هل أصبحت سوريا صفقة بين مرسي وبوتن ؟
بقلم : أبو ياسر السوري
في المؤتمر الصحفي الذي قام به الرئيسان بوتن ومرسي ، شبه إعلان عن صفقة بيع وشراء . كانت سوريا هي السلعة المباعة فيها ، وكان البائع فخامة الرئيس مرسي ، وكان الشاري فخامة الرئيس بوتن . بيع من لا يملك لمن لا يستحق .
قال مرسي في كلمته التي ألقاها في هذا المؤتمر الصحفي :
( ... وبحثنا أيضا مع الرئيس بوتن تطورات الأوضاع الإقليمية ، وكان على رأس هذه الموضوعات وقمتها الملف السوري ، وقد حظي هذا الملف باهتمام كبير من كلا الجانبين ، في محاولة للتوصل إلى تسوية سريعة للأزمة . وأنا أقدر جدا وجهة النظر والموقف الروسي تجاه حل الأزمة السورية ) .
والعالم كله يعلم أن الموقف الروسي من الأزمة السورية هو : عدم اعترافهم بالثورة السورية ، واعتبارها شغبا يجب قمعه والقضاء على القائمين به . لذلك هم يصرون على بقاء الأسد رئيسا لغاية انتهاء فترة رئاسته في عام 2014 م ، ويرون أن له الحق في الترشح للرئاسة بعدها لفترة ثالثة ، كما ويصر الساسة الروس على استمرار ضخ السلاح والذخيرة لحليفهم الأسد ، الذي يقتل شعبه به . ثم إنهم يساعدونه بالخبراء لإطلاق الصواريخ البلاستية ، والطيارين الذين يقصفون منازل المواطنين السوريين في مدنهم وقراهم ... هذا هو الموقف الروسي وهذه هي وجهة نظر الروس في الشأن السوري .. وحين يصرح مرسي في هذا اللقاء الصحفي قائلا ( ... وأنا أقدر جدا وجهة النظر والموقف الروسي تجاه حل الأزمة السورية ) فهذا يعني أنه يتبنى وجهة النظر الروسية بحذافيرها . ومما يؤكد هذا ، أن الروس لم يتزحزحوا عن موقفهم الذي أعلنوه في بدء الأزمة وحتى اليوم قيد أنملة ، فهم ما زالوا يطالبون ببقاء الأسد ، وأن تجلس المعارضة معه على طاولة الحوار لتعلن توبتها عما بدر منها من تمرد وعصيان . وعبثا حاولت أمريكا وفرنسا وإنجلترا أن تزحزح الروس عن موقفهم هذا ، فلم يتمكنوا مما أرادوا . وليس من المعقول أن ينجح مرسي في إقناع الروس بما عجزت عنه دول أوربا وأمريكا مجتمعين ..
إذن ، فحين قال مرسي في هذا المؤتمر ( وقد حظي الملف " السوري " باهتمام كبير من كلا الجانبين ، في محاولة للتوصل إلى تسوية سريعة للأزمة ) إنما كان يعني أن الصفقة تمت سريعا ، وأن مرسي باع سوريا وقضيتها للروس بخيانة الأشقاء السوريين ، لقاء ثمن موعود به في المستقبل ، عبر مرسي عنه بقوله : ( ... كما أود أن أؤكد على قناعتي بأن العلاقات المصرية الروسية ستشهد انطلاقة خلال المرحلة المقبلة . تقوم على مراعاة المصالح المشتركة بين الطرفين والاحترام المتبادل . تستند لوجود إمكانات واعدة لبلدينا ومساحات كبيرة للتعاون والتكامل في كثير من المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتعليمية والثقافية . الإقليمية منها والدولية ) . ونفهم من هذا الكلام أن تطابق وجهات النظر بين مصر والروس على بقاء الأسد ، والوقوف معه لقمع الثورة ، ثمنه مصالح مشتركة بين البلدين ، ستشهد انطلاقة خلال المرحلة المقبلة .
وطالما أن مرسي صار ممن يتحدث بالمصالح ، على حساب المبادئ ، وطالما أن إخوان مصر أصبحوا يقدمون مصلحة الدنيا على مصلحة الدين ، حتى قال قائلهم ذات يوم على الهواء " أينما تكون المصلحة فثم الدين " وهي قاعدة شرعية ، ولكنها بالطبع لا تعني تحقيق مصالح الدنيا بضياع مبادئ الإسلام . لأن الأولوية للمصلحة الدينية على ما عداها باتفاق العلماء . أقول : طالما أن سياسة الإخوان سلكت هذه السبيل ، فتعالوا بنا نتساءل : ما الذي حمل مرسي على زيارة موسكو ؟ وهو يعلم أن الذهاب إلى موسكو وعقد الاتفاقيات العديدة معها ، مما لا يسر أمريكا ، ولا الغرب الأوربي .؟
والذي أراه – تخمينا وليس يقينا – أن هذه الزيارة الرفيعة المستوى ، ودعوة مرسي لبوتن أن يزور مصر متى شاء .. تحمل في طياتها أكثر من دلالة يمكن إجمالها بالآتي :
لقد أحس مرسي أن الكرسي بدأ يهتز من تحته ، وأن أمريكا لم تعد مرتاحة لبقاء الإخوان في السلطة المصرية ، خصوصا بعد انتفاضة الأقباط عليهم ، ثم انتفاضة الفلول من أتباع مبارك على الدستور ، وانتفاضتهم على الوثيقة الملحقة به .. وقد لوحظ أن الإخوان لم ينجحوا في احتواء هذه الانتفاضات . وقد تجلى ضعف مرسي في إدارة الأزمات ، واضطر إلى إصدار عدد من المراسيم والتراجع عنها ... ويبدو أن الغرب بدأ يفكر بإقصاء الإخوان ، وتسليم الدفة للفلول من أتباع مبارك . لذلك انطلق مرسي على وجه السرعة إلى موسكو ، ليجد له ملاذا من سخط الأمريكان والغرب .. فقام بهذه الزيارة ، ليقول للغرب لئن تخليتم عني ، فلا علي من الذهاب لحضن دافئ أحتمي به وأعتمد عليه . ولعل مرسي يقتدي في موقفه هذا بالرئيس الراحل عبد الناصر ، حين حول وجهه إلى روسيا نكاية بالغرب المنحاز إلى إسرائيل، ضد الأمة العربية وعلى رأسها مصر . فقد حصلت مصر آنذاك من روسيا كل ما طلبت من سلاح وعتاد ودعم سياسي في المحافل الدولية . ونالت مصر يومها ما نالت ، وهي صاحبة الفضل في تلك العلاقة بين البلدين ، وكانت تتمتع بكل احترام وتقدير . فقد كان لعبد الناصر مكانة راسخة لدى الشعوب العربية ، وكان ينظر إليه يومها على أنه زعيم قومي عربي منقطع النظير ، شرق ذكره في البلاد وغرب ، وملأ الدنيا وشغل الناس . وكانت كلمة منه تحرك الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه .. هذه حقيقة عشناها ، سواء أقر أعداؤه حكام مصر اليوم بهذا الكلام أم أنكروه .
ثم تعرضت مصر بعده وفاة عبد الناصر سنة 1970 للتقزيم على مدى 43 سنة ، ولم يعد لمصر ذلك الوزن الكبير بين الدول العربية . ولم تعد مصر معنية بغيرها من الدول العربية ، لا في زمن السادات ولا في زمن مبارك . وهذا ما قزم دورها وحجمها ، حتى صارت تجيء في الأهمية والوزن الدولي بعد السعودية وقطر والكويت والإمارات . ولهذا لن تكون زيارة مرسي لبوتن مثمرة كزيارة عبد الناصر لموسكو أيام خروتشوف . كانت مصر يومها تمثل أمة بكامل تعدادها وكامل إمكاناتها ، وكامل قدراتها . ولكنها اليوم لا أراها تمثل إلا نفسها . وليس لها وزن إلا بمقدار عشر ما كان لها في ذلك الحين ..
كانت مصر تطلب فتعطى ، وتهدد فيحسب لها ألف حساب . أما اليوم فقد تغير الحال ، ومصر مضطرة إلى التزلف والتملق لتنال من روسيا بعض ما تريد ، وليس كل ما تريد .
ومن هنا ، نجد لهجة التملق واضحة في كلمات مرسي ، فاسمع إليه وهو يخاطب الرئيس بوتن بقوله : ( يا فخامة الرئيس ، إن حرصنا على تعميق التعاون مع روسيا الصديقة ينبع من إدراكنا المكانة الهامة التي تتمتع بها روسيا ) .
فقوله ( يا فخامة الرئيس ) كلمة لا تكون إلا من الأدنى إلى الأعلى . وقوله ( روسيا الصديقة ) عبارة لا محل لها من الإعراب . لأن مصر مر عليها أكثر من 43 سنة وهي بعيدة عن روسيا ، فقد علمنا أن أنور السادات قام بطرد الخبراء الروس ، وزار إسرائيل وعقد معها اتفاقية كامب ديفيد ، وولى وجهه تجاه البيت الأبيض . ثم سار مبارك على دربه ، ووطد علاقاته بإسرائيل أكثر فأكثر ، وأدار ظهره للأمة العربية وللقضية الفلسطينية، حتى أمر بسد الأنفاق لخنق الفلسطينيين في غزة أيام العدوان الإسرائيلي الأخير ، وكان مستشاره الخاص جلعاد أليعازر اليهودي . وكانت العلاقات بين مصر وروسيا أوهى من بيت العنكبوت .
فما هذه الصداقة المصرية الروسية المزعومة ، التي يتحدث عنها الرئيس مرسي اليوم . إنه بدون شك يشير إلى صداقة مستحدثة ، قد عزم أن ينشئها هو على حساب الدماء السورية . وكأنه يقول : أيها الروس ، ضعوا أيديكم في يدي . وكما استغنيت بالتقارب مع إيران عن التقارب مع دول الخليج . أستغني بكم عن أمريكا والغرب كله .
وهكذا ، يمكن القول : إن مصر تتهاوى في منحدر التقزيم ، رئيسا بعد رئيس ، ويوما بعد يوم . ولن تجني من إيران إلا الخذلان ، ولن تجني من صلتها بالروس إلا مزيدا من الخسران .
وأخيرا ، نقول لمرسي ولروسيا : إن سوريا ليست للبيع ولا للشراء ، إن سوريا هي بلاد الشام ، وإن الله كافلها وحاميها وحافظها ، يقول صلى الله عليه وسلم ( إن الله تكفل لي بالشام وأهله ) . وكفى بالله كفيلا ، وكفى بالله وكيلا .
بقلم : أبو ياسر السوري
في المؤتمر الصحفي الذي قام به الرئيسان بوتن ومرسي ، شبه إعلان عن صفقة بيع وشراء . كانت سوريا هي السلعة المباعة فيها ، وكان البائع فخامة الرئيس مرسي ، وكان الشاري فخامة الرئيس بوتن . بيع من لا يملك لمن لا يستحق .
قال مرسي في كلمته التي ألقاها في هذا المؤتمر الصحفي :
( ... وبحثنا أيضا مع الرئيس بوتن تطورات الأوضاع الإقليمية ، وكان على رأس هذه الموضوعات وقمتها الملف السوري ، وقد حظي هذا الملف باهتمام كبير من كلا الجانبين ، في محاولة للتوصل إلى تسوية سريعة للأزمة . وأنا أقدر جدا وجهة النظر والموقف الروسي تجاه حل الأزمة السورية ) .
والعالم كله يعلم أن الموقف الروسي من الأزمة السورية هو : عدم اعترافهم بالثورة السورية ، واعتبارها شغبا يجب قمعه والقضاء على القائمين به . لذلك هم يصرون على بقاء الأسد رئيسا لغاية انتهاء فترة رئاسته في عام 2014 م ، ويرون أن له الحق في الترشح للرئاسة بعدها لفترة ثالثة ، كما ويصر الساسة الروس على استمرار ضخ السلاح والذخيرة لحليفهم الأسد ، الذي يقتل شعبه به . ثم إنهم يساعدونه بالخبراء لإطلاق الصواريخ البلاستية ، والطيارين الذين يقصفون منازل المواطنين السوريين في مدنهم وقراهم ... هذا هو الموقف الروسي وهذه هي وجهة نظر الروس في الشأن السوري .. وحين يصرح مرسي في هذا اللقاء الصحفي قائلا ( ... وأنا أقدر جدا وجهة النظر والموقف الروسي تجاه حل الأزمة السورية ) فهذا يعني أنه يتبنى وجهة النظر الروسية بحذافيرها . ومما يؤكد هذا ، أن الروس لم يتزحزحوا عن موقفهم الذي أعلنوه في بدء الأزمة وحتى اليوم قيد أنملة ، فهم ما زالوا يطالبون ببقاء الأسد ، وأن تجلس المعارضة معه على طاولة الحوار لتعلن توبتها عما بدر منها من تمرد وعصيان . وعبثا حاولت أمريكا وفرنسا وإنجلترا أن تزحزح الروس عن موقفهم هذا ، فلم يتمكنوا مما أرادوا . وليس من المعقول أن ينجح مرسي في إقناع الروس بما عجزت عنه دول أوربا وأمريكا مجتمعين ..
إذن ، فحين قال مرسي في هذا المؤتمر ( وقد حظي الملف " السوري " باهتمام كبير من كلا الجانبين ، في محاولة للتوصل إلى تسوية سريعة للأزمة ) إنما كان يعني أن الصفقة تمت سريعا ، وأن مرسي باع سوريا وقضيتها للروس بخيانة الأشقاء السوريين ، لقاء ثمن موعود به في المستقبل ، عبر مرسي عنه بقوله : ( ... كما أود أن أؤكد على قناعتي بأن العلاقات المصرية الروسية ستشهد انطلاقة خلال المرحلة المقبلة . تقوم على مراعاة المصالح المشتركة بين الطرفين والاحترام المتبادل . تستند لوجود إمكانات واعدة لبلدينا ومساحات كبيرة للتعاون والتكامل في كثير من المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتعليمية والثقافية . الإقليمية منها والدولية ) . ونفهم من هذا الكلام أن تطابق وجهات النظر بين مصر والروس على بقاء الأسد ، والوقوف معه لقمع الثورة ، ثمنه مصالح مشتركة بين البلدين ، ستشهد انطلاقة خلال المرحلة المقبلة .
وطالما أن مرسي صار ممن يتحدث بالمصالح ، على حساب المبادئ ، وطالما أن إخوان مصر أصبحوا يقدمون مصلحة الدنيا على مصلحة الدين ، حتى قال قائلهم ذات يوم على الهواء " أينما تكون المصلحة فثم الدين " وهي قاعدة شرعية ، ولكنها بالطبع لا تعني تحقيق مصالح الدنيا بضياع مبادئ الإسلام . لأن الأولوية للمصلحة الدينية على ما عداها باتفاق العلماء . أقول : طالما أن سياسة الإخوان سلكت هذه السبيل ، فتعالوا بنا نتساءل : ما الذي حمل مرسي على زيارة موسكو ؟ وهو يعلم أن الذهاب إلى موسكو وعقد الاتفاقيات العديدة معها ، مما لا يسر أمريكا ، ولا الغرب الأوربي .؟
والذي أراه – تخمينا وليس يقينا – أن هذه الزيارة الرفيعة المستوى ، ودعوة مرسي لبوتن أن يزور مصر متى شاء .. تحمل في طياتها أكثر من دلالة يمكن إجمالها بالآتي :
لقد أحس مرسي أن الكرسي بدأ يهتز من تحته ، وأن أمريكا لم تعد مرتاحة لبقاء الإخوان في السلطة المصرية ، خصوصا بعد انتفاضة الأقباط عليهم ، ثم انتفاضة الفلول من أتباع مبارك على الدستور ، وانتفاضتهم على الوثيقة الملحقة به .. وقد لوحظ أن الإخوان لم ينجحوا في احتواء هذه الانتفاضات . وقد تجلى ضعف مرسي في إدارة الأزمات ، واضطر إلى إصدار عدد من المراسيم والتراجع عنها ... ويبدو أن الغرب بدأ يفكر بإقصاء الإخوان ، وتسليم الدفة للفلول من أتباع مبارك . لذلك انطلق مرسي على وجه السرعة إلى موسكو ، ليجد له ملاذا من سخط الأمريكان والغرب .. فقام بهذه الزيارة ، ليقول للغرب لئن تخليتم عني ، فلا علي من الذهاب لحضن دافئ أحتمي به وأعتمد عليه . ولعل مرسي يقتدي في موقفه هذا بالرئيس الراحل عبد الناصر ، حين حول وجهه إلى روسيا نكاية بالغرب المنحاز إلى إسرائيل، ضد الأمة العربية وعلى رأسها مصر . فقد حصلت مصر آنذاك من روسيا كل ما طلبت من سلاح وعتاد ودعم سياسي في المحافل الدولية . ونالت مصر يومها ما نالت ، وهي صاحبة الفضل في تلك العلاقة بين البلدين ، وكانت تتمتع بكل احترام وتقدير . فقد كان لعبد الناصر مكانة راسخة لدى الشعوب العربية ، وكان ينظر إليه يومها على أنه زعيم قومي عربي منقطع النظير ، شرق ذكره في البلاد وغرب ، وملأ الدنيا وشغل الناس . وكانت كلمة منه تحرك الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه .. هذه حقيقة عشناها ، سواء أقر أعداؤه حكام مصر اليوم بهذا الكلام أم أنكروه .
ثم تعرضت مصر بعده وفاة عبد الناصر سنة 1970 للتقزيم على مدى 43 سنة ، ولم يعد لمصر ذلك الوزن الكبير بين الدول العربية . ولم تعد مصر معنية بغيرها من الدول العربية ، لا في زمن السادات ولا في زمن مبارك . وهذا ما قزم دورها وحجمها ، حتى صارت تجيء في الأهمية والوزن الدولي بعد السعودية وقطر والكويت والإمارات . ولهذا لن تكون زيارة مرسي لبوتن مثمرة كزيارة عبد الناصر لموسكو أيام خروتشوف . كانت مصر يومها تمثل أمة بكامل تعدادها وكامل إمكاناتها ، وكامل قدراتها . ولكنها اليوم لا أراها تمثل إلا نفسها . وليس لها وزن إلا بمقدار عشر ما كان لها في ذلك الحين ..
كانت مصر تطلب فتعطى ، وتهدد فيحسب لها ألف حساب . أما اليوم فقد تغير الحال ، ومصر مضطرة إلى التزلف والتملق لتنال من روسيا بعض ما تريد ، وليس كل ما تريد .
ومن هنا ، نجد لهجة التملق واضحة في كلمات مرسي ، فاسمع إليه وهو يخاطب الرئيس بوتن بقوله : ( يا فخامة الرئيس ، إن حرصنا على تعميق التعاون مع روسيا الصديقة ينبع من إدراكنا المكانة الهامة التي تتمتع بها روسيا ) .
فقوله ( يا فخامة الرئيس ) كلمة لا تكون إلا من الأدنى إلى الأعلى . وقوله ( روسيا الصديقة ) عبارة لا محل لها من الإعراب . لأن مصر مر عليها أكثر من 43 سنة وهي بعيدة عن روسيا ، فقد علمنا أن أنور السادات قام بطرد الخبراء الروس ، وزار إسرائيل وعقد معها اتفاقية كامب ديفيد ، وولى وجهه تجاه البيت الأبيض . ثم سار مبارك على دربه ، ووطد علاقاته بإسرائيل أكثر فأكثر ، وأدار ظهره للأمة العربية وللقضية الفلسطينية، حتى أمر بسد الأنفاق لخنق الفلسطينيين في غزة أيام العدوان الإسرائيلي الأخير ، وكان مستشاره الخاص جلعاد أليعازر اليهودي . وكانت العلاقات بين مصر وروسيا أوهى من بيت العنكبوت .
فما هذه الصداقة المصرية الروسية المزعومة ، التي يتحدث عنها الرئيس مرسي اليوم . إنه بدون شك يشير إلى صداقة مستحدثة ، قد عزم أن ينشئها هو على حساب الدماء السورية . وكأنه يقول : أيها الروس ، ضعوا أيديكم في يدي . وكما استغنيت بالتقارب مع إيران عن التقارب مع دول الخليج . أستغني بكم عن أمريكا والغرب كله .
وهكذا ، يمكن القول : إن مصر تتهاوى في منحدر التقزيم ، رئيسا بعد رئيس ، ويوما بعد يوم . ولن تجني من إيران إلا الخذلان ، ولن تجني من صلتها بالروس إلا مزيدا من الخسران .
وأخيرا ، نقول لمرسي ولروسيا : إن سوريا ليست للبيع ولا للشراء ، إن سوريا هي بلاد الشام ، وإن الله كافلها وحاميها وحافظها ، يقول صلى الله عليه وسلم ( إن الله تكفل لي بالشام وأهله ) . وكفى بالله كفيلا ، وكفى بالله وكيلا .