شبكة #شام الإخبارية - قصة #شهيد
الشهيد أمين قرة علي – جسر الشغور – إدلب
يقدم الملازم أول المهندس" أمين قرة علي" نفسه معلناً انشقاقه في تلبيسة قائلاً: " أنا الملازم أول المهندس أمين قرة علي، من مرتبات اللواء 56 المجموعة 507، أعلن انشقاقي عن كتائب الأسد الغاشمة، وانضمامي إلى كتائب الجيش السوري الحر.." ويفتح أمين ورقة ليقرأ منها: " واستناداً إلى تعليمات قائد الجيش الحر تم تشكيل كتيبة شهداء تلبيسة، من ثلاث سرايا، بقيادة الملازم أول أمين قرة علي، رسالتنا إلى نظام الأسد: جئتك برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة. وإن تنصروا الله ينصركم.. تكبير"
كلمة تكبير تأتي كالعادة قوية وبصوت أعلى، فتعلو التكبيرات حول أمين من صحبةٍ شابة مسلحة شكلت الكتيبة معه، في مكان ما ربما من تلبيسة البطلة، التي تظاهرت سلمياً بقوة، فحوربت واقتُحمت وقدمت الشهداء والجرحى والمعتقلين، مثل سائر بقاع سورية، لكن كان لحمص في تلك الفترة شأن كبير في المقاومة، ومثل يضرب في الصبر والصمود، جعل أفئدة الشباب الثائر تهوي إليها.
وجه جمع براءة الطفولة إلى جمال الفتوة والشباب، بل إن في نظراته وحركاته فرحا وبهجة، وكأنه يقول لنفسه: انظري أين وصلنا، لقد تركنا الفريق الظالم الآثم الفاجر، لقد انتهت ليالي الأرق وعذاب الضمير، الضراعة لله من بعد اليوم ستكون أن أنال من عدوي وأرزق الشهادة، وليس أن أنجوَ من قتل بريء مجاهد أو ثائر.. انظروا إليَّ لقد انتهت رحلة القلق والحذر، وبدأت أيام الاعتزاز وإظهار القوة..
ترى في وقفته غير الرسمية وهو يعلن انشقاقه؛ حماس الشباب وبهجة الشعور بالحرية واستقلال الرأي، ترى في عينيه نظرة حياء مختلفة، بينما تقول حركة الجسم الفتيّ: لا أحب كثيراً الظهور والإعلان عن نفسي، لكني حريص على أداء واجبي والالتزام بأوامر القائد..
وهذا ما كان..
كان انشقاق أمين- حسب التسجيل- بتاريخ19/ 1/ 2012، وجاء في تقرير قناة المشرق( أورينت) أنه في الخامسة والعشرين، وأنه من جسر الشغور في محافظة إدلب..وأنه انشق بالتزامن مع الاقتحامات التي قام بها نظام الأسد في تلبيسة، حرصا منه على الدفاع عن المتظاهرين العزّل، وأنه طُلب للتحقيق مراراً في فرع المخابرات الجوية بدمشق، لشكّهم في أنه يفكر بالانشقاق( فنحن هنا في عالم الأخ الأكبر، عالم جورج أورويل في قصته التنبؤية التي عنونها 1984، حيث يحاول النظام المخابراتي الشرس أن يتنبأ بالأفعال عبر قراءة العواطف والأفكار) ولكن يبدو أن أميناً كان من الذكاء بحيث صرف الأنظار عنه، حتى حقق ما خطط له من الانشقاق.
عاش أمين أسبوعين فقط ما بين الانشقاق والشهادة، إذ تذكر قناة المشرق أنه استشهد بتاريخ 4- 2- 2012 في مواجهات مع قوات النظام، بعد أن خاضت كتيبته عدة معارك.
ولم يستطع أهله وذووه الحصول على جثمانه الذي ترك في الرستن، مع غيره من الشهداء..
من رسالة أمه وأبيه له بعد استشهاده، يبدو لك أنه نشأ في بيئة متعلمة، ذات إباء ووعي بهموم بلادنا، وأمتنا، فقد استعار الأب عبارة الخنساء فقال: " الحمد لله الذي شرفني با ستشهاده وأرجو أن يجمعني به في مستقر رحمته".
وكتبت أمه:" إلى مهجة قلبي أمين الغالي أحتسبك عند الله شهيداً راجية الله عز وجل أن يقبلك شهيداً ويجعل منزلك في فردوس الجنان الأعلى مع النبيين والصديقين ويزوجك بالحور العين ويجمعني معك في جنان الخلد .. آمين) من أم الشهيد بإذن الله)" .
وحفلت صفحته في فترة استشهاده بسطور حزينة من الأهل والصحب، منها أبيات معبرة موزونة من الشعر، تركها خال له، يبين فيها شوق الشهيد للقاء ربه، وأنه أمَّ أصحابه في صلاة الفجرِ يوم شهادته كالمودع.. ويضمِّن الخال أبياتَه مالم يذكره غيره: من أن يوم شهادة أمين، وكان يوم السبت، وافق يوم مولد محمد صلى الله عليه وسلم:
وفـــــي تلبيسةَ الْغـــرّاء أبلى= شــفى بِــبَلائِـه صدْرًا حزينا
وزالتْ شمسُ ذاك الْيَومِ ظُهْـرًا= وكان يـدُكّ لِلْـبَغي الْحصُــونا
ولكـــنّ المَــنِـيّـــةَ عاجَـلتــــه= فلبّــــاهـا وقال: لقد أَتَــيْنــا
لَقَـــــد وافَــتْهُ فيْ يَــوم أغـــرٍّ= بِـيَــومِ ولادَةِ الهَــادي نَبِــيْنا
بُـعَـيْدَ الظّهْــر فاضت نفْـسُ حُــرٍ= "أمينٍ" كانَ مُؤْتَمَـنـًأ أمينـا
أما أبيات أحد أصدقائه فتشير إلى شاب نشأ على أحلام كبيرة، وعاش بوعي وجدية، ولم تكن مجازفةُ انشقاقه وانضمامه إلى الجيش الحر، محض غلَبة عاطفةٍ ضد الظلم والقهر، بل كان هنالك همّ وقضية، إذ جاء في القصيدة الحزينة:
أولم نمضي على الحق معاً= كي يعودَ الخير للأرض اليباب
فمضينا في طريق شائك= نتخلّى فيه عن كل الرغاب
ودفنّا الشوقَ في أعماقنا= ومضينا في رضاء واحتساب
قد تعاهدنا على السير معاً= ثم أعجلتَ مُجيباً للذهاب
وكتب أحد أصدقائه قائلا: " بالأمس قلت لي ستسمع مايسرك ، لعلك قصدت الشهادة.." .
كذلك ذُكر أنه اتصل بأمه قبل يوم من استشهاده وقال لها: الثورة منتصرة برجالاتها الأحرار" .
ومثل غيره من الشهداء تجد تسجيلات تزفّه، وتهنئ أهله، وتعاهده على السير في الطريق نفسها، مرفقة بصوره في بيته وفي بعض رحلاته، مبتسماً، ضاحكاً بين الرفاق والأهل، أو فخوراً بلباسه العسكري: أحلام شابة وحياة شابة، سرعان ما اكتشفت طريقها المختصرة نحو الخلود..
رحمك الله يا أمين وربط على قلوب أهلك ومحبيك..
فاطمة صالح – من كتاب سيرة مئة قمر سوري – منشورات تيار العدالة الوطني 2013
الشهيد أمين قرة علي – جسر الشغور – إدلب
يقدم الملازم أول المهندس" أمين قرة علي" نفسه معلناً انشقاقه في تلبيسة قائلاً: " أنا الملازم أول المهندس أمين قرة علي، من مرتبات اللواء 56 المجموعة 507، أعلن انشقاقي عن كتائب الأسد الغاشمة، وانضمامي إلى كتائب الجيش السوري الحر.." ويفتح أمين ورقة ليقرأ منها: " واستناداً إلى تعليمات قائد الجيش الحر تم تشكيل كتيبة شهداء تلبيسة، من ثلاث سرايا، بقيادة الملازم أول أمين قرة علي، رسالتنا إلى نظام الأسد: جئتك برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة. وإن تنصروا الله ينصركم.. تكبير"
كلمة تكبير تأتي كالعادة قوية وبصوت أعلى، فتعلو التكبيرات حول أمين من صحبةٍ شابة مسلحة شكلت الكتيبة معه، في مكان ما ربما من تلبيسة البطلة، التي تظاهرت سلمياً بقوة، فحوربت واقتُحمت وقدمت الشهداء والجرحى والمعتقلين، مثل سائر بقاع سورية، لكن كان لحمص في تلك الفترة شأن كبير في المقاومة، ومثل يضرب في الصبر والصمود، جعل أفئدة الشباب الثائر تهوي إليها.
وجه جمع براءة الطفولة إلى جمال الفتوة والشباب، بل إن في نظراته وحركاته فرحا وبهجة، وكأنه يقول لنفسه: انظري أين وصلنا، لقد تركنا الفريق الظالم الآثم الفاجر، لقد انتهت ليالي الأرق وعذاب الضمير، الضراعة لله من بعد اليوم ستكون أن أنال من عدوي وأرزق الشهادة، وليس أن أنجوَ من قتل بريء مجاهد أو ثائر.. انظروا إليَّ لقد انتهت رحلة القلق والحذر، وبدأت أيام الاعتزاز وإظهار القوة..
ترى في وقفته غير الرسمية وهو يعلن انشقاقه؛ حماس الشباب وبهجة الشعور بالحرية واستقلال الرأي، ترى في عينيه نظرة حياء مختلفة، بينما تقول حركة الجسم الفتيّ: لا أحب كثيراً الظهور والإعلان عن نفسي، لكني حريص على أداء واجبي والالتزام بأوامر القائد..
وهذا ما كان..
كان انشقاق أمين- حسب التسجيل- بتاريخ19/ 1/ 2012، وجاء في تقرير قناة المشرق( أورينت) أنه في الخامسة والعشرين، وأنه من جسر الشغور في محافظة إدلب..وأنه انشق بالتزامن مع الاقتحامات التي قام بها نظام الأسد في تلبيسة، حرصا منه على الدفاع عن المتظاهرين العزّل، وأنه طُلب للتحقيق مراراً في فرع المخابرات الجوية بدمشق، لشكّهم في أنه يفكر بالانشقاق( فنحن هنا في عالم الأخ الأكبر، عالم جورج أورويل في قصته التنبؤية التي عنونها 1984، حيث يحاول النظام المخابراتي الشرس أن يتنبأ بالأفعال عبر قراءة العواطف والأفكار) ولكن يبدو أن أميناً كان من الذكاء بحيث صرف الأنظار عنه، حتى حقق ما خطط له من الانشقاق.
عاش أمين أسبوعين فقط ما بين الانشقاق والشهادة، إذ تذكر قناة المشرق أنه استشهد بتاريخ 4- 2- 2012 في مواجهات مع قوات النظام، بعد أن خاضت كتيبته عدة معارك.
ولم يستطع أهله وذووه الحصول على جثمانه الذي ترك في الرستن، مع غيره من الشهداء..
من رسالة أمه وأبيه له بعد استشهاده، يبدو لك أنه نشأ في بيئة متعلمة، ذات إباء ووعي بهموم بلادنا، وأمتنا، فقد استعار الأب عبارة الخنساء فقال: " الحمد لله الذي شرفني با ستشهاده وأرجو أن يجمعني به في مستقر رحمته".
وكتبت أمه:" إلى مهجة قلبي أمين الغالي أحتسبك عند الله شهيداً راجية الله عز وجل أن يقبلك شهيداً ويجعل منزلك في فردوس الجنان الأعلى مع النبيين والصديقين ويزوجك بالحور العين ويجمعني معك في جنان الخلد .. آمين) من أم الشهيد بإذن الله)" .
وحفلت صفحته في فترة استشهاده بسطور حزينة من الأهل والصحب، منها أبيات معبرة موزونة من الشعر، تركها خال له، يبين فيها شوق الشهيد للقاء ربه، وأنه أمَّ أصحابه في صلاة الفجرِ يوم شهادته كالمودع.. ويضمِّن الخال أبياتَه مالم يذكره غيره: من أن يوم شهادة أمين، وكان يوم السبت، وافق يوم مولد محمد صلى الله عليه وسلم:
وفـــــي تلبيسةَ الْغـــرّاء أبلى= شــفى بِــبَلائِـه صدْرًا حزينا
وزالتْ شمسُ ذاك الْيَومِ ظُهْـرًا= وكان يـدُكّ لِلْـبَغي الْحصُــونا
ولكـــنّ المَــنِـيّـــةَ عاجَـلتــــه= فلبّــــاهـا وقال: لقد أَتَــيْنــا
لَقَـــــد وافَــتْهُ فيْ يَــوم أغـــرٍّ= بِـيَــومِ ولادَةِ الهَــادي نَبِــيْنا
بُـعَـيْدَ الظّهْــر فاضت نفْـسُ حُــرٍ= "أمينٍ" كانَ مُؤْتَمَـنـًأ أمينـا
أما أبيات أحد أصدقائه فتشير إلى شاب نشأ على أحلام كبيرة، وعاش بوعي وجدية، ولم تكن مجازفةُ انشقاقه وانضمامه إلى الجيش الحر، محض غلَبة عاطفةٍ ضد الظلم والقهر، بل كان هنالك همّ وقضية، إذ جاء في القصيدة الحزينة:
أولم نمضي على الحق معاً= كي يعودَ الخير للأرض اليباب
فمضينا في طريق شائك= نتخلّى فيه عن كل الرغاب
ودفنّا الشوقَ في أعماقنا= ومضينا في رضاء واحتساب
قد تعاهدنا على السير معاً= ثم أعجلتَ مُجيباً للذهاب
وكتب أحد أصدقائه قائلا: " بالأمس قلت لي ستسمع مايسرك ، لعلك قصدت الشهادة.." .
كذلك ذُكر أنه اتصل بأمه قبل يوم من استشهاده وقال لها: الثورة منتصرة برجالاتها الأحرار" .
ومثل غيره من الشهداء تجد تسجيلات تزفّه، وتهنئ أهله، وتعاهده على السير في الطريق نفسها، مرفقة بصوره في بيته وفي بعض رحلاته، مبتسماً، ضاحكاً بين الرفاق والأهل، أو فخوراً بلباسه العسكري: أحلام شابة وحياة شابة، سرعان ما اكتشفت طريقها المختصرة نحو الخلود..
رحمك الله يا أمين وربط على قلوب أهلك ومحبيك..
فاطمة صالح – من كتاب سيرة مئة قمر سوري – منشورات تيار العدالة الوطني 2013