مكونات الثورة السورية – نشأتها وأدوارها الثورية :
بقلم : ابو ياسر السوري
1 - من رحم نظام استبدادي فاسد ، استمر أكثر من أربعين عاما ، وُلِدَتْ ثورةُ الحرية والكرامة في سوريا ، وناءَ بأعبائها شعبٌ عظيم بكل المقاييس ، شعبٌ أثبت للعالم أن العين يمكنها أن تقاوم المخرز ، وأن الصدور العارية يُمكنها أن تقهر الدبابة والمدفع والصاروخ . شعبٌ يعلم أنه يتصدى لأعتى الأنظمة الدكتاتورية في العالم ، وأنه يثور وهو يضعُ في اعتباره ما يمكن أن يقع عليه جرَّاءَ ثورته من جرائم ، على يد نظام يمثل أبشع نموذج للأنظمة الدكتاتورية في تاريخ البشرية .
2 – كان أولَ مكوِّنٍ من مكونات هذه الثورة ، المُكوِّنُ الاجتماعي ، متمثلا بأهل درعا ، الذين ثاروا بقدر من الله ، وكانوا شرارة هذا الحراك الثوري العارم . نعم بدأت شرارة الثورة من درعا بقدر من الله ، ثم امتدَّ لهيبها إلى كافة أرجاء سوريا بقدر من الله أيضاً ، وكأنَّ ظلم المستبد كان هو العاملَ الأقوى في توحيد صفوف المقهورين المسحوقين . فما بدأت آلة القمع تعمل عملها في درعا ، حتى انطلق الهتافُ الخالدُ من كل قرية ومدينة في سوريا ، من شمالها إلى جنوبها ، ومن شرقها إلى غربها يقول : ( يا درعا نحن معاك للموت ) . فكانت هذه الوحدةُ الاجتماعية الرصينة ، هي الصخرة التي تكسَّرَ على صلابتها جبروتُ النظام ، وتحطَّم عليها عنفوانه . وبطلَ سحر النظام في لحظة ، فقد كان منذ أربعين سنةً يعملُ على زرع الفُرقة ما بين السوريين أنفسهم ، ففرَّقَ بين أبناء القرى والمدن ، وفرَّقَ بين البدو والحضر ، وفرَّقَ بين الأكراد والعرب والتركمان ، وفرَّقَ فيما بين الطوائف الإسلامية نفسها .. وفجأة وجد نفسه أمام شعب واحد ، وهتاف واحد ، يطالبه بالرحيل ..
3 - واستجابة لصُمود هذا الشعب الثائر ، تحرَّكتِ المعارضةُ السياسية في الخارج ، تحيِّي جرأةَ هذا الشعب وشجاعته ، وتَشِيدُ بصُموده وثباته وتضحياته . ولم تَكُنْ هذه المعارضةُ تتصورُ انطلاق الثورة بدونها ، ولكنها وجدتْ نفسها فجأةً أمام حراكٍ ثوريٍّ حقيقيٍّ وطنيٍّ عام ، لا ينتمي إلى أيِّ فصيل من فصائلها ، ولا إلى أي حزب من أحزابها ، حراك أجندته مختصرة مفيد ( الشعب يريد إسقاط النظام ) إنه حراكٌ يتصدَّى لأعتى نظام استبدادي من غير خوف ولا وجل . حراكٌ يُمثّلُ الشعبَ السوري كله بكافة أطيافه ومكوّناته ، فيه الإسلامي والعلماني والليبرالي والشيوعي ، وفيه العربي والكردي والتركماني والآشوري ، وفيه السني والدرزي والإسماعيلي والعلوي ، وفيه المسلم والمسيحي واللاديني ... وهذا التوحد العام يرجع إلى ظلم عام ، كان يَطالُ كلَّ هذه المكونات . ويختزلُ الوطن في شخص رئيسٍ ، يلتفُّ حوله أغلبُ الطائفة العلوية ، فيستأثرون بخيرات البلاد من دون الآخرين ، ويدوسون على كرامة أي مواطن من غيرهم ، فالشعبُ بالنسبة إليهم مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة والرابعة ... وهذا ما وحَّدَ صفوفَ الشعب الثائر ، لدرجةٍ تُثيرُ الإعجاب ، وتدعو إلى الإكبار ...
4 – كما أن صُمود هذا المكوّن الثوري العجيب ، هو الذي استثار نخوةُ الشرفاء من أبناء الجيش ، فعز عليهم أن يكونوا أدواتٍ رخيصةً بيَدِ نظامٍ ، كان يحكمُهم باسم الوطنية ، ثم يفاجئهم بالكفر الصُّراح بهذه الوطنية ، إنه يشن حربا حقيقية على شعبه ، وهذا أمرٌ لم يحتمله شرفاء العسكريين ، فقد سبق أن أقسموا حين تطوعوا في الجيش على حماية الشعب والوطن ، وها هم يرون النظام الحاكم يريد أن يجعلهم أدوات لتدمير الوطن والمواطنين .. ولهذا عبر الشرفاء عن استنكارهم بالانشقاق عن جيش هذا النظام الخائن ، وكان أول من انشق الملازم أول عبد الرزاق طلاس من الرستن وذلك بتاريخ 7 /6/2011 ثم تلاه المقدم حسين الهرموش ، فانشق بتاريخ 10/6/2011 وقام بتشكيل الجيش الحر السوري بعد انشقاقه بقليل ، ثم انشق العقيد رياض الأسعد بتاريخ 4/ 7 / 2011م ، ثم اختطف حسين الهرموش من معسكره في الأراضي التركية ، قرب الحدود السورية بتاريخ 29 / 8 / 2011 . فاستلم الأسعد قيادة الجيش الحر ، وما زال قائدا له حتى تاريخه ، ونحن الآن في 16/7/2012 . ثم تتالت هذه الانشقاقات ، حتى انضم إلى الجيش الحر السوري عشرات الألوف من العسكريين ، ومن مختلف الرتب والأفراد . ثم انضم إليه أخيراً كثيرٌ من الشباب الثائر ، والناشطين الملاحقين من قبل النظام .
5 – ومن الجدير بالذكر أن القاعدة الشعبية ، كانت وما زالت هي المكوِّنَ الأساس في هذه الثورة ، وأن هذا المكوِّنَ كان هو الأكثر وعياً ، والأقوى تأثيراً ، والأشد صمودا وثباتا ، مع أنه هو المتضرر الأكبر من ردة فعل النظام الإجرامية . فأبناء هذا الشعب الصامد ، هم الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية والقتل بالرصاص وهدم البيوت وحرق المحلات ، بل وحرق الناشطين أحياء ، وقطع لحومهم ونشرها بالمناشير الكهربائية ، حتى تموت الضحية على هذا المنوال .. ومع ذلك فقد قرر هذا الشعب الأبي ، أن لا عودة إلى الوراء ، مهما كلفه المضيُّ في ثورته من تضحيات ...
6 - أما الجيشُ الحرُّ ، فقد عاد بعد انشقاقه إلى ممارسة مهامِّه الوطنية ، واضطلع بحماية المواطنين من شبيحة النظام وعناصر أمنه ، وقام بحماية التظاهرات السلمية ، مما أتاح للمواطنين الخروج للتعبير عن إرادتهم بعشرات الألوف . حتى بلغ عددُ بعض هذه المظاهرات أكثر من نصف مليون ، في كل من حمص وحماة ودير الزور ... وهذا ما جعل اللحمة بين الشعب الثائر سلميا ، والجيش الحر أقوى ما تكون عليه ، وهذا ما أكسب الجيش الحر مزيدا من الشعبية لدى المواطنين . ولِمَ لا يكون ذلك كذلك ، وهذا الجيش الحرُّ هو الذي يتصدى للدفاع عن شعبه في مواجهة القتلة من شبيحة النظام وكتائب أمنه ، والخونة من عناصر جيشه المجرمين .؟؟
7 – أما المعارضةُ في الخارج ، فقد كانت تؤدِّي دورَها السياسي ، بطريقة لم تعجب الثوَّار ، ولم تلبِّي الحدَّ الأدنى من تطلعاتهم ، فكل الذي فعلوه في الشعب الثائر ، أن هؤلاء المعارضين قد شكلوا مجلسا وطنيا ، وقاموا بعقد العديد من المؤتمرات ، ولوَّحُوا للشعب بوعودٍ لم يستطيعوا الوفاء بها ، مما عرَّضَهُمْ للنقد الشديد ، واللوم ، والاتهام بالخيانة أحيانا ... ولو علم منتقدوهم الحقيقة لخفَّفُوا من غُلُوَائهم ، ولعَذَرُوا أعضاءَ المجلس الوطني ، وعذَرُوا جميع المؤتمرين الآخرين ، لأنه لم يكن إخلافهم بوعودهم إياهم عن تقصير ، وإنما كان عن عجزٍ وقُصور .. فقد خذَلَهُم العربُ ، وخَذلَهُم الغَربُ ، وخذلَهم الشرقُ ، حتى صارت المعارضة في تقديري أهلاً للشفقة والرثاء ، بَدَلَ اللوم والتعنيف والتخوين ...
بقلم : ابو ياسر السوري
1 - من رحم نظام استبدادي فاسد ، استمر أكثر من أربعين عاما ، وُلِدَتْ ثورةُ الحرية والكرامة في سوريا ، وناءَ بأعبائها شعبٌ عظيم بكل المقاييس ، شعبٌ أثبت للعالم أن العين يمكنها أن تقاوم المخرز ، وأن الصدور العارية يُمكنها أن تقهر الدبابة والمدفع والصاروخ . شعبٌ يعلم أنه يتصدى لأعتى الأنظمة الدكتاتورية في العالم ، وأنه يثور وهو يضعُ في اعتباره ما يمكن أن يقع عليه جرَّاءَ ثورته من جرائم ، على يد نظام يمثل أبشع نموذج للأنظمة الدكتاتورية في تاريخ البشرية .
2 – كان أولَ مكوِّنٍ من مكونات هذه الثورة ، المُكوِّنُ الاجتماعي ، متمثلا بأهل درعا ، الذين ثاروا بقدر من الله ، وكانوا شرارة هذا الحراك الثوري العارم . نعم بدأت شرارة الثورة من درعا بقدر من الله ، ثم امتدَّ لهيبها إلى كافة أرجاء سوريا بقدر من الله أيضاً ، وكأنَّ ظلم المستبد كان هو العاملَ الأقوى في توحيد صفوف المقهورين المسحوقين . فما بدأت آلة القمع تعمل عملها في درعا ، حتى انطلق الهتافُ الخالدُ من كل قرية ومدينة في سوريا ، من شمالها إلى جنوبها ، ومن شرقها إلى غربها يقول : ( يا درعا نحن معاك للموت ) . فكانت هذه الوحدةُ الاجتماعية الرصينة ، هي الصخرة التي تكسَّرَ على صلابتها جبروتُ النظام ، وتحطَّم عليها عنفوانه . وبطلَ سحر النظام في لحظة ، فقد كان منذ أربعين سنةً يعملُ على زرع الفُرقة ما بين السوريين أنفسهم ، ففرَّقَ بين أبناء القرى والمدن ، وفرَّقَ بين البدو والحضر ، وفرَّقَ بين الأكراد والعرب والتركمان ، وفرَّقَ فيما بين الطوائف الإسلامية نفسها .. وفجأة وجد نفسه أمام شعب واحد ، وهتاف واحد ، يطالبه بالرحيل ..
3 - واستجابة لصُمود هذا الشعب الثائر ، تحرَّكتِ المعارضةُ السياسية في الخارج ، تحيِّي جرأةَ هذا الشعب وشجاعته ، وتَشِيدُ بصُموده وثباته وتضحياته . ولم تَكُنْ هذه المعارضةُ تتصورُ انطلاق الثورة بدونها ، ولكنها وجدتْ نفسها فجأةً أمام حراكٍ ثوريٍّ حقيقيٍّ وطنيٍّ عام ، لا ينتمي إلى أيِّ فصيل من فصائلها ، ولا إلى أي حزب من أحزابها ، حراك أجندته مختصرة مفيد ( الشعب يريد إسقاط النظام ) إنه حراكٌ يتصدَّى لأعتى نظام استبدادي من غير خوف ولا وجل . حراكٌ يُمثّلُ الشعبَ السوري كله بكافة أطيافه ومكوّناته ، فيه الإسلامي والعلماني والليبرالي والشيوعي ، وفيه العربي والكردي والتركماني والآشوري ، وفيه السني والدرزي والإسماعيلي والعلوي ، وفيه المسلم والمسيحي واللاديني ... وهذا التوحد العام يرجع إلى ظلم عام ، كان يَطالُ كلَّ هذه المكونات . ويختزلُ الوطن في شخص رئيسٍ ، يلتفُّ حوله أغلبُ الطائفة العلوية ، فيستأثرون بخيرات البلاد من دون الآخرين ، ويدوسون على كرامة أي مواطن من غيرهم ، فالشعبُ بالنسبة إليهم مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة والرابعة ... وهذا ما وحَّدَ صفوفَ الشعب الثائر ، لدرجةٍ تُثيرُ الإعجاب ، وتدعو إلى الإكبار ...
4 – كما أن صُمود هذا المكوّن الثوري العجيب ، هو الذي استثار نخوةُ الشرفاء من أبناء الجيش ، فعز عليهم أن يكونوا أدواتٍ رخيصةً بيَدِ نظامٍ ، كان يحكمُهم باسم الوطنية ، ثم يفاجئهم بالكفر الصُّراح بهذه الوطنية ، إنه يشن حربا حقيقية على شعبه ، وهذا أمرٌ لم يحتمله شرفاء العسكريين ، فقد سبق أن أقسموا حين تطوعوا في الجيش على حماية الشعب والوطن ، وها هم يرون النظام الحاكم يريد أن يجعلهم أدوات لتدمير الوطن والمواطنين .. ولهذا عبر الشرفاء عن استنكارهم بالانشقاق عن جيش هذا النظام الخائن ، وكان أول من انشق الملازم أول عبد الرزاق طلاس من الرستن وذلك بتاريخ 7 /6/2011 ثم تلاه المقدم حسين الهرموش ، فانشق بتاريخ 10/6/2011 وقام بتشكيل الجيش الحر السوري بعد انشقاقه بقليل ، ثم انشق العقيد رياض الأسعد بتاريخ 4/ 7 / 2011م ، ثم اختطف حسين الهرموش من معسكره في الأراضي التركية ، قرب الحدود السورية بتاريخ 29 / 8 / 2011 . فاستلم الأسعد قيادة الجيش الحر ، وما زال قائدا له حتى تاريخه ، ونحن الآن في 16/7/2012 . ثم تتالت هذه الانشقاقات ، حتى انضم إلى الجيش الحر السوري عشرات الألوف من العسكريين ، ومن مختلف الرتب والأفراد . ثم انضم إليه أخيراً كثيرٌ من الشباب الثائر ، والناشطين الملاحقين من قبل النظام .
5 – ومن الجدير بالذكر أن القاعدة الشعبية ، كانت وما زالت هي المكوِّنَ الأساس في هذه الثورة ، وأن هذا المكوِّنَ كان هو الأكثر وعياً ، والأقوى تأثيراً ، والأشد صمودا وثباتا ، مع أنه هو المتضرر الأكبر من ردة فعل النظام الإجرامية . فأبناء هذا الشعب الصامد ، هم الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية والقتل بالرصاص وهدم البيوت وحرق المحلات ، بل وحرق الناشطين أحياء ، وقطع لحومهم ونشرها بالمناشير الكهربائية ، حتى تموت الضحية على هذا المنوال .. ومع ذلك فقد قرر هذا الشعب الأبي ، أن لا عودة إلى الوراء ، مهما كلفه المضيُّ في ثورته من تضحيات ...
6 - أما الجيشُ الحرُّ ، فقد عاد بعد انشقاقه إلى ممارسة مهامِّه الوطنية ، واضطلع بحماية المواطنين من شبيحة النظام وعناصر أمنه ، وقام بحماية التظاهرات السلمية ، مما أتاح للمواطنين الخروج للتعبير عن إرادتهم بعشرات الألوف . حتى بلغ عددُ بعض هذه المظاهرات أكثر من نصف مليون ، في كل من حمص وحماة ودير الزور ... وهذا ما جعل اللحمة بين الشعب الثائر سلميا ، والجيش الحر أقوى ما تكون عليه ، وهذا ما أكسب الجيش الحر مزيدا من الشعبية لدى المواطنين . ولِمَ لا يكون ذلك كذلك ، وهذا الجيش الحرُّ هو الذي يتصدى للدفاع عن شعبه في مواجهة القتلة من شبيحة النظام وكتائب أمنه ، والخونة من عناصر جيشه المجرمين .؟؟
7 – أما المعارضةُ في الخارج ، فقد كانت تؤدِّي دورَها السياسي ، بطريقة لم تعجب الثوَّار ، ولم تلبِّي الحدَّ الأدنى من تطلعاتهم ، فكل الذي فعلوه في الشعب الثائر ، أن هؤلاء المعارضين قد شكلوا مجلسا وطنيا ، وقاموا بعقد العديد من المؤتمرات ، ولوَّحُوا للشعب بوعودٍ لم يستطيعوا الوفاء بها ، مما عرَّضَهُمْ للنقد الشديد ، واللوم ، والاتهام بالخيانة أحيانا ... ولو علم منتقدوهم الحقيقة لخفَّفُوا من غُلُوَائهم ، ولعَذَرُوا أعضاءَ المجلس الوطني ، وعذَرُوا جميع المؤتمرين الآخرين ، لأنه لم يكن إخلافهم بوعودهم إياهم عن تقصير ، وإنما كان عن عجزٍ وقُصور .. فقد خذَلَهُم العربُ ، وخَذلَهُم الغَربُ ، وخذلَهم الشرقُ ، حتى صارت المعارضة في تقديري أهلاً للشفقة والرثاء ، بَدَلَ اللوم والتعنيف والتخوين ...