ما هي دوافع قيام الثورة السورية ، وما هي متطلباتها .؟
بقلم : أبو ياسر السوري
السمة العامة لهذه الندوة على الهواء :
ظهر على شاشة الجزيرة مباشر مجموعة من النشطاء في الداخل السوري يبحثون دوافع قيام الثورة ومتطلباتها ... فكان هنالك ضحالة في الطرح ، وتسطيح في الإجابة ، وعدم وضوح في الرؤية ، بل كان كثير من المتحدثين يناقض نفسه بنفسه ، فيبدأ بفكرة ينتهي إلى نقيضها أحيانا .. وفي الحقيقة إن هؤلاء النشطاء يعذرون في ذلك ، ولو كنت - أنا كاتبُ هذه الكلمات بينهم - لما كنتُ أحسن حالاً منهم ، لأن النظام قد فرض على المواطن السوري أن يكون أميا في ميدان السياسة ، ولم يسمح له بممارسة حقه في التفكير ولا التعبير ، مما أفقده القدرةَ على التفكير والدقةَ في التعبير ، وصار السوري عاجزا عن إبداء الرأي الواضح والمنطق الصائب في أي قضية يسأل عنها على الهواء .. وحبذا لو أن معد الحلقة أعطى لكل من المشاركين في هذه الندوة سؤالا يعد له إجابة مركزة قبل حضوره إلى التصوير ، لئلا يسمع العالم منهم إجابات تسيء إلى السوريين بعامة ، ولا تخص أصحابها .. ولكننا ويا للأسف ما تعودنا أن نحسن التصرف في المواقف ، وإنما نفضل الارتجال في كل شيء ... ولهذا أرى أن نجيب عن سؤال :
ما هي دوافع قيام الثورة السورية ، وما هي متطلباتها .؟
أما دوافع الثورة في سوريا ، فيمكن تلخيصها في الرغبة الشعبية الجامحة في القضاء على الفساد والاستبداد .. ويمكن أن نقول : قامت الثورة لتغيير نظام مفسد مستبد ، وإقامة نظام جديد يقوم على إرساء مبادئ الحرية والكرامة والعدل والمساواة بين أبناء الشعب السوري بكافة أطيافه ومكوناته . وتهيئة مناخ مناسب للتعايش السليم بين أبناء المجتمع السوري في ظل دولة ديمقراطية مدنية مؤسساتية، تستقل فيها السلطات العامة الثلاث "التشريعية والقضائية والتنفيذية".
ما الفرق بينها وبين أحداث الثمانينات .؟
وأما أحداث الثمانينات فلم تكن ثورة، وإنما كانت حراكاً بين أحزاب محدودة ، وأجندات مختلفة . كان الصراع فيها بين عدد من الأحزاب السياسية ، كحزب البعث والحزب الشيوعي ، والحزب الناصري ، وجماعة الإخوان المسلمين ... ولم يكن للشعب مشاركة في تلك الأحداث . التي انتهى الحراك فيها إلى انتصار حزب البعث بقوة الدولة وجيشها واستخباراتها ، ولم يلبث أن أقصي بقية الأحزاب عن الساحة ، وصدرت الأوامر الرسمية بحل جميع أحزاب المعارضة ، وملاحقة عناصرها ، حتى امتلأت السجون بالحزبيين المعارضين لحزب البعث ، الذي تقرر أن يكون الحزب الوحيد ، الذي له قيادة الدولة والمجتمع . وفرضت جراء ذلك ثقافة التهميش والإقصاء بالقوة ، فصدر قانون 49 الذي يقضي بالحكم بالإعدام على كل معارض منتسب إلى الإخوان المسلمين .. وتحت مسمى الإخوان حورب كل مواطن له توجه إسلامي ، وضيق عليه في الرزق ، وربما لوحق وزج في السجن .. وبدأت تفرض ثقافة إلحادية تتبنى الزندقة والتنكر لكل ما هو تاريخي وإسلامي ... وفي رأيي أن تلك الأحداث هي التي مهدت لتغول الطائفة النصيرية فيما بعد ، التي كانت مسيطرة على خيوط اللعبة في حزب البعث ، كما كانت مسيطرة على أغلب الأجهزة الأمنية ، التي لم يكن لها مهمة سوى قمع المعارضين وإذلالهم .
أما الثورة اليوم ، فهي ثورة شعبية عامة ، تضم كافة شرائح المجتمع السوري العمرية والنوعية ، ومكوناته الإثنية ، فقد شارك فيها الرجال والنساء والأطفال ، والكبار والصغار ، والأغنياء والفقراء ، وسكان المدن والقرى ، وأبناء الحضر وأبناء البادية .. كما شارك فيها المسلم والنصيري والدرزي والإسماعيلي والعربي والكردي والتركماني والآشوري ... وكذلك شارك فيها المتمسك بالدين ، والعلماني البعيد عن التدين أصلا ... وها هي سوريا ثائرة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ، ومن أبعد نقطة في الجنوب إلى حدود تركيا في الشمال ، لم يشذ عنها سوى عصابة آل الأسد والسفلة الرعاع من الطائفة النصيرية ...
أين مكان المثقفين من هذه الثورة .؟
وقد أثير في هذه الندوة مسألة دور المثقفين في هذه الثورة . وبغضِّ النظر عما قيل في تلك الندوة عن دورهم السلبي أو الإيجابي ، فإن عامة المثقفين وطبقة النخب كانوا يضعون العصي في عجلة الثورة .. أما في الداخل ، فلأن أغلبهم كان من أعضاء حزب البعث ، وهو مطالب أن يدافع عن النظام طوعا أو كرها .. وأما في الخارج فكانوا أفرادا من انتماءات حزبية مختلفة ، فكانوا في مغتربهم يحملون خلافاتهم معهم أينما حلوا ، فالإسلامي يكره الشيوعي والناصري ، والشيوعي يكره الاثنين معا ، والناصري يكره الآخرين ... والكل مشغول بهم الجواز والإقامة والجنسية والعمل لتأمين الرغيف .. ونسي هؤلاء قضيتهم الأساس ، وهي أن في سوريا نظاما فاسدا مستبدا ، اضطرهم إلى مغادرة الوطن ، وفرض عليهم التشرد والعيش في الشتات .. وحرمهم من متعة الاستقرار في الحياة ..
فلما قامت الثورة بقدر الله ، وفجرها اعتقال أطفال درعا ، فوجئت بها هذه النخب ، فتريثت بادئ ذي بدء ولم تحرك ساكنا ، فلما بدأت الثورة بالامتداد ، وتحركت بانياس ودوما تهتف باسم درعا ، شعرت النخب بأن الحراك سيكبر ويمتد ، وأن الربيع العربي قد مر موكبه بسوريا ، فسارعوا إلى الظهور على القنوات التلفزيونية ... وكل منهم يغني في هذه القنوات على ليلاه . فبعض الإسلاميين يزعم أنها ثورة إسلامية سلمية خرجت من المساجد ، وبعض العلمانيين يحاول تشويه سمعة الإسلاميين ، فيزعم أنه عرض عليه سلاح للثوار فرفض ، لأنه يريدها ثورة سلمية بيضاء . مما ساعد على تكوين فصيلين متنازعين للمعارضة في الخارج ، كان ضرهما على الثورة أكبر من نفعهما .
لماذا انتقلت الثورة من السلمية إلى حمل السلاح .؟
والحقيقة ، مرت هذه الفكرة بجملة لم يلق لها أحد بالا ، وهي جديرة بالاهتمام ، فالثورة بدأت سلمية ، ولو حمل فيها السلاح منذ البداية لتمكن النظام من قمعها ، وشد العالم في ذلك على يديه .. ولكن القدر شاء لها أن تبدأ البداية الصحيحة ، وتغلق الباب على مبررات القمع جميعا . لقد خرج الناس يطالبون بالحرية ، فقوبلوا بالرصاص الحي . ثم دُهِسُوا تحت جنازير الدبابات ، ثم تَعرَّضُوا للمداهمات والاعتقال والتعذيب والتصفية ، وتعرض النساء للاغتصاب والإهانة وكسر الشرف ... فبدأ المتردد في اللحاق بالثورة يتململ ، وبدأت الأصوات تتعالى بالنكير ، فكان الردُّ قتلَ كل من أنكر بكلمة ، أو تردد في المشاركة في قتل المواطنين ... ومن هنا بدأت انشقاقات العسكريين الشرفاء ، وأعلنوا انضمامهم إلى الشعب ، فقتلوا بِدَوْرِهِمْ مع الشعب ، فاضطروا لحمل البندقية ، فقوبلوا بمدفعية الميدان وراجمات الصواريخ ثم بالحوامات ثم بالقاذفات الحربية المدمرة ... فهبت سوريا عن بكرة أبيها تطالب بوقف القتل ، فكان الردُّ بأن تدمر سوريا كلها بالطيران ... تلك هي قصة انتقال الثورة من السلمية إلى حمل السلاح لقد اضطرت أن تقاوم دفاعاً عن الدين والنفس والعرض والمال .
لماذا لم تتوحد المعارضة .؟
وكان ضروريا أن تثار هذه الفكرة بتركيز شديد ، ولكن الإخوة الناشطين لم يتحدثوا عنها إلا عَرَضاً . وكأنها لا تستحق أكثر من جملة أو جملتين .!؟ وهذه القضية باتت المشجب الذي يعلق المجتمع الدولي عليه خذلانه للشعب السوري ، مخالفا في هذا الموقف السلبي، جميع الأعراف الدولية ، والمنظمات الراعية لحقوق الإنسان ... لقد بدأت القنوات تتحدث عن معارضة في الداخل ، ومعارضة في الخارج ، في محاولة خبيثة لشق صف المعارضة . فلما أعلنت المعارضة في الخارج أن أغلب عناصرها كانوا في الداخل منذ أيام ، وأنهم هم الذين قادوا الحراك ، فلما أصبح بقاؤهم خطرا على حياتهم اضطروا إلى الخروج مرغمين ، وإنهم ما يزالون على صلة مع ثوار الداخل ... عندها بدأت القنوات تتحدث عن ضرورة توحيد المعارضة على وجهة نظر واحدة ، وأن يعلنوا عما يريدون بوضوح ، فهل يريدون الإصلاح أم إسقاط النظام .؟؟ وهنا لعب النظام لعبته ، فاستطاع أن يشتري هيئة التنسيق ، وأن يسند إليها مهمة شق الصف ، وأن يكون دورها مخالفة كل رأي يتفق عليه الآخرون ، ليدوم انقسام المعارضة ، ويكون ذلك مبررا لتخلي المجتمع الدولي عن إيقاف القتل عن الشعب السوري ...
ما الحاجة لتشكيل المجلس الوطني .؟
تشكيل هذا المجلس ، الذي ضم أكثر من 80% من المعارضة السورية ، كان خطوة ضرورية على الطريق ، وكان المكون السياسي للثورة ، ثمَّ إنه يمثلُ صورة عملية من توحيد المعارضة ، ويمكنه مخاطبة المجتمع الدولي بمطالب الثوار ، كما يمكنه القيام بدور حكومة المنفى للسوريين .. لقد تشكل هذه المجلس ولكنه لم يتشكل إلا بعد عناء ودماء ، تشكل ولم تكن رؤيته لما يجري في الداخل واضحة ، فوقع في بعض الأخطاء ، أكبرها أنه لم يحسن التواصل مع شباب الثورة على الأرض ، وثانيها أنه صار يخالف مطالب الثوار ويغضبهم من غير أن يدري ، فلم يعترف بالجيش الحر ، ولم يوافق على انشقاق العسكريين ، ولم يوافق على التدخل الدولي لإيقاف آلة القتل الأسدية ، مخالفا في هذا كله مطالب الثوار ... فبدأ الطعن بهذا المجلس وبرئيسه وبأعضائه ، وبدأ التشكيك في دينهم ونزاهتهم وسلوكهم . وارتفعت أصوات التهديد بإسقاط المجلس على الهواء أحيانا .. والغرب يسمع هذا كله ، فكانت نتيجة هذه الزوبعة ، أن استخف الغرب بهذا المجلس ، ولم يعترف به ، ولم يخفَّ إلى تلبية مطالبه ، ولم يتمكن بالتالي من تقديم أي خير للثوار .. وكان هذا نتيجة طبيعية لشؤم الخلاف ..
آخر فقرة في هذا الحوار :
ومعذرة فقد طال المقال ، وما أردتُ له أن يطول ، ولكن بقيتْ مسألةٌ خطيرة ، لا ينبغي تأخيرها ، وهي أن بعض المشاركين في هذه الندوة انتقد المحاكم الميدانية ، وزعم أنه لا يقرها قانون ولا دين ..!! وهو يرى أنه لو تم القبض على بشار الأسد ، فلا ينبغي أن يمس بسوء حتى يحاكم محاكمة عادلة ...
وصاحب هذا القول في الحقيقة جاهل بالقانون والدين معاً . ونحن نقول له : إن ظروف الحرب تقتضي البتَّ في القضايا الطارئة ، لذلك سمح الإسلام في الحرب بمثل هذه الإجراءات ، ودرج على ذلك العرفُ الدولي في العالم كله .. وننصح هذا الأخ المتفاصح أن يحترم عقول المشاهدين .. ونحن نسأله : ماذا يريد أن نفعل بمن قاومونا وقاتلونا وانتهكوا أعراضنا .؟ هل يريد أن نستأجر لهم أجنحةً في فنادق من ذوات الخمس نجوم ، إلى أن تنتهي المعركة ، ثم نحاكمهم في محاكم مدنية .؟ فيا صاحبنا المثقف ، رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده ، ووالله لو كنتَ أنت ممن انْتُهِكَ عرضُهُ أو قُتِلَ ولدُه أو هُدِمَ بيته فوق أسرته لما قلتَ ما قلت ... على أية حال أنت لا تمثل إلا نفسك ، ولا يحق لك أن تفرض وجهة نظرك الخاطئة علينا .. مع احترامي وتقديري لكل أحرار إدلب ومناضليهم الشرفاء ..
بقلم : أبو ياسر السوري
السمة العامة لهذه الندوة على الهواء :
ظهر على شاشة الجزيرة مباشر مجموعة من النشطاء في الداخل السوري يبحثون دوافع قيام الثورة ومتطلباتها ... فكان هنالك ضحالة في الطرح ، وتسطيح في الإجابة ، وعدم وضوح في الرؤية ، بل كان كثير من المتحدثين يناقض نفسه بنفسه ، فيبدأ بفكرة ينتهي إلى نقيضها أحيانا .. وفي الحقيقة إن هؤلاء النشطاء يعذرون في ذلك ، ولو كنت - أنا كاتبُ هذه الكلمات بينهم - لما كنتُ أحسن حالاً منهم ، لأن النظام قد فرض على المواطن السوري أن يكون أميا في ميدان السياسة ، ولم يسمح له بممارسة حقه في التفكير ولا التعبير ، مما أفقده القدرةَ على التفكير والدقةَ في التعبير ، وصار السوري عاجزا عن إبداء الرأي الواضح والمنطق الصائب في أي قضية يسأل عنها على الهواء .. وحبذا لو أن معد الحلقة أعطى لكل من المشاركين في هذه الندوة سؤالا يعد له إجابة مركزة قبل حضوره إلى التصوير ، لئلا يسمع العالم منهم إجابات تسيء إلى السوريين بعامة ، ولا تخص أصحابها .. ولكننا ويا للأسف ما تعودنا أن نحسن التصرف في المواقف ، وإنما نفضل الارتجال في كل شيء ... ولهذا أرى أن نجيب عن سؤال :
ما هي دوافع قيام الثورة السورية ، وما هي متطلباتها .؟
أما دوافع الثورة في سوريا ، فيمكن تلخيصها في الرغبة الشعبية الجامحة في القضاء على الفساد والاستبداد .. ويمكن أن نقول : قامت الثورة لتغيير نظام مفسد مستبد ، وإقامة نظام جديد يقوم على إرساء مبادئ الحرية والكرامة والعدل والمساواة بين أبناء الشعب السوري بكافة أطيافه ومكوناته . وتهيئة مناخ مناسب للتعايش السليم بين أبناء المجتمع السوري في ظل دولة ديمقراطية مدنية مؤسساتية، تستقل فيها السلطات العامة الثلاث "التشريعية والقضائية والتنفيذية".
ما الفرق بينها وبين أحداث الثمانينات .؟
وأما أحداث الثمانينات فلم تكن ثورة، وإنما كانت حراكاً بين أحزاب محدودة ، وأجندات مختلفة . كان الصراع فيها بين عدد من الأحزاب السياسية ، كحزب البعث والحزب الشيوعي ، والحزب الناصري ، وجماعة الإخوان المسلمين ... ولم يكن للشعب مشاركة في تلك الأحداث . التي انتهى الحراك فيها إلى انتصار حزب البعث بقوة الدولة وجيشها واستخباراتها ، ولم يلبث أن أقصي بقية الأحزاب عن الساحة ، وصدرت الأوامر الرسمية بحل جميع أحزاب المعارضة ، وملاحقة عناصرها ، حتى امتلأت السجون بالحزبيين المعارضين لحزب البعث ، الذي تقرر أن يكون الحزب الوحيد ، الذي له قيادة الدولة والمجتمع . وفرضت جراء ذلك ثقافة التهميش والإقصاء بالقوة ، فصدر قانون 49 الذي يقضي بالحكم بالإعدام على كل معارض منتسب إلى الإخوان المسلمين .. وتحت مسمى الإخوان حورب كل مواطن له توجه إسلامي ، وضيق عليه في الرزق ، وربما لوحق وزج في السجن .. وبدأت تفرض ثقافة إلحادية تتبنى الزندقة والتنكر لكل ما هو تاريخي وإسلامي ... وفي رأيي أن تلك الأحداث هي التي مهدت لتغول الطائفة النصيرية فيما بعد ، التي كانت مسيطرة على خيوط اللعبة في حزب البعث ، كما كانت مسيطرة على أغلب الأجهزة الأمنية ، التي لم يكن لها مهمة سوى قمع المعارضين وإذلالهم .
أما الثورة اليوم ، فهي ثورة شعبية عامة ، تضم كافة شرائح المجتمع السوري العمرية والنوعية ، ومكوناته الإثنية ، فقد شارك فيها الرجال والنساء والأطفال ، والكبار والصغار ، والأغنياء والفقراء ، وسكان المدن والقرى ، وأبناء الحضر وأبناء البادية .. كما شارك فيها المسلم والنصيري والدرزي والإسماعيلي والعربي والكردي والتركماني والآشوري ... وكذلك شارك فيها المتمسك بالدين ، والعلماني البعيد عن التدين أصلا ... وها هي سوريا ثائرة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ، ومن أبعد نقطة في الجنوب إلى حدود تركيا في الشمال ، لم يشذ عنها سوى عصابة آل الأسد والسفلة الرعاع من الطائفة النصيرية ...
أين مكان المثقفين من هذه الثورة .؟
وقد أثير في هذه الندوة مسألة دور المثقفين في هذه الثورة . وبغضِّ النظر عما قيل في تلك الندوة عن دورهم السلبي أو الإيجابي ، فإن عامة المثقفين وطبقة النخب كانوا يضعون العصي في عجلة الثورة .. أما في الداخل ، فلأن أغلبهم كان من أعضاء حزب البعث ، وهو مطالب أن يدافع عن النظام طوعا أو كرها .. وأما في الخارج فكانوا أفرادا من انتماءات حزبية مختلفة ، فكانوا في مغتربهم يحملون خلافاتهم معهم أينما حلوا ، فالإسلامي يكره الشيوعي والناصري ، والشيوعي يكره الاثنين معا ، والناصري يكره الآخرين ... والكل مشغول بهم الجواز والإقامة والجنسية والعمل لتأمين الرغيف .. ونسي هؤلاء قضيتهم الأساس ، وهي أن في سوريا نظاما فاسدا مستبدا ، اضطرهم إلى مغادرة الوطن ، وفرض عليهم التشرد والعيش في الشتات .. وحرمهم من متعة الاستقرار في الحياة ..
فلما قامت الثورة بقدر الله ، وفجرها اعتقال أطفال درعا ، فوجئت بها هذه النخب ، فتريثت بادئ ذي بدء ولم تحرك ساكنا ، فلما بدأت الثورة بالامتداد ، وتحركت بانياس ودوما تهتف باسم درعا ، شعرت النخب بأن الحراك سيكبر ويمتد ، وأن الربيع العربي قد مر موكبه بسوريا ، فسارعوا إلى الظهور على القنوات التلفزيونية ... وكل منهم يغني في هذه القنوات على ليلاه . فبعض الإسلاميين يزعم أنها ثورة إسلامية سلمية خرجت من المساجد ، وبعض العلمانيين يحاول تشويه سمعة الإسلاميين ، فيزعم أنه عرض عليه سلاح للثوار فرفض ، لأنه يريدها ثورة سلمية بيضاء . مما ساعد على تكوين فصيلين متنازعين للمعارضة في الخارج ، كان ضرهما على الثورة أكبر من نفعهما .
لماذا انتقلت الثورة من السلمية إلى حمل السلاح .؟
والحقيقة ، مرت هذه الفكرة بجملة لم يلق لها أحد بالا ، وهي جديرة بالاهتمام ، فالثورة بدأت سلمية ، ولو حمل فيها السلاح منذ البداية لتمكن النظام من قمعها ، وشد العالم في ذلك على يديه .. ولكن القدر شاء لها أن تبدأ البداية الصحيحة ، وتغلق الباب على مبررات القمع جميعا . لقد خرج الناس يطالبون بالحرية ، فقوبلوا بالرصاص الحي . ثم دُهِسُوا تحت جنازير الدبابات ، ثم تَعرَّضُوا للمداهمات والاعتقال والتعذيب والتصفية ، وتعرض النساء للاغتصاب والإهانة وكسر الشرف ... فبدأ المتردد في اللحاق بالثورة يتململ ، وبدأت الأصوات تتعالى بالنكير ، فكان الردُّ قتلَ كل من أنكر بكلمة ، أو تردد في المشاركة في قتل المواطنين ... ومن هنا بدأت انشقاقات العسكريين الشرفاء ، وأعلنوا انضمامهم إلى الشعب ، فقتلوا بِدَوْرِهِمْ مع الشعب ، فاضطروا لحمل البندقية ، فقوبلوا بمدفعية الميدان وراجمات الصواريخ ثم بالحوامات ثم بالقاذفات الحربية المدمرة ... فهبت سوريا عن بكرة أبيها تطالب بوقف القتل ، فكان الردُّ بأن تدمر سوريا كلها بالطيران ... تلك هي قصة انتقال الثورة من السلمية إلى حمل السلاح لقد اضطرت أن تقاوم دفاعاً عن الدين والنفس والعرض والمال .
لماذا لم تتوحد المعارضة .؟
وكان ضروريا أن تثار هذه الفكرة بتركيز شديد ، ولكن الإخوة الناشطين لم يتحدثوا عنها إلا عَرَضاً . وكأنها لا تستحق أكثر من جملة أو جملتين .!؟ وهذه القضية باتت المشجب الذي يعلق المجتمع الدولي عليه خذلانه للشعب السوري ، مخالفا في هذا الموقف السلبي، جميع الأعراف الدولية ، والمنظمات الراعية لحقوق الإنسان ... لقد بدأت القنوات تتحدث عن معارضة في الداخل ، ومعارضة في الخارج ، في محاولة خبيثة لشق صف المعارضة . فلما أعلنت المعارضة في الخارج أن أغلب عناصرها كانوا في الداخل منذ أيام ، وأنهم هم الذين قادوا الحراك ، فلما أصبح بقاؤهم خطرا على حياتهم اضطروا إلى الخروج مرغمين ، وإنهم ما يزالون على صلة مع ثوار الداخل ... عندها بدأت القنوات تتحدث عن ضرورة توحيد المعارضة على وجهة نظر واحدة ، وأن يعلنوا عما يريدون بوضوح ، فهل يريدون الإصلاح أم إسقاط النظام .؟؟ وهنا لعب النظام لعبته ، فاستطاع أن يشتري هيئة التنسيق ، وأن يسند إليها مهمة شق الصف ، وأن يكون دورها مخالفة كل رأي يتفق عليه الآخرون ، ليدوم انقسام المعارضة ، ويكون ذلك مبررا لتخلي المجتمع الدولي عن إيقاف القتل عن الشعب السوري ...
ما الحاجة لتشكيل المجلس الوطني .؟
تشكيل هذا المجلس ، الذي ضم أكثر من 80% من المعارضة السورية ، كان خطوة ضرورية على الطريق ، وكان المكون السياسي للثورة ، ثمَّ إنه يمثلُ صورة عملية من توحيد المعارضة ، ويمكنه مخاطبة المجتمع الدولي بمطالب الثوار ، كما يمكنه القيام بدور حكومة المنفى للسوريين .. لقد تشكل هذه المجلس ولكنه لم يتشكل إلا بعد عناء ودماء ، تشكل ولم تكن رؤيته لما يجري في الداخل واضحة ، فوقع في بعض الأخطاء ، أكبرها أنه لم يحسن التواصل مع شباب الثورة على الأرض ، وثانيها أنه صار يخالف مطالب الثوار ويغضبهم من غير أن يدري ، فلم يعترف بالجيش الحر ، ولم يوافق على انشقاق العسكريين ، ولم يوافق على التدخل الدولي لإيقاف آلة القتل الأسدية ، مخالفا في هذا كله مطالب الثوار ... فبدأ الطعن بهذا المجلس وبرئيسه وبأعضائه ، وبدأ التشكيك في دينهم ونزاهتهم وسلوكهم . وارتفعت أصوات التهديد بإسقاط المجلس على الهواء أحيانا .. والغرب يسمع هذا كله ، فكانت نتيجة هذه الزوبعة ، أن استخف الغرب بهذا المجلس ، ولم يعترف به ، ولم يخفَّ إلى تلبية مطالبه ، ولم يتمكن بالتالي من تقديم أي خير للثوار .. وكان هذا نتيجة طبيعية لشؤم الخلاف ..
آخر فقرة في هذا الحوار :
ومعذرة فقد طال المقال ، وما أردتُ له أن يطول ، ولكن بقيتْ مسألةٌ خطيرة ، لا ينبغي تأخيرها ، وهي أن بعض المشاركين في هذه الندوة انتقد المحاكم الميدانية ، وزعم أنه لا يقرها قانون ولا دين ..!! وهو يرى أنه لو تم القبض على بشار الأسد ، فلا ينبغي أن يمس بسوء حتى يحاكم محاكمة عادلة ...
وصاحب هذا القول في الحقيقة جاهل بالقانون والدين معاً . ونحن نقول له : إن ظروف الحرب تقتضي البتَّ في القضايا الطارئة ، لذلك سمح الإسلام في الحرب بمثل هذه الإجراءات ، ودرج على ذلك العرفُ الدولي في العالم كله .. وننصح هذا الأخ المتفاصح أن يحترم عقول المشاهدين .. ونحن نسأله : ماذا يريد أن نفعل بمن قاومونا وقاتلونا وانتهكوا أعراضنا .؟ هل يريد أن نستأجر لهم أجنحةً في فنادق من ذوات الخمس نجوم ، إلى أن تنتهي المعركة ، ثم نحاكمهم في محاكم مدنية .؟ فيا صاحبنا المثقف ، رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده ، ووالله لو كنتَ أنت ممن انْتُهِكَ عرضُهُ أو قُتِلَ ولدُه أو هُدِمَ بيته فوق أسرته لما قلتَ ما قلت ... على أية حال أنت لا تمثل إلا نفسك ، ولا يحق لك أن تفرض وجهة نظرك الخاطئة علينا .. مع احترامي وتقديري لكل أحرار إدلب ومناضليهم الشرفاء ..