الثورة السورية و تأثيرها على النظام (دراسة تحليلية)
لاشك ان شعبنا العظيم قدم الكثير من الشهداء و الجرحى وقامت قوات النظام الهمجية بالتدمير و الحرق و السرقة و الترويع و لكن النظام قد خسر الكثير, مع ملاحظة أن الشعب هو كالارض المعطاء تتجدد و تزهر كل ربيع مهما كان الشتاء قاسيا,أما النظام فهو كالصنم كل ضرية هي مسمار في نعشه لا يستطيع ترميمها.
و هنا نستعرض أهم الخسائر التي تعرض لها النظام نتيجة ثورة الكرامة و هي ان شاء الله في ازدياد :
1. زوال القناع و انكشاف الوجه الاجرامي الحقيقي للنظام, فبعد جرائم ثمانينات القرن الماضي حاول النظام تغطية (لا نقول ازالة لأن الازالة تتطلب اطلاق المعتقلين و رد اللممتلكات المصادرة و كشف مصير المفقودين و السماح للمبعدين بالعودة و توقف الممارسات الارهابية من قبل النظام و الغاء المحاكم الاستثنائية و القوانين القرقوشية الا أن شيئا من هذا لم يحدث) آثار جرائمه و اعتمد لتحقيق هذه على اقامة تحالف مع البرجوازية الدمشقية و الحلبية تسمح لهم بأن يكونوا وكالاء له و اعوان مقابل اعطائهم فتات المائدة و شمل التحالف رجال دين باعوا انفسهم للشيطان و غرهم قربهم من السلطة و كانو (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). و لن اسميهم لأن كافة ابناء وطني يعرفونهم وأذكر في هذا المقام لمن يدعون أن مرائاة هؤلاء للنظام و تغطيتهم على جرائمه و مساعدتهم له في خداع الناس هو لغاية نبيله أن هذا كذب فاضح فليس في اي شريعة سماوية أن الغاية تبرر الوسيلة و أن الغاية التي تُبلغ بوسيلة غير شرعية تكون هي أيضا غير شرعية, كما أن الله هو الصانع (مع العلم أن الخدمات التي قدموها للنظام باعطاءه شرعية و بتخذيل الناس عنه (و بإلباس الذئب ثوب الحمل مما أدى لوقع الكثير من المغررين ببراثنه) كانت لا تقدر بثمن بالنسبة له).
و استمر النظام بمحاولة تحسين صورته عبر مجموعة من القوانين الاقتصادية(التي انصبت بشكل رئيسي على لخدمة زبانيته) وكذلك تحالف مع أعداء الامس من الدول الغربية والخليجية لتمرير مشروع التوريث عبر بروباغند(دعاية) اعلامية مضللة تصوره على انه مختلف عن والده و أصدقاء والده كونه طبيب مثقف عصري عاش في الغرب و تشرب قيم الديموقراطية و العدالة و تزوج بآنسة سنية تؤمن القيم الغربية المبنية على الديموقراطية و حقوق الانسان,وقام بهذه المهمة جوقة من المطبلين كجهاد الخازن و زهير ذياب.
ونم الصاق تهمة استمرار بل تزايد الاستبداد و الفساد على من سموا بالحرس القديم رغم اننا نعلم أن جميع الحرس القديم هم واجهات ورقية (كمناديل دورات المياه) لا تملك قرار حتى على قرار حل رباط حذئها و أن القرار الفعلي هو لمجلس الاوثان المكون من العائلة الحاكمة فقط.
وجيئ بالحرس الجديد فتبين أن حالنا معهم كحال الهارب من تحت الدلف الى تحت المزراب و كالمستجير من الرمضاء بالنار فتضاعف الفساد بشكل جنوني وزاد القمع و الاستبداد و انهار ما تبقى شكلياً من منظومة القيم, و لكن كثيرا ممن اراد أن يخدع نفسه خوفا أو طمعا أو لمصلحة معينة داخليا و خارجيا أقنع نفسه أن بشار جيد و اصلاحي و تعامى عن حقيقة أن بشار ابن أبيه و أنه لم يتعلم من الغرب الديموقراطية و حقوق الانسان بل تعلم منهم فقط لبس بنطال الجينز بدلا من البدلة العسكرية و أكبر تغير أحدثه هو لون لباس أفراد الشرطة بحيث أصبحت ضمائرهم سوداء بينما زادت أفعالهم سوادا, كما غير ملكية وسائل الانتاج (المصانع و المؤسسات) لتنتقل من الدولة الى رامي مخلوف و شركاه فيما عرف بالرمرمة (و هو فعل معاكس لعملية التأميم: قامت بها الدولة بحيث استولت على أموال المواطنين التي بنوها بجهودهم وكانت تساهم في نمو الاقتصاد الوطني بينما الرمرمة هو استيلاء رامي مخلوف و من شابهه على أموال الدولة لتدمير الاقتصاد الوطني).
هذه الثورة المباركة ازالت القناع عن وجه النظام القبيح و لم يبق أمام من يخادعون أنفسهم عذرا سواء من داخل سورية أو خارجها كما ان حكومات الدول الغربية المتعاونة مع النظام أصبحت في حالة حرج أمام شعوبها.
2. هروب الاستثمارات من سورية و بدء الانهيار الاقتصادي للنظام : النظام السوري الذي عمل جاهد على امرين أولهما جلب استثمارات الخليجين و السوريين المغتربين الى سورية ليقوم بسرقتها فيما بعد و ثانيهما فتح الاقتصاد والتحول لاقتصاد السوق ليستثمر الاموال التي سرقها من الشعب.
لكن هذه الثورة أفشلت خططه و بدا وضع الليرة بالاهتزاز بشكل واضح رغم محاولات النظام لتثبيتها و احدى الحيل التي قام بها هي شراء مبالغ كبيرة من العملات الاجنبية لينخفض سعر الليرة و يسود جو من الهلع و يزداد الطلب على العملة الاجنبية (ولكن تحت التحكم) و من ثم يقوم بعملية معاكسة عبر طرح الكميات التي قام بشرائها من العملات الاحنبية ليعود سعر الليرة الى ما كان عليه و هوهنا حقق هدفين أولهما تحقيق أرباح سريعة خلال عمليتي البيع و الشراء و ثانيهما خلق خوف لدى الناس من الخسارة لدى شراء عملات أجنبية.
لكن لو نظرنا نظرة معمقة بعيدا عن الاعيب النظام و أقنعته لوجدنا أن المسحوبات من البنوك خلال الفترة الماضية هي اعلى من الايداعات (حسب تصريحات عدد من مدراء البنوك) وهذا مؤشر خطير,و دليل على أن نقودا كثيرة كما أن سوريا تعتمد في تحصيل العملة الاجنبية على أربع مصادر رئسية :
1. الصادرات: و قد اهتزت بشكل كبير بسبب الاوضاع المضطربة.
2. الاستثمارات الأجنبية 1.9 مليار دولار في عام 2010, وهي قد توقفت تماما.
3. المساعدات من دول الخليج و الاتحاد الاوربي وهي توقفت تماما.
4. السياحة التي تشكل 12% من الناتج القومي و و أن حجم الانفاق السياحي للعشرة الاشهر الاولى من عام 2010 هي سبعة مليارات دولار (1) هي توقفت تقريبا.
5. تحويلات المغتربين1.4 مليار دولار (حسب الاحصاءات و القنوات الرسمية بينما هي في الحقيقة أربعة او خمسة أضعاف هذا الرقم في قنوات السوق السوداء) وهي انخفضت بقيمة كبيرة.
مع العلم أن البندين 3-4 يكونان عادة في فصل الصيف وفي احسن الاحوال حتى لو هدأت الأمور مؤقتا فلن يتم تنشيط هذين البندين قبل صيف عام 2012 السؤال هل سيكون احتياطي البنك المركزي قادرا على تمويل المستوردات و تعويض النقود التي يقوم اتباع النظام بتهريبها (خوفا من مصادرتها حال سقوط النظام) و دعم الليرة السورية حتى ذلك التاريخ !
صدقوني ان قلت لكم ان احتياطي البنك (هو غير معروف و غير معلن و لو كان هناك احتياطي جيد لأعلن عنه ) لن يصمد حتى نهاية الصيف و بعدها ستبدأ الليرة السورية بالانهيار.
وليس هناك دليل اكبر على الازمة التي تعانيها الليرة السورية أكبر من قيام الحكومة برفع معدل الفائدة من 3% الى 6% (لا يوجد أي ارتفاع عالمي)من أجل إغراء الناس بعدم سحب نقودهم من البنوك السورية (موجودات البنوك السورية أقل بكثير من موجودات بنوك الدول المجاورة (سورية 48 مليار دولار, لبنان 136 مليار دولار,الأردن 52 مليار دولار – مع ملاحظة أن عدد سكان الاردن أو لبنان هو 20% من عدد سكان سورية و كلاهما لا يعدان من الدول الغنية أو المتقدمة)
مع العلم أن انهيار عملة اية دولة هي نتيجة حتمية لأي أحداث مثل التي تحدث في سورية و تبعاتها الاقتصادية و لكنها لا تظهر بصورة سريعة و أود أن أذكر هنا أن أحداث لبنا بدأت عام 1976 انهارت الليرة عام 1983 (لبنان كان يتمتع باقتصاد متين مما أخر الانهيار كثيرا) و فقدت 99% من قيمتها فبعد أن كان الدولار يباع 3 ليرات لبنانية اصبح يباع ب 3000 ليرة لبنانية,و كذلك انهارت الليرة السورية بعد أحداث 1979 بسنتين حيث فقدت الليرة 93% من قيمتها فبعد أن كان الدولار ب 3.75 ليرة سورية أصبح ب 52 ليرة سورية .
عامل آخر سيساهم في انهيار الليرة السورية و هو قيام الحكومة بزيادة مرتبات العاملين في الدولة دون أن يكون لديها رصيد لذلك و يقدر حجم الاموال اللازمة لتغطية هذه الزيادة سنويا ب 60 مليار ليرة سورية أي 7.2% من الميزانية السورية البالغة 835 مليار ليرة سورية كما أن قرار تخفيض سعر المازوت سيكلف الدولة مبلغ 28 مليار ليرة سورية 3.35% من الميزانية.
كما أن هناك بندا جديدا ظهر في الميزانية ألا و هو مصاريف التشبيح و المكفاءات التي سوف تصرف لعناصر المخابرات و الحرس الجمهوري ثمنا لقتلهم أبناء وطنهم من باقي السورين و لضمان ولائهم للنظام.
و طبعا النظام في سورية خلال أربعين عاما لم يقم بأي جهد لتطوير موارد الدولة فقد كان منهمكا بسرقتها ونهبها ناهيك عن سوء الادارة, فلا مصانع جديدة و لا مشاريع زراعية مدروسة على أساس علمي بل هو اقتصاد خدمي بالكامل, و الموارد الجديدة نتيجة التطور العلمي العالمي كالاتصالات أصبحت بيد رامي مخلوف,بالإضافة الى أن جميع شركات القطاع العام هي خاسرة بالمطلق.
فليس أمام الدولة لتغطية المصاريف الجديدة الا ثلاث طرق لا رابع لها:
1. زيادة الضرائب مما سيؤدي الى انهيار الاقتصاد المتهاوي أصلا
2. الاقتراض الداخلي أو الخارجي مما يعني زيادة الدين العام و فائدته و الانهيار بعد فتره(علما أن هذا الخيار ضعيف في الوقت الحالي حيث أن معظم البنوك لن تقرض نظاما يعاني من ثورة و عقوبات عالمية الا بفوائد مرتعة جدا من أجل ضمان المخاطر)
3. طباعة أوراق نقدية دون رصيد مما سيؤدي الاى انهيار قيمة الليرة السورية.
ومما لا شك فيه أن انهيار الليرة السورية و ضعف الاقتصاد سيشكل عبئاً كبيراً على النظام و سيكون أحد عوامل انهياره.
فالنظام اجتاز أزمة الثمانينات رغم انهيار الليرة السورية إعتمادا على عاملين :
أولهما القمع الشديد الذي استطاع تطبيقه ضمن توازنات و ظروف دولية إنتفت في المرحلة الراهنة.
ثانيهما أن شرائح كبيرة من المجتمع كانت مؤمنة به عقائديا (الاشتراكيون و أبناء الريف و القوميون --)أما اليوم فبعد انكشاف القناع فلا أحد مؤمن به عقائديا (الذين في صفه هم الفاسدون المستفيدون من بقاء النظام وبالاضافة الى لعبه على الوتر الطائفي).
ولا شك أنه مع ضعف النظام إقتصاديا و تقلص المكاسب لدى المؤيدين سيؤدي الى تخليهم عن النظام مما سييزيد ضعفه.
3. النظام خسر اهم أصدقاءه في الخارج و هم تركيا و قطر و كذلك الكثير من الاحزاب و الشخصيات القومية و الاسلامية و التي كانت تدعم المقاومة الفلسطينية وكانت تتحالف مع النظام السوري على مبدأ عدو عدوك صديقك و لكن انكشاف الوجه القمعي للنظام أدى بالذين يملكون ضميرا حيا الى فك تحالفهم معه ولا سيما ان نجاح ثورة مصر اعطاهم حليفا حقيقيا مقاوما بدلا من المقاوم المزيف
4. كثير من المناطق الثائرة اليوم (درعا – جبلة – الرستن – ريف دمشق – دير الزور – ريف ادلب – العشائر العربية – و آخرون لا يتسع المقام لذكرهم ) كانت مؤيدة للنظام في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي بحكم الانتمائي الحزبي أو الطبقي و قدمت كثير من القيادات و العناصر في النظام ,لكن استشراء الفساد و تكشف الوجه الحقيقي للنظام فلا هو ارضا حرر و لا دولة بنى بل نهب و أفقر و كانت تطبقاته على الارض مخالفة لأقواله في الوحدة و الحرية و الاشتراكية و دولة المؤسسات مما ادى لتحولهم الى المنادين باسقاط النظام.
5. قتل النساء و الأطفال أول رد فعل عليها (سواء من الجندي أو الضابط او المواطن العادي) هو الذهول وعدم القدرة على اتخاذ القرار ثم يتحول الى الخوف فالاستنكار ثم الغضب
6. كثير من المنتفعين بدأ بالهرب و التخلي عن النظام و هم ينتظرون فرصة للفرار
7. النظام استفاد في مراحل كثيرة عندما كان الهدف رقم إثنان وحدث أن الغرب كان منهمكا مع الهدف رقم واحد مما اتاح له الافلات فهو كان الثاني بعد صدام حسين و اليوم هو الثاني بعد القذافي و لكن قريبا سيكون الرقم واحد
____
جابر عثرات الكرام السوري