رسالة إلى الأستاذ ميشيل نصف كيلو :
بقلم : ابو ياسر السوري
أيها الأستاذ الكبير ، نحن لا نجهلُ مَنْ أنت ؟ وعن عمد نسخر منك ، ونتلاعب باسمك ، لأنك أنت الذي بدأت بالسخرية من عقول الثوار . أنت الذي لم تحترم تلك الدماء التي جاد بها السوريون من أجل أن يكونوا أحرارا .. وأنت الذي رضي أن يغلّب المصلحة الآنية ، على المبادئ التي ناضل من أجلها عشرات السنين ..
نحن نعلم أنك كنتَ فيما مضى معارضا شريفا ، تصدح بكلمة الحق ، وتطالب لشعبك بالنصفة والمساواة ، وأنك دفعتَ جراء مواقفك ثمنا غاليا ، مما عرضك للاعتقال والإهانة وربما التعذيب ... ولكنك ويا للأسف رضيتَ اليوم أن تبيع جهادك المُشَرِّفَ بوعودٍ لن تَصدُقَ ، وأمنياتٍ لن تَتَحقَّق ، لأن مَنْ وَعدُوك هم أكذبُ البشر ، وأخونُ مَنْ يخونُ العهودَ والمواثيق ...
يا أستاذ ميشيل نصف كيلو ، عرفناك بأقرانك ، كما يُعرَفُ الثورُ بقرونه ، عرفنا أخيراً أنك من فصيلة أزلام النظام : قدري جميل ، وعلي حيدر ، وعادل ناعسة ، وسمير العيطة ، والشيخ الخَرِف حسن عبد العظيم ، والطبل المنتفخ عبد العزيز الخير ، وشيطان الحضرة هيثم مناع ، ومسوخ أعضاء هيئة التنسيق المتواطئين مع النظام المجرم ... وهؤلاء ليسوا معارضين للنظام ، وإنما هم مُنسِّقُون مُسوّقُون لأفكار النظام . وكونك مصاحباً لهؤلاء فإنك إذنْ مثلُهم . فمطالبكم لا تختلفُ عن مطالب النظام قِيْدَ شعرة . وما زلتم إلى عهد قريب ترفضون المطالبة بإسقاط بشار ، وتطالبون بتغيير في الجهاز الأمني فقط . وما أيسر أن يقبل الأسدُ منكم اليوم بهذا التغيير ، ثم يعدل في الغَدِ عن تنفيذ وعوده ، ويستعيدُ نفس عناصر أمنه ، ويستأنف بهم ومعهم حكما ديكتاتوريا طائفياً قذراً لعقودٍ لاحقة ، وربما لقرون .؟؟؟
فما الذي جرَّك إلى هذه الورطة يا أستاذ ميشيل ، وحملك على مسايرة هؤلاء المتواطئين مع النظام .!؟ وكان يمكنك أن تجلس في بيتك ، وتجنب نفسك شر البهدلة . لأن من سقط قدره عند أهله ، فهو عند غيرهم أسقط ..
يا أستاذ ميشيل ، أنت بالأمس أكثر حصافة منك اليوم ، فبأي حق رشحتَ مناف طلاس لتشكيل حكومة للثورة ، وهو ابنُ رجل خاض في دماء السوريين إلى الأذقان ، ونحن لا نتهمه بهذا ، وإنما نأخذه بإقراره، فقد ذكر طلاس في كتابه ( ثلاثة أشهر هزت سوريا ) أنه شارك في قتل ما يقارب الربع مليون سوري ، ففي الثمانينات كان في كل أسبوع يوقع على إعدامات تطال 300 – 500 سجين ، لمدة استمرت عشر سنين .. فبأي منطق تقترح علينا أن يكون ابن هذا الجلاد رئيساً لحكومة انتقالية في سوريا .!؟ نحن لا نغلق الأبواب في وجه أحد من المنشقين ، بل نمدُّ أيدينا إليهم ، ونقبل عودتهم إلى الشعب ، وعودتُهم شرفٌ لهم وحدهم ، وليس شرفا للثورة ، ولذلك لن نمشي وراءهم بعد اليوم أبدا ، وحسبهم بدايةً أن نقبلهم كتائبين ، وشرطُ التوبة : أن يندم أحدهم على ما فات ، ويعزم على أن لا يعود ، وأن برد الحقوق إلى أصحابها .. وحسبهم منا الآن أن نقبلهم على هذا الأساس ، ثم إن سلوكهم بيننا في المستقبل هو الكفيل بالحكم لهم بعد ذلك أو عليهم .
ولكي أُقرِّبَ لك هذه المعادلة ، يا أستاذ نصف كيلو ، ولستَ في حاجة لما أقول ، فأنت السياسي المحنك ، ولكن سيرتك الحاضرة تجعلني أراك أصبحتَ في غفلةٍ تحتاجُ معها إلى التذكير ..
أفترضُ لك أنَّ النظام قام بدفع بعض وزرائه ، وقيادات أمنه وضباط جيشه إلى انشقاق صوري ، على طريقة المنافقين ، الذين يبطنون غير ما يظهرون .. فهل ترى - وأنت السياسي المحنك - أن نسلِّمَ لهؤلاء المنشقين المندسين مقاليدَ الأمور ، ونمشي وراءهم ، إلى أن يُدخلونا مغارة الضباع والوحوش من جديد .؟؟ هذا ما تحاولونه أنت وهيئة التنسيق ، والمعارضة الوهمية التي صنعها النظام ، فهو يلوّحُ بها ويشير إليها في القعود والقيام .. ولا والله لن نمكنكم من تنفيذ هذا الدور الخياني الرخيص ، ما دام فينا عرق ينبض أو دم يجري .
يا أستاذ ميشيل نصف كيلو ، أنت ونفرٌ من أصحابك ، كنتم في يوم ما محطَّ آمال الكثيرين من السوريين ، وكان يسرني أن أستمع إليك وأنت تتحدث بالهاتف عبر الفضائيات التلفزيونية ، منتقدا نظام الأسد ، منددا باستبداده وفساده ... مما كلفك يومها أن تزج في السجن ، وتمكث بين جدرانه الأيام الطوال ... فما الذي صيَّرَك اليوم ذيلا بعد أن كنت رأسا يشار إليه بالبنان ؟ إن عدو الأمس هو هو ، لم يتحول ولم يتبدل . فما الذي غير الحال ، فجمع ما بين الذئب والحملان ؟
يا أستاذ ميشيل نصف كيلو ، إن ماضيك السياسي ، أنت ونفر من هذه المعارضة المصطنعة ، كان ينبغي أن يَحُولَ بينكم وبين الرضوخ لمطالب نظام الأسد ، الذي زجكم في سجونه ؟ وفرض عليكم وعلى غيركم من النُّخَبِ حالةً من الإقصاء والتهميش ؟ فطالبكم أن تكونوا معه كالقطيع ، وأنَّ عليكم أن لا تروا إلا ما يرى ، ولا تسمعوا إلا ما يسمع ، ولا حقَّ لكم في خيرات هذا الوطن إلا بما يرميه الأسدُ لكم ولغيركم من فُتات .؟
وها هو الأسدُ يرسلكم اليوم إلى موسكو ، لتلتقوا حلفاءه الروس ، فيُمْلُوا عليكم ما تكرهون ، ولا تملكون إلا أن ترضخوا لما يطلبون .. ومع ذلك فقد قام الروس أثناء وجودكم بينهم بإصدار أوامرهم لسفنهم البحرية وبارجاتهم الحربية ، وتوجيهها إلى طرطوس محملة بالخبراء والعسكريين والأمنيين المجرمين ، وبرفقتهم شحنة كبيرة من السلاح والعتاد الروسي ، مددا روسيا لقتل الرجال والنساء والأطفال السوريين ...
فإن كان فيكم بقية من شرف الوطنية ، فاحزموا أمتعتكم ، وعودوا أدراجكم من موسكو ، لأن هؤلاء الذين تتراكضون للتمسح في أعتابهم خانوكم ، أو بالأصح سخروا منكم ، واستخفوا بعقولكم .. فهم يجتمعون بكم في صالات الفنادق ، ومكاتب الوزارات ، ويحاورونكم فيما ذهبتم من أجله .. ثم يطعنونكم في ظهوركم بخناجر غدرهم .
أيها المعارضون التقليديون ، عليكم أن تتواضعوا قليلا ، وتعترفوا أن أبناءكم وإخوانكم قد سبقوكم إلى ثورةٍ لم تشاركوا أنتم في صنعها ، ولم تجرؤوا على رفع الصوت بما أنتم به مؤمنون .. فلا تتعاملوا مع هؤلاء الشباب بالتعالي ، لقد سمعتُ المناَّع والخيّر وبعض أعضاء هيئة التنسيق أكثر من مرة ، وكلما سمعتهم أكثر ، تضاءلَ قدرهم عندي وعند غيري من الأحرار أكثر ، لأنهم يتعالون على الشارع السوري ، ولا ينظرون إليه إلا على أنه مجموعة من الرعاع ، الذين لا يحسنون التقدير ولا التدبير . وانطلاقا من هذه النظرة الفوقية يريدون أن يسير الشارع وراءهم ، ويرضى بما يرضون به من أنصاف الحلول . وهيهات هيهات فقد مضى ذلك العهد ، ولن نرضى إلا باقتلاع نظام الفساد والاستبداد من جذوره ، والإطاحة به بدءاً من رأس إجرامه بشار ، وانتهاء إلى أحط شبيح مجرم فيه ..