد المهاجر؟ ولماذا تَبثُّ برنامجًا تبشيريًّا للعراقي عبد الزهراء، ولماذا تقوم محطة راديو “إف إم” ، ببث مواد فكرية وسياسية مماثلة لمواد حزب الله في لبنان، و”المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” في العراق!
3- نفوذ حزب الله السياسي والعسكري خاصّة بعد حرب لبنان عام 2006، ونشوء الحلف الثلاثي (حزب الله – الأسد – النظام الإيراني) الذي دفع بعمليات التشيّع والنفوذ الإيراني ليصل إلى أوجه في سوريا.
انكشاف مشروع الأسد التشيّعي سياسيًّا واجتماعيًّا
ما بين العام 2001 و2006، أنشئ في منطقة السيدة زينب وحدها أكثر من 12 حوزة شيعية، وثلاثة كليات للتعليم الديني الشيعي، أي انّه خلال عدّة سنوات فقط تمّ إنشاء ثلاثة أضعاف ما تمّ بناؤه في ربع قرن، كما حصلت أول جامعة إسلامية شيعية على ترخيص أمني للعمل في سوريا في عام 2003.
ولوحظ أنّ الشيعة (حتى من غير المواطنين السوريين) لا يجدون أي صعوبة في فتح كلّيات لهم في سوريا. ففي العام 2006 على سبيل المثال تم افتتاح كلية دينية شيعية في بلدة الطبقة رغم أنّه وفقًا للبروفيسور خالد سنداوي لا توجد في سوريا بأكملها سوى كلّيتين دينيتين سنّيتين، واحدة في دمشق والثانية في حلب حصلت على الموافقة في عام 2007 بعد عقود من الانتظار!
وتشير المعلومات إلى أنّ هناك ما يزيد اليوم عن 500 حسينية قيد الإنشاء في سوريا. وقد أدّت هذه المعطيات مجتمعة والمتعلّقة بأقليّة من هذا النوع إلى طرح السؤال “لماذا”؟! ونجم عن ذلك موجة كبيرة من التململ والتذمر والاحتجاج غير المسبوق في تاريخ سوريا.
ففي يوليو من العام 2006، أصدر أكثر من 200 من كبار علماء الشام وسوريا بيانًا موجّهًا بشكل مباشر وخاص إلى رئيس الجمهورية بشّار الأسد، وهو البيان الأوّل من نوعه منذ أكثر من 35 عامًا، لم يخفوا فيه غضبهم وحنقهم على المد الشيعي الحاصل في البلاد مع إشارات واضحة إلى أنّه يتم برعاية رسمية نظرًا وبخلاف كل القوانين المعمول بها في البلاد بما في ذلك القوانين والقرارات الحكوميّة والرسميّة والتي تسري حتى على الشأن السنيّ، وكان من بين الموقّعين على البيان مدير التعليم الشرعي في وزارة الأوقاف، الأمر الذي أدى الى طرده من منصبه على الفور.
وقد شهد ذلك العام أيضًا انتقادات من قبل أطراف سورية متعددة للنفوذ الإيراني المتزايد، والذي يتضمن عمليات تبشير شيعي وتغيير ديمغرافي واجتماعي في أنحاء مختلفة من سوريا، بمن فيهم نائب الرئيس السوري المنشق عبد الحليم خدام، جبهة الخلاص الوطني المعارضة للنظام السوري، والتي أصدرت بيانات انتقدت هذا الجانب.
من أهداف النظام في تجنيس فئات من الشيعة هو تهيئة الأرضية الشرعيّة والقانونية للميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام السوري في حربه التي يشنها على المواطنين، وبالتالي فإنه يرفع من فعالية الاستفادة القصوى من هذه الميليشيات ليس في هذه الفترة فقط وإنما في المستقبل.
وكذلك فعلت شخصيات حقوقية كان أبرزها رئيس الجمعيّة السوريّة لحقوق الإنسان آنذاك المعارض السوري عضو الائتلاف الوطني حاليًا هيثم المالح. بل وقامت شخصيّات سوريّة رسميّة بالاعتراف بهذا الواقع بشكل سريّ عاكسة تذمّر المجتمع السوري.
إذ نقلت برقيّة دبلوماسيّة للسفارة الأمريكية في دمشق مصنّفة على أنّها “سري” بتاريخ 8-2-2007 تحت عنوان “التشيع في سوريا، وانتخابات النظام” تفاصيل لقاء تم بين الدكتور سمير التقي مستشار وزير الخارجية السوري وليد المعلم آنذك، وبين القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة في دمشق، مايكل كوربن.
وقد تحدث التقي بتفصيل عن القلق المتنامي في سوريا نتيجة الجهود الإيرانية في عملية تشيع البلاد في ظل مخاوف من تزايد الاستياء السني إزاء ذلك. وبحسب التقي فإنّ معظم هذا الجهد يتركز في شمال شرق البلاد، وقد ضرب على سبيل المثال الأنشطة الإيرانية المتواصلة في محافظة الرقة، في شمال شرق سوريا، وهي من المحافظات الصغيرة نسبيًّا، حيث قامت إيران بتمويل بناء مجمع يضم مسجد ضخم، وفندق كبير، ومطار.
كما نُقل عن التقي إشارته الى أنّ النظام السوري له تاريخ في تنصيب أشخاص من الأقلية الشيعية في سوريا في مناصب حساسة، بالرغم من أن الشيعة في سوريا لا يتعدون 1% من السكان، وتقديمهم للعامّة على أنّهم من السنّة كي يتجنب حقيقة تعيين سنّة في هذه المناصب.
تجنيس الشيعة قبل وبعد الثورة السورية
تشير التقارير المتوافرة الى أنّ نظام بشّار الأسد قام منذ توليه السلطة في منح الجنسيّة السوريّة لآلاف الشيعية (البعض يقصر الرقم على 20 ألفًا والبعض يرفعه إلى 740 ألفًا حتى اليوم) خاصة من الإيرانيين والعراقيين. وقد سهّل من ذلك، وجود قراري سياسي ، وازدياد نفوذ إيران في داخل سوريا، عبر:
• اعتماد الأسد على قوّة إيرانيّة خاصّة لحمايته النظام، وتعمل جنبًا إلى جنب مع وحدات ماهر الأسد.
• الدور الذي تحتله السفارة الإيرانيّة في عملية التأثير على القرار السياسي في سوريا بل وصناعة القرار الأمني إلى حد كبير، والصلاحيات الكبيرة التي تحظى بها السفارة والقائمون عليها كما بالنسبة إلى كل من يرتبط بها وبشكل يتجاوز السلطات الرسمية السورية نفسها.
• زيادة نسبة تدفّق الإيرانيين إلى سوريا بنسبة فلكيّة خاصّة الذين يأتون لأغراض دينيّة، فقد ارتفع عدد الزوار الإيرانيين لمقام السيدة زينب لوحده في دمشق من 27,000 في العام 1978، إلى 290,000 في عام 2003.
• ازدياد الشيعة المستقرين في سوريا لاسيما من العراقيين والإيرانيين واللبنانيين، خاصّة أنّ تقارير مفوّضية الأمم المتّحدة العليا للاجئين (UNHCR) أشارت إلى أنّ عدد العراقيين في سوريا زاد عام 2007 عن 1.2 مليون (18 مليون عدد السكان آنذاك)، علمًا أنّ تقريرًا كان قد صدر عن المفوّضية أواخر عام 2005 أشار إلى أنّ نسبة الشيعة من اللاجئين العراقيين في سوريا بلغ في ذلك العام 57%. (في السنوات اللاحقة تغيرت النسبة تباعاً).
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتصاعد الحملة العسكرية التي يشنها النظام السوري على المدن والقرى والبلدات السورية وعلى القاطنين فيها من المدنيين، تحوّلت الكثير من هذه المناطق إلى مدن أشباح خالية من سكّانها، وقد أثار قيام النظام بمنح الجنسيّة السورية لأعداد كبيرة من الشيعة مؤخرًا الكثير من المخاوف والهواجس المرتبطة بسيناريوهات المرحلة المقبلة، خاصة أنّ ذلك جاء مترافقًا مع قيامه بالتركيز على عملية إبادة وتهجير ممنهجة لبعض المناطق، وأتبعها بإحراق العديد من مراكز تسجيل الملكيات ومباني التسجيل العقاري كما حصل مؤخرًا في حمص.
وقد أصدر ناشطون سوريون من السويداء بيانًا في 15-7-2013 رفضوا فيه مشروع تجنيس ما يقارب 40 ألفًا من التابعية اللبنانية والعراقية خصوصًا –غالبيتهم من عناصر “حزب الله” اللبناني والعراقي المقاتلة إلى جانب النظام وآخرين مدنيين- ومنحهم نسب عائلات ﻣﻦ عاﺋﻼﺕ الجبل ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﻭاﻷﺻﻠﻴﺔ من سكان المحافظة ومحيطها لإخفاء عمليات التجنيس، وكذلك استملاك أراضي وتوزيعها عليهم.
أبعاد تجنيس الأسد للشيعة اليوم
وبغض النظر عن الرقم الحقيقي للمجنّسين، فإن الثابت أنّ هناك عمليات تجنيس حصلت وتحصل للشيعة لاسيما اليوم، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار المعطيات التي تم ذكرها في سياق التقرير أعلاه، فمن الطبيعي الاستنتاج انّ الرقم سيكون كبيرًا. أمّا لماذا التركيز اليوم على منطقتي حمص والسويداء، فذلك لعدد من الأسباب أهمها:
1- الأهداف العسكرية: الهدف من التجنيس في هذا الإطار هو تهيئة الأرضية الشرعيّة والقانونية للميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام السوري في حربه التي يشنها على المواطنين، وبالتالي فإنه يرفع من فعالية الاستفادة القصوى من هذه الميليشيات ليس في هذه الفترة فقط وإنما في المستقبل.
إذ من المعروف وفقًا للعديد من التسريبات أنّ النظام السوري سيطالب في حال بدء أي عمليّة مفاوضات برحيل كل المقاتلين الأجانب الموجودين داخل الأراضي السوريّة كشرط أوّل، وفي هذه الحالة فإنه يقصد المجموعات التي تقاتله ويستثني منها المجموعات التي تقاتل إلى جانبه؛ لأنّها تكون بموجب القانون سوريّة بعد تنفيذ لعبة التجنيس التي يقوم بها اليوم.
ومن المعروف اليوم أنّ هناك عشرات الآلاف من أفراد الميليشيات الشيعيّة التي أتت من الخارج للمقاتلة إلى جانب النظام السوري لاسيما من العراق ولبنان والتي تضاعف عددها خاصّة بعد دخول حزب الله على الخط، وبعد توقيع الحكومة العراقية والسورية اتفاقًا لرفع التأشيرة بين البلدين، والذي كان الهدف منه تسهيل مرور الميليشيات الداعمة للنظام بشكل شرعي بما لديها من عتاد وأسلحة.
يتناغم مخطط الأسد مع المشروع الجيو-طائفي في لبنان، والذي يباشره حزب الله منذ سنوات طويلة، والذي اكتسب زخمًا بعد العام 2006. اذ عكف خلال السنوات الماضية ولاسيما بعد العام 2006 على شراء أراضي من الطوائف الأخرى السنة والمسيحيين والدروز بمساحات هائلة.
2- الأهداف السياسيّة: يدخل تجنيس الميلشيات الشيعيّة أيضًا في إطار الحسابات السياسيّة القادمة للنظام السوري لمرحلة ما بعد العام 2014 إذا ما ظل صامدًا حتى حينه، وقرر التجديد لنفسه من من خلال الدخول في انتخابات حينما تنتهي ولايته وفق الدستور الحالي في 17/7/2014.
وعلى الرغم من أنّ هذه الكتلة التي تم ويتم تجنيسها قد لا تكون مهمة جدًا من ناحية العدد إذا ما أخذت بالمقارنة بعدد المواطنين السوريين أو الناخبين السوريين، لكنّها مهمة جدًا إذا ما أخذت في سياق:
• تهجير ملايين السوريين حيث من المتوقع أن يصل عدد المهجّرين إلى حوالي 3 ملايين نهاية العام 2013، ولكن أن تتخيلوا حجم هذا الرقم في نهاية عام 2014 إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه اليوم.
• هناك معلومات تشير إلى إمكانية أن يقوم النظام أيضًا باستغلال المهجّرين داخل سوريا واستخدامهم كأداة أيضًا في خطّته هذه من خلال العمل على استقطابهم في مخيّمات داخل سوريا يقيمها هو بنفسه، خاصة مع إعلان الحكومة السورية بداية الشهر الحالي أنّها أقامت بالفعل 830 مركزًا يأوي 170 ألف مواطن من المهجرّين. وإذا ما أضيف هؤلاء إلى المتجنسين وموالي النظام، في ظل غياب الطرف الآخر خارج البلاد فإن المعادلة ستختلف بالضرورة.
• إمكانيّة توظيف هذه الكتلة من المجنسين (مع غيرهم) في إطار مواضيع تتعلّق باستفتاءات قد تكون قادمة، أو في تغيير الخريطة الديمغرافيّة لبعض المناطق بعينها لأهداف تتعلق بسيناريوهات إقامة دولة علوية أو ربما لاحقًا في مرحلة سوريا المستقبل إذا بقيت موحدّة (كوضع الشيعة في لبنان من حيث التبعية لإيران واستخدامهم كأداة).
3- أهداف جيو-طائفية: إذا ما لاحظنا الأماكن التي يقوم النظام السوري بالتلاعب الديمغرافي فيها، فسنجد أنّها تتركّز أساسًا في محافظة حمص وفي منطقة السويداء جنوب سوريا.
ويبلغ تعداد حمص حوالي مليوني نسمة نصفهم في مدينة حمص تقريبًا، وتتوزع التركيبة الطائفية لحمص (حوالي 70% سنّة والباقي علويين ومسيحيين). هجّر معظم السنّة والمسيحيين، في المقابل لم يهجّر أي علوي، بل بالعكس، جُلب شيعة وعلويون من مناطق أخرى ليسكنوا في غير مناطقهم في حمص، وهو بذلك يضمن:
• إعطاء عمق داخلي للدولة العلويّة المفترضة على الساحل السوري في السيناريوهات التي ما زلت مطروحة بالنسبة للنظام، على اعتبار أنّ الشريط الساحلي لوحده لا يمتلك مقومات دولة، وليس لديه أي عمق وسيكون محاصر من السنّة.
• وصل هذه الدولة المفترضة بالشريط الشيعي داخل لبنان (شرق وجنوب لبنان) وذلك عبر غرب محافظة حمص، على اعتبار أنّ منطقة غرب حمص على الحدود اللبنانية حلقة وصل بين علوي وشيعة سوريا (المنتشرين على الساحل السوري وأطراف حمص)، بشيعة لبنان في (الهرمل والبقاع).
• التمهيد في مرحلة لاحقة ربما ووفقًا للمتغيرات الميدانية والعسكرية على الأرض من مد مساحة وجغرافية هذا الامتداد الطائفي إلى شرق سوريا ومحاولة وصله بالعراق، وهو الأمر الذي من شأنه أن يبقي المشروع الشيعي الإيراني حيّا، ويتحوّل السنّة في سوريا ولبنان والعراق إلى أسرى للحصار الشيعي وليس العكس.
ويتناغم هذا المخطط مع المشروع الجيو-طائفي في لبنان، والذي يباشره حزب الله منذ سنوات طويلة، والذي اكتسب زخمًا بعد العام 2006. اذ عكف خلال السنوات الماضية ولاسيما بعد العام 2006 على شراء أراضي من الطوائف الأخرى السنة والمسيحيين والدروز بمساحات هائلة، وبطريقة ممنهجة تحت أغطية متعددة، منها التجاري ومنها الاستثماري ومنها الإنمائي، لكنّها كانت حقيقة من أجل إنشاء امتداد طبيعي للشيعة الموجودين في جنوب لبنان وأولئك الموجودين في البقاع والهرمل، ووصلهم أيضًا بالشيعة الموجودين في سوريا وعلويي الساحل السوري.
وعلى الرغم من أنه يصعب قراءة اختيار النظام في اختيار السويداء كمكان لاستيطان المجنسين الجدد، إلا أنه من الممكن تخمين بضعة احتمالات، ومنها:
• كونها منطقة أقليات، والأقليات أقل ممانعة لهكذا مشروع كما يعتقد النظام.
• زرع النظام سابقًا لمهاجرين شيعة خاصة عراقيين في منطقة درعا القريبة.
• لكون المنطقة قريبة نسبيًّا من الحدود مع إسرائيل فهي ورقة ممتازة للمراوغة مستقبلا سواء في سيناريو شبيه بالسيناريو اللبناني، من حيث ابتزاز إسرائيل أو في سيناريو مقايضة تأمين أمن إسرائيل بالموافقة عبر هذه المنطقة بمقابل الموافقة على سيناريو دولة علوية في الساحل وحمص.
• إقناع الأقليات خارج دولة الساحل بانّهم لن يتعرضوا لأي أذى مع وجود هؤلاء المسلحين كضمانة لهم في سوريا مقسّمة.
أيّا يكن السبب الحقيقي، فإن ما يجري اليوم من تحولات لا بد وأنّ يترك ندوبه العميق على الجسد السوري، وما لم يتم الانتباه إلى هذه الجروح الغائرة وتطهيرها مستقبلاً مع سقوط النظام في أسرع وقت، فإن معالجتها ستصبح شبه مستحيلة مع تحوّلها إلى سرطان يفتك بالجسد السوري
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
2013-08-20 --- 13/10/1434
المختصر/ أثار قيام نظام بشّار الأسد بمنح الجنسيّة السورية لأعداد كبيرة من الشيعة مؤخرًا، الكثير من المخاوف والهواجس المرتبطة بسيناريوهات المرحلة المقبلة، خاصة أنّ ذلك جاء مترافقًا مع قيام النظام بعملية إبادة وتهجير ممنهجة لبعض المناطق، تبعها إحراقه للعديد من مراكز تسجيل الملكيات، ومباني التسجيل العقاري في مناطق مختلفة كما حصل مؤخرًا في حمص.
يبلغ عدد الشيعة في سوريا وفقاً للأرقام الرسميّة حوالي 0.4% من إجمالي السكّان، فيما ترفع بعض المواقع الإلكترونيّة التابعة لهم نسبتهم إلى 2%، علماً أنّه غالبًا ما يتم دمجهم مع العلويين حينما يتم الإشارة إلى نسبة العلويين من إجمالي الشعب السوري، والتي تصل مع كل الفئات الأخرى من التشيّع إلى حوالي 12% من السكّان. ناهيك عن المهاجرين من الإيرانيين واللبنانيين، والعراقيين أيضًا الذين يتجاوز عددهم وحدهم المليون، أي أكثر من 5% من السكان.
دراسات سابقة عن التشيّع في سوريا
ولا يُعدّ موضوع التشيّع والتجنيس جديدًا على المشهد السوري، حيث تم تداوله سابقًا على مستويات متعددة داخل وخارج سوريا بشكل سري وعلني، وعلى فترات مختلفة من مرحلة الرئيس السابق حافظ الأسد، كما في عهد الرئيس بشار الأسد، على أنّ الجزء الأكبر منه كان خلال الفترة الثانية أي منذ تولي بشار الأسد سدّة الرئاسة خلفًا لأبيه في العام 2000.
خلال تلك الفترة تمّ إنجاز العديد من الدراسات والأبحاث التي ترصد وتناقش هذا الموضوع، بعضها غلب عليه الطابع الديني، الا أنّ البعض الآخر تميّز بالرصانة والبُعد العلمي، لعلّ أبرزهم:
1- في العام 2006، نُشرت دراسة تحت عنوان (عملية التشيع في سوريا 1985- 2006، دراسة اجتماعية- إحصائية)، وجاءت الدراسة في 32 صفحة، وقدم لها الكاتب والصحفي السوري نزار نيوف. وقد قام بهذه الدراسة باحثون ميدانيون في مجال “علم الاجتماع” و”علم الاجتماع السياسي” و”الإحصاء”، ويشتركون في أنهم جميعًا علمانيون ونشطاء في حركات “المجتمع المدني” السورية. وقد أُجريت الدراسة على مدى ستة أشهر، وهي تتناول “التشيع” في سوريا خلال عشرين عامًا، مع ملحق إضافي تناول النصف الأول من العام 2006.
2- وفي يونيو من العام 2009، نُشِرت دراسة أصغر من 26 صفحة، وحملت عنوان “التحوّل الشيعي في سوريا” وذلك كفصل من فصول إصدار “اتّجاهات حاليّة في الأيديولوجيا الإسلامية” في المجلد الثامن الصادر عن (مركز الإسلام والديمقراطيّة ومستقبل العالم الإسلامي) في معهد هادسون. وقد أعدّ هذه الدراسة البروفيسور خالد سنداوي، وهو متخصص في الدراسات الشيعيّة، وله عدّة مؤلفات وأبحاث قيّمة وعلميّة منشورة في مجلّات محكّمة في هذا المجال. وتشكّل دراسته هذه جزءًا من كتاب له سينشر عام 2014.
3- وفي العام 2009، نُشرت دراسة أخرى بدت رصينة وعلى قدر عالٍ من الاحترافيّة والتوثيق والتدقيق تحت عنوان (البعث الشيعي في سوريا 1919- 2007) قام بها “المعهد الدولي للدراسات السوريّة” والذي عرّف عن نفسه بأنّه معهد بحثي مستقل وغير ربحي ومتخصص في الدراسات السوريّة. وقد رعت هذه الدراسة التي تقع في 208 صفحات “حركة العدالة والبناء” حيث تم التنويه إلى ذلك في الدراسة المنشورة.
التشيع كمشروع سياسي في عهد بشّار الأسد
كل هذه الدراسات على اختلاف توجهاتها وآلياتها البحثية تجمع على حقيقة أنّ موضوع التشيّع بدأ في عهد حافظ الأسد الذي كان واعيًا للأمر، ويستخدمه لأغراض خاصّة فيتحكّم به سماحًا ومنعًا متى ما شاء، وتصاعد بشكل علني غير مسبوق في التاريخ السوري في عهد ابنه بشّار الأسد الذي فقد فتح الباب على مصراعيه ومن دون أيّة شروط أو قيود للنفوذ الإيراني لعملية التشيع داخل سوريا، بل وحتى بتسهيل غير محدود من نظامه وأجهزته الأمنيّة والاستخباراتيّة.
كل هذه الدراسات على اختلاف توجهاتها وآلياتها البحثية تجمع على حقيقة أنّ موضوع التشيّع بدأ في عهد حافظ الأسد الذي كان واعيًا للأمر، ويستخدمه لأغراض خاصّة فيتحكّم به سماحًا ومنعًا متى ما شاء، وتصاعد بشكل علني غير مسبوق في التاريخ السوري في عهد ابنه بشّار الأسد
فبعد وفاة والده عام 2000، وعندما أصبح بشار الأسد رئيسًا، بدأ التوازن الذي وضعه حافظ الأسد بخصوص النشاط الإيراني في الانهيار، فقد كان وصول بشّار عاملاً حاسماً في رفع أيّة قيود على النشاط الشيعي الإيراني في سوريا بالشكل الذي يحلو لهم، وقد بدا واضحًا أنّ التشيع تحول إلى مشروع سياسي.
وتشير التقارير إلى أنّه -وعلى عكس والده- لم يتقرّب بشّار من المشايخ السنّة، وإنما من نظرائهم الشيعة خاصة خارج سوريا. وقد كان بشّار متأثّرًا بشكل كبير أيضًا بشخصيّة حسن نصر الله، حيث كان لهذه العوامل أثرها في تسهيل النشاط الشيعي في سوريا، بالإضافة إلى وجود قرار سياسي وأمني بدعم عمليات التشيّع، لدرجة أنّ رجل الدين البارز “البوطي” والمقرّب من النظام (قُتل مؤخرًا) انتقد في نيسان/أبريل 2006 بشكل علني التمدد الشيعي في البلاد واحتلالهم حتى للمنابر والمقامات السنيّة.
ويضيف آخرون إلى هذه الأسباب، عوامل أخرى، منها:
1- إنشاء عدد كبير جدًا من المزارات الشيعيّة في أنحاء مختلفة من سوريا. ويتم هذا الأمر بداية من خلال السيطرة على أحد القبور (او حتى اختلاقها كما جرى في دارايا) ومن ثمّ نسبته إلى أحد أفراد أهل البيت حتى يتم العمل على إنشاء بناء عليه، ثم يتم تطويره وتوسيعه حتى يصبح مزارًا يأتيه الإيرانيون والشيعة حجّاجًا بالآلاف، فيقيم بعضهم ويستقر هناك، ثمّ ينشأ “مجتمع المقابر” فيتم شراء البيوت والأراضي المحيطة بالقبر للتوسّع، فتضاف حسينية إلى المكان، وربما مجمّع كبير، وكذلك بناء فنادق وأسواق وأماكن سكن محيطة بالقبر والحسينية، بحيث تكون مستعمرة إيرانية تحت غطاء الدعوة الدينية للتشيع لأهل البيت.
2- الإغراءات الماليّة والاقتصاديّة والتعليمية للفقراء، وقوّة الإعلام الشيعي، وفتح المجال له بشكل رسمي. إذ لم يفهم المواطنون السوريون لماذا يقوم التلفزيون السوري الرسمي للبلاد بتقديم برنامج لمدة ساعة للمبشر الشيعي العراقي عبد الحميد المهاجر؟ ولماذا تَبثُّ برنامجًا تبشيريًّا للعراقي عبد الزهراء، ولماذا تقوم محطة راديو “إف إم” ، ببث مواد فكرية وسياسية مماثلة لمواد حزب الله في لبنان، و”المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” في العراق!
3- نفوذ حزب الله السياسي والعسكري خاصّة بعد حرب لبنان عام 2006، ونشوء الحلف الثلاثي (حزب الله – الأسد – النظام الإيراني) الذي دفع بعمليات التشيّع والنفوذ الإيراني ليصل إلى أوجه في سوريا.
انكشاف مشروع الأسد التشيّعي سياسيًّا واجتماعيًّا
ما بين العام 2001 و2006، أنشئ في منطقة السيدة زينب وحدها أكثر من 12 حوزة شيعية، وثلاثة كليات للتعليم الديني الشيعي، أي انّه خلال عدّة سنوات فقط تمّ إنشاء ثلاثة أضعاف ما تمّ بناؤه في ربع قرن، كما حصلت أول جامعة إسلامية شيعية على ترخيص أمني للعمل في سوريا في عام 2003.
ولوحظ أنّ الشيعة (حتى من غير المواطنين السوريين) لا يجدون أي صعوبة في فتح كلّيات لهم في سوريا. ففي العام 2006 على سبيل المثال تم افتتاح كلية دينية شيعية في بلدة الطبقة رغم أنّه وفقًا للبروفيسور خالد سنداوي لا توجد في سوريا بأكملها سوى كلّيتين دينيتين سنّيتين، واحدة في دمشق والثانية في حلب حصلت على الموافقة في عام 2007 بعد عقود من الانتظار!
وتشير المعلومات إلى أنّ هناك ما يزيد اليوم عن 500 حسينية قيد الإنشاء في سوريا. وقد أدّت هذه المعطيات مجتمعة والمتعلّقة بأقليّة من هذا النوع إلى طرح السؤال “لماذا”؟! ونجم عن ذلك موجة كبيرة من التململ والتذمر والاحتجاج غير المسبوق في تاريخ سوريا.
ففي يوليو من العام 2006، أصدر أكثر من 200 من كبار علماء الشام وسوريا بيانًا موجّهًا بشكل مباشر وخاص إلى رئيس الجمهورية بشّار الأسد، وهو البيان الأوّل من نوعه منذ أكثر من 35 عامًا، لم يخفوا فيه غضبهم وحنقهم على المد الشيعي الحاصل في البلاد مع إشارات واضحة إلى أنّه يتم برعاية رسمية نظرًا وبخلاف كل القوانين المعمول بها في البلاد بما في ذلك القوانين والقرارات الحكوميّة والرسميّة والتي تسري حتى على الشأن السنيّ، وكان من بين الموقّعين على البيان مدير التعليم الشرعي في وزارة الأوقاف، الأمر الذي أدى الى طرده من منصبه على الفور.
وقد شهد ذلك العام أيضًا انتقادات من قبل أطراف سورية متعددة للنفوذ الإيراني المتزايد، والذي يتضمن عمليات تبشير شيعي وتغيير ديمغرافي واجتماعي في أنحاء مختلفة من سوريا، بمن فيهم نائب الرئيس السوري المنشق عبد الحليم خدام، جبهة الخلاص الوطني المعارضة للنظام السوري، والتي أصدرت بيانات انتقدت هذا الجانب.
من أهداف النظام في تجنيس فئات من الشيعة هو تهيئة الأرضية الشرعيّة والقانونية للميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام السوري في حربه التي يشنها على المواطنين، وبالتالي فإنه يرفع من فعالية الاستفادة القصوى من هذه الميليشيات ليس في هذه الفترة فقط وإنما في المستقبل.
وكذلك فعلت شخصيات حقوقية كان أبرزها رئيس الجمعيّة السوريّة لحقوق الإنسان آنذاك المعارض السوري عضو الائتلاف الوطني حاليًا هيثم المالح. بل وقامت شخصيّات سوريّة رسميّة بالاعتراف بهذا الواقع بشكل سريّ عاكسة تذمّر المجتمع السوري.
إذ نقلت برقيّة دبلوماسيّة للسفارة الأمريكية في دمشق مصنّفة على أنّها “سري” بتاريخ 8-2-2007 تحت عنوان “التشيع في سوريا، وانتخابات النظام” تفاصيل لقاء تم بين الدكتور سمير التقي مستشار وزير الخارجية السوري وليد المعلم آنذك، وبين القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة في دمشق، مايكل كوربن.
وقد تحدث التقي بتفصيل عن القلق المتنامي في سوريا نتيجة الجهود الإيرانية في عملية تشيع البلاد في ظل مخاوف من تزايد الاستياء السني إزاء ذلك. وبحسب التقي فإنّ معظم هذا الجهد يتركز في شمال شرق البلاد، وقد ضرب على سبيل المثال الأنشطة الإيرانية المتواصلة في محافظة الرقة، في شمال شرق سوريا، وهي من المحافظات الصغيرة نسبيًّا، حيث قامت إيران بتمويل بناء مجمع يضم مسجد ضخم، وفندق كبير، ومطار.
كما نُقل عن التقي إشارته الى أنّ النظام السوري له تاريخ في تنصيب أشخاص من الأقلية الشيعية في سوريا في مناصب حساسة، بالرغم من أن الشيعة في سوريا لا يتعدون 1% من السكان، وتقديمهم للعامّة على أنّهم من السنّة كي يتجنب حقيقة تعيين سنّة في هذه المناصب.
تجنيس الشيعة قبل وبعد الثورة السورية
تشير التقارير المتوافرة الى أنّ نظام بشّار الأسد قام منذ توليه السلطة في منح الجنسيّة السوريّة لآلاف الشيعية (البعض يقصر الرقم على 20 ألفًا والبعض يرفعه إلى 740 ألفًا حتى اليوم) خاصة من الإيرانيين والعراقيين. وقد سهّل من ذلك، وجود قراري سياسي ، وازدياد نفوذ إيران في داخل سوريا، عبر:
• اعتماد الأسد على قوّة إيرانيّة خاصّة لحمايته النظام، وتعمل جنبًا إلى جنب مع وحدات ماهر الأسد.
• الدور الذي تحتله السفارة الإيرانيّة في عملية التأثير على القرار السياسي في سوريا بل وصناعة القرار الأمني إلى حد كبير، والصلاحيات الكبيرة التي تحظى بها السفارة والقائمون عليها كما بالنسبة إلى كل من يرتبط بها وبشكل يتجاوز السلطات الرسمية السورية نفسها.
• زيادة نسبة تدفّق الإيرانيين إلى سوريا بنسبة فلكيّة خاصّة الذين يأتون لأغراض دينيّة، فقد ارتفع عدد الزوار الإيرانيين لمقام السيدة زينب لوحده في دمشق من 27,000 في العام 1978، إلى 290,000 في عام 2003.
• ازدياد الشيعة المستقرين في سوريا لاسيما من العراقيين والإيرانيين واللبنانيين، خاصّة أنّ تقارير مفوّضية الأمم المتّحدة العليا للاجئين (UNHCR) أشارت إلى أنّ عدد العراقيين في سوريا زاد عام 2007 عن 1.2 مليون (18 مليون عدد السكان آنذاك)، علمًا أنّ تقريرًا كان قد صدر عن المفوّضية أواخر عام 2005 أشار إلى أنّ نسبة الشيعة من اللاجئين العراقيين في سوريا بلغ في ذلك العام 57%. (في السنوات اللاحقة تغيرت النسبة تباعاً).
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتصاعد الحملة العسكرية التي يشنها النظام السوري على المدن والقرى والبلدات السورية وعلى القاطنين فيها من المدنيين، تحوّلت الكثير من هذه المناطق إلى مدن أشباح خالية من سكّانها، وقد أثار قيام النظام بمنح الجنسيّة السورية لأعداد كبيرة من الشيعة مؤخرًا الكثير من المخاوف والهواجس المرتبطة بسيناريوهات المرحلة المقبلة، خاصة أنّ ذلك جاء مترافقًا مع قيامه بالتركيز على عملية إبادة وتهجير ممنهجة لبعض المناطق، وأتبعها بإحراق العديد من مراكز تسجيل الملكيات ومباني التسجيل العقاري كما حصل مؤخرًا في حمص.
وقد أصدر ناشطون سوريون من السويداء بيانًا في 15-7-2013 رفضوا فيه مشروع تجنيس ما يقارب 40 ألفًا من التابعية اللبنانية والعراقية خصوصًا –غالبيتهم من عناصر “حزب الله” اللبناني والعراقي المقاتلة إلى جانب النظام وآخرين مدنيين- ومنحهم نسب عائلات ﻣﻦ عاﺋﻼﺕ الجبل ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﻭاﻷﺻﻠﻴﺔ من سكان المحافظة ومحيطها لإخفاء عمليات التجنيس، وكذلك استملاك أراضي وتوزيعها عليهم.
أبعاد تجنيس الأسد للشيعة اليوم
وبغض النظر عن الرقم الحقيقي للمجنّسين، فإن الثابت أنّ هناك عمليات تجنيس حصلت وتحصل للشيعة لاسيما اليوم، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار المعطيات التي تم ذكرها في سياق التقرير أعلاه، فمن الطبيعي الاستنتاج انّ الرقم سيكون كبيرًا. أمّا لماذا التركيز اليوم على منطقتي حمص والسويداء، فذلك لعدد من الأسباب أهمها:
1- الأهداف العسكرية: الهدف من التجنيس في هذا الإطار هو تهيئة الأرضية الشرعيّة والقانونية للميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام السوري في حربه التي يشنها على المواطنين، وبالتالي فإنه يرفع من فعالية الاستفادة القصوى من هذه الميليشيات ليس في هذه الفترة فقط وإنما في المستقبل.
إذ من المعروف وفقًا للعديد من التسريبات أنّ النظام السوري سيطالب في حال بدء أي عمليّة مفاوضات برحيل كل المقاتلين الأجانب الموجودين داخل الأراضي السوريّة كشرط أوّل، وفي هذه الحالة فإنه يقصد المجموعات التي تقاتله ويستثني منها المجموعات التي تقاتل إلى جانبه؛ لأنّها تكون بموجب القانون سوريّة بعد تنفيذ لعبة التجنيس التي يقوم بها اليوم.
ومن المعروف اليوم أنّ هناك عشرات الآلاف من أفراد الميليشيات الشيعيّة التي أتت من الخارج للمقاتلة إلى جانب النظام السوري لاسيما من العراق ولبنان والتي تضاعف عددها خاصّة بعد دخول حزب الله على الخط، وبعد توقيع الحكومة العراقية والسورية اتفاقًا لرفع التأشيرة بين البلدين، والذي كان الهدف منه تسهيل مرور الميليشيات الداعمة للنظام بشكل شرعي بما لديها من عتاد وأسلحة.
يتناغم مخطط الأسد مع المشروع الجيو-طائفي في لبنان، والذي يباشره حزب الله منذ سنوات طويلة، والذي اكتسب زخمًا بعد العام 2006. اذ عكف خلال السنوات الماضية ولاسيما بعد العام 2006 على شراء أراضي من الطوائف الأخرى السنة والمسيحيين والدروز بمساحات هائلة.
2- الأهداف السياسيّة: يدخل تجنيس الميلشيات الشيعيّة أيضًا في إطار الحسابات السياسيّة القادمة للنظام السوري لمرحلة ما بعد العام 2014 إذا ما ظل صامدًا حتى حينه، وقرر التجديد لنفسه من من خلال الدخول في انتخابات حينما تنتهي ولايته وفق الدستور الحالي في 17/7/2014.
وعلى الرغم من أنّ هذه الكتلة التي تم ويتم تجنيسها قد لا تكون مهمة جدًا من ناحية العدد إذا ما أخذت بالمقارنة بعدد المواطنين السوريين أو الناخبين السوريين، لكنّها مهمة جدًا إذا ما أخذت في سياق:
• تهجير ملايين السوريين حيث من المتوقع أن يصل عدد المهجّرين إلى حوالي 3 ملايين نهاية العام 2013، ولكن أن تتخيلوا حجم هذا الرقم في نهاية عام 2014 إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه اليوم.
• هناك معلومات تشير إلى إمكانية أن يقوم النظام أيضًا باستغلال المهجّرين داخل سوريا واستخدامهم كأداة أيضًا في خطّته هذه من خلال العمل على استقطابهم في مخيّمات داخل سوريا يقيمها هو بنفسه، خاصة مع إعلان الحكومة السورية بداية الشهر الحالي أنّها أقامت بالفعل 830 مركزًا يأوي 170 ألف مواطن من المهجرّين. وإذا ما أضيف هؤلاء إلى المتجنسين وموالي النظام، في ظل غياب الطرف الآخر خارج البلاد فإن المعادلة ستختلف بالضرورة.
• إمكانيّة توظيف هذه الكتلة من المجنسين (مع غيرهم) في إطار مواضيع تتعلّق باستفتاءات قد تكون قادمة، أو في تغيير الخريطة الديمغرافيّة لبعض المناطق بعينها لأهداف تتعلق بسيناريوهات إقامة دولة علوية أو ربما لاحقًا في مرحلة سوريا المستقبل إذا بقيت موحدّة (كوضع الشيعة في لبنان من حيث التبعية لإيران واستخدامهم كأداة).
3- أهداف جيو-طائفية: إذا ما لاحظنا الأماكن التي يقوم النظام السوري بالتلاعب الديمغرافي فيها، فسنجد أنّها تتركّز أساسًا في محافظة حمص وفي منطقة السويداء جنوب سوريا.
ويبلغ تعداد حمص حوالي مليوني نسمة نصفهم في مدينة حمص تقريبًا، وتتوزع التركيبة الطائفية لحمص (حوالي 70% سنّة والباقي علويين ومسيحيين). هجّر معظم السنّة والمسيحيين، في المقابل لم يهجّر أي علوي، بل بالعكس، جُلب شيعة وعلويون من مناطق أخرى ليسكنوا في غير مناطقهم في حمص، وهو بذلك يضمن:
• إعطاء عمق داخلي للدولة العلويّة المفترضة على الساحل السوري في السيناريوهات التي ما زلت مطروحة بالنسبة للنظام، على اعتبار أنّ الشريط الساحلي لوحده لا يمتلك مقومات دولة، وليس لديه أي عمق وسيكون محاصر من السنّة.
• وصل هذه الدولة المفترضة بالشريط الشيعي داخل لبنان (شرق وجنوب لبنان) وذلك عبر غرب محافظة حمص، على اعتبار أنّ منطقة غرب حمص على الحدود اللبنانية حلقة وصل بين علوي وشيعة سوريا (المنتشرين على الساحل السوري وأطراف حمص)، بشيعة لبنان في (الهرمل والبقاع).
• التمهيد في مرحلة لاحقة ربما ووفقًا للمتغيرات الميدانية والعسكرية على الأرض من مد مساحة وجغرافية هذا الامتداد الطائفي إلى شرق سوريا ومحاولة وصله بالعراق، وهو الأمر الذي من شأنه أن يبقي المشروع الشيعي الإيراني حيّا، ويتحوّل السنّة في سوريا ولبنان والعراق إلى أسرى للحصار الشيعي وليس العكس.
ويتناغم هذا المخطط مع المشروع الجيو-طائفي في لبنان، والذي يباشره حزب الله منذ سنوات طويلة، والذي اكتسب زخمًا بعد العام 2006. اذ عكف خلال السنوات الماضية ولاسيما بعد العام 2006 على شراء أراضي من الطوائف الأخرى السنة والمسيحيين والدروز بمساحات هائلة، وبطريقة ممنهجة تحت أغطية متعددة، منها التجاري ومنها الاستثماري ومنها الإنمائي، لكنّها كانت حقيقة من أجل إنشاء امتداد طبيعي للشيعة الموجودين في جنوب لبنان وأولئك الموجودين في البقاع والهرمل، ووصلهم أيضًا بالشيعة الموجودين في سوريا وعلويي الساحل السوري.
وعلى الرغم من أنه يصعب قراءة اختيار النظام في اختيار السويداء كمكان لاستيطان المجنسين الجدد، إلا أنه من الممكن تخمين بضعة احتمالات، ومنها:
• كونها منطقة أقليات، والأقليات أقل ممانعة لهكذا مشروع كما يعتقد النظام.
• زرع النظام سابقًا لمهاجرين شيعة خاصة عراقيين في منطقة درعا القريبة.
• لكون المنطقة قريبة نسبيًّا من الحدود مع إسرائيل فهي ورقة ممتازة للمراوغة مستقبلا سواء في سيناريو شبيه بالسيناريو اللبناني، من حيث ابتزاز إسرائيل أو في سيناريو مقايضة تأمين أمن إسرائيل بالموافقة عبر هذه المنطقة بمقابل الموافقة على سيناريو دولة علوية في الساحل وحمص.
• إقناع الأقليات خارج دولة الساحل بانّهم لن يتعرضوا لأي أذى مع وجود هؤلاء المسلحين كضمانة لهم في سوريا مقسّمة.
أيّا يكن السبب الحقيقي، فإن ما يجري اليوم من تحولات لا بد وأنّ يترك ندوبه العميق على الجسد السوري، وما لم يتم الانتباه إلى هذه الجروح الغائرة وتطهيرها مستقبلاً مع سقوط النظام في أسرع وقت، فإن معالجتها ستصبح شبه مستحيلة مع تحوّلها إلى سرطان يفتك بالجسد السوري
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث