هؤلاء المعتقلون من عناصر النظام ، ما حكمهم ؟
بقلم : ابو ياسر السوري
ما حكم الاعتقال :
الأصل في الاعتقال ، أنه ممنوع ، لأن الناس ولدوا أحرارا ، وليس لأحد أن يتحكم بحرياتهم إلا لضرورة تستدعي ذلك . ومن الصور التي تجعل الاعتقال أمراً مشروعا ، حمايةُ الأخيار من الأشرار .
فالأرض – كما نعلم - لا تخلو من أخيار وأشرار ، وأهل الشر مولعون بإيذاء الأخيار ، لذلك تكفلت الشرائع السماوية والقوانينُ الأرضية معاً ، بتشريع الأحكام وسن القوانين ، لحماية الأخيار من ضرر الأشرار ، وإرساء دعائم العدل بين الناس ، وحماية البشر بعضهم من بعض . وكان لا بد من قوة تفرض أحكام الشرائع والقوانين ، فاقتضى ذلك وجود السلطان الذي يلزم الناس بهذه القوانين والأحكام ، ويعاقب المخالفين لها بما يردعهم .. وكان اعتقال الخارجين على القانون أحد العقوبات ، التي جرى بها العرف الدولي أخيراً ، والتي تقضي بإيداعهم في السجون جزاء خروجهم على تعاليم القانون ، وارتكابهم بعض المخالفات .
الاعتقال في الدول العربية :
ولكن الدول العربية قد سلكت في عقوبة الاعتقال مسلكَ التعسُّف في استعمال الحق ، فصارت تعتقل كل مخالف لها بحق أو بغير حق ، وتلاعبت في مفهوم الجريمة ، فصارت تعتبر كل من ينطق بكلمة حق مجرما ، وكل من يستنكر منكرا مجرما . وأوضح شاهد على ذلك ، ما وقع أخيرا في ثورات الربيع العربي ، حيث خرجت الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن .. وسوريا ، تطالب سلميا بمحاربة الفساد والاستبداد ، فكان رد الحكام على شعوبهم أسوأ رد ، حيث قاموا بقمعهم بالعصي والهراوات ، ورشهم بخراطيم المياه القذرة ، أو دهسهم بالسيارات ، أو جرهم إلى المعتقلات ، ليسوموهم فيها سوء العذاب ...
ولكن الذي وقع في سوريا ، كان شيئا مختلفا تماما ، حتى شكل سابقة ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية كلها ، فقد أعلنتِ السلطةُ الحاكمةُ في سوريا ، حربَها على الشعبِ السوري ، وزجَّتْ بالجيش وقُوَى الأمنِ ، والشبيحة ، في مواجهة الشعب السوري الأعزل .. ثم دفعت بدباباتها ومدفعيتها وطيرانها الحربي لقتل المواطنين ، فارتكبت في حقهم أبشع المجازر ، وأقبح الجرائم ، من قتل وسحل وتعذيب واغتصاب وسرقة ونهب ، وتهديم للبيوت والمساجد ، وإهانة للمصاحف ، وتهجير وتشريد ، وظلت شهورا تمارس هذه الجرائم تحت ذريعة مقاومة عصابات مندسة تريد أن تخرب سوريا ، وتفرض تعتيما إعلاميا على ما يجري .
لقد اتضح أخيرا أن السلطة تحارب الشعب ، وترتكب في حقه أبشع الجرائم من أجل بقائها في الحكم . وهذا ما أغضب كثيرا من العسكريين الأحرار ، فامتنعوا عن قتل أهليهم وذَوِيهمْ . فتمَّتْ تصفية كثير منهم بالحال . مما دفع بقية هؤلاء العسكريين الشرفاء إلى الانشقاق عن الجيش الخائن الذي يقوم بقتل شعبه . وتتالت الانشقاقات ، حتى تَكوَّنَ من هؤلاء المنشقين ما يسمى بالجيش السوري الحر .. ثم سارعَ بعضُ الشباب الثائرين إلى الانضمام لهذا الجيش الحر ، وبدأ هؤلاء الأحرار بشنِّ حرب عصابات على الجيش الأسدي المجرم ..
وأعلن رئيس العصابة الحاكمة رسميا ، عن قيام حرب فعلية بين جيشه وبين الشعب السوري . فكانت هذه الحرب الظالمة ، بين طرفين غير متكافئين .. حكومة تملك كل وسائل الدمار والمعدات الحربية .. وشعب أعزل يدافع عنه الجيش الحر ، وبعض من انضم إليه من الثوار ، وليس لديهم من السلاح ، سوى بعض البنادق والرشاشات الفردية .
المعتقلون من عناصر النظام :
وهكذا نشأ عن هذا الوضع وجود معتقلين بين الجيش الأسدي المجرم ، والجيش السوري الحر .. فهل يمكننا اعتبار ما يجري في سوريا حربا ، فنطبق على هؤلاء المعتقلين أحكام الأسرى ؟ أم أنها ليست حربا ، فيلزم أن نتصيَّدَ لهؤلاء المعتقلين بين الطرفين أحكاما مناسبة ؟
الواقعُ ، أن ما يجري في سوريا الآن ليست حرباً بالمعنى الحقيقي ، وإنما هي هجمة نظام شرس لقمع مواطنيه العُزَّل بالحديد والنار ، من غير ذنب ارتكبوه سوى مطالبتهم إياه بالحرية والكرامة والعدل والمساواة .
وإذا تعذر إطلاق مسمى الحرب على ما يجري في سوريا ، تعذر بالتالي إطلاقُ مسمى الأسرى على هؤلاء المعتقلين بين الطرفين .. ولزم أن نرجع فيهم إلى أحكام المبادئ الإنسانية العامة ، في التعامل ما بين الخصوم . وخير مبدأ يحسن التمسك به في أمر هؤلاء ، هو المعاملة بالمثل ، فإن قتلوا قتلنا ، وإن سجنوا وعذبوا سجنا وعذبنا . وإن أطلقوا سراح معتقلينا مقابل فداء أطلقنا معتقليهم مقابل فداء ، وإن دعوا إلى المبادلة بين الأسرى نظرنا الأصلح فعملنا به . وهذا مبدأ شرعي ، تقره قوانين الأرض وشرائع السماء ، عملا بقوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) . وقوله أيضاً ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) .
والأحب إليَّ أن يُحقَّقَ مع هؤلاء المعتقلين من عناصر النظام ، ثم يقتلون فورا ، فذلك خير من استبقائهم على قيد الحياة ، فقد أوغلوا في قتلنا بوحشية ، ولا يستحقون منا أي رحمة بعد الآن .
بقلم : ابو ياسر السوري
ما حكم الاعتقال :
الأصل في الاعتقال ، أنه ممنوع ، لأن الناس ولدوا أحرارا ، وليس لأحد أن يتحكم بحرياتهم إلا لضرورة تستدعي ذلك . ومن الصور التي تجعل الاعتقال أمراً مشروعا ، حمايةُ الأخيار من الأشرار .
فالأرض – كما نعلم - لا تخلو من أخيار وأشرار ، وأهل الشر مولعون بإيذاء الأخيار ، لذلك تكفلت الشرائع السماوية والقوانينُ الأرضية معاً ، بتشريع الأحكام وسن القوانين ، لحماية الأخيار من ضرر الأشرار ، وإرساء دعائم العدل بين الناس ، وحماية البشر بعضهم من بعض . وكان لا بد من قوة تفرض أحكام الشرائع والقوانين ، فاقتضى ذلك وجود السلطان الذي يلزم الناس بهذه القوانين والأحكام ، ويعاقب المخالفين لها بما يردعهم .. وكان اعتقال الخارجين على القانون أحد العقوبات ، التي جرى بها العرف الدولي أخيراً ، والتي تقضي بإيداعهم في السجون جزاء خروجهم على تعاليم القانون ، وارتكابهم بعض المخالفات .
الاعتقال في الدول العربية :
ولكن الدول العربية قد سلكت في عقوبة الاعتقال مسلكَ التعسُّف في استعمال الحق ، فصارت تعتقل كل مخالف لها بحق أو بغير حق ، وتلاعبت في مفهوم الجريمة ، فصارت تعتبر كل من ينطق بكلمة حق مجرما ، وكل من يستنكر منكرا مجرما . وأوضح شاهد على ذلك ، ما وقع أخيرا في ثورات الربيع العربي ، حيث خرجت الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن .. وسوريا ، تطالب سلميا بمحاربة الفساد والاستبداد ، فكان رد الحكام على شعوبهم أسوأ رد ، حيث قاموا بقمعهم بالعصي والهراوات ، ورشهم بخراطيم المياه القذرة ، أو دهسهم بالسيارات ، أو جرهم إلى المعتقلات ، ليسوموهم فيها سوء العذاب ...
ولكن الذي وقع في سوريا ، كان شيئا مختلفا تماما ، حتى شكل سابقة ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية كلها ، فقد أعلنتِ السلطةُ الحاكمةُ في سوريا ، حربَها على الشعبِ السوري ، وزجَّتْ بالجيش وقُوَى الأمنِ ، والشبيحة ، في مواجهة الشعب السوري الأعزل .. ثم دفعت بدباباتها ومدفعيتها وطيرانها الحربي لقتل المواطنين ، فارتكبت في حقهم أبشع المجازر ، وأقبح الجرائم ، من قتل وسحل وتعذيب واغتصاب وسرقة ونهب ، وتهديم للبيوت والمساجد ، وإهانة للمصاحف ، وتهجير وتشريد ، وظلت شهورا تمارس هذه الجرائم تحت ذريعة مقاومة عصابات مندسة تريد أن تخرب سوريا ، وتفرض تعتيما إعلاميا على ما يجري .
لقد اتضح أخيرا أن السلطة تحارب الشعب ، وترتكب في حقه أبشع الجرائم من أجل بقائها في الحكم . وهذا ما أغضب كثيرا من العسكريين الأحرار ، فامتنعوا عن قتل أهليهم وذَوِيهمْ . فتمَّتْ تصفية كثير منهم بالحال . مما دفع بقية هؤلاء العسكريين الشرفاء إلى الانشقاق عن الجيش الخائن الذي يقوم بقتل شعبه . وتتالت الانشقاقات ، حتى تَكوَّنَ من هؤلاء المنشقين ما يسمى بالجيش السوري الحر .. ثم سارعَ بعضُ الشباب الثائرين إلى الانضمام لهذا الجيش الحر ، وبدأ هؤلاء الأحرار بشنِّ حرب عصابات على الجيش الأسدي المجرم ..
وأعلن رئيس العصابة الحاكمة رسميا ، عن قيام حرب فعلية بين جيشه وبين الشعب السوري . فكانت هذه الحرب الظالمة ، بين طرفين غير متكافئين .. حكومة تملك كل وسائل الدمار والمعدات الحربية .. وشعب أعزل يدافع عنه الجيش الحر ، وبعض من انضم إليه من الثوار ، وليس لديهم من السلاح ، سوى بعض البنادق والرشاشات الفردية .
المعتقلون من عناصر النظام :
وهكذا نشأ عن هذا الوضع وجود معتقلين بين الجيش الأسدي المجرم ، والجيش السوري الحر .. فهل يمكننا اعتبار ما يجري في سوريا حربا ، فنطبق على هؤلاء المعتقلين أحكام الأسرى ؟ أم أنها ليست حربا ، فيلزم أن نتصيَّدَ لهؤلاء المعتقلين بين الطرفين أحكاما مناسبة ؟
الواقعُ ، أن ما يجري في سوريا الآن ليست حرباً بالمعنى الحقيقي ، وإنما هي هجمة نظام شرس لقمع مواطنيه العُزَّل بالحديد والنار ، من غير ذنب ارتكبوه سوى مطالبتهم إياه بالحرية والكرامة والعدل والمساواة .
وإذا تعذر إطلاق مسمى الحرب على ما يجري في سوريا ، تعذر بالتالي إطلاقُ مسمى الأسرى على هؤلاء المعتقلين بين الطرفين .. ولزم أن نرجع فيهم إلى أحكام المبادئ الإنسانية العامة ، في التعامل ما بين الخصوم . وخير مبدأ يحسن التمسك به في أمر هؤلاء ، هو المعاملة بالمثل ، فإن قتلوا قتلنا ، وإن سجنوا وعذبوا سجنا وعذبنا . وإن أطلقوا سراح معتقلينا مقابل فداء أطلقنا معتقليهم مقابل فداء ، وإن دعوا إلى المبادلة بين الأسرى نظرنا الأصلح فعملنا به . وهذا مبدأ شرعي ، تقره قوانين الأرض وشرائع السماء ، عملا بقوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) . وقوله أيضاً ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) .
والأحب إليَّ أن يُحقَّقَ مع هؤلاء المعتقلين من عناصر النظام ، ثم يقتلون فورا ، فذلك خير من استبقائهم على قيد الحياة ، فقد أوغلوا في قتلنا بوحشية ، ولا يستحقون منا أي رحمة بعد الآن .