الشبيحة وعسكر النظام لا ترحموهم أبدا
بقلم : ابو ياسر السوري
يغيظني كل من ينصب نفسه للفتوى وهو ليس من أهلها ، فيَضِلُّ بفتواه ويُضِلّ .. ويفلقني موقفُ كل شيخ منافق يلوي أعناق النصوص في مناصرة الحكام ، ويخترع لهم فتاوى ، ما أنزل الله بها من سلطان ... ومن هؤلاء المفتين ، أولئك الشيوخِ الضُّلّال في حلب ودمشق ، الذين أفتوا بأنَّ الثورة على هذا النظام الفاسد فتنة ، وحكموا باللعنة على من أيقظها . ولم يعلموا أن سكوتهم عن إنكار المنكر هو الفتنة ، وأن سكوتهم عن تأليه بشار هو الفتنة ، وأن سكوتهم عن قول الحق هو الفتنة ، وأن صرفهم الناس عن نصرة إخوانهم هو الفتنة .. وأن سكوتهم عن قول الحق في الوضع السوري قد حولهم إلى شياطين ، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس .!!

إن هؤلاء الشيوخ المنافقين ، قد تسببوا بأضرار كثيرة للمسلمين ، وجَرُّوا بموقفهم الخياني الجبان ، أكبرَ بلاءٍ على الأمة في العصر الحديث .

وإلى جانب هؤلاء الشيوخ المنافقين ، هنالك – مع الأسف – نوع آخر من الشيوخ الطيبين ، المؤيدين للثورة ، ولكنهم غافلون عن فقه الواقع ، فهم يطلقون الفتاوى ، التي يجب أن تطبق في زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ، على زماننا هذا ، الذي يحكمنا فيه أخبث أهل الأرض ، وأظلمهم بشار الأسد . ويقيسون الوقائع الآنية ، على ما كان في ذلك الزمان ، وهو قياس فاسد ، لأنه قياس مع الفارق ، لاختلاف العلة والحكم والعرف والزمان والمكان ... وهذه قضية أصولية ، لن أصدع بها رؤوس القراء .. وإنما أشرتُ إليها لأنبه هؤلاء الإخوة إلى ضرورة التفريق بين النصوص العرفية ، والنصوص المطلقة . فالنصوص المبنية على العرف ، تدور مع العرف وجوداً وعدماً ، وتتغيرُ أحكامها بتغير الأزمان ..

ولما غفل هؤلاء الإخوة ، عن فقه الواقع ، صدرت عنهم فتاوى مؤسفة حقا ، من ذلك مثلا فتواهم بالرفق بالمعتقلين من الشبيحة ، وأمرهم بالإحسان إليهم ، قياسا على الإحسان للأسرى ، الذين أوصى بهم الإسلام خيراً ... وفاتهم أن الإحسان للأسرى ، أمرٌ مبني على عرف قديم ، كان سائدا في ذلك الزمن ، يقضي بعدم الاستقواء على الأسير ، لأنه في موقف ضعف ، وليس من المروءة عند العرب الاستقواء على الضعفاء ... لذلك راعى الإسلام ذلك العُرْفَ ، فأوصى بالإحسان إلى الضعفاء بعامَّةٍ ، وأوصى خيراً بالأرملة والمسكين والطفل الصغير والشيخ الكبير والمرأة .. أوصى بهم في السلم والحرب على حد سواء ..

ومع ذلك فقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم بعض المفردات من قاعدة الرفق بالضعفاء ، وقام بقتل بعض الأسرى ، لأن ضررهم كبير ، وخطرهم ماحِقٌ على الأمة ، كما قام بقطع مَنْ قطَعَ الطريق ، وسعى في الأرض فسادا ، كما قام بإنزال أشد العقوبات فيمن خرج على القانون العام ، والآداب العامة ، فرجم الزناة ، وقطع أيدي السارقين ، وجلد من يقذف أعراض المسلمين ...

ونسأل هؤلاء الإخوة :كيف جاز لهم أن يقيسوا الإحسان إلى الشبيح على الإحسان إلى أسير الحرب ، وهما مختلفان في الوصف ؟ فأسيرُ الحرب مقاتلٌ في ميدان ، له مبدأ معترف به ، يقاتل من أجله ، أما هذا الشبيح فليس مقاتلا ، وإنما هو معتد أثيم ، يقتل العزل من أبناء وطنه ، ويعتدي على حرماتهم ومقدساتهم وأعراضهم ، ويذبح الأطفال والنساء والمدنيين ذبحاً بالسكاكين ..فكيف أمكن أن يقاس الشبيحة على أسرى الحرب ..

فيا أيها المفتون بغير علم ، أعيرونا سكوتكم ، فالواقع الذي نحن فيه الآن ، مختلفٌ عما كان منذ 14 قرنا من الزمان ... إن هؤلاء المعتقلين من الشبيحة ليسوا أسرى حربٍ فنحسن إليهم ، وإنما هم مفسدون في الأرض ، وجزاء الإفساد في الأرض منصوص عليه بصريح القرآن ، ولا اجتهاد في معرض النص ، قال تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *) .

وهذه الآية في ظني هي أشد آية في باب العقوبات ، ففيها القتل من غير صلب ، وفيها القتل مع الصلب ، وفيها قطع الأطراف من خلاف ، اليد اليمنى مع الرجل اليسرى ، أو اليد اليسرى مع الرجل اليمنى . وفيها النفي من الأرض أي إلقاؤهم في غياهب السجون حتى يفارقوا الحياة .

وهي من أشد العقوبات ردعاً للمفسدين في الأرض ، وأي عقوبة غيرها لا تجدي ، ولا يتحقق بها المطلوب .

وإن هكذا عقوبة ، من شأنها أن تخيف كل من يقف وراء هؤلاء المفسدين ، ويعتبر بها لكل شبيح على وجه الأرض . ولسوف يعلم أعداء الشعب أنه لا هوادة بيننا وبينهم ، فييأسوا من بقاء نظامهم الفاسد المستبد . وإنني أستأنس هنا في هذا المقام بقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) فقد عاتب الله نبيه لقبوله الفداء من أسرى بدر ، وكان الأحب إلى الله قتلهم ، لفرض سلطان الإسلام ، وإرهاب أعداء الله من الاستمرار في محاربتهم للإسلام وأهله .

وصحيح أن المعتقلين ليسوا أسرى ، ولكنْ يمكن أن نقيس قتلهم على قتل الأسرى ، ونقول إنه هو الأحب إلى الله تعالى ، والأشفى لصدور المؤمنين . وفيه نفس الفائدة ، التي ثبتت في قتل الأسرى ، من نكاية بالعدو ، وإخافة لمن وراءهم ، وجعلهم عبرة لغيرهم من المجرمين .

فالنكاية بالعدو هي الغاية ، وهي متحققة في قتل المعتقلين اليوم ، كتحققها في قتل الأسرى يوم بدر ، لذلك صَلُحَتْ لأن تكون أساساً لبناء القياس عليها . وصار بإمكاننا القول : إن قتل هؤلاء المعتقلين من عناصر النظام المجرم ، أولى من إطلاق سراحهم مقابل فداء نأخذه منهم ، وخير من تمكينهم من النجاة عن طريق المبادلة بين المعتقلين .

ولهذا أفضِّل أيضاً ، أن يتمَّ قتلهم بعد أخذ إفادتهم وإقرارهم بجرائمهم ، وأن تُنشَرَ فديوهات بذلك ، لإلقاء الرعب في قلوب بقية الشبيحة والمجرمين من عناصر النظام . وهذا مفهوم من قوله تعالى ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) أي اجعلهم نكالا وعبرة لغيرهم . هذا والله أعلم .