الثورة السورية .. التطور الاستراتيجي -
مهنّا الحبيل
مشهدان سنبدأ بهما دلالات تطورات الثورة السورية وما نعنيه من انعطاف محوري للأحداث: الأول يبدو مشهدا بسيطا لكن له رسالته العميقة بالربط مع البرنامج العام هذا المشهد هو ما تعرض له الرئيس بشار الأسد في خطابه الثاني عن الأحداث الذي ألقاه في مدرج جامعة دمشق مع حشد من معاونيه ومن أنصاره فخلال الخطاب تعرّض الرئيس لغصّة جعلت كلامه ينقطع دون مفردة واضحة وإذا بالجمهور المحتشد يضج بالتصفيق فقط بعد غصة الرئيس .. ونحن نعرض المشهد كما جاء على الهواء، أما المشهد الثاني فهو مئات اللقطات وعشرات الأفلام التي بدأت تهطل على عالم اليوتيوب والإعلام الجديد بعد خطاب الرئيس مباشرة بل إن بعضها كان قبيل اختتامه لكلمته، وكانت هذه الأفلام الموثقة من غالبية مدن القطر السوري تُصوّر حركة الرفض الشديدة لخطاب الرئيس بشار الأسد وتُجدد مطالبها بإسقاط نظامه ورفض الحوار مع ملاحظة أن هذا الخطاب يأتي في ذروة حركة القتل للمتظاهرين السلميين والحرب العسكرية التي شُنّت على مدن الاحتجاج الرئيسية وخاصة الشريط الحدودي ولكن كان الأفدح توثيق برنامج الاغتصاب الحقير التي تعرضّت لها بعض الحالات في هذه المنطقة الريفية على الحدود التركية.
ورغم محاولات النظام تفجير الحالة طائفيا واستماتته لذلك الغرض مع خدمة الإعلام الإيراني والحزب اللبناني الموالي له في هذا الضجيج إلاّ أنّ الثورة السورية أسقطت بتفوق هذا الضجيج منذ بدايات الثورة ثم كان إعلان الجمعة قبل الماضية باسم الشيخ صالح العلي - جمعة الوحدة الوطنية - والتي كانت من أقوى جُمع الحراك الشعبي الاحتجاجي لتسجل الثورة وجودا قويا راسخا في خطابها الوطني خاصة بان الشيخ صالح العلي وهو احد الزعماء العشائريين من أبناء الطائفة العلوية الذين خاضوا الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي ورفض استدراج الفرنسيين له وعرضهم عليه أن يقيم دولة علوية مقابل مناهضته للثورة فاصطف مع الثوار في حركة الوحدة الوطنية لسوريا، وكأنما استدعاء هذا التاريخ النضالي الوحدوي رسالة حسم للداخل والخارج لثقافة هذه الثورة وقوة وعيها الوطني.
لكن الانعطاف المهم للغاية لدلالات المشهد السوري هو أن ما أثبتته الثورة هو تمتعها بعنصر القيادة والحسم الذاتي وقوة التحامها مع الشعب واندماجها وهو ما سنفُصله في النقاط التالية:
1- أظهرت الثورة السورية صعودا مضطردا على الأرض وتزايداً في شعبيتها وارتفاعا في حصيلة روح التضحية والفدائية لمناضليها من كل الشرائح والأعمار خاصة شباب وصبايا الشام بل وحركة الاحتجاج الطفولية البريئة.
2- قوة التناغم والتغطية الذاتية بين الداخل الثوري والإعلام الجديد والفضائي العربي والعالمي وكيف تحول ثلة في كل مدينة من الشباب والصبايا إلى مراسلين فدائيين ينقلون قصة الشعب العظيم وقرار حريته رغم دموية المشهد الذي زاد إصرار الإعلاميين الفدائيين بصدورهم العارية وعزّز ثقة العالم بهم.
3- حركة تطور التضامن المذهل بين مدن وقرى وريف وبوادي القطر وتلك المسارعة لتحريك برنامج التظاهر الاحتجاجي لنصرة المدن المحاصرة ورفع درجة الالتحام المعنوي والمادي بتهريب الأغذية وحليب الأطفال ونقل الهواتف الفضائية بينهم رغم ندرتها.
4- وهو العامل القوي مركزيا ونقصد ثقافة التنسيقيات ولغتها الوطنية التضامنية وتواجدها الميداني المنظم وسرية برنامجها وتصعيد خطابها , ثم إعلانها المركزي الذي تضمن عرض المرحلة الانتقالية على النظام بصيغة سياسية وطنية راقية رغم علم الجميع لرفض النظام لقرار التغيير لكن مستوى الوعي السياسي والبرنامج المدني للبيانات أعطى ثقة إضافية إضافة إلى دقة تعاطي الميدان مع بياناتها.
5- قوة القيادة الجمعية لدى التنسيقيات في مدن القطر والإعلان عن اتحاد التنسيقيات العام لكل القطر والاستعداد لإعلان المجلس الانتقالي الموحد مع فروعه في مدن القطر لكن اُحتفظ بهذه الخطوة إلى توقيتها المناسب.
6- سنلاحظ أنّ هذه العناصر شكّلت عنصر ثقة آخر ورئيسيا جدا وهو أنّ الثورة وقيادتها الميدانية باتت تتصدر المشهد وتنفذ خطتها ولا تنتظر البعد التركي أو العربي أو العالمي مع موقف العرب الرسمي المخزي الذي لم يقرأ الرسالة جيدا , المهم أن الداخل والخارج بات ينظر بإعجاب وثقة للقيادات الميدانية ورؤيتها في قرار تحريك الجماهير المركزي نحو حسم الثورة سلميا كمدار نهائي تتوجه فيه نحو هدفها الأخير.
تشجيع استيعاب العناصر والمفارز العسكرية التي تمردت رفضا للمشاركة في قتل الشعب وتسجيل شهاداتهم الموثقة للأوامر التي صدرت لهم وحركة الشبيحة التي فُضحت ومن ثم إعادة تجميعهم وعدم الزج بهم في أي عمل عسكري وربما كان الرهان توجيههم لحماية الزحف الشعبي في أوقات الإعلان الأخير.
وبلا شك فان حراك المعارضة السورية والحقوقية في الخارج كان عنصر إسناد كبير وحيوي وحركة سوريي المهجر التضامنية وقد نسّق برنامجه بصورة ممتازة خاصة حين أعلن أن أعماله وجهوده تنصب على خدمة الشعب في الداخل والإسناد السياسي والمعنوي لهم وان القرار المركزي سيكون لدى قيادة الشعب الميدانية التي ستُشكّل التنسيقيات عمودها المركزي دون أي تورط مع البعد العسكري الدولي الذي أعلنت الثورة رفضها المطلق له خاصة بعد تجربة ليبيا المثيرة للمخاوف.
ورغم الآلام والتضحيات إلا أننا يتبين لنا دقة معنى الانعطاف النوعي الناجح للثورة السورية الذي بدأت حلب وأحياء جديدة من دمشق تتحد معها في إشارة مهمة تعكسها تلك الهتافات الليلية والنهارية التي تستمر طوال الأسبوع ثم تشتعل الجمع في تصعيد ممنهج يقول: إن الشعب لا محالة بهذه الإرادة التي يباركها الله لشآم رسوله يقطف ثمرة تضحيته ..سوريا عربية ديمقراطية حرة ..عليها لا مساومة.
مهنّا الحبيل
مشهدان سنبدأ بهما دلالات تطورات الثورة السورية وما نعنيه من انعطاف محوري للأحداث: الأول يبدو مشهدا بسيطا لكن له رسالته العميقة بالربط مع البرنامج العام هذا المشهد هو ما تعرض له الرئيس بشار الأسد في خطابه الثاني عن الأحداث الذي ألقاه في مدرج جامعة دمشق مع حشد من معاونيه ومن أنصاره فخلال الخطاب تعرّض الرئيس لغصّة جعلت كلامه ينقطع دون مفردة واضحة وإذا بالجمهور المحتشد يضج بالتصفيق فقط بعد غصة الرئيس .. ونحن نعرض المشهد كما جاء على الهواء، أما المشهد الثاني فهو مئات اللقطات وعشرات الأفلام التي بدأت تهطل على عالم اليوتيوب والإعلام الجديد بعد خطاب الرئيس مباشرة بل إن بعضها كان قبيل اختتامه لكلمته، وكانت هذه الأفلام الموثقة من غالبية مدن القطر السوري تُصوّر حركة الرفض الشديدة لخطاب الرئيس بشار الأسد وتُجدد مطالبها بإسقاط نظامه ورفض الحوار مع ملاحظة أن هذا الخطاب يأتي في ذروة حركة القتل للمتظاهرين السلميين والحرب العسكرية التي شُنّت على مدن الاحتجاج الرئيسية وخاصة الشريط الحدودي ولكن كان الأفدح توثيق برنامج الاغتصاب الحقير التي تعرضّت لها بعض الحالات في هذه المنطقة الريفية على الحدود التركية.
ورغم محاولات النظام تفجير الحالة طائفيا واستماتته لذلك الغرض مع خدمة الإعلام الإيراني والحزب اللبناني الموالي له في هذا الضجيج إلاّ أنّ الثورة السورية أسقطت بتفوق هذا الضجيج منذ بدايات الثورة ثم كان إعلان الجمعة قبل الماضية باسم الشيخ صالح العلي - جمعة الوحدة الوطنية - والتي كانت من أقوى جُمع الحراك الشعبي الاحتجاجي لتسجل الثورة وجودا قويا راسخا في خطابها الوطني خاصة بان الشيخ صالح العلي وهو احد الزعماء العشائريين من أبناء الطائفة العلوية الذين خاضوا الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي ورفض استدراج الفرنسيين له وعرضهم عليه أن يقيم دولة علوية مقابل مناهضته للثورة فاصطف مع الثوار في حركة الوحدة الوطنية لسوريا، وكأنما استدعاء هذا التاريخ النضالي الوحدوي رسالة حسم للداخل والخارج لثقافة هذه الثورة وقوة وعيها الوطني.
لكن الانعطاف المهم للغاية لدلالات المشهد السوري هو أن ما أثبتته الثورة هو تمتعها بعنصر القيادة والحسم الذاتي وقوة التحامها مع الشعب واندماجها وهو ما سنفُصله في النقاط التالية:
1- أظهرت الثورة السورية صعودا مضطردا على الأرض وتزايداً في شعبيتها وارتفاعا في حصيلة روح التضحية والفدائية لمناضليها من كل الشرائح والأعمار خاصة شباب وصبايا الشام بل وحركة الاحتجاج الطفولية البريئة.
2- قوة التناغم والتغطية الذاتية بين الداخل الثوري والإعلام الجديد والفضائي العربي والعالمي وكيف تحول ثلة في كل مدينة من الشباب والصبايا إلى مراسلين فدائيين ينقلون قصة الشعب العظيم وقرار حريته رغم دموية المشهد الذي زاد إصرار الإعلاميين الفدائيين بصدورهم العارية وعزّز ثقة العالم بهم.
3- حركة تطور التضامن المذهل بين مدن وقرى وريف وبوادي القطر وتلك المسارعة لتحريك برنامج التظاهر الاحتجاجي لنصرة المدن المحاصرة ورفع درجة الالتحام المعنوي والمادي بتهريب الأغذية وحليب الأطفال ونقل الهواتف الفضائية بينهم رغم ندرتها.
4- وهو العامل القوي مركزيا ونقصد ثقافة التنسيقيات ولغتها الوطنية التضامنية وتواجدها الميداني المنظم وسرية برنامجها وتصعيد خطابها , ثم إعلانها المركزي الذي تضمن عرض المرحلة الانتقالية على النظام بصيغة سياسية وطنية راقية رغم علم الجميع لرفض النظام لقرار التغيير لكن مستوى الوعي السياسي والبرنامج المدني للبيانات أعطى ثقة إضافية إضافة إلى دقة تعاطي الميدان مع بياناتها.
5- قوة القيادة الجمعية لدى التنسيقيات في مدن القطر والإعلان عن اتحاد التنسيقيات العام لكل القطر والاستعداد لإعلان المجلس الانتقالي الموحد مع فروعه في مدن القطر لكن اُحتفظ بهذه الخطوة إلى توقيتها المناسب.
6- سنلاحظ أنّ هذه العناصر شكّلت عنصر ثقة آخر ورئيسيا جدا وهو أنّ الثورة وقيادتها الميدانية باتت تتصدر المشهد وتنفذ خطتها ولا تنتظر البعد التركي أو العربي أو العالمي مع موقف العرب الرسمي المخزي الذي لم يقرأ الرسالة جيدا , المهم أن الداخل والخارج بات ينظر بإعجاب وثقة للقيادات الميدانية ورؤيتها في قرار تحريك الجماهير المركزي نحو حسم الثورة سلميا كمدار نهائي تتوجه فيه نحو هدفها الأخير.
تشجيع استيعاب العناصر والمفارز العسكرية التي تمردت رفضا للمشاركة في قتل الشعب وتسجيل شهاداتهم الموثقة للأوامر التي صدرت لهم وحركة الشبيحة التي فُضحت ومن ثم إعادة تجميعهم وعدم الزج بهم في أي عمل عسكري وربما كان الرهان توجيههم لحماية الزحف الشعبي في أوقات الإعلان الأخير.
وبلا شك فان حراك المعارضة السورية والحقوقية في الخارج كان عنصر إسناد كبير وحيوي وحركة سوريي المهجر التضامنية وقد نسّق برنامجه بصورة ممتازة خاصة حين أعلن أن أعماله وجهوده تنصب على خدمة الشعب في الداخل والإسناد السياسي والمعنوي لهم وان القرار المركزي سيكون لدى قيادة الشعب الميدانية التي ستُشكّل التنسيقيات عمودها المركزي دون أي تورط مع البعد العسكري الدولي الذي أعلنت الثورة رفضها المطلق له خاصة بعد تجربة ليبيا المثيرة للمخاوف.
ورغم الآلام والتضحيات إلا أننا يتبين لنا دقة معنى الانعطاف النوعي الناجح للثورة السورية الذي بدأت حلب وأحياء جديدة من دمشق تتحد معها في إشارة مهمة تعكسها تلك الهتافات الليلية والنهارية التي تستمر طوال الأسبوع ثم تشتعل الجمع في تصعيد ممنهج يقول: إن الشعب لا محالة بهذه الإرادة التي يباركها الله لشآم رسوله يقطف ثمرة تضحيته ..سوريا عربية ديمقراطية حرة ..عليها لا مساومة.