كنا
نودُّ لو كان كلامُ الأميرِ ، أميرَ الكلام .؟
بقلم : ابو
ياسر السوري
نداء الأمير
شبلي زيد الأطرش ، ليس ابن الساعة ، وإنما يعود إلى تاريخ 26 / 3 / 2012 في يوم
إحياء ذكرى مرور (30) سنة على وفاة سلطان باشا الأطرش ، قائد الثورة السورية
الكبرى سنة 1925 ضد الفرنسيين ... ومن طريف المفارقات في هذه المناسبة الوطنية ،
أن النظام يتململ ضجرا لإحياء هذه الذكرى وأمثالها من ذكريات أبطال سوريا الخالدين
، لأن أصحابها من أصول كريمة معروفة ، وآل الأسد ليس لهم أصولٌ تُذكَر ، ولا مآثرُ تُشكَر . فهم لذلك
ينقمون على كل حسيب نسيب .. ولذلك دس لأهل القريا والسويداء من يحول حفل التأبين
إلى حلبة صراع بالأيدي ، وشتائم باللسان ، ودفع برجال الأمن إلى اعتداء على المحتفين بالضرب
والإهانة والملاحقة والاعتقال .
ولعل هذه
الحادثة هي التي دفعت الأمير شبلي زيد الأطرش إلى إلقاء بيانه المشهور في الإخوة
من الطائفة الدرزية ، فاختار أن يقف فيه في الساحة الرمادية ، لذلك أسخط عليه
النظام ، ولم يُرْضِ الثائرين الأحرار .
ثم مر على تلك
الحادثة ، أكثر من ستة عشر شهراً ، والإخوة الدروز لم يخرجوا من الساحة الرمادية ،
التي وضعهم فيها سمو الأمير الأطرش الحفيد ..
وبينما كنت
أتجول في منتديات الثورة ، وجدت عنوانا للبيان الذي ألقاه الأمير شبلي زيد الأطرش .
ورأيت بعض التعليقات عليه ، لمستُ منها توجيه شيء من الملامة للأمير على ما جاء في
بيانه ، من موقف غامض غير صريح .. فحركني ذلك لقراءة البيان بإمعان ، وكان كل همي
إنصاف الرجل ، والتماس العذر إليه إن كان في كلامه ما يسمح بالتماس المعاذير
انظر
البيان على هذا الرابط :
http://www.syria2011.net/t37727-topic
قرأت المقال
بكل روية وهدوء ، وأجلت الفكر في كل كلمة جاءت فيه ، فوجدت الرجل يتحدث بأسلوب مَنْ يَجرَحُ
ويُداوي .. فقد مهَّدَ لبيانه بكلام يوحي بالسخط لما يقع في سوريا ، من تدمير ونهب
وانتهاك للحرمات . واستنكرَ ما يجري فيها من أنهار الدماء ، التي تسفك تحت شعارات
صدئة .. فلا يَخدِمُ ذلك سوى العدو الصهيوني ... ثم ختم هذا الكلام الجميل بكلام
يسوي فيه بين الجلاد والضحية ، وذلك حين قال : لو حاولنا المطالبة بحريتنا وكرامتنا
وأرضنا ، فلن يقوى " العدو" أن يفعل بنا عشر معشار ( ما
نفعله بأنفسنا ..) فسوى بهذه العبارة الأخيرة ، ما بين الجلاد والضحية . فليس في
سوريا اقتتال بين أطراف متنازعة ، وإنما هنالك نظامٌ يشن حربا على شعبه ..
ثم درج الأميرُ
الأطرش على هذا المنوال في كل فقرة من فقرات بيانه العتيد .. يجرح فيه ويداوي .. ففي
الفقرة الثانية مثلا ، قال : السوريون لم يربُّوا أولادهم خرافاً للذبح .. وهذا
كلام طيب ، ولكنه أفسده بقوله : ولن يرحم التاريخ الفاعلين .. ولم يُحدِّد من هم
الفاعلون ؟ وهو يعلم أنه ليس هنالك من فاعل للقتل والإبادة سوى النظام ، ولكنه فضَّل
أن يترك الباب مواربا ، لئلا يجابه النظام بفعلته ، ناسيا أو متناسيا أن رجلا في
مثل مكانته ، لا يجمُل به السكوت في موطنٍ يتطلبُ البيان ، ولا يجمل بمثله أن يُسوّي ما
بين قاتل ومقتول .
ونمضي مع
السيد شبلي الأطرش في بيانه ، فنرى أنه أدان جميع أنواع القتل والتدمير واستباحة
الحرمات ، وكل أشكال العنف .. ولكنه لم يشأ أن يطالب النظام الفاشل ، باحترام رغبة
شعبه بالتنحي عن سدة الحكم ، بعد كل الذي عم به البلاد والعباد ، من ظلم واستبداد وفساد .. واكتفى
بمطالبة النظام بالسماح بحق التظاهر والإفراج عن المعتقلين ، وهو يعلم أن الشعوب
قد تسامح الحاكم في كل شيء ، إلا في الدماء والأعراض ... فوضع الأمير لبيانه سقفا
منخفضا للمطالب ، لا يرقى إلى تطلعات الجماهير ...
ثم حذر السيد
شبلي أبناء طائفته من قبول استلام السلاح إذا عرض عليهم من أي جهة كان .. ودعا إلى
تقاسم اللقمة مع المشردين من كافة المحافظات السورية ، حتى يفرج الله على الجميع
بوطن حر واحد موحد .
ولو عصرنا هذا
الكلام الذي اشتمل عليه البيان من أوله إلى آخره ، فلن نعثر على جملة جميلة فيه ، إلا
وتعرضت للنقض والإفساد . فقد تعمد الأمير أن يبني قصورا من الكلام ثم يجعل عاليها
سافلها .. أو يحيك من غزله حللاً زاهية ، ثم يعمد إلى نقض غزله من بعد قوة أنكاثا .
كم كنا نود أن
نسمع من أمير للرجال ، كلاما يكون ( أميرَ الكلامٍ ) وإذا بنا نسمع منه - ويا للأسف - ( أمرَّ كلام
) . وعلى الرغم من المرارة التي تجرعناها بكلامه ، الذي اختار فيه أن يقف هو
وأتباعه على الحياد ، في قضية لا تحتمل الحياد ..فإني سأسأل الإخوة الدروز فأقول
:
ألسنا شركاء
في هذا الوطن ، ألسنا نستظل بسمائه ، ونستمتع بأجوائه ، ونعيش جميعاً فوق ترابه ،
ونستنشق عبير هوائه .؟؟ أليس من واجب الجميع أن يحرص على سلامة وطن هو ملك للجميع ؟
أليس من واجب كل مُكوِّنٍ من مُكوِّنات هذا الوطن الحفاظُ عليه من مخاطر التجزئة والتقسيم
؟ إن ما ارتكبه هذا النظام ، يشكل سابقةٌ لم يرتكبها نظام قبله ، وما أظن أن نظاما
في الأرض سيفعل فعله .
لقد كان حكمُ
آل الأسد استعماراً داخليا ، أكثر سوءا من حكم الاستعمار الغربي .. فهو نظام فاسد
مستبد . ثبت أنه تنازل عن أجزاء من تراب الوطن في سبيل بقائه في الحكم . فهو نظام
خائن .. وثبت أنه كان يتبع سياسة " فرق تسد " فحرَّش ما بين العرَب والكُردِ
، وأوقع ما بين أبناء المدن والأرياف ، وألقى بذور التفرقة ما بين مكونات المجتمع
، فرفع الطائفة العلوية على سائر الطوائف .. وخصهم بالمناصب الرفيعة والرتب
العالية ، ولم يدع منهم عاطلا عن العمل ، وأبناء الطوائف الأخرى يجترون الفقر
والحسرة والحرمان . واستأثر آلُ الأسد بنصيب الأسد من الفريسة ، وأول شيء استأثروا
به أن خصوا أنفسهم بعائدات البترول والغاز ، فهما للرئيس حافظ الأسد ولأبنائه من
بعده ، ثم استأثروا بعائدات الاتصالات فهي لهم من دون الآخرين ، ثم سمحوا لآل
مخلوف وشاليش بلعق الأصابع من المغنم ، ثم طَرَحَ حافظ الأسد قضية توريث الحكم لأبنائه
من بعده ، وبدأ بتصفية كل من أبدى اعتراضا على ذلك .. فكان له ما أراد ، وورث بشارُ
الحكم بعد موت أبيه . وسكت الشعب منتظراً أن يكون منه الخير الكثير ، وإذا به لا
يجيء منه إلا الخراب والتدمير . فاستمر في الحكم أحد عشر عاما لم يقدم للوطن أي
إصلاح ، وإنما كنا في ظله ننتقل من السيئ إلى الأسوأ ، ومن الفاسد إلى الأفسد .. فخرج
الشعب يطالب بالإصلاح ، فكان جزاؤه أن يستباح دمه وعرضه وماله .. وهكذا لم تلد
الحية إلا حية .. ولم تكن الحقبة الأسدية سوى فترة استعمار ، فاقت ببشاعتها كل
استعمار ..
ففي هذا العهد
، هُدّمتْ سوريا فوق رؤوس أهلها .. فهل فعلتْ فرنسا مثلَ ذلك ..؟ اللهم لا .. ولقد
هُدِمَتْ مساجدُ المسلمين وكنائسُ النصارى .. فهل فعلت فرنسا شيئا من ذلك ؟ اللهم
لا .. ولقد اغتَصَبَ شبيحةُ الأسد نساءَ المواطنين .. فهل فعلتْ فرنسا المستعمرة
ذلك .؟ اللهم لا .. ولقد عمَدَ النظامُ إلى حرق الثُّوار أحياء ، ودَفْنِهم في
التراب أحياء ، وقلعِ أعينهم وتقطيع أطرافهم أحياء ، وثَقْبِ أجسادهم بالمثاقب
الكهربائية .. فهل فعلت فرنسا الاستعمارية شيئا من هذا .؟ اللهم لا ..
ومع ذلك ،
ثارت سوريا في وجه فرنسا ، تطالب بحقها في الحرية والكرامة .. وكان أول من أطلق
طلقة لإعلان الثورة ، الأمير سلطان باشا الأطرش .. وكان أكثرَ مَنْ حارب الفرنسيين
بقلمه وسيفه أميرُ البيان شكيبُ أرسلان .. فلَمْ يقنعْ أمراءُ الدروز بأن يُمسكوا بالعصا
من المنتصف ، ولم يقنعوا بالمسير في نهاية الركب النضالي آنذاك ، وإنما حملوا
الراية ، وقادوا الثورة ، وكان لهم صفحات خالدة في التاريخ .. فأين الأمير شبلي الأطرش
من هذا المجد ؟ لماذا يختار لنفسه ولقبيلته البقاء في الظل ؟ وهل هذه هي عادة
الأمراء ، الذين خلقوا لبناء المعالي ، وصناعة الأمجاد .!؟
يا أمير آل
الأطرش ، لا ترضَ لقبيلة الطرشان اليوم بأقل ما رَضِيَهُ جَدُّكُمْ سلطان .. ولا
ترضَ لنفسك بأقلَّ ما فعله شكيب أرسلان ... والسلام .
نودُّ لو كان كلامُ الأميرِ ، أميرَ الكلام .؟
بقلم : ابو
ياسر السوري
نداء الأمير
شبلي زيد الأطرش ، ليس ابن الساعة ، وإنما يعود إلى تاريخ 26 / 3 / 2012 في يوم
إحياء ذكرى مرور (30) سنة على وفاة سلطان باشا الأطرش ، قائد الثورة السورية
الكبرى سنة 1925 ضد الفرنسيين ... ومن طريف المفارقات في هذه المناسبة الوطنية ،
أن النظام يتململ ضجرا لإحياء هذه الذكرى وأمثالها من ذكريات أبطال سوريا الخالدين
، لأن أصحابها من أصول كريمة معروفة ، وآل الأسد ليس لهم أصولٌ تُذكَر ، ولا مآثرُ تُشكَر . فهم لذلك
ينقمون على كل حسيب نسيب .. ولذلك دس لأهل القريا والسويداء من يحول حفل التأبين
إلى حلبة صراع بالأيدي ، وشتائم باللسان ، ودفع برجال الأمن إلى اعتداء على المحتفين بالضرب
والإهانة والملاحقة والاعتقال .
ولعل هذه
الحادثة هي التي دفعت الأمير شبلي زيد الأطرش إلى إلقاء بيانه المشهور في الإخوة
من الطائفة الدرزية ، فاختار أن يقف فيه في الساحة الرمادية ، لذلك أسخط عليه
النظام ، ولم يُرْضِ الثائرين الأحرار .
ثم مر على تلك
الحادثة ، أكثر من ستة عشر شهراً ، والإخوة الدروز لم يخرجوا من الساحة الرمادية ،
التي وضعهم فيها سمو الأمير الأطرش الحفيد ..
وبينما كنت
أتجول في منتديات الثورة ، وجدت عنوانا للبيان الذي ألقاه الأمير شبلي زيد الأطرش .
ورأيت بعض التعليقات عليه ، لمستُ منها توجيه شيء من الملامة للأمير على ما جاء في
بيانه ، من موقف غامض غير صريح .. فحركني ذلك لقراءة البيان بإمعان ، وكان كل همي
إنصاف الرجل ، والتماس العذر إليه إن كان في كلامه ما يسمح بالتماس المعاذير
انظر
البيان على هذا الرابط :
http://www.syria2011.net/t37727-topic
قرأت المقال
بكل روية وهدوء ، وأجلت الفكر في كل كلمة جاءت فيه ، فوجدت الرجل يتحدث بأسلوب مَنْ يَجرَحُ
ويُداوي .. فقد مهَّدَ لبيانه بكلام يوحي بالسخط لما يقع في سوريا ، من تدمير ونهب
وانتهاك للحرمات . واستنكرَ ما يجري فيها من أنهار الدماء ، التي تسفك تحت شعارات
صدئة .. فلا يَخدِمُ ذلك سوى العدو الصهيوني ... ثم ختم هذا الكلام الجميل بكلام
يسوي فيه بين الجلاد والضحية ، وذلك حين قال : لو حاولنا المطالبة بحريتنا وكرامتنا
وأرضنا ، فلن يقوى " العدو" أن يفعل بنا عشر معشار ( ما
نفعله بأنفسنا ..) فسوى بهذه العبارة الأخيرة ، ما بين الجلاد والضحية . فليس في
سوريا اقتتال بين أطراف متنازعة ، وإنما هنالك نظامٌ يشن حربا على شعبه ..
ثم درج الأميرُ
الأطرش على هذا المنوال في كل فقرة من فقرات بيانه العتيد .. يجرح فيه ويداوي .. ففي
الفقرة الثانية مثلا ، قال : السوريون لم يربُّوا أولادهم خرافاً للذبح .. وهذا
كلام طيب ، ولكنه أفسده بقوله : ولن يرحم التاريخ الفاعلين .. ولم يُحدِّد من هم
الفاعلون ؟ وهو يعلم أنه ليس هنالك من فاعل للقتل والإبادة سوى النظام ، ولكنه فضَّل
أن يترك الباب مواربا ، لئلا يجابه النظام بفعلته ، ناسيا أو متناسيا أن رجلا في
مثل مكانته ، لا يجمُل به السكوت في موطنٍ يتطلبُ البيان ، ولا يجمل بمثله أن يُسوّي ما
بين قاتل ومقتول .
ونمضي مع
السيد شبلي الأطرش في بيانه ، فنرى أنه أدان جميع أنواع القتل والتدمير واستباحة
الحرمات ، وكل أشكال العنف .. ولكنه لم يشأ أن يطالب النظام الفاشل ، باحترام رغبة
شعبه بالتنحي عن سدة الحكم ، بعد كل الذي عم به البلاد والعباد ، من ظلم واستبداد وفساد .. واكتفى
بمطالبة النظام بالسماح بحق التظاهر والإفراج عن المعتقلين ، وهو يعلم أن الشعوب
قد تسامح الحاكم في كل شيء ، إلا في الدماء والأعراض ... فوضع الأمير لبيانه سقفا
منخفضا للمطالب ، لا يرقى إلى تطلعات الجماهير ...
ثم حذر السيد
شبلي أبناء طائفته من قبول استلام السلاح إذا عرض عليهم من أي جهة كان .. ودعا إلى
تقاسم اللقمة مع المشردين من كافة المحافظات السورية ، حتى يفرج الله على الجميع
بوطن حر واحد موحد .
ولو عصرنا هذا
الكلام الذي اشتمل عليه البيان من أوله إلى آخره ، فلن نعثر على جملة جميلة فيه ، إلا
وتعرضت للنقض والإفساد . فقد تعمد الأمير أن يبني قصورا من الكلام ثم يجعل عاليها
سافلها .. أو يحيك من غزله حللاً زاهية ، ثم يعمد إلى نقض غزله من بعد قوة أنكاثا .
كم كنا نود أن
نسمع من أمير للرجال ، كلاما يكون ( أميرَ الكلامٍ ) وإذا بنا نسمع منه - ويا للأسف - ( أمرَّ كلام
) . وعلى الرغم من المرارة التي تجرعناها بكلامه ، الذي اختار فيه أن يقف هو
وأتباعه على الحياد ، في قضية لا تحتمل الحياد ..فإني سأسأل الإخوة الدروز فأقول
:
ألسنا شركاء
في هذا الوطن ، ألسنا نستظل بسمائه ، ونستمتع بأجوائه ، ونعيش جميعاً فوق ترابه ،
ونستنشق عبير هوائه .؟؟ أليس من واجب الجميع أن يحرص على سلامة وطن هو ملك للجميع ؟
أليس من واجب كل مُكوِّنٍ من مُكوِّنات هذا الوطن الحفاظُ عليه من مخاطر التجزئة والتقسيم
؟ إن ما ارتكبه هذا النظام ، يشكل سابقةٌ لم يرتكبها نظام قبله ، وما أظن أن نظاما
في الأرض سيفعل فعله .
لقد كان حكمُ
آل الأسد استعماراً داخليا ، أكثر سوءا من حكم الاستعمار الغربي .. فهو نظام فاسد
مستبد . ثبت أنه تنازل عن أجزاء من تراب الوطن في سبيل بقائه في الحكم . فهو نظام
خائن .. وثبت أنه كان يتبع سياسة " فرق تسد " فحرَّش ما بين العرَب والكُردِ
، وأوقع ما بين أبناء المدن والأرياف ، وألقى بذور التفرقة ما بين مكونات المجتمع
، فرفع الطائفة العلوية على سائر الطوائف .. وخصهم بالمناصب الرفيعة والرتب
العالية ، ولم يدع منهم عاطلا عن العمل ، وأبناء الطوائف الأخرى يجترون الفقر
والحسرة والحرمان . واستأثر آلُ الأسد بنصيب الأسد من الفريسة ، وأول شيء استأثروا
به أن خصوا أنفسهم بعائدات البترول والغاز ، فهما للرئيس حافظ الأسد ولأبنائه من
بعده ، ثم استأثروا بعائدات الاتصالات فهي لهم من دون الآخرين ، ثم سمحوا لآل
مخلوف وشاليش بلعق الأصابع من المغنم ، ثم طَرَحَ حافظ الأسد قضية توريث الحكم لأبنائه
من بعده ، وبدأ بتصفية كل من أبدى اعتراضا على ذلك .. فكان له ما أراد ، وورث بشارُ
الحكم بعد موت أبيه . وسكت الشعب منتظراً أن يكون منه الخير الكثير ، وإذا به لا
يجيء منه إلا الخراب والتدمير . فاستمر في الحكم أحد عشر عاما لم يقدم للوطن أي
إصلاح ، وإنما كنا في ظله ننتقل من السيئ إلى الأسوأ ، ومن الفاسد إلى الأفسد .. فخرج
الشعب يطالب بالإصلاح ، فكان جزاؤه أن يستباح دمه وعرضه وماله .. وهكذا لم تلد
الحية إلا حية .. ولم تكن الحقبة الأسدية سوى فترة استعمار ، فاقت ببشاعتها كل
استعمار ..
ففي هذا العهد
، هُدّمتْ سوريا فوق رؤوس أهلها .. فهل فعلتْ فرنسا مثلَ ذلك ..؟ اللهم لا .. ولقد
هُدِمَتْ مساجدُ المسلمين وكنائسُ النصارى .. فهل فعلت فرنسا شيئا من ذلك ؟ اللهم
لا .. ولقد اغتَصَبَ شبيحةُ الأسد نساءَ المواطنين .. فهل فعلتْ فرنسا المستعمرة
ذلك .؟ اللهم لا .. ولقد عمَدَ النظامُ إلى حرق الثُّوار أحياء ، ودَفْنِهم في
التراب أحياء ، وقلعِ أعينهم وتقطيع أطرافهم أحياء ، وثَقْبِ أجسادهم بالمثاقب
الكهربائية .. فهل فعلت فرنسا الاستعمارية شيئا من هذا .؟ اللهم لا ..
ومع ذلك ،
ثارت سوريا في وجه فرنسا ، تطالب بحقها في الحرية والكرامة .. وكان أول من أطلق
طلقة لإعلان الثورة ، الأمير سلطان باشا الأطرش .. وكان أكثرَ مَنْ حارب الفرنسيين
بقلمه وسيفه أميرُ البيان شكيبُ أرسلان .. فلَمْ يقنعْ أمراءُ الدروز بأن يُمسكوا بالعصا
من المنتصف ، ولم يقنعوا بالمسير في نهاية الركب النضالي آنذاك ، وإنما حملوا
الراية ، وقادوا الثورة ، وكان لهم صفحات خالدة في التاريخ .. فأين الأمير شبلي الأطرش
من هذا المجد ؟ لماذا يختار لنفسه ولقبيلته البقاء في الظل ؟ وهل هذه هي عادة
الأمراء ، الذين خلقوا لبناء المعالي ، وصناعة الأمجاد .!؟
يا أمير آل
الأطرش ، لا ترضَ لقبيلة الطرشان اليوم بأقل ما رَضِيَهُ جَدُّكُمْ سلطان .. ولا
ترضَ لنفسك بأقلَّ ما فعله شكيب أرسلان ... والسلام .