إلى الذين يستبطئون النصر ويشككون في سقوط النظام :
بقلم : أبو ياسر السوري
حين راهن الآخرون على بقاء النظام النصيري ، قلنا لهم : إرادة الشعب لا تقهر ، فلم يصدقنا أحد . وحتى نحن الذين كنا نقولها ، كنا نقولها بشيء من الخوف أحيانا . فنحن في سوريا مبتلون بنظام موغل في الإجرام ، لا يتورع عن ارتكاب أية حماقة في سبيل البقاء في السلطة . نظامٌ يعاقب المعارض وكل أقربائه إلى الدرجة الخامسة من القرابة . البنوة والأبوة والأخوة والعمومة والخؤولة . نظامٌ مرضيٌّ عنه عالميا ، لأنه ضالع في العمالة والخيانة ، شديد الحقد على الدين والقيم والأخلاق .. مما جعله قرة عين اليهودية والمسيحية والمجوسية والشيوعية على مستوى العالم كله . ثم تبين أخيرا أنه مؤيد عربيا أيضا ، لدرجة أن دول الخليج كانت من أقوى مموليه طوال فترة حكمه على مدى أربعة عقود .. والأهم من كل ما سبق ، أن هذا النظام أثبت أنه من بين دول الطوق ، هو الأوفى والأصلح والأكثر محافظة وحماية لأمن إسرائيل ... لهذا قال أحد ابواقه يوما على قناة الجزيرة ، وفي ثقة لا نهاية لها " أنه لن يسقط النظام في سوريا إلا إذا طلعت الشمس من مغربها ، وغربت في مشرقها " ومضمون كلامه يقول : لن يسقط النظام إلا إذا حصلت معجزة كبرى ، كأن تغير الشمس مسارها ، أو يتغير نظام الكون كله ..هكذا كان تفكير النظام بكل مكوناته وقياداته وأبواقه ..

وعلى الرغم من ذلك كله ، فإن السنن الإلهية كانت هي المطمئن الأكبر للأحرار ، فهي تقضي بأن الحكمٍ القائم على الظلم والقهر والاستبداد ، لا ولن يكتب له الاستمرار .. لأن الله تعالى شاء أن يكون العدل هو أساس الملك ، وأن يكون الظلم هو السوس الذي ينخر في ذلك الأساس ، حتى يجعله يتهدم وينهار ... ولن تجد لسنة تبديلا .. ولن تجد لسنة الله تحويلا ..
وهنالك قضية ثانية ، يغفل عنها الناس ، وهي جديرة بأن تكون حاضرة دوما في الاعتبار . ألا وهي " أن إيتاء الملك ونزعه من خصوصيات الله سبحانه وتعالى وحده " فهو مالك الملك ، وبيده تصريفه منحاً ومنعاً ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شيء قدير ) وهذه القضية هي اليوم من الوضوح بمكان ، وإننا لنكاد نلمس لمس اليد ، أن الأقدار الإلهية، هي التي تدخلت وهيأت أسباب قيام الثورة، ورتبت سير الأحداث ، لإسقاط هذا النظام الظالم الغاشم ...  فكان من تدبير الله سبحانه ، أن قامت هذه الثورة بقدر ، لم يخطط له البشر . وما قام بقدر الله لا يمكن رده ، ولا منعه ، ولا قمعه .. وهذا يعني أن الثورة ماضية إلى النصر بخطى ثابته ، ولن يضيرها وقوف كل طغاة الأرض في صفِّ العداء لها ، أو التآمر عليها ، قال تعالى ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) وقال تعالى ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ولن ينفع المتآمرين على الثورة إنفاق المليارات لمساندة الظالم ، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) .
وربما تساءل المرء في نفسه ، فقال : لماذا تأخر النصر . ولماذا يتحمل المسلمون كل هذه التضحيات في الأرواح ، ولماذا تسمح الأقدار بقتل الأطفال وانتهاك أعراض النساء ، وهدم بيوت الله وتدنيسها ، وتشريد الضعفاء والمساكين ، وتعريضهم للذل والهوان والبرد والجوع والموت هنا وهناك من بلاد الله .؟
والجواب على هذه التساؤلات كلها : لو أطاح الله بهذا النظام الظالم دون تضحيات ، فلن يخلفه في تلك الحال إلا نظام ظالم مثله .. ولهذا شاءت الحكمة الإلهية أن ندفع في إسقاطه الثمن غاليا ، لنرجع إلى تعاليم الله في مسالة الحكم ، فلا نسمح بأن يحكمنا بعد اليوم إلا من يخاف الله فينا ، ويحافظ على ديننا وأرواحنا وأموالنا وأعراضنا وعقولنا ... لو سقط النظام بدون هذه التضحيات ، لما عرفنا أهمية الحكم ، وحاجتنا إليه في إصلاح دنيانا وآخرتنا .. لو سقط النظام بسرعة لما انكشفت لنا الأقنعة ، ولما عرفنا عمالة آل الأسد ، وطائفية نصر اللات ، ومجوسية إيران ، والتآمر العربي والعالمي علينا ، وإجماع المنظمات الدولية ، والجامعة العربية ، ومنظمة التعاون الإسلامي على خذلاننا ، وإسلامنا لآلة القتل الأسدية ، التي مارست علينا كل انتهاكات حقوق الإنسان ... إن معرفتنا لهذه الحقائق المؤلمة ضرورية لسلامتنا وسلامة أبنائنا وأحفادنا في مستقبل الأيام .
كان ينبغي أن لا نمكن الفجرة والخونة والمجرمين من رقابنا ، لقد حكمناهم فينا ، ووضعنا مصيرنا كله في أيديهم ، وصبرنا عليهم أربعة عقود ، كانوا فيها يمارسون علينا كل ألوان الفساد والاستبداد ، مما جعل لهم جذورا في الحكم ، وصعَّب علينا مهمة اقتلاعهم منه .. حتى كلفنا ذلك كل هذا الثمن الباهظ ، الذي كان فيه تربية وعقوبة لنا في وقت واحد معا ... قال تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، واعلموا أن الله شديد العقاب ) . إن سكوتنا على ظلم هذا النظام المستبد الفاسد أربعين سنة ، هو الذي أخر النصر عنا ، وفرض علينا كل هذه التكاليف .. وهو الذي يحتم علينا أن نصبر ، وأن لا نلقي السلاح حتى نطيح به ، ولو استمرت معركتنا معه بمقدار ما رضينا بحكمه من سنين .
النظام ساقط يا سادة ، ولن يستمر طويلا . وما يؤخره اليوم عنا إلا افتقارنا إلى ثلاثة أشياء ، لا بد منها لأي جيش مقاتل يريد الانتصار :
1 – صندوق مالي موحد ، تصب فيه كل التبرعات ، وتقوم عليه لجنة رسمية منتخبة من أصحاب المعرفة بالمحاسبة ، ومن ذوي الأمانة والدين . وأن تضبط الحسابات بدقة، بحيث يسجل فيها الوارد والصادر، وفق إجراءات رسمية ، ودفاتر حسابات معروفة للمحاسبين المختصين .
2 – هيئة تسليح عليا ، لها أربعة فروع تتوزع على أربعة المناطق التالية ، المنطقة الجنوبية ، والمنطقة الشمالية ، والمنطقة الشرقية ، والمنطقة الوسطى والساحلية .. وتكون مهمة هذه الهيئة وفروعها ، استلام الغنائم وتوزيع الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية بحسب الحاجة التي تقدرها هيئة الأركان العامة .
3 – هيئة أركان عسكرية من خيرة الضباط ، وقادة الألوية الشرفاء ، وأن يكون لهذه الهيئة فروع في كل منطقة من المناطق الأربع ، التي ذكرناها قبل قليل . ويكون لهيئة الأركان تقدير الحاجة في توزيع السلاح والذخائر .. كما يكون لها تقدير المواقف القتالية ، وتوجيه المقاتلين إلى الجبهات ، أو نقلهم من جبهة لأخرى بحسب الموقف القتالي ..
إن هذه الإجراءات الثلاثة ، سوف تعمل على توحيد صف الثوار ، وتجعل منهم جيشا منظما تنظيما مكتمل الأركان ... وسوف تنزع كل فتائل الخلافات بين الفصائل والسرايا والكتائب والألوية .. وعندها لن يطول بقاء النظام .. لا أقول شهورا .. بل أسابيع أو أيام ..