اللجنة الرباعية .. وحكيمة النمل :
[b]بقلم : أبو ياسر السوري
( رد على مقال الخاشقجي )الرابط : http://www.daralakhbar.com/news/2012/09/22/568447/articles/2090370
-1-
[/b]بداية لا بد من القول : أنني صُدمتُ بهذا المقال ، لأني كنت قبلا أقدِّرُ كاتبه ، وأراه حرَّ التفكير ، عميقَ النظر، موفقا في أغلب ما يقول ويكتب ... ولكنه خيَّبَ به الظن ، ولعلي كنت مغشوشا في الرجل ، أو أنه لا بد لكل جواد من كبوة ، ولكل سيف من نبوة ... لقد أثار الكاتب أكثر من نقطة يمكن أن يقال إنه أخطأ فيها ، ولا أريد اتهامه بأنه تعمد الخطأ . وإنه ليؤسفني أن أقول : إن هذا المقال قد أساء لكاتبه ، ولم يسئ إلى الثورة . لأنه قد يقبل من الكاتب أن يخالفنا في الرأي ، ولا يقبل منه أن يتلاعب في المعايير . لذلك كان لكلامه وقع مُحبَّبٌ لدى علوي من جامعة تشرين ، كان قرأ المقال فأثنى على كاتبه ورفع له القبعة على حد تعبيره . والحقُّ يقال إن هذا المقال مجاف للمنطق ، مخالف للحقيقة .. خليق بأن يثير إعجاب كل شبيح وشبيحة ... -1-
-2-
ومما يؤاخذ عليه كاتبه في مقاله هذا ، محاولته أن يفهمنا أن إيران هي وحدها صاحبة القرار في الشأن السوري . فزعم أن العالم كله حاول جاهدا أن يزحزح إيران عن مساندتها للأسد ، فعجز عن تحريكها عن ذاك قيد أنملة ... ولو سلمنا جدلا بأن إيران بهذه القوة ، فأظن أن من حقنا عندها أن نسأل : لماذا إذن هذه اللجنة الرباعية ، وما عساها أن تفعل مع إيران ، التي تتمرد على من هم أكبر من هذه اللجنة خطراً وأكثر جندا .؟ ومن حقنا أن نسأل أيضا : لماذا يُطلَبُ من إيرانَ أن تكون في هذه اللجنة ، وإيران تقول للأسد : المحيا محياك ، والممات مماتك . .؟ وهذا يعني أن إيران لن توافق على الإطاحة بالأسد ، ولن توافق على تجريمه بأي جريمة مارسها على شعبه ، لأنها تعلم أنها شريكة له في كل جرائمه ، وأن تجريمه هو تجريم لها بالتبعية ، وإشراك لها في المسؤولية . وهذا ما لا يمكن تصوره من إيران ، على أي وجه كان ..!!
وهنا من حقنا أيضا أن نطرح سؤالاً ثالثا فنقول : هل تفكر هذه اللجنة أنها قادرة على إقناع السوريين بالتنازل عن شهدائهم وتهديم بيوتهم واغتصاب نسائهم .؟ أم أنها ستنذرهم على طريقة حكيمة النمل ، فتقول لهم : يا أيها السوريون ادخلوا مساكنهم ، قبل أن يحطمهم الأسد وجنوده وهم لا يشعرون .؟ ولنفرض أن الشعب السوري المغدور لم يرضخ لتهديد حكيمة النمل ( اللجنة الرباعية ) .. فهل ستجاهرنا عندئذ هذه الدولُ الصديقة والشقيقة العداء ، وتعلن عن تخليها الكامل عنا ، لنجابه بصدورنا العارية ، طيرانَ الأسد وصواريخه وأسلحته الكيميائية ، حتى يقضي على الملايين منا ، دون أن يذرفوا علينا عبرة ، أو أن يظهروا لنا حسرة .؟
-3-
كنا نود من الأخ الكاتب أن لا يتأسى في خذلاننا بالآخرين ، وأن لا يستخدم قلمه لإدخال اليأس والإحباط إلى نفوسنا . فرُبَّ كلمةٍ نصرتْ جمعاً ، وكلمةٍ صنعتْ هزيمة .. لقد بذل الخاشقجي جهدا كبيرا لإدخال اليأس إلى نفوسنا ، فشكك في جدوى محاولة الإبراهيمي ، وشكك في محاولة اللجنة الرباعية ، وهوَّل من شأن إيران ، وجعلها أقوى من أصدقاء سوريا والجامعة العربية والأمم المتحدة ، وأيأسنا من إمكان الحصول على الصواريخ المضادة للطيران .. وأفهمنا أنه لا مخرج لنا مما نحن فيه إلا بالاستسلام للأسد ، والنزول على حكمه يفعل بنا ما يشاء .. ونسي الكاتب أن لهذا الكون رباً قادرا على نصر المستضعفين وقصم الجبارين . نسي الكاتب أن يقول لدول اللجنة الرباعية : أخرجوا إيران من بينكم ، فإنها السُّمُّ الذي ما خالط شيئا إلا أفسده . ونسي الكاتب أن يقول لمن يُصر على إشراك إيران في هذه اللجنة : إنك لا تجني من الشوك العنب . وأنه خير من التعاون مع إيران وتطبيع العلاقات مع مجوس الفرس ، أن يُصار إلى تسليح الشعب السوري ، وأن يَنْظُرَ العربُ إلى سوريا كما تنظر إليها إيران ، فإيران تصرِّحُ بأنَّ الحربَ في سوريا حربُها ، وأن الأسد يجب أن يبقى ولو زال الشعب كله .-4-
وأظن أن الكاتب قد درس تاريخ الثورات ، وأظنه يعلم أن إرادة الشعوب لا تقهر ولا تنكسر ، وأظنه يعلم أن جند الشام مشهود لهم من خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم : بأنهم خير أجناد الأرض .. وأنهم جديرون بالنصر على من عاداهم من المارقين .؟ فليته - ومثله من يعرف ذلك كله - ليته قال كلمة واحدة في استنهاض الهمم .. بدل أن يلوح لنا بطول المعاناة ، وتكاليف المعاناة ، وفظاعة المعاناة .. فيخوفنا من مصير كمصير لبنان التي خاضت حربا أهلية استمرت (15) سنة ، أو عاقبة كعاقبة أفغانستان ، التي خاضت حربا استمرت عشر سنين ، ويرى البعض أنها مستمرة منذ (33) سنة وحتى الآن . ويصر الكاتب على أن يزيد في اسوداد اللوحة ، فيعمد إلى تشبيه السوريين بالأفغان في التشتت والتشرذم والصراع على القيادة .. وما بقي عليه إلا أن يقول لنا : كفوا أيديكم وارضوا بحكم الغالب على المغلوب . فإن الأسد أولى منكم بالبقاء ...-5-
ولهذا نريد أن نطل على ثورتنا من نافذة الأمل ، لنجد أن إيران ليست هي التي تقرر مصير الصراع في سوريا ، وليس الأسد هو الذي يحسم هذا الصراع ، وليست روسيا هي التي تستطيع إسكات هذا الشعب الثائر .. لقد مر على الثورة عام ونصف العام ، والعالم كله يحاربنا مع الأسد ، فقد منعوا عنا السلاح ، ومنعوا عنا الغذاء ، ومنعوا عنا الدواء ، وسمحوا للأسد أن يهدم أكثر من مليونين وأربعمائة ألف بيت سوري ، ويشرد أكثر من أربعة ملايين من منازلهم ، ويقوم بقتل الآلاف ويمارس الحرق والسرقة والنهب والاغتصاب ... وإيران من ورائه وعن أيمانه وشمائله ، وروسيا والصين تمد جسورها الجوية والبحرية لإمداد الحليف الأسد ... وإسرائيل تشكر الداعمين من وراء وراء ، وتمد يد العون مع المادين .. حتى البابا رمز الرحمة في العالم المسيحي ، حتى البابا نفسه جاء يوصي - مشكوراً - بحجب السلاح عن الشعب السوري المسكين ، نُصرةً للأسد اللعين . أبهذا أوحت إليك مشاعر الرحمة يا رمز الرحمة في روما .؟ ولكن الله لم ينسنا من رحمته ، فجعلنا نحصل على أكثر السلاح غنيمة من العصابة الأنذال ، ومنَّ علينا بالصبر والسكينة ، وأعجز النظام عن قمع ثورتنا ، فها هي الثورة مستمرة ماضية في سبيلها ، وإنها لفي تنامٍ مطرد ، فقد امتدت جغرافيا حتى لم يعد للأسد وعصابته موطئ قدم آمن على أرض سوريا كلها . ولذلك هو يقصفنا بالطيران ، ولسوف يجيء اليوم الذي نُحيِّدُ فيه طيرانه ، ونقبض عليه كما قبض على الجرذ الليبي ، ونوفيه حسابه كاملا غير منقوص بعون الله ..
ومن نوافذ الأمل بالنصر أيضا ، أن عدد الجيش الحر في ازديادٍ مستمر ، حتى أصبح تعداده الآن فوق المائة ألف مقاتل ، كلهم مدرب على السلاح ، فيهم الضباط الأمراء والقادة والطيارون والمظليون والمدفعيون .. بل لقد انضم أغلب الشعب السوري إلى الثورة ، وشكل حاضنة للمقاتلين من أبنائه ، وعبثاً يحاول النظام هدم البيوت على رؤوس أصحابها ، ليتخلوا عن احتضان الجيش الحر فلم ينل مراده ، وما زال الشعب على ولائه لجيشه الوطني الحر واحتضانه ...
قرأت على الصفحة نبأ استشهاد قريب لي منتسب إلى الجيش الحر ، فاتصلت بوالده أعزيه ، ولما سمعت صوته لم أتمالك نفسي فأجهشت بالبكاء ، لأني أعرف الشهيد ، فجعل الأب المفجوع بابنه الشاب يعزيني ويصبرني ويهدئ من حزني، فكان مما قال : إذا لم نضح بأموالنا وأبنائنا ودورنا .. فكيف ننتصر ..؟؟ فأفهمني هذا الوالد المصاب أن للنصر ثمنا لا يتحقق بدونه .. إنه التضحية بكل شيء في سبيل الوصول إلى النصر الذي نتمناه ..!؟؟
-6-
لذلك أريد أن أطمئن الكاتب وغيره من المتخاذلين والخائفين والمخذلين والخانعين .. أن كلمة شعبنا واحدة ، فكلنا مصر على إسقاط هذا النظام ومحاكمته ومحاكمة كل من آزره وأعانه على إجرامه .. وأريد أن أطمئن الكاتب إلى أن كلمة الجيش اليوم واحدة ، فكلهم متفق على الإطاحة بالأسد وعصابته ، وأن مقاتلينا لم يخرجوا للجهاد ابتغاء منصب أو كرسي ، وإنما خرجوا للجهاد دفاعا عن النفس والأهل والعرض .. وكل ذلك في سبيل الله . لقد خرج هؤلاء العسكريون الأحرار وهدفهم واحد ، إنهم يريدون إسقاط هذا النظام المارق ، لم يختلف على هذا الهدف اثنان .. فلماذا يشكك الخاشقجي في قدرة السوريين على وحدة الكلمة وهم متحدون .؟؟ لماذا يزعم أن السوريين ليسوا كالفرنسيين يتفقون على «ديغول» واحد ، وإنما هم في رأيه كالأفغان وربما أسوأ حالا منهم ، فكلهم يعتقدون أنهم زعماء .. نحن لا ننكر أن لدى الشعب السوري اعتدادا بالنفس ، ولكن ظلم النظام علمنا كيف نتفق ، وكيف ننتصر إن شاء الله ..-7-
وختاما ، أريد أن أقول للكاتب ومن لف لفه من المخذلين والمثبطين : ليس النصر من عند المجتمع الدولي المتآمر ، ولا هو من عند المجتمع العربي المتخاذل ، ولا هو من المجتمع الإسلامي الذي لم يعد يعنيه شيء من أمور المسلمين ... وإنما النصر من عند الله ، ( يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .