قدرنا أن ننتزع حريتنا من براثنِ عالَمٍ مشوَّهٍ برأسين متدابرين :
بقلم : أبو ياسر السوري
يظن كثير من الناس أن الزيادة ربح ، فالزيادة في قيمة السلعة تعني حصول البائع على زيادة في الربح . والزيادة في تقدير شخص ما ، تعني حصوله على مزيد من احترام الآخرين ، والزيادة في طول القامة عز . والزيادة في الثروة غنى ، والزيادة في قوة الجسم بطولة ... بيد أن هذا لا يمكن التسليم به في المطلق ، فربما كانت الزيادة وبالاً على صاحبها ، فلو زاد في الكف إصبع ، أو زاد حجم الأذنين حتى كانت كأذني فيل ، أو كان للشخص أربعة أيدي وأربعة أرجل .. ألا تعد هذه الزيادات الأخيرة نوعا من التشويه في الخلق .!؟ ، فكيف لو كان لهذا الشخص رأسان ، ألا يكون في هذه الحالة على درجة قصوى من التشويه في الخلق .؟؟ تلك صورة عالمنا اليوم . إنه يعيش برأسين ، ويتحرك في اتجاهين متعاكسين ، هذا يشد إلى وجهة ، وذاك يشد إلى عكسها .. هذا يفكر في أمر وذاك يناقضه فيه .. وصاحب الرأسين مشلول الحركة بينهما ، في وجهة المسير ، وطريقة التفكير ...
كنا يا سادة نظن – وإن بعض الظن إثم – أن حالة انقياد العالم لقطب واحد حالة سيئة ، وأنها أقرب سبيل إلى الاستبداد ، وسيطرة جنون القوة ، وجلب الشقاء للبشرية كلها . وطالما تطلعنا إلى أيام تنازع الدولتين العظميين فيما بينهما ، وسباق الحرب الباردة ، ووجود قطبين عالميين كبيرين ، يحد كل منهما من غلواء الآخر . ويمنعه من التمادي في الباطل ، والإيغال في الظلم .. وكان حق الضعفاء إذ ذاك محفوظ بشكل أو بآخر .. حتى عاد القطب الغائب إلى الظهور على الساحة من جديد . فكانت عودته هذه المرة نقمة ، ولم تكن نعمة .. فها هي البشرية اليوم تعاني أسوأ معاناة في الحياة .. فالأقوياء يأكلون الضعفاء ، والحكام المستبدون يسرقون الشعوب ، ويذلونهم غاية الإذلال ، ولا يجدون لهم عليهم نصيرا ولا مجيرا ..
في أيام الحرب الباردة بين الدولتين الكبريين ، أمريكا وروسيا ، كنا نلاحظ أن أمريكا تحابي إسرائيل ، وأن روسيا تتعاطف مع العرب ، فإذا قامت أمريكا بتسليح اليهود ، قامت روسيا بإعطاء العرب أسلحة دفاعية ضدها . فإذا ملكت إسرائيل طائرات الفانتوم ، أعطي العرب صواريخ سام المضادة لهذه الطائرات .. وإذا أعطيت إسرائيل دبابات سانتيريوم العملاقة ، تم تزويد دول المواجهة العربية بدبابات (ت 52 ) ... وهكذا ما أعطي اليهود سلاحا فتاكا إلا وحصل العرب من روسيا على مضادات له .. لم نكن نحصل من روسيا على أسلحة هجومية قط . حتى لما ورَّدُوا إلينا الطيران الحربي النفاث ( الميج 21 ) و ( الميج 23 ) والأجيال التالية من طيران الميج المطور ، نزعوا منه خاصية الإطلاق الآلي في الصواريخ والرشاشات ، ونزعوا منه أجهزة الاستشعار ، التي تمكن الطيار من الإحساس بالهدف على مسافات بعيدة .. وكذلك فعلوا بالدبابات المطورة ، فقد نزعوا منها أجهزة التوازن ، التي تسمح بالرمي من حال الحركة ، وليس من حال الثبات ، التي تكون فيها الدبابة هدفا قابلا للإصابة بكل تأكيد ... ولما منحتنا روسيا الصواريخ البلاستيكية ، اشترطت علينا أن نستورد معها طاقم التشغيل ، ليقوم هو بالرماية ، وتضمن روسيا بذلك أن هذه الصواريخ ، ممكن أن تستخدم لأي غرض كان ، إلا أن تستخدم ضد إسرائيل ... وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الصواريخ البلاستيكية التي رميت على الشعب السوري أثناء هذه الأزمة الحالية ، لم يطلقها أحد من ضباط القوى الجوية السوريين ، وإنما أطلقت بيد خبراء من روسيا ، وبأمر مباشر من بشار الأسد نفسه .. ومن هذا القبيل أيضا ، ذلك الصاروخ ، الذي أسقط الطائرة التركية ، فقد تم إطلاقه بأيدي خبراء الروس أيضا ، وبأمر من بشار الأسد كذلك .. وكانت الشعارات المرفوعة في تلك الحقبة ، ( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ) و( السلام في مقابل الأرض) و ( حق العودة للشعب الفلسطيني ) و ( استرداد جميع الحقوق المغتصبة ) ..
فلما سقط الاتحاد السوفياتي ، أوجس العرب خيفة ، فأمريكا منحازة انحيازا كاملاً لعدوهم التقليدي " إسرائيل " وهي في تقديرهم لن تسمح لهم بانتزاع حقوقهم المغتصبة منها .. فماذا يصنعون .؟ وبمن يحتمون من ظلم أمريكا وإسرائيل .؟ طبعا ، أقول وبكل أسف ، إنه من غير الوارد لأيٍّ من حكام العرب أن يلوذ بالله ، أو يتوكل عليه ، فهم إما علماني يكره الإسلام ، أو إسلامي وهو أبعد ما يكون عن الإسلام ، أو قومجي عميل لا مبدأ له ولا دين .. لذلك سرعان ما أعقب انهيار الاتحاد السوفياتي ، تسابق الدول العربية إلى إبرام الاتفاقيات السرية مع أمريكا وإسرائيل أيضا ... ولما كان أكبر ما يرضي أمريكا الصلح مع إسرائيل ، فقد سارع حكام الدول العربية ، بما فيهم أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية ، فأبرم اتفاق أوسلو الخياني وباع القضية الفلسطينية ..
ثم لم يكن من الدول العربية إلا أن أعلنت شعاراتها الجديدة ، التي تناسب هذه المرحلة من عصر الخنوع العربي ، فبدلا من لاءاتهم الشهيرة : ( لا ) للتفاوض . ( لا ) للسلام مع إسرائيل . ( لا ) للتطبيع .. رفع العرب شعارات تقول : ( نحن ندعو إلى سلام الشجعان ) و(السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد لدى الدول العربية كلها ) و ( السلام في مقابل السلام ) . وسكت الفلسطينيون عن حق العودة ، وسكت الأسد عن المطالبة بالجولان . وسكت الأردن عن المطالبة بالضفة الغربية .. ومصر ساكتة عن قول أي شيء منذ إبرامها اتفاقية ( كامب ديفيد ) .
لقد عاثت أمريكا في المنطقة العربية فسادا ، فخربت العراق ، وقسمته إلى كنتونات فيدرالية ، وقسمت السودان ، ودمرت الصومال ، وأفغانستان ، وها هي فرنسا تقوم بتدمير مالي عنها بالنيابة ، لأن فرنسا لم تخط تلك الخطوة إلا بوحي من الدولة العظمى أمريكا ...
جاء الربيع العربي ، وبدأ عهد جديد ، وفجأة نبتَ للمجتمع الدولي رأسان متنافران ، هذا يقول : أنا أمريكا العظمى .. وذاك يقول : وأنا روسيا العظمى أيضا ، وكل منهم يشد العجلة إلى جهته ، مخالفا في السير وجهة صاحبه الأول .. فوافقت أمريكا على التغيير في ليبيا وتونس ومصر ، وكَعَّتْ في سوريا .. متعللة بالموقف الروسي المتعنت مع بشار الأسد . وبدأ التجاذب بين القوتين العظميين ، واستمر اختلافهما عامين ، حتى ضاعت سوريا بين التخاذل الأمريكي ، والتعنت الروسي . وما زالت مهددة لمزيد من الدمار والخراب والضياع ... وبات قدر الثوار السوريين أن يصارعوا كياناً غريبا مشوها برأسين ، أحدهما أمريكا ، والآخر روسيا ... وبات قدر السوريين أن ينتزعوا حريتهم من براثن هاتين القوتين العالميتين الكبريين ، وكُتِبَ عليهم أن يمهروا الحرية بمزيد من الدماء والأشلاء ، وإنهم لمدركوها إن شاء الله ، أبى ذلك من أبى ، وشاء من شاء .
بقلم : أبو ياسر السوري
يظن كثير من الناس أن الزيادة ربح ، فالزيادة في قيمة السلعة تعني حصول البائع على زيادة في الربح . والزيادة في تقدير شخص ما ، تعني حصوله على مزيد من احترام الآخرين ، والزيادة في طول القامة عز . والزيادة في الثروة غنى ، والزيادة في قوة الجسم بطولة ... بيد أن هذا لا يمكن التسليم به في المطلق ، فربما كانت الزيادة وبالاً على صاحبها ، فلو زاد في الكف إصبع ، أو زاد حجم الأذنين حتى كانت كأذني فيل ، أو كان للشخص أربعة أيدي وأربعة أرجل .. ألا تعد هذه الزيادات الأخيرة نوعا من التشويه في الخلق .!؟ ، فكيف لو كان لهذا الشخص رأسان ، ألا يكون في هذه الحالة على درجة قصوى من التشويه في الخلق .؟؟ تلك صورة عالمنا اليوم . إنه يعيش برأسين ، ويتحرك في اتجاهين متعاكسين ، هذا يشد إلى وجهة ، وذاك يشد إلى عكسها .. هذا يفكر في أمر وذاك يناقضه فيه .. وصاحب الرأسين مشلول الحركة بينهما ، في وجهة المسير ، وطريقة التفكير ...
كنا يا سادة نظن – وإن بعض الظن إثم – أن حالة انقياد العالم لقطب واحد حالة سيئة ، وأنها أقرب سبيل إلى الاستبداد ، وسيطرة جنون القوة ، وجلب الشقاء للبشرية كلها . وطالما تطلعنا إلى أيام تنازع الدولتين العظميين فيما بينهما ، وسباق الحرب الباردة ، ووجود قطبين عالميين كبيرين ، يحد كل منهما من غلواء الآخر . ويمنعه من التمادي في الباطل ، والإيغال في الظلم .. وكان حق الضعفاء إذ ذاك محفوظ بشكل أو بآخر .. حتى عاد القطب الغائب إلى الظهور على الساحة من جديد . فكانت عودته هذه المرة نقمة ، ولم تكن نعمة .. فها هي البشرية اليوم تعاني أسوأ معاناة في الحياة .. فالأقوياء يأكلون الضعفاء ، والحكام المستبدون يسرقون الشعوب ، ويذلونهم غاية الإذلال ، ولا يجدون لهم عليهم نصيرا ولا مجيرا ..
في أيام الحرب الباردة بين الدولتين الكبريين ، أمريكا وروسيا ، كنا نلاحظ أن أمريكا تحابي إسرائيل ، وأن روسيا تتعاطف مع العرب ، فإذا قامت أمريكا بتسليح اليهود ، قامت روسيا بإعطاء العرب أسلحة دفاعية ضدها . فإذا ملكت إسرائيل طائرات الفانتوم ، أعطي العرب صواريخ سام المضادة لهذه الطائرات .. وإذا أعطيت إسرائيل دبابات سانتيريوم العملاقة ، تم تزويد دول المواجهة العربية بدبابات (ت 52 ) ... وهكذا ما أعطي اليهود سلاحا فتاكا إلا وحصل العرب من روسيا على مضادات له .. لم نكن نحصل من روسيا على أسلحة هجومية قط . حتى لما ورَّدُوا إلينا الطيران الحربي النفاث ( الميج 21 ) و ( الميج 23 ) والأجيال التالية من طيران الميج المطور ، نزعوا منه خاصية الإطلاق الآلي في الصواريخ والرشاشات ، ونزعوا منه أجهزة الاستشعار ، التي تمكن الطيار من الإحساس بالهدف على مسافات بعيدة .. وكذلك فعلوا بالدبابات المطورة ، فقد نزعوا منها أجهزة التوازن ، التي تسمح بالرمي من حال الحركة ، وليس من حال الثبات ، التي تكون فيها الدبابة هدفا قابلا للإصابة بكل تأكيد ... ولما منحتنا روسيا الصواريخ البلاستيكية ، اشترطت علينا أن نستورد معها طاقم التشغيل ، ليقوم هو بالرماية ، وتضمن روسيا بذلك أن هذه الصواريخ ، ممكن أن تستخدم لأي غرض كان ، إلا أن تستخدم ضد إسرائيل ... وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الصواريخ البلاستيكية التي رميت على الشعب السوري أثناء هذه الأزمة الحالية ، لم يطلقها أحد من ضباط القوى الجوية السوريين ، وإنما أطلقت بيد خبراء من روسيا ، وبأمر مباشر من بشار الأسد نفسه .. ومن هذا القبيل أيضا ، ذلك الصاروخ ، الذي أسقط الطائرة التركية ، فقد تم إطلاقه بأيدي خبراء الروس أيضا ، وبأمر من بشار الأسد كذلك .. وكانت الشعارات المرفوعة في تلك الحقبة ، ( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ) و( السلام في مقابل الأرض) و ( حق العودة للشعب الفلسطيني ) و ( استرداد جميع الحقوق المغتصبة ) ..
فلما سقط الاتحاد السوفياتي ، أوجس العرب خيفة ، فأمريكا منحازة انحيازا كاملاً لعدوهم التقليدي " إسرائيل " وهي في تقديرهم لن تسمح لهم بانتزاع حقوقهم المغتصبة منها .. فماذا يصنعون .؟ وبمن يحتمون من ظلم أمريكا وإسرائيل .؟ طبعا ، أقول وبكل أسف ، إنه من غير الوارد لأيٍّ من حكام العرب أن يلوذ بالله ، أو يتوكل عليه ، فهم إما علماني يكره الإسلام ، أو إسلامي وهو أبعد ما يكون عن الإسلام ، أو قومجي عميل لا مبدأ له ولا دين .. لذلك سرعان ما أعقب انهيار الاتحاد السوفياتي ، تسابق الدول العربية إلى إبرام الاتفاقيات السرية مع أمريكا وإسرائيل أيضا ... ولما كان أكبر ما يرضي أمريكا الصلح مع إسرائيل ، فقد سارع حكام الدول العربية ، بما فيهم أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية ، فأبرم اتفاق أوسلو الخياني وباع القضية الفلسطينية ..
ثم لم يكن من الدول العربية إلا أن أعلنت شعاراتها الجديدة ، التي تناسب هذه المرحلة من عصر الخنوع العربي ، فبدلا من لاءاتهم الشهيرة : ( لا ) للتفاوض . ( لا ) للسلام مع إسرائيل . ( لا ) للتطبيع .. رفع العرب شعارات تقول : ( نحن ندعو إلى سلام الشجعان ) و(السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد لدى الدول العربية كلها ) و ( السلام في مقابل السلام ) . وسكت الفلسطينيون عن حق العودة ، وسكت الأسد عن المطالبة بالجولان . وسكت الأردن عن المطالبة بالضفة الغربية .. ومصر ساكتة عن قول أي شيء منذ إبرامها اتفاقية ( كامب ديفيد ) .
لقد عاثت أمريكا في المنطقة العربية فسادا ، فخربت العراق ، وقسمته إلى كنتونات فيدرالية ، وقسمت السودان ، ودمرت الصومال ، وأفغانستان ، وها هي فرنسا تقوم بتدمير مالي عنها بالنيابة ، لأن فرنسا لم تخط تلك الخطوة إلا بوحي من الدولة العظمى أمريكا ...
جاء الربيع العربي ، وبدأ عهد جديد ، وفجأة نبتَ للمجتمع الدولي رأسان متنافران ، هذا يقول : أنا أمريكا العظمى .. وذاك يقول : وأنا روسيا العظمى أيضا ، وكل منهم يشد العجلة إلى جهته ، مخالفا في السير وجهة صاحبه الأول .. فوافقت أمريكا على التغيير في ليبيا وتونس ومصر ، وكَعَّتْ في سوريا .. متعللة بالموقف الروسي المتعنت مع بشار الأسد . وبدأ التجاذب بين القوتين العظميين ، واستمر اختلافهما عامين ، حتى ضاعت سوريا بين التخاذل الأمريكي ، والتعنت الروسي . وما زالت مهددة لمزيد من الدمار والخراب والضياع ... وبات قدر الثوار السوريين أن يصارعوا كياناً غريبا مشوها برأسين ، أحدهما أمريكا ، والآخر روسيا ... وبات قدر السوريين أن ينتزعوا حريتهم من براثن هاتين القوتين العالميتين الكبريين ، وكُتِبَ عليهم أن يمهروا الحرية بمزيد من الدماء والأشلاء ، وإنهم لمدركوها إن شاء الله ، أبى ذلك من أبى ، وشاء من شاء .