البروفيسور ماكس مانورينج،
الأستاذ بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي هو صاحب نظرية "الجيل الرابع"
من الحروب، وهي حرب إفشال دول الأعداء بزعزعة استقرارها وتحويلها إلى دول
فاشلة. هي بوضوح "حرب"، لكن أدوات هذه الحرب ليست الدبابات والطائرات
والجنود، بل أدواتها الإعلام والاقتصاد والسلوك الاجتماعي، وأحياناً الشعب
نفسه. فكرة الجيل الرابع من الحرب غير التقليدية هو اكتساب النفوذ من أجل
فرض الإرادة وإرغام الطرف الآخر على الإذعان لمطالب وأهداف صاحب النفوذ.
ومن مظاهر حروب إفشال الدولة تحويل مناطق في دولة العدو إلى ما يسمى "منطقة
غير محكومة"، وخلق دولة فاشلة غير قادرة على التحكم في شعبها أو حدودها أو
مواردها، وهو يعتبر ذريعة قوية للدول العدوة للتدخل وإحكام شروطها وفرض
السيطرة.
ويضيف صاحب النظرية أنه ليس مطلوباً إسقاط الدولة واختفاؤها، فهذا لن
يحدث، إنما المطلوب أن تظل موجودة بكامل مواردها وقدراتها، ولكن يتم
"اختطافها" عن طريق "التحكم" الفكري والسياسي لنظام الحكم والسيطرة عليه
كاملاً، بحيث تصدر قرارات وسياسات لا لتعبر عن إرادة الشعب، وإنما تعبر عن
إرادة الدولة التي قامت بالاحتلال والسيطرة. وهناك طرق مختلفة لأشكال إفشال
الدولة يمكن تحويلها إلى دولة جريمة، أو دولة خلافات عرقية أو طائفية، أو
دولة مخدرات... إلخ.
ومن أدوات تنفيذ حروب إفشال الدولة: زعزعة الاستقرار، الإكراه والإرغام
على قبول قرارات تحت ضغوط، التحكم في مصادر صنع القرار، استخدام وسائل
ناعمة للتأثير العاطفي، حرب العقول الذكية لا حرب النيران، تحويل دولة
العدو إلى دولة فاشلة، ألا تكون الحكومة مسيطرة إدارياً وسياسياً على جميع
أجزاء الدولة، إضعاف السيادة على الإقليم والشعب.
إذن، الغاية هي التحكم في العدو، والقاسم المشترك في كل هذا هو "زعزعة الاستقرار".
ويرى رجل الاستخبارات الأمريكي، أن زعزعة الاستقرار في الغالب تكون
بوسائل حميدة إلى حد ما، مثل أن ينفذها مواطنون من الدولة العدو. باختصار،
إيجاد دولة فاشلة، وأول ملامحها هو إيجاد أماكن داخل حدود العدو ليست له
سيادة عليها، عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة للسيطرة على هذه الأماكن،
وتنتهي بتحويل الدولة إلى "دولة فاشلة". وتبدأ بإخراج جزء من الدولة عن
السيطرة، فيصير خارج سيادة الدولة، وذلك باستخدام مجموعات محاربة وعنيفة
وشريرة في جزء معين من الدولة لتصنع ما يطلق عليه "إقليم غير محكوم"، أو
بالأحرى هو "إقليم محكوم" من قبل قوى أخرى خارج الدولة. وينتهي الأمر إلى
دولة فاشلة يستطيع أعداؤها التدخل والتحكم فيها. وينهي مانوارينج حديثه
بالتذكير بكلمتين أساسيتين: هما: "الحرب" التي هي الإكراه، سواء كانت قاتلة
أو غير قاتلة. و"الدولة الفاشلة" التي تتم ببطء وثبات. "وإذا فعلت هذا
بطريقة جيدة ولمدة كافية باستخدام مواطني دولة العدو، فسيسقط عدوك ميتاً".
البعض حاول تطبيق نظرية "حرب إفشال الدولة" على دول الربيع العربي وما
تشهده من اضطرابات وفوضى. لكن حتى لو كانت تلك النظرية صحيحة، وتمكن رؤية
ملامحها على الأرض، فهي تبقى ضمن إطار نظرية المؤامرة السخيفة، لأنه،
ببساطة، تمكن مواجهتها وإفشالها، ناهيك عن أن الديكتاتوريات العربية
المتساقطة التي تشتكي من حروب إفشال الدولة هي أكبر مساهم في تنفيذها في
بلدانها بسبب ظلمها وفسادها وغبائها المفرط ورعونتها ولجوئها إلى العنف
الوحشي مع شعوبها، مما يساهم بقوة في تحويل بلدانها إلى دول فاشلة ومفككة.
ما من شك أن الخارج قد يتصرف مع هذه الدولة أو تلك بمنطق الذئاب، لكن
الكارثة الأكبر أن تكون هذه الدولة أو تلك تتصرف مع شعوبها بمنطق الذئاب،
فتحتار الشعوب إلى أي الذئاب تميل. أو بعبارة أخرى، العدو الخارجي قد يتصرف
معك بمنطق الوحوش، لكن الكارثة الأكبر أن تتصرف أنت مع شعبك بمنطق وحشي،
فيحتار الشعب إلى أي وحش يميل. فالمفكر البريطاني الشهير هوبز اعتبر أن
الإنسان ذئب للإنسان، فما بالك الدول، فهي تتعامل مع بعضها البعض كالذئاب
وأكثر. وهذه حقيقة، لكن الأمر يصبح أكثر خطورة عندما يقدم بعض الطواغيت
بلدانهم للذئاب على طبق من ذهب من خلال سياساتهم الإجرامية الطائشة التي
تدفع الكثيرين من الذئاب للتدخل بحجة حماية الشعوب من البطش والقتل. لهذا
قبل أن تلوم ذئاب الخارج، لم الذين مهدوا للذئاب الطريق كي ينقضوا هنا
وهناك لإفشال هذه الدولة أو تلك.
إن أكثر ما يسيء لسمعة أي حاكم في العالم التعامل الوحشي مع شعبه، حتى
لو كان من أفضل الحكام وأكثرهم إنجازاً على الإطلاق. تذكروا أن جوزيف
ستالين انتصر في الحرب العالمية الثانية على النازية، وبنى الاتحاد
السوفيتي القوة الثانية في العالم وقتها، مع ذلك لا يتذكره الروس إلا كقاتل
وسفاح ومجرم، لأن يديه تلوثتا بدماء الملايين من شعبه، فما بالك إذا كان
بعض الحكام لا يرتقون إلى حذاء ستالين في الإنجازات، ومع ذلك يقتلون
ويبطشون ويسفكون دماء مئات الألوف من شعوبهم؟ مشكلة الطواغيت العرب أنهم
يخربون بلدانهم، ويسرقونها، ويبطشون بشعوبهم ذبحاً وسحلاً وتشريداً لمجرد
مطالبتها بأبسط حقوقها، ثم يتحدثون عن مؤامرة "إفشال الدولة". من الذي أفشل
الدولة في المقام الأول؟، أليس طغاتها بفسادهم ووحشيتهم؟ قبل أن نلوم
الأعداء الذين يريدون تحويل بعض المناطق في هذه الدولة أو تلك إلى مناطق
خارج سيطرة الدولة، يجب أن نلوم سياسات الإقصاء والتهميش التي يمارسها هذا
الطاغية أو ذاك في بلده. فعندما تجد الشعوب كرامتها وحريتها ولقمة عيشها
النظيفة في أوطانها فهي قادرة ومستعدة أن تحمي أوطانها بأسنانها. لماذا
تنجح مخططات إفشال الدولة في بلداننا، وتفشل فشلاً ذريعاً في البلدان
الديمقراطية المحترمة؟ لأن طواغيتنا بسياساتهم الظالمة والقاتلة يعطون كل
المبررات لشعوبهم أن تكفر بأوطانها.
لا تلوموا ذئاب الخارج، بل لوموا ذئاب الداخل، فهي أخطر خطراً وأشد
فتكاً بالبلدان والشعوب، وهي أكبر عون للمتآمرين على أوطانهم. يشتكون من
"حروب إفشال الدولة"، وهم من أفشل الدولة، وحوّلها إلى أرض مستباحة يعيث
فيها القاصي والداني تخريباً وفساداً وتفتيتاً وتدخلاً.
أسهل طريقة لإفشال "حروب إفشال الدولة" تطبيق مقولة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: "حصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم!".
الأستاذ بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي هو صاحب نظرية "الجيل الرابع"
من الحروب، وهي حرب إفشال دول الأعداء بزعزعة استقرارها وتحويلها إلى دول
فاشلة. هي بوضوح "حرب"، لكن أدوات هذه الحرب ليست الدبابات والطائرات
والجنود، بل أدواتها الإعلام والاقتصاد والسلوك الاجتماعي، وأحياناً الشعب
نفسه. فكرة الجيل الرابع من الحرب غير التقليدية هو اكتساب النفوذ من أجل
فرض الإرادة وإرغام الطرف الآخر على الإذعان لمطالب وأهداف صاحب النفوذ.
ومن مظاهر حروب إفشال الدولة تحويل مناطق في دولة العدو إلى ما يسمى "منطقة
غير محكومة"، وخلق دولة فاشلة غير قادرة على التحكم في شعبها أو حدودها أو
مواردها، وهو يعتبر ذريعة قوية للدول العدوة للتدخل وإحكام شروطها وفرض
السيطرة.
ويضيف صاحب النظرية أنه ليس مطلوباً إسقاط الدولة واختفاؤها، فهذا لن
يحدث، إنما المطلوب أن تظل موجودة بكامل مواردها وقدراتها، ولكن يتم
"اختطافها" عن طريق "التحكم" الفكري والسياسي لنظام الحكم والسيطرة عليه
كاملاً، بحيث تصدر قرارات وسياسات لا لتعبر عن إرادة الشعب، وإنما تعبر عن
إرادة الدولة التي قامت بالاحتلال والسيطرة. وهناك طرق مختلفة لأشكال إفشال
الدولة يمكن تحويلها إلى دولة جريمة، أو دولة خلافات عرقية أو طائفية، أو
دولة مخدرات... إلخ.
ومن أدوات تنفيذ حروب إفشال الدولة: زعزعة الاستقرار، الإكراه والإرغام
على قبول قرارات تحت ضغوط، التحكم في مصادر صنع القرار، استخدام وسائل
ناعمة للتأثير العاطفي، حرب العقول الذكية لا حرب النيران، تحويل دولة
العدو إلى دولة فاشلة، ألا تكون الحكومة مسيطرة إدارياً وسياسياً على جميع
أجزاء الدولة، إضعاف السيادة على الإقليم والشعب.
إذن، الغاية هي التحكم في العدو، والقاسم المشترك في كل هذا هو "زعزعة الاستقرار".
ويرى رجل الاستخبارات الأمريكي، أن زعزعة الاستقرار في الغالب تكون
بوسائل حميدة إلى حد ما، مثل أن ينفذها مواطنون من الدولة العدو. باختصار،
إيجاد دولة فاشلة، وأول ملامحها هو إيجاد أماكن داخل حدود العدو ليست له
سيادة عليها، عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة للسيطرة على هذه الأماكن،
وتنتهي بتحويل الدولة إلى "دولة فاشلة". وتبدأ بإخراج جزء من الدولة عن
السيطرة، فيصير خارج سيادة الدولة، وذلك باستخدام مجموعات محاربة وعنيفة
وشريرة في جزء معين من الدولة لتصنع ما يطلق عليه "إقليم غير محكوم"، أو
بالأحرى هو "إقليم محكوم" من قبل قوى أخرى خارج الدولة. وينتهي الأمر إلى
دولة فاشلة يستطيع أعداؤها التدخل والتحكم فيها. وينهي مانوارينج حديثه
بالتذكير بكلمتين أساسيتين: هما: "الحرب" التي هي الإكراه، سواء كانت قاتلة
أو غير قاتلة. و"الدولة الفاشلة" التي تتم ببطء وثبات. "وإذا فعلت هذا
بطريقة جيدة ولمدة كافية باستخدام مواطني دولة العدو، فسيسقط عدوك ميتاً".
البعض حاول تطبيق نظرية "حرب إفشال الدولة" على دول الربيع العربي وما
تشهده من اضطرابات وفوضى. لكن حتى لو كانت تلك النظرية صحيحة، وتمكن رؤية
ملامحها على الأرض، فهي تبقى ضمن إطار نظرية المؤامرة السخيفة، لأنه،
ببساطة، تمكن مواجهتها وإفشالها، ناهيك عن أن الديكتاتوريات العربية
المتساقطة التي تشتكي من حروب إفشال الدولة هي أكبر مساهم في تنفيذها في
بلدانها بسبب ظلمها وفسادها وغبائها المفرط ورعونتها ولجوئها إلى العنف
الوحشي مع شعوبها، مما يساهم بقوة في تحويل بلدانها إلى دول فاشلة ومفككة.
ما من شك أن الخارج قد يتصرف مع هذه الدولة أو تلك بمنطق الذئاب، لكن
الكارثة الأكبر أن تكون هذه الدولة أو تلك تتصرف مع شعوبها بمنطق الذئاب،
فتحتار الشعوب إلى أي الذئاب تميل. أو بعبارة أخرى، العدو الخارجي قد يتصرف
معك بمنطق الوحوش، لكن الكارثة الأكبر أن تتصرف أنت مع شعبك بمنطق وحشي،
فيحتار الشعب إلى أي وحش يميل. فالمفكر البريطاني الشهير هوبز اعتبر أن
الإنسان ذئب للإنسان، فما بالك الدول، فهي تتعامل مع بعضها البعض كالذئاب
وأكثر. وهذه حقيقة، لكن الأمر يصبح أكثر خطورة عندما يقدم بعض الطواغيت
بلدانهم للذئاب على طبق من ذهب من خلال سياساتهم الإجرامية الطائشة التي
تدفع الكثيرين من الذئاب للتدخل بحجة حماية الشعوب من البطش والقتل. لهذا
قبل أن تلوم ذئاب الخارج، لم الذين مهدوا للذئاب الطريق كي ينقضوا هنا
وهناك لإفشال هذه الدولة أو تلك.
إن أكثر ما يسيء لسمعة أي حاكم في العالم التعامل الوحشي مع شعبه، حتى
لو كان من أفضل الحكام وأكثرهم إنجازاً على الإطلاق. تذكروا أن جوزيف
ستالين انتصر في الحرب العالمية الثانية على النازية، وبنى الاتحاد
السوفيتي القوة الثانية في العالم وقتها، مع ذلك لا يتذكره الروس إلا كقاتل
وسفاح ومجرم، لأن يديه تلوثتا بدماء الملايين من شعبه، فما بالك إذا كان
بعض الحكام لا يرتقون إلى حذاء ستالين في الإنجازات، ومع ذلك يقتلون
ويبطشون ويسفكون دماء مئات الألوف من شعوبهم؟ مشكلة الطواغيت العرب أنهم
يخربون بلدانهم، ويسرقونها، ويبطشون بشعوبهم ذبحاً وسحلاً وتشريداً لمجرد
مطالبتها بأبسط حقوقها، ثم يتحدثون عن مؤامرة "إفشال الدولة". من الذي أفشل
الدولة في المقام الأول؟، أليس طغاتها بفسادهم ووحشيتهم؟ قبل أن نلوم
الأعداء الذين يريدون تحويل بعض المناطق في هذه الدولة أو تلك إلى مناطق
خارج سيطرة الدولة، يجب أن نلوم سياسات الإقصاء والتهميش التي يمارسها هذا
الطاغية أو ذاك في بلده. فعندما تجد الشعوب كرامتها وحريتها ولقمة عيشها
النظيفة في أوطانها فهي قادرة ومستعدة أن تحمي أوطانها بأسنانها. لماذا
تنجح مخططات إفشال الدولة في بلداننا، وتفشل فشلاً ذريعاً في البلدان
الديمقراطية المحترمة؟ لأن طواغيتنا بسياساتهم الظالمة والقاتلة يعطون كل
المبررات لشعوبهم أن تكفر بأوطانها.
لا تلوموا ذئاب الخارج، بل لوموا ذئاب الداخل، فهي أخطر خطراً وأشد
فتكاً بالبلدان والشعوب، وهي أكبر عون للمتآمرين على أوطانهم. يشتكون من
"حروب إفشال الدولة"، وهم من أفشل الدولة، وحوّلها إلى أرض مستباحة يعيث
فيها القاصي والداني تخريباً وفساداً وتفتيتاً وتدخلاً.
أسهل طريقة لإفشال "حروب إفشال الدولة" تطبيق مقولة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: "حصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم!".