مَنْ يُعزيني بصديقي .؟
بقلم : أبو ياسر السوري
كان من أسرة كريمة ، عُرِفَتْ بالفضل والصلاح ، والصدقِ والاستقامة ، والنزاهة والطهارة . كان دمثَ الأخلاق، ليِّنَ العريكة ، حسن العِشْرَة ، تشتاق إليه إذا غاب ، وترتاح إليه إذا آب ، وتفارقه وأنت ترجو أن لا يطول بينكما الغياب .
كانت تبلغني عنه الحكاياتُ، فلا أريد تصديقها، لأنها تحكي عنه مثالب ، يصعب عليَّ سماعها ... أرأيتَ لو قيل لك أن فلانا القدّيس قد تحوَّل إلى عاهر ، وفلانا العاهر قد تحوَّل إلى قديس . ألا يكون مثل هذا النبأ محل استغراب لديك .!؟ كذلك كان شأني والأخبار التي أتلقاها عن صديقي .. فكنت أقول لعل محدثي واهمٌ ، لعله مخطئ فيمن يحدثني عنه ، لعله يحدث عن زيد في مكان عبيد ، لعله لم ير ولم يسمع ، وإنما نقلَ عن راوٍ مُغرضٍ ، أو عدوّ مُبغض ، أو حاسد ، أو حاقد .؟ فافتروا عليه ما ليس فيه ..؟؟؟؟ وما آفةُ الأخبارِ إلا رُواتُها .
ومرَّ عامان على الثورة السورية ، وبلغني أن صديقي هذا ، هو الآن في الدولة التي أنا فيها ، وأنه قادم بعد أيام قليلة إلى المدينة التي أقيم فيها .. ومرت تلك الأيام القلائل بطيئة ، أو لعلَّ الانتظارَ جعلها كذلك عندي . وجاء صاحبي والتقينا . وكان بيننا كما يكون بين الأصحاب ، سلام وعناق ، وتأهيل ترحابٌ ، وسؤال عن الحال والعيال .؟ ولما اطمأن كل منا على حياة صاحبه الخاصة ، كان لا بد من التعريج على الشأن السوري العام .؟؟
قال صاحبي أتسمعني ؟ أم أسمعك .؟ قلت : بل أسمعك ، لئلا أقول شيئا بلغني عنك ، ظلمك فيه المبلغُ ، فأُدخل الوحشة إلى نفسك فأُوذيك ، ويعز علي إيذاؤك . قال إذنْ خذ مني الحكاية من أولها ، وشرع صاحبي يحدثني قائلا :
هذه ( الفتنة ) التي نشبت في سوريا ، كنت ممن حذر من الدخول فيها ، بكل ما أوتيت من قوة ، واستطعت أنا ولفيف من إخواني العلماء في حلب أن نجنب مدينتنا الوقوع بين أنياب هذه الفتنة العمياء ، ونبقيها بعيدة عنها قرابة السنة ، ولكن جيش الشر ، الذي يسمونه ( الجيش الحر ) نقل المعركة أخيرا إلى حلب ، فجلب إليها القتل والرعب والخراب والدمار ، وتسبب في تشريد السكان ، وقتل الأطفال والنساء .
لقد قمنا بتحذير الناس ، وكنت واحدا من 19 عالما من أهل الحل والعقد ، ممن التقوا (السيد الرئيس) في القصر الجمهوري بدمشق ، وذلك بتاريخ 6 / 4 / 2011 وناقشناه في كثير من القضايا . فكان السيد الرئيس في منتهى الأريحية واللطف . ووعدنا بإصلاحات كثيرة ، فخرجنا من عنده ونحن متفائلون بالخير القادم ..
وبناء على وعد السيد الرئيس ، رجعنا إلى حلب ، وكانت خطبة الجمعة موحدة في 120 مسجدا منها ، من أتباع الشيخ الحوت ، الذي كان معنا في هذا اللقاء ، وكل خطباء هذه المساجد ، قاموا بطمأنة الناس في حلب لوعود الرئيس . وبالفعل استجاب الشعب في حلب لكلام العلماء ، وأبو أن يشاركوا في (جريمة) التظاهر.
قلت : ما هذا يا صاحبي ؟ أراك تردد ألفاظا تريبني ، فتصف الثورة بالفتنة ، والتظاهر بالجريمة والمجرم بشار الوحش بالسيد الرئيس .!!
وقد بلغني أنك تخطئ أحد كبار المشايخ حين أجاز لعنه . فما هذا التباين بين المفتين .؟
قال صاحبي : وهل يجوز لعنُ أحد من الناس .؟ قلت : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوه أبا جهل ، وحمد الله شكرا عند هلاكه ، وقال : هذا فرعون هذه الأمة . وفي رأينا أن بشار الوحش أشد طغيانا من فرعون ، فالذي فعله بالشعب السوري ، لم يفعله حاكم قط على مدار التاريخ . ثم ألم يأتك ما فعل بسوريا ، لقد هدمها فوق رؤوس سكانها حجراً حجرا، وقتل الأطفال الأبرياء ، وانتهك أعراض النساء ، ودنس المقدسات ، وهدم المساجد ، وداس المصاحف ... فهل يجوز أن يلقب بشار بالسيد بعد ارتكابه كل هذه الأوزار .؟
قال: من المتسبب بها؟ أليس المقاتلون الذين جاؤوا إلينا من الأرياف؟ قلت: نعم إن هؤلاء المجاهدين ... فقاطعني وقال : لا تقل المجاهدون يا أخي فتأثم .!! قلت : يا سبحان الله .!؟ ولماذا تمنع من تسميتهم بالمجاهدين .؟ قال : هؤلاء شوهوا صورة الجهاد الإسلامي . هؤلاء في رقابهم كل الدماء التي سالت في سوريا . قلت : أليس قولك هذا اتهاما للضحية وتبرئة للجزار .؟ وماذا تريد منهم أن يصنعوا .؟ قال : أريد أن لا يدخلوا المدن فيقاتلوا الناس فيها ، لئلا يعرضوا أرواح المدنيين للهلاك . قلت : ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم همَّ يوم أحد أن يفعل مثل ما يفعل الثوار اليوم . فقد رغب يومها في استدراج المشركين إلى داخل المدينة ليقاتلهم فيها قتال شوارع . وكان رأي الشباب أن يخرجوا فيناجزوا العدو خارج المدينة . ولولم يكن القتال داخل المدينة حلالا لما همَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال : وهل تشبه هؤلاء بالرسول وصحبه .؟ قلت : إنهم في جهادهم يقتدون بالنبي وأصحابه ، فيكبرون عند اللقاء ، ويكبرون إذا اقتحموا مواقع الأعداء ، ويكبرون إذا أكرمهم الله بالنصر . ويكبرون إذا سقط منهم شهيد ، وكل منهم يلقنه الشهادة ، فيخرج من الدنيا كل قتيل منهم ، وآخر كلامه لا إله إلا الله . ومما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "
قال صديقي : هذه ( فتنة ) وأنصحك أن لا تزجَّ نفسك فيها . قلت مستنكراً : وكيف يكون قتال الكفار (فتنة) والله تعالى يقول ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين لله ) .؟ قال : مقاتلو هذه الفتنة يقتلون مجندين مسلمين ما زالوا في جيش النظام ، فهؤلاء قتلة وليسوا مجاهدين . قلت : لو ذهب فريق من المسلمين فانخرطوا في الجيش الإسرائيلي ، وقاتلونا معه .. هل نقاتل هذا الجيش أم ندعه يقتلنا ، ونكفُّ نحن عن قتله لأن فيه بعض الخونة من المسلمين .؟ الفتنة يا صديقي ، أن ندع بشار الأسد يحكم إلى أن يموت ، ويورث الحكم من بعده لولده .. وولده لحفيده .. وهكذا دواليك مدة 400 سنة لاحقة . فلا يبقى في ظلهم خلال تلك الفترة سوري يقول : الله . الله .
قال : ولكن لا يجوز القتال إلا تحت راية إمام . وإذا غاب الإمام حل محله ( أولو الحل والعقد ) وقد اجتمع أهل الحل والعقد ، وأجمعوا على أن خروج الناس لإسقاط النظام معصية . وأن المشاركة في المظاهرات خطيئة . وأن ما ترتب على هذا الخروج من قتل وخراب ودمار ، يتحمل إثمه المتظاهرون ، وما يسمى بـ ( الجيش الحر ) الذي خرج يؤازرهم ، ليس جيشا يقاتل في سبيل الله ، وإنما يقاتل في سبيل الحرية والديمقراطية .
قلت : أولاً : إن هؤلاء النفر من علماء حلب الذين اجتمعوا ، وصدرت عنهم هذه الأحكام ، ليسوا من أهل الحل والعقد ، فلا عبرة بفتاواهم ، لأني أعرفهم ، وأعرف أن أغلبهم من علماء السلطان أو الأصح عملاء السلطان . ثانياً : أين كان أهل الحل والعقد منذ 40 سنة ، لماذا سكتوا على الفساد والاستبداد كل هذه العقود ولم يحركوا ساكنا .؟ لقد أخذ الله عليهم العهد أن يبينوا للناس فلم يبينوا ، وأن يقولوا كلمة الحق في وجه السلطان الجائر فلم يفعلوا . أين كان أهل الحل والعقد حين امتلأت المعتقلات بالأبرياء ، وتمت تصفية الآلاف منهم في السجون ؟ أين كان أهل الحل والعقد حين هُدمتْ حماة وقُتل الآلاف من أبناء حلب وإدلب وجسر الشغور في أحداث الثمانينيات.؟
أين كان العلماء حين قام النظام الطائفي بتسريح ضباط أبناء السنة ليحل محلهم ضباط نصيريون .؟ أين كان العلماء يوم صار الحكم بيد أجهزة الأمن تقتل من تشاء وتحيي من تشاء .؟ أين كان العلماء يوم سُرقتْ مقدراتُ الأمة ، ووضعت عائدات البترول بالمليارات في حساب حافظ الوحش .؟ أين كان العلماء يوم صار التعليم مختلطا في أغلب مدارس سوريا خلافا لرغبة المسلمين الذين يشكلون 86% من مكونات سوريا .؟؟
أما قول هؤلاء العلماء : إن الخروج على الحاكم معصية ، والمشاركة في المظاهرات خطيئة ، فهذا قلب للحكم الشرعي وافتراء على الدين . لأن بشار الأسد نصيري كافر ، والخروج عليه واجب شرعي ، فلا يجوز أن يكون الكافر حاكما على المسلمين ، لقوله تعالى ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) . ثم إن المظاهرات هي إحدى طرق التعبير في إحقاق الحق وإنكار الباطل . ومن لم يشارك فيها فهو ساكت عن الحق ، و( الساكت عن الحق شيطان أخرس ) . ومن شارك فيها فقتل بسبب تظاهره فهو شهيد ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( سيد الشهداء حمزة . ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) .
وأما تحميل المتظاهرين والجيش الحر إثما بسبب الخروج في المظاهرات ، فهذا من أغرب ما سمعت . فليت شعري .!؟؟ كيف يكون المجني عليه هو الجاني .؟ وكيف يجرم القطيع إن عاثت فيه الذئاب ؟
قال صديقي الودود الذي بات الآن ( خصمي اللدود ) : أجمع الفقهاء على أن المتسبب كالجاني في الإثم ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
(من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) وزعم خصمي أن الجيش الحر هو المتسبب في جلب القتل والتدمير إلى الأحياء التي دخلها في حلب وفي المدن السورية بعامة ، وفي رأيه أن المتسبب والجاني في الإثم سواء .
وفاته أن تصوير المسألة بهذه الصورة هو أبعد ما يكون عن الصواب . فلسنا الآن أمام متسبب وجانٍ ، وإنما نحن أمام حرب بين كفر وإيمان . حرب ضد عدو يهاجمنا في قرانا وفي مدننا وحتى في بيوت الشعر في البادية ، يهاجمنا بطيرانه وصواريخه البلاستية بدون رحمة ولا هوادة ، عدو يقتحم على الناس بيوتهم ، ويقوم بذبح الأطفال والنساء ، إنه أخطر علينا من إسرائيل ، لذلك وقف إلى جانبه المجتمع الدولي كله ، وأسلمتنا منظمات الأمم المتحدة إلى آلته الحربية ، ليمارس علينا القتل والإبادة ، والدمار والخراب ، وهتك الأعراض والاغتصاب ... ولهذا ، فالتوصيفُ الصائب لما يجري في سوريا ، هو أن هنالك نظاما كافرا عميلا متواطئا مع أعداء الأمة ، يقوم بشن حرب إبادة على المدنيين الآمنين .. إنها حرب فرضت علينا فرضا ، وأصبحنا مطالبين فيها بدفع العدو عنا بكل ما نستطيع ، وبالكيفية الممكنة ، وهذا القتال يسميه الفقهاء بـ ( قتال الدفع ) وهو فرض عين على كل الشعب ، يجب أن يقاتل فيه الرجال والنساء والكبار والصغار ، داخل القرى في الأرياف ، وداخل الأحياء في المدن ، يجب دفع العدو ومصاولته في السهول والهضاب والجبال والوديان ، وفي الكروم والغابات .. وفي كل مكان ...
ثم أردفت أقول لخصمي ، وهومن حملة الدكتوراه في قسم الدعوة : ما هو الحل لديك يا دكتور .؟ قال : الحل هو بإلقاء السلاح ، والتوقف عن هذا الاقتتال . وتابع يقول : قلت لأحدهم ما سأقوله لك الآن : لو أن رجلا له أولاد دخلوا نفقا مظلما ، وساروا فيه إلى منتصف المسافة ، ولم يروا بصيص نور أمامهم . هل يقول لهم : ارجعوا أم يقول لهم : استمروا .؟ العقل والمنطق يقول : إن رجوعهم أولى من استمرارهم بالسير نحو الهلاك ..
فقلت له : وماذا لو عرف أبوهم أنه بات على باب هذا النفق مجموعة من الأسود الكاسرة والثعابين السامة والعقارب القاتلة .. وأن أبناء هذا الرجل لو رجعوا من حيث أتوا ، لوجدوا الموت بانتظارهم حتما مقضيا .. فهل يأمرهم أبوهم عندها بالرجوع .؟ أم يأمرهم بالاستمرار ، لعل الله يحدث لهم فرجا في الطرف الآخر .؟ إن هذا النظام النصيري المجوسي المجرم ، لو تراجع السوريون ونزلوا على حكمه اليوم ، فسوف يبيد أربعة ملايين من خيرة شبابهم ، ثم يجعل بقيتهم عبيدا له تجلد ظهورهم صباح مساء ، ويتخذ نساءهم إماء تباع وتشترى كما تباع بقية السلع في الأسواق ..
فسكت ... وسكت ... ثم حملت نفسي وفارقته فراقا لن يعقبه لقاء .. وتناءيت عنه وأنا أردد وأقول : إنا لله وإنا إليه راجعون .. كان لي صديق فيما فات ، أصبح اليوم في عداد الأموات .. فمن يعزيني بصديقي .؟
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الإثنين أكتوبر 09, 2017 7:10 pm عدل 6 مرات
بقلم : أبو ياسر السوري
كان من أسرة كريمة ، عُرِفَتْ بالفضل والصلاح ، والصدقِ والاستقامة ، والنزاهة والطهارة . كان دمثَ الأخلاق، ليِّنَ العريكة ، حسن العِشْرَة ، تشتاق إليه إذا غاب ، وترتاح إليه إذا آب ، وتفارقه وأنت ترجو أن لا يطول بينكما الغياب .
كانت تبلغني عنه الحكاياتُ، فلا أريد تصديقها، لأنها تحكي عنه مثالب ، يصعب عليَّ سماعها ... أرأيتَ لو قيل لك أن فلانا القدّيس قد تحوَّل إلى عاهر ، وفلانا العاهر قد تحوَّل إلى قديس . ألا يكون مثل هذا النبأ محل استغراب لديك .!؟ كذلك كان شأني والأخبار التي أتلقاها عن صديقي .. فكنت أقول لعل محدثي واهمٌ ، لعله مخطئ فيمن يحدثني عنه ، لعله يحدث عن زيد في مكان عبيد ، لعله لم ير ولم يسمع ، وإنما نقلَ عن راوٍ مُغرضٍ ، أو عدوّ مُبغض ، أو حاسد ، أو حاقد .؟ فافتروا عليه ما ليس فيه ..؟؟؟؟ وما آفةُ الأخبارِ إلا رُواتُها .
ومرَّ عامان على الثورة السورية ، وبلغني أن صديقي هذا ، هو الآن في الدولة التي أنا فيها ، وأنه قادم بعد أيام قليلة إلى المدينة التي أقيم فيها .. ومرت تلك الأيام القلائل بطيئة ، أو لعلَّ الانتظارَ جعلها كذلك عندي . وجاء صاحبي والتقينا . وكان بيننا كما يكون بين الأصحاب ، سلام وعناق ، وتأهيل ترحابٌ ، وسؤال عن الحال والعيال .؟ ولما اطمأن كل منا على حياة صاحبه الخاصة ، كان لا بد من التعريج على الشأن السوري العام .؟؟
قال صاحبي أتسمعني ؟ أم أسمعك .؟ قلت : بل أسمعك ، لئلا أقول شيئا بلغني عنك ، ظلمك فيه المبلغُ ، فأُدخل الوحشة إلى نفسك فأُوذيك ، ويعز علي إيذاؤك . قال إذنْ خذ مني الحكاية من أولها ، وشرع صاحبي يحدثني قائلا :
هذه ( الفتنة ) التي نشبت في سوريا ، كنت ممن حذر من الدخول فيها ، بكل ما أوتيت من قوة ، واستطعت أنا ولفيف من إخواني العلماء في حلب أن نجنب مدينتنا الوقوع بين أنياب هذه الفتنة العمياء ، ونبقيها بعيدة عنها قرابة السنة ، ولكن جيش الشر ، الذي يسمونه ( الجيش الحر ) نقل المعركة أخيرا إلى حلب ، فجلب إليها القتل والرعب والخراب والدمار ، وتسبب في تشريد السكان ، وقتل الأطفال والنساء .
لقد قمنا بتحذير الناس ، وكنت واحدا من 19 عالما من أهل الحل والعقد ، ممن التقوا (السيد الرئيس) في القصر الجمهوري بدمشق ، وذلك بتاريخ 6 / 4 / 2011 وناقشناه في كثير من القضايا . فكان السيد الرئيس في منتهى الأريحية واللطف . ووعدنا بإصلاحات كثيرة ، فخرجنا من عنده ونحن متفائلون بالخير القادم ..
وبناء على وعد السيد الرئيس ، رجعنا إلى حلب ، وكانت خطبة الجمعة موحدة في 120 مسجدا منها ، من أتباع الشيخ الحوت ، الذي كان معنا في هذا اللقاء ، وكل خطباء هذه المساجد ، قاموا بطمأنة الناس في حلب لوعود الرئيس . وبالفعل استجاب الشعب في حلب لكلام العلماء ، وأبو أن يشاركوا في (جريمة) التظاهر.
قلت : ما هذا يا صاحبي ؟ أراك تردد ألفاظا تريبني ، فتصف الثورة بالفتنة ، والتظاهر بالجريمة والمجرم بشار الوحش بالسيد الرئيس .!!
وقد بلغني أنك تخطئ أحد كبار المشايخ حين أجاز لعنه . فما هذا التباين بين المفتين .؟
قال صاحبي : وهل يجوز لعنُ أحد من الناس .؟ قلت : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوه أبا جهل ، وحمد الله شكرا عند هلاكه ، وقال : هذا فرعون هذه الأمة . وفي رأينا أن بشار الوحش أشد طغيانا من فرعون ، فالذي فعله بالشعب السوري ، لم يفعله حاكم قط على مدار التاريخ . ثم ألم يأتك ما فعل بسوريا ، لقد هدمها فوق رؤوس سكانها حجراً حجرا، وقتل الأطفال الأبرياء ، وانتهك أعراض النساء ، ودنس المقدسات ، وهدم المساجد ، وداس المصاحف ... فهل يجوز أن يلقب بشار بالسيد بعد ارتكابه كل هذه الأوزار .؟
قال: من المتسبب بها؟ أليس المقاتلون الذين جاؤوا إلينا من الأرياف؟ قلت: نعم إن هؤلاء المجاهدين ... فقاطعني وقال : لا تقل المجاهدون يا أخي فتأثم .!! قلت : يا سبحان الله .!؟ ولماذا تمنع من تسميتهم بالمجاهدين .؟ قال : هؤلاء شوهوا صورة الجهاد الإسلامي . هؤلاء في رقابهم كل الدماء التي سالت في سوريا . قلت : أليس قولك هذا اتهاما للضحية وتبرئة للجزار .؟ وماذا تريد منهم أن يصنعوا .؟ قال : أريد أن لا يدخلوا المدن فيقاتلوا الناس فيها ، لئلا يعرضوا أرواح المدنيين للهلاك . قلت : ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم همَّ يوم أحد أن يفعل مثل ما يفعل الثوار اليوم . فقد رغب يومها في استدراج المشركين إلى داخل المدينة ليقاتلهم فيها قتال شوارع . وكان رأي الشباب أن يخرجوا فيناجزوا العدو خارج المدينة . ولولم يكن القتال داخل المدينة حلالا لما همَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال : وهل تشبه هؤلاء بالرسول وصحبه .؟ قلت : إنهم في جهادهم يقتدون بالنبي وأصحابه ، فيكبرون عند اللقاء ، ويكبرون إذا اقتحموا مواقع الأعداء ، ويكبرون إذا أكرمهم الله بالنصر . ويكبرون إذا سقط منهم شهيد ، وكل منهم يلقنه الشهادة ، فيخرج من الدنيا كل قتيل منهم ، وآخر كلامه لا إله إلا الله . ومما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "
قال صديقي : هذه ( فتنة ) وأنصحك أن لا تزجَّ نفسك فيها . قلت مستنكراً : وكيف يكون قتال الكفار (فتنة) والله تعالى يقول ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين لله ) .؟ قال : مقاتلو هذه الفتنة يقتلون مجندين مسلمين ما زالوا في جيش النظام ، فهؤلاء قتلة وليسوا مجاهدين . قلت : لو ذهب فريق من المسلمين فانخرطوا في الجيش الإسرائيلي ، وقاتلونا معه .. هل نقاتل هذا الجيش أم ندعه يقتلنا ، ونكفُّ نحن عن قتله لأن فيه بعض الخونة من المسلمين .؟ الفتنة يا صديقي ، أن ندع بشار الأسد يحكم إلى أن يموت ، ويورث الحكم من بعده لولده .. وولده لحفيده .. وهكذا دواليك مدة 400 سنة لاحقة . فلا يبقى في ظلهم خلال تلك الفترة سوري يقول : الله . الله .
قال : ولكن لا يجوز القتال إلا تحت راية إمام . وإذا غاب الإمام حل محله ( أولو الحل والعقد ) وقد اجتمع أهل الحل والعقد ، وأجمعوا على أن خروج الناس لإسقاط النظام معصية . وأن المشاركة في المظاهرات خطيئة . وأن ما ترتب على هذا الخروج من قتل وخراب ودمار ، يتحمل إثمه المتظاهرون ، وما يسمى بـ ( الجيش الحر ) الذي خرج يؤازرهم ، ليس جيشا يقاتل في سبيل الله ، وإنما يقاتل في سبيل الحرية والديمقراطية .
قلت : أولاً : إن هؤلاء النفر من علماء حلب الذين اجتمعوا ، وصدرت عنهم هذه الأحكام ، ليسوا من أهل الحل والعقد ، فلا عبرة بفتاواهم ، لأني أعرفهم ، وأعرف أن أغلبهم من علماء السلطان أو الأصح عملاء السلطان . ثانياً : أين كان أهل الحل والعقد منذ 40 سنة ، لماذا سكتوا على الفساد والاستبداد كل هذه العقود ولم يحركوا ساكنا .؟ لقد أخذ الله عليهم العهد أن يبينوا للناس فلم يبينوا ، وأن يقولوا كلمة الحق في وجه السلطان الجائر فلم يفعلوا . أين كان أهل الحل والعقد حين امتلأت المعتقلات بالأبرياء ، وتمت تصفية الآلاف منهم في السجون ؟ أين كان أهل الحل والعقد حين هُدمتْ حماة وقُتل الآلاف من أبناء حلب وإدلب وجسر الشغور في أحداث الثمانينيات.؟
أين كان العلماء حين قام النظام الطائفي بتسريح ضباط أبناء السنة ليحل محلهم ضباط نصيريون .؟ أين كان العلماء يوم صار الحكم بيد أجهزة الأمن تقتل من تشاء وتحيي من تشاء .؟ أين كان العلماء يوم سُرقتْ مقدراتُ الأمة ، ووضعت عائدات البترول بالمليارات في حساب حافظ الوحش .؟ أين كان العلماء يوم صار التعليم مختلطا في أغلب مدارس سوريا خلافا لرغبة المسلمين الذين يشكلون 86% من مكونات سوريا .؟؟
أما قول هؤلاء العلماء : إن الخروج على الحاكم معصية ، والمشاركة في المظاهرات خطيئة ، فهذا قلب للحكم الشرعي وافتراء على الدين . لأن بشار الأسد نصيري كافر ، والخروج عليه واجب شرعي ، فلا يجوز أن يكون الكافر حاكما على المسلمين ، لقوله تعالى ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) . ثم إن المظاهرات هي إحدى طرق التعبير في إحقاق الحق وإنكار الباطل . ومن لم يشارك فيها فهو ساكت عن الحق ، و( الساكت عن الحق شيطان أخرس ) . ومن شارك فيها فقتل بسبب تظاهره فهو شهيد ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( سيد الشهداء حمزة . ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) .
وأما تحميل المتظاهرين والجيش الحر إثما بسبب الخروج في المظاهرات ، فهذا من أغرب ما سمعت . فليت شعري .!؟؟ كيف يكون المجني عليه هو الجاني .؟ وكيف يجرم القطيع إن عاثت فيه الذئاب ؟
قال صديقي الودود الذي بات الآن ( خصمي اللدود ) : أجمع الفقهاء على أن المتسبب كالجاني في الإثم ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
(من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) وزعم خصمي أن الجيش الحر هو المتسبب في جلب القتل والتدمير إلى الأحياء التي دخلها في حلب وفي المدن السورية بعامة ، وفي رأيه أن المتسبب والجاني في الإثم سواء .
وفاته أن تصوير المسألة بهذه الصورة هو أبعد ما يكون عن الصواب . فلسنا الآن أمام متسبب وجانٍ ، وإنما نحن أمام حرب بين كفر وإيمان . حرب ضد عدو يهاجمنا في قرانا وفي مدننا وحتى في بيوت الشعر في البادية ، يهاجمنا بطيرانه وصواريخه البلاستية بدون رحمة ولا هوادة ، عدو يقتحم على الناس بيوتهم ، ويقوم بذبح الأطفال والنساء ، إنه أخطر علينا من إسرائيل ، لذلك وقف إلى جانبه المجتمع الدولي كله ، وأسلمتنا منظمات الأمم المتحدة إلى آلته الحربية ، ليمارس علينا القتل والإبادة ، والدمار والخراب ، وهتك الأعراض والاغتصاب ... ولهذا ، فالتوصيفُ الصائب لما يجري في سوريا ، هو أن هنالك نظاما كافرا عميلا متواطئا مع أعداء الأمة ، يقوم بشن حرب إبادة على المدنيين الآمنين .. إنها حرب فرضت علينا فرضا ، وأصبحنا مطالبين فيها بدفع العدو عنا بكل ما نستطيع ، وبالكيفية الممكنة ، وهذا القتال يسميه الفقهاء بـ ( قتال الدفع ) وهو فرض عين على كل الشعب ، يجب أن يقاتل فيه الرجال والنساء والكبار والصغار ، داخل القرى في الأرياف ، وداخل الأحياء في المدن ، يجب دفع العدو ومصاولته في السهول والهضاب والجبال والوديان ، وفي الكروم والغابات .. وفي كل مكان ...
ثم أردفت أقول لخصمي ، وهومن حملة الدكتوراه في قسم الدعوة : ما هو الحل لديك يا دكتور .؟ قال : الحل هو بإلقاء السلاح ، والتوقف عن هذا الاقتتال . وتابع يقول : قلت لأحدهم ما سأقوله لك الآن : لو أن رجلا له أولاد دخلوا نفقا مظلما ، وساروا فيه إلى منتصف المسافة ، ولم يروا بصيص نور أمامهم . هل يقول لهم : ارجعوا أم يقول لهم : استمروا .؟ العقل والمنطق يقول : إن رجوعهم أولى من استمرارهم بالسير نحو الهلاك ..
فقلت له : وماذا لو عرف أبوهم أنه بات على باب هذا النفق مجموعة من الأسود الكاسرة والثعابين السامة والعقارب القاتلة .. وأن أبناء هذا الرجل لو رجعوا من حيث أتوا ، لوجدوا الموت بانتظارهم حتما مقضيا .. فهل يأمرهم أبوهم عندها بالرجوع .؟ أم يأمرهم بالاستمرار ، لعل الله يحدث لهم فرجا في الطرف الآخر .؟ إن هذا النظام النصيري المجوسي المجرم ، لو تراجع السوريون ونزلوا على حكمه اليوم ، فسوف يبيد أربعة ملايين من خيرة شبابهم ، ثم يجعل بقيتهم عبيدا له تجلد ظهورهم صباح مساء ، ويتخذ نساءهم إماء تباع وتشترى كما تباع بقية السلع في الأسواق ..
فسكت ... وسكت ... ثم حملت نفسي وفارقته فراقا لن يعقبه لقاء .. وتناءيت عنه وأنا أردد وأقول : إنا لله وإنا إليه راجعون .. كان لي صديق فيما فات ، أصبح اليوم في عداد الأموات .. فمن يعزيني بصديقي .؟
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الإثنين أكتوبر 09, 2017 7:10 pm عدل 6 مرات