عزم الغرب على ضرب مالي لخبط علينا كل الحسابات :
أولا : كنا نحاول إقناع أنفسنا بأن هنالك مجتمعا دوليا .. وأن هنالك منظمة أمم متحدة .. ومجلس أمن .. وجمعية عمومية .. محكمة عدل دولية في لاهاي .. ومنظمة اليونسكو واليونيسيف .. ورعاية طفولة .. وحقوق إنسان .. وحقوق حيوان .. وحماية الآثار العالمية ..
ثانيا : كنا نضبط تصرفاتنا ، وتحركاتنا على أساس وجود هذه الكيانات الدولية ذات الشأن والصولجان والهيلمان ..
فقد تحركت أمريكا وأخواتها بريطانيا وفرنسا ، وأوقفت الحرب في البوسنة والهرسك ، وفرضت وقفا لإطلاق النار .. وألقت القبض على الرئيس الصربي ، واقتيد ليحاكم في لاهاي بتهمة مجرم حرب ، وارتكابه لجرائم ضد الإنسانية ..
وتحركت أمريكا وأخواتها لضرب صدام حسين ، الذي اعتدى على الكويت ، وقام باحتلالها ، وعلى الرغم من كونه خاف من تهديداتهم وانسحب ، ولكن تاتشر قالت له يومها : " سنضربك وإن انسحبت ، لتكون عبرة لغيرك ، ولتعلم أن اعتداءك على دولة ذات سيادة له ثمن باهظ .. ثم كان الزحف الدولي بزعامة أمريكا ، الذي انتهى إلى ضرب صدام وإعدامه أخيرا ، وإسقاط الدولة في العراق ، ودمار العراق ..
ومرة ثالثة ، تحرك المجتمع الدولي في الوقت المناسب ، وحال بين القذافي وبين محو مدينة بنغازي من على الخريطة ...
ومرة رابعة ، تحرك المجتمع الدولي ، فساند الثورة المصرية ضد مبارك ، وهو عميل غربي من الطراز الأول .. وقال له أوباما : أنا قلت على مبارك أن يرحل من أمس وليس اليوم .. ورحل مبارك .. وهو الآن داخل القفص ، وظل يحمل هو وسريره إلى قاعة المحكمة المصرية ، حتى صدر عليه الحكم بالسجن المؤبد في نهاية المطاف ...
وكنا نشاهد هذه الأحداث على المسرح الدولي الكبير ، ونقول في سرنا : ما زال العالم بخير .. وما دام للعدل أنصار في هذا العالم . وما دام هنالك من يساند الحريات ، ويحارب الظلم والاستبداد الذي يمارسه الدكتاتوريون على الشعوب ..
وكنا نعتذر لأمريكا بتلكؤها عن التدخل في شأننا نحن السوريين ، ونقول إنهم مشغولون بالانتخابات ، وترتيب الوضع الداخلي ، وإن روسيا والصين تعرقلان حركة مجلس الأمن ، وتعطلانه عن مزاولة دوره الطبيعي في معالجة الشأن السوري باستخدام البند السابع ، إما بحظر جوي أو ممرات آمنة ، أو بضربة جوية سريعة تطيح بالنظام وتنهي هذه المأساة اليومية ... وكنا نعتذر لفرنسا وبريطانيا بأنهما لا يستطيعان القيام بهذه المهمة وحدهما دون مشاركة أمريكية ..
ثالثا : واستمرت تفسيراتنا للأحداث ، مبنية على حسن الظن بالمجتمع الدولي ، حتى ظهرت على الساحة الدولية مسألة مالي ، وقيام ثورة أطاحت بالرئيس ، واستلم الشعب مقاليد الأمور .. وهنا كانت المفاجأة .. لقد أعلن المجتمع الدولي بأنه سوف يتدخل عسكريا وخلال فترة محددة قدرها (45) يوما فقط ... لماذا .!؟؟؟؟؟
حقا إنه لعجب عجاب ، فالغرب الآن كله مستعد للتدخل ، للإطاحة بحكومة الانقلابيين ، وإعادة الرئيس السابق إلى كرسيه ولو بقوة السلاح . أتدرون لماذا ؟ الجواب : إن الانقلاب إسلامي ، ويريد تحكيم الشريعة الإسلامية .. إذن لا مجال للتأخر . ولا مجال لإتاحة الفرصة أمام الإسلاميين ليقيموا دولة لهم في ذلك الإقليم الأفريقي .. ويجب أن يطاح بهم في الحال دون أي إهمال .. ومرة أخرى سبحان الله ، وماذا عن الانتخابات الأمريكية ، وماذا عن العجز الأوربي بدون المشاركة الأمريكية .. كله الآن يهون ، ويجب التحرك السريع قبل أن تنبت للإسلاميين أظافر ، ويؤسسوا دولة لهم في القارة الخضراء ...
رابعا : إذن السر في هذه المفارقات هو التخوف من الإسلام .؟ وهنا تعود بنا الذاكرة إلى الماضي القريب ، إلى أحداث ميانمار في بورما ، وتتضح الصورة التي كانت مغبشة آنذاك ، وشيئا فشيئا نكتشف سر الصمت الدولي على تلك المجازر الرهيبة التي وقعت هناك ، ففي غضون شهرين تقريبا ذهب أكثر من مليوني إنسان ، ذبحاً بالسكاكين ، وحرقاً بالنار ، وإلقاءً لأجساد الضحايا المسلمين إلى أسماك البحر هناك .!؟ لم يتحدث عنهم أحد ، ولم يسمع بهم أحد ، وكأن الذين يقتلون هناك بكل وحشية وهمجية ، ليسوا بشرا ، ولا حق لهم في الحياة .. افرضوا أنهم حيوانات ، أما كان ممكنا أن تتحرك جمعيات الرفق بالحيوان فتوقف عنهم القتل .؟
إذن هذا الصمت الدولي عما يجري في سوريا من مجازر هو أيضا بسبب التخوف من حكم بديل قد يمتُّ بصلة ما إلى الإسلام . ويمكن أن يكون لدية قدر من الحس الوطني ، الذي قد يدفع إلى المطالبة بما باعه آل الأسد لإسرائيل خلال عهد الصمود والتصدي ..
خامسا : فيا لها من كذبة كبيرة تلك التي يعيشها العالم اليوم .. لقد ثبت الآن أن المجتمع الدولي كله منافق كذاب ..!! فأمريكا كذابة .. وأوربا أكذب منها .. وروسيا والصين ليستا الأسوأ بين المتآمرين .. وإنما هما العدو المجاهر الجريء .. بينما الغرب هو العدو المنافق الجبان .. ونحن نعلم أن محل المنافق من سخط الله ، هو الذي رشحه لأن يكون في الدرك الأسفل من النار.
سادسا : فيا أيها السياسيون العلمانيون ، توبوا إلى الله نكاية بأمريكا وأوربا وروسيا والصين .. فهذه هي السبيل الوحيدة لانتزاع النصر رغما عن أنف المتآمرين من شرق وغرب. لا تتزلفوا للمجتمع الدولي الكافر ببقائكم حيث أنتم بعيدا عن الإسلام ، فالأسد أكفر أهل الأرض ، وهو الأحب إلى الشرق والغرب .. ولا تتزلفوا للغربيين بالاتفاق معهم على الخيانة الوطنية ، فالأسد أخون أهل الأرض ، وسيظل هو الأفضل في نظر الغرب ... ولا تؤملوا خيرا من حكام العرب ، فكلهم أصدقاؤه ويرجون بقاءه ... لذلك لا خلاص لنا ولكم من هذا الكابوس إلا برفع راية الجهاد في سبيل الله من جديد ، ورفع شعار ( يا أهل الأرض نحن جند نحب الموت أكثر مما تحبون الحياة ) ... سنحارب من يقف في طريقنا ، ولن نستسلم ، بل ننتصر فنحيا أعزة كرماء ، أو نموت شهداء أحياء ...