علّمتنا التجارب أن المجتمع الدولي لا يتدخل عسكريا كي يحمي مصالحه إلا
بذريعتين: الإرهاب (أفغانستان ومالي). والأسلحة الكيماوية (العراق). ثم
أضافت حرب ليبيا عاملا جديدا يتعلق بالديكتاتورية لكنه بقي حصريا على
القذافي.
سوريا اندلعت فيها مظاهرات شعبية واجهها النظام بالسلاح ولم يتدخلوا رغم
أن المدنيين يقصفون بالطيران وسكود. لكن الدول الغربية تبادلت الأدوار من
خلال محور روسي صيني يرفض التدخل العسكري ويدعّم بشار الأسد. ومحور آخر
أمريكي أوروبي يدّعي الصداقة مع الشعب السوري لكنه لم يتحمس أبدا لحماية
المدنيين كما تقرّه القوانين الدولية. المجتمع الدولي لم يتدخل في سوريا
لحماية الشعب من الإبادة الجماعية ليس جهلا منه ولا تقصيرا بل كان لا يريد
للشعب السوري أن يقرر مصيره كما يبتغي، لأن الأمر يتعلق بدول التماس مع
إسرائيل التي يجب أن تكون أنظمتها على هوى البيت الأبيض، فقد أمّنتها قوات
اليونيفيل من جهة لبنان وليس من صالحها فتح جبهة الجولان التي ظلت آمنة مع
حكم آل الأسد.
ترك المجتمع الدولي النظام يوغل في الدم السوري لكنه ظل يتنطّط ما بين
محور روسي الذي يرى المعارضة إرهابية يجب القضاء عليها ومحور أمريكي يرى أن
بشار ديكتاتور ارتكب جرائم حرب يجب إسقاطه.
المحور الروسي ومن يسبح في فلكه الذي يتجاهل كتائب من “حزب الله” والحرس
الثوري وجيش المهدي تقاتل في حمص وغيرها، اهتم فقط بالتحريض على جبهة
النصرة إعلاميا التي بها عدد محدود من مقاتلين غير سوريين وهذا من أجل أن
يستغلّها لإثبات تهمة الإرهاب على المعارضة والتي ظلّ نظام بشار يلصقها
بمعارضيه منذ البداية.
في إطار صفقة ما لم تنكشف بعد جاءت عقب اجتماع لافروف وهيلاري ولقاءات
استخباراتية في موسكو وواشنطن ولندن وباريس، أدرجت أمريكا التنظيم بقائمة
الإرهاب في ديسمبر 2012 رغم أنه لم يقاتل غير النظام، وبعدها ظهر فيديو على
الأنترنيت يتحدث عن بيعة أيمن الظواهري ربما كرد فعل من طرف في الجبهة بعد
قناعته بقرار غربي لتصفيتها، وطبعا هذا ما أعطى قوة للقرار الأمريكي
والتوجه الروسي الذي لا رجعة فيه أصلا، وصارت رسميا في المعارضة فصائل
متهمة بالإرهاب وهذا ما دندنت حوله موسكو وايران والأسد.
لكن المحور الثاني يرى أن النظام ديكتاتوري يجب أن يسقط لأنه فقد شرعيته
ولا يمكنه الاستمرار، وقد اقترف جرائم حرب وإبادة جماعية، إلا أنه في إطار
اللعب على عامل الزمن جرى الحديث عن السلاح الكيماوي الذي ظهر فجأة على
مسرح الأحداث. وقد ظلّ يرسم له الخط الأحمر من قبل أمريكا حتى تفجرت تهم
متبادلة في مارس الماضي عندما اتهمت المعارضة النظام باستعمال الكيماوي
والنظام ردّ التهمة إليهم بأنهم هم من استعمله، لتأتي التسريبات البريطانية
عبر صحيفة التايمز التي أكدت من خلال تراب تمّ تهريبه من ريف دمشق أنه جرى
استعمال الكيماوي. على نحو ما جرى من قبل مع الجاسوس البريطاني من أصل
إيراني فرزات بازوفت الذي أرسل لبغداد كصحفي، وأحضر كمشة تراب حلّلتها
المختبرات البريطانية بما يخدم مخابراتها حول مزاعم أسلحة دمار شامل.
أجهزة استخباراتية منها العربية رفعت تقارير عن نفسية السوريين من
اللاجئين والنازحين - غير المقاتلين - صارت قابلة لتمرير أي أجندة لذلك
بعدما أتعبتهم المعاناة من محنة كبيرة جدا وهذا الذي راهن عليه المجتمع
الدولي منذ سنتين، وطالما تحجّج بوحدة المعارضة والمراقبين والمبعوثين وغير
ذلك لربح الوقت، تمّ ضبط السيناريو النهائي للتدخل الفعلي في سوريا، الذي
ستضاف له بعض التوابل ربما عمليات إرهابية في الخارج تنسب لجبهة النصرة
وننتظر ما ستسفر عنه تفجيرات بوسطن من تحقيقات وتهم. والآن لم يبق إلا موعد
التنفيذ ولن نستبعد مشاركة حتى موسكو التي تحصّلت على مبتغاها وكل
الضمانات للحفاظ على مصالحها، ربما سيكون عبر قوات دولية يقرها مجلس الأمن
من دون فيتو روسي ولا صيني أو عن طريق تدخّل تلعب فيه بعض دول الجوار الدور
الأساسي. ليتم إسقاط بشار وسلاحه الكيماوي كما تراه واشنطن، وإسقاط
المعارضة وجماعاتها “الإرهابية” كما أفتت موسكو، وبعدها تصاغ الدولة
السورية وفق محاصصة وتحت إشراف مبعوث دولي قد يكون لخضر الإبراهيمي الذي
خاض تجربة مماثلة في العراق وهو الآن في قاعة الانتظار بعد فشله، وهكذا
يجري الحفاظ على كل المصالح الأجنبية من روسية وإيرانية وإسرائيلية
وأمريكية وأوروبية في الكعكة سورية تفنن بشار الأسد في إعدادها من خبز الدم
وغيره. أما المصلحة الشعبية التي هي أصل الثورة وهدفها ستزركش بها
التحوّلات الجديدة والعابرة لمحاولة تفادي الاصطدام الذي هو صعب المنال