هذا تصوير لرواية بعض المجرمين الذين قاموا بالإشتراك بتنفيذ مجزرة سجن تدمر الصحراوي ،
و الذين تم القبض عليهم في الأردن عند محاولة إغتيال رئيس الوزراء الأردني ، مضر بدران ،،
مجزرة سجن تدمر التي نفذت في صبيحة السابع والعشرين من شهر حزيران / يونيو عام 1980 والتي ذهب ضحيتها المئات من المعتقلين السياسيين الإسلاميين لم تأت من فراغ، ولم تكن وليدة لحظة غضب كما يبررها من يريدون انتحال عذر لما يستحيل تبريره. لقد جاءت هذه المجزرة الرهيبة في السياق الطبيعي لممارسات تصاعدية انتهجتها جهات استئصالية في مفاصل النظام السوري وأجهزته الأمنية.
إثر مجزرة مدرسة المدفعية التي ذهب ضحيتها حسب المصادر السورية الرسمية 32 قتيلا و 54 جريحاً من طلاب الضباط ، والتي أنكر الإخوان السلمون معرفتهم بها قبل حدوثها، أو أي صلة لهم بها بينما تبنتها مجموعة عدنان عقلة في الطليعة المقاتلة، شنت الأجهزة الأمنية حملات مكثفة من الاعتقال وتمشيط المدن والبلدات السورية ولم تمض أسابيع معدودة حتى بلغ عدد المعتقلين زهاء ثمانية آلاف معتقل، وقدم أمام محكمة أمن الدولة بضعة وعشرون معتقلاً حكمت عليهم بالإعدام الفوري، واجتاحت البلاد موجة من القمع وإظهار المشاعر المعادية.
استفزت هذه التصرفات كثيراً من فئات الشعب، وكان صيف عام 1979 صيفاً ساخناً في المواجهات ، واشتدت موجة الاعتقالات والتعذيب والتحقيق وإظهار المشاعر الطائفية، ولمعت أسماء في دائرة النظام تتبنى نظرية الأرض المحروقة وسياسة العنف الثوري، وبرز اسم رفعت الأسد بين هؤلاء باعتباره الأكثر راديكالية والأكثر اهتماماً في إشاعة القتل وسفك الدماء ونشر العنف والدمار واستفزاز المشاعر العامة والتحريض على الطائفية.
رفعت الأسد مهندس المجزرة ومدبرها
رفعت الأسد هو الأخ الأصغر لحافظ الأسد. عمل عريفاً ثم رقيباً في الشعبة السياسية في محافظة إدلب تحت إمرة رئيس الشعبة السياسية محمد الخطيب الذي عينه حافظ الأسد وزيراً للأوقاف فيما بعد. حصل على الشهادة الثانوية بعد انقلاب آذار 1963 ثم دخل الكلية العسكرية بدورة سميت دورة البعث شارك فيها حزبيون وعناصر محسوبة على النظام، كلهم من خريجي دار المعلمين وغالبيتهم من كبار السن وأصبحوا بعد الدورة من الضباط العاملين في الجيش السوري.
في عام 1971 تولى النقيب رفعت قيادة سرايا الدفاع بعد فترة قصيرة من انقلاب أخيه حافظ الأسد ، وبدأ بتشكيل سراياه بتحويل بعض العناصر والضباط المحسوبين عليه من الجيش النظامي إليها، وأرسل في نفس الوقت مجموعة من هؤلاء الضباط إلى قرى الساحل السوري لدعوة الشباب إلى الانضمام للسرايا بعروض مغرية. ولقد استخدم رفعت المشاعر الطائفية المناوئة كسياسة مستمرة في التنسيب في سرايا الدفاع، وانتهج فيها سياسة طائفية متشددة حتى غدت السرابا عبئاً ثقيلاً على حافظ الأسد الذي أمر بحلها في أواسط الثمانينات.
ورفعت الأسد هو صاحب النظرية المسماة بـ "العنف الثوري" يتبع فيها نهج الاستئصال والتحيز للحزب ، ونماذجه وقدوته في الحياة حركات استئصالية وشخصيات دموية في التاريخ مثل ستالين ولينين. ويظهر هذا التوجه واضحا في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر القطري السابع لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يقول فيه: " ستالين أيها الرفاق أنهى عشرة ملايين إنسان في سبيل الثورة الشيوعية واضعا في حسابه أمرا واحدا فقط هو التعصب للحزب ولنظرية الحزب. ولو أن لينين كان في موقع وظرف وزمان ستالين لفعل مثله، فالأمم التي تريد أن تعيش أو أن تبقى تحتاج إلى رجل متعصب، وإلى حزب ونظرية متعصبة."
ورفعت الأسد هو صاحب فكرة نزع الحجاب عن رؤوس المحجبات في سورية، فقد قامت المظليات التابعات لمنظمات النظام بالاعتداء على حجاب النساء في الشوارع، وذلك في صيف وخريف عام 1980 وقد قالت صحيفة " لوسرنر نويستة" السويسرية بتاريخ 17/ 10/ 1980 في ذلك أبلغ الكلام :" إن عملية الاعتداء على المحجبات في سورية هي إحدى الطرق التي يحارب بها أسد الإسلام"
كما أن فكرة " تخضير الصحراء" كانت إحدى أهم الأفكار التي تفتقت عنها قريحة رفعت،
وتقوم هذه الفكرة باختصار على إرسال المسلمين المتدينين، أو من أسماهم المجرمين والمنحرفين، إلى الصحراء لإعادة تأهيلهم، وإجبارهم على فلاحة الأراضي الصحراوية، وتخليصهم من الأفكار الهدامة!!أو ما أسماه بـ"الهرطقة الدينية" !، فمن يتب عن اعتقاده ويتخلى عن مبادئه ويعلن الولاء التام للحزب يعد إلى المجتمع، وأما البقية فتبقى هناك، ويتم عزلها عن المجتمع حتى لا تتفشى علتهم فيه! وبذلك تضرب الدولة عصفورين بحجر : تتخلص أولا من المعارضين السوريين، وتستفيد في تخضير الصحراء . ( انظر خطاب رفعت في المؤتمر القطري السابع لحزب البعث الاشتراكي).
قطع رفعت الأسد الطريق على المساعي الرامية إلى الوصول إلى حل سلمي بين الإخوان المسلمين والحكومة السورية، ولعل أكثر المواقف تأكيدا لذلك ما قام به في أوائل عام 1980 م. فقد تم في هذه الفترة الاتفاق بين ممثلي الرئيس حافظ الأسد من جهة وأمين يكن - الذي طلب منه حافظ التوسط لدى الإخوان- من جهة أخرى على الإفراج عن المعتقلين السياسيين كشرط لإنهاء العنف. وبالفعل بدأ الإفراج عن عدد من المعتقلين، إلا أن رفعت استبق إعدام مسؤول الطليعة المقاتلة حسني عابو الذي تم الاتفاق على الإفراج عنهن خلافا لتوجيهات حافظ الأسد ، فيما كان سببا في استئناف التصعيد الخطير الذي أدى إلى مجازر كانت بصمات رفعت عليها واضحة، كان أوضحها مجزرة سجن تدمر عام 1980، واستمرت حتى توجها بمجزرة حماة الكبرى بعد عامين من تلك المباحثات.( مقدمة فيوليت داغر : حقوق الإنسان والديمقراطية في سورية).
تسلسلت المجازر التي أقدم عليها رفعت الأسد بدعم من أخيه حافظ ، وباستخدام ضباط وعناصر كانت تحمل الكراهية، وتتبنى العنف فاقترف سلسلة من المجازر في عام 1980 كانت مجزرة سجن تدمر الصحراوي من أكثرها بشاعة ودموية ، وعلى هذا فالدعوى التي يقودها المبررون لهذه المجزرة على أنها رد على محاولة اغتيال لحافظ الأسد باطلة ، وقد كانت إرهاصات المجزرة ماثلة في تخطيط رفعت الأسد وشركائه في أجهزة الأمن منذ وقت مبكر عن المجزرة. فمشروع رفعت الذي قدمه إلى المؤتمر القطري السابع في أواخر العام 1979 وأوائل العام 1980 تضمن وصفاً دقيقاً لتصوره في اعتماد التصفية الجسدية للإسلاميين أو المتدينين أو جماعة الإخوان المسلمين.
بدأ استخدام سجن تدمر لاحتجاز المدنيين من معتقلي الإخوان المسلمين والإسلاميين والفئات الأخرى اعتباراً من عام 1979 ، لكن في الأسابيع السابقة للمجزرة صدرت تعليمات إلى إدارة المخابرات العسكرية وإدارة أمن الدولة والمخابرات العامة بترحيل أكبر عدد ممكن من المعتقلين الذين انتهى التحقيق معهم، أو أنهم لا يملكون معلومات هامة تستدعي إبقاءهم ، وهذا يشكل معلماً هاماً على وقوع أمر بالغ الخطورة،مخطط له في ظل استيلاء التيار الاستئصالي الذي يملك صلاحيات واسعة، خولها إياه رأس النظام.
ثمة مؤشرات أخرى ترددت على ألسنة بعض العارفين في دوائر النظام، فلقد هدد الرائد غازي كنعان رئيس فرع المخابرات العسكرية في حمص قبيل المجزرة بأسابيع بزرع 2000 وردة من مدينة حمص في صحراء تدمر، في إشارة واضحة إلى المجزرة التي كان ُيخَطَط لها والتي وارتكبت بدم بارد. ولقد اعترف بصورة مبطنة بعد المجزرة لبعض ذوي الضحايا بأنهم اختفوا في تدمر، فبعد الحملة التي تبنتها منظمة العفو الدولية للتحقيق في اختفاء أخصائي الأمراض العصبية في حمص توفيق دراق السباعي وبعد زيارات قام بها أهل الطبيب قال لهم غازي إنه تلقى تعليمات بنقله إلى سجن تدمر في الثاني من حزيران 1980 .
أداة تنفيذ مجزرة سجن تدمر الصحراوي : سرايا الدفاع
أسس رفعت الأسد سرايا الدفاع أو كما تسمى رسميا " سرايا الدفاع عن الوطن وحماية الثورة" عام 1971 م بعد فترة قصيرة من انقلاب حافظ الأسد واستلامه مقاليد الحكم. كان الهدف من إنشاء سرايا الدفاع في البداية حماية المؤسسات والأبنية الحكومية من انقلابات محتملة . بلغت هذه السرايا الخارجة على إدارة الجيش النظامي في أواخر السبعينات أوج قوتها ،و ضمت أكثر من أربعين ألف جندياً. وشرع رفعت القائد الأوحد للسرايا ينفذ نظرياته في العنف الثوري والقتل والتحيز والطائفية والاستئصال، حتى غدا عنيفاً مكروهاً ومرعباً.
تسلحت سرايا الدفاع بأحدث الأسلحة الهجومية والدفاعية والميكانيكية ، وكان لها تابعيات خاصة من الطيران الجوي والشرطة العسكرية والمخابرات والسجون ، وبهذه الطائرات والامتيازات تمكن رفعت من الهجوم على سجن تدمر والقيام بالمذبحة لسجناء عزل أصبحوا في أمانة القضاء ليحقق في قضاياهم ويصدر حكمه فيهم.
وتذهب منظمة مراقبة حقوق الإنسان خطوة أبعد لتقول إن في آلية سرايا الدفاع عصابات خاصة لخطف النساء والفتيات، ولتصفية بعض شركاء رفعت من التجار مثل عبد الرحمن العطار الذي ألقي من الطابق السادس في مبنى شركة الطيران. وكانت السرايا هي أداة خلع الحجاب عن النساء في شوارع دمشق ومدارسها. (المرجع: منظمة مراقبة حقوق الإنسان، وشهادة أحد شهود العيان المعاصرين).
لم يجد حافظ الأسد بداً من حل سرايا الدفاع وإبعاد شقيقه رفعت بعدما أصبح خطراً شخصياً عليه، وبعدما أدرك أن السياسات الطائفية الخطيرة والاستئصالية والعنف والفساد الذي يمارسه رفعت باسمه لن يبقي له حليفا في الحكم ولا صديقاً في الطائفة.
موقع المجزرة: التاريخ والجغرافية
يقع سجن تدمر في بلدة تدمر الصحراوية في محافظة حمص على بعد 250 كيلومترا شمال شرق دمشق. بنت سلطة الانتداب الفرنسي سجن تدمر في الثلث الأول من القرن العشرين واستخدمته ثكنة عسكرية، لكنه استخدم فيما بعد سجناً للمجندين والعسكريين المتهمين بارتكاب مخالفات أثناء خدمتهم أو جرائم جنائية عادية. ومنذ مطلع السبعينيات بدأ حافظ الأسد باستخدام سجن تدمر لاحتجاز المعتقلين السياسيين بعيدا عن المدن، وفي معزل عن العالم، لكن الاحتجاز لم يكن يستمر أكثر من شهور معدودة . أما السمعة العالمية الرديئة التي اكتسبها ،وانفرد بها هذا السجن الرهيب فترجع بداياتها إلى عام 1979 حين بدأت السلطات بإرسال أعداد كبيرة من السجناء السياسيين إليه، حيث يتم فصلهم عن العسكريين المحتجزين.
ويعتبر سجن تدمر أكبر سجون سورية، وأسوأها سمعة فقد اشتهر بما يلقاه المعتقلون من المعاملة الوحشية والتعذيب المنهجي اليومي غير الإنساني الذي أودى بحياة كثير منهم أو ترك بصمات لا تمحى على نفسيات وشخصيات من بقوا على قيد الحياة. ويخضع السجن لإدارة الشرطة العسكرية، لكن مسئولية السجناء السياسيين من اختصاص المخابرات العسكرية،و تقوم قوة من الوحدات الخاصة بحراسة السجن. وباعتباره سجناً عسكرياً فإنه لا يخضع لإشراف وزارة العدل التي تجري عمليات تفتيش للسجون المدنيةفي فترات متباينة. ( منظمة العفو الدولية: سورية تعذيب ويأس وتجريد من الإنسانية في سجن تدمر العسكري).
ويطلق على سجن تدمر في أوساط الشعب السوري سجن الإسلاميين لأن السلطات خصصته غالباً لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومن ارتبط بها أو ربما لمجردة شبهة التدين، لكن هذا لم يمنع من وجود فئات أخرى مغضوب عليهم كالبعثيين العراقيين والشيوعيين.
شهد سجن تدمر كل ما تفتقت عنه عبقرية النظام في الممارسات الوحشية ضد السجناء . ولقد وثق بعض السجناء الذين نجوا من جحيم تدمر ما لقوه من تعذيب وإذلال وإخضاع في كتب ومذكرات. وروى شهود عيان أنواع التعذيب ،كالجلد والضرب على الرأس بقضبان الحديد ،والتعليق من الأرجل لانتزاع الاعترافات ،بالإضافة إلى وسائل أعقد تقنية كاستخدام الكرسي الألماني والصعقات الكهربائية ، ولقد أحصت المنظمات العاملة في الحقل الإنساني عشرات الأساليب والوسائل المستخدمة في تعذيب السجين واضطهاده وتحطيمه جسدياً ومعنوياً إلى حد التصفية، التي ذهب ضحيتها أكثر من سبعين بالمائة من الضحايا الذين أرسلوا إلى تدمر.
الحدث المزلزل: مجزرة سجن تدمر الصحراوي
تعتبر مجزرة تدمر من أفظع المجازر التي ارتكبت في سورية بحق السجناء العزل. ورغم محاولات النظام السوري التكتم على المجزرة، فلقد تسربت على ألسنة جهات أمنية ورسمية، إما تباهيا بها وإما استياء منها، كما نقلت مصادر دبلوماسية أجنبية في دمشق ما سمعته عن الحادثة، ثم جاء الكشف الكامل لأحداث المجزرة على لسان بعض منفذيها، الذين اعتقلوا في الأردن إثر محاولتهم الفاشلة لاغتيال رئيس وزراء الأردن السابق مضر بدران بعد شهور على المجزرة.
حدثت المجزرة في صباح السابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو . وتزعم بعض المصادر وخصوصاً الباحثون الغربيون- الذين صورت لهم بعض دوائر النظام، ولم يطلعوا أو يألفوا هول ما كان يحدث في سورية في تلك الأثناء، - أن المجزرة كانت رداً انتقامياً من النظام على محاولة فاشلة لجماعة الإخوان المسلمين في اغتيال الرئيس حافظ الأسد في 26/6/1980 م، وألقى رفعت الأسد اللوم على جماعة الإخوان المسلمين، وقرر الانتقام في سجن تدمر الذي وصفه صهره معين ناصيف وقائد اللواء 40 من سرايا الدفاع في ذلك الوقت بأنه " أكبر وكر للإخوان المسلمين" وحسب رواية بعض منفذي المجزرة الذين وقعوا في قبضة الحكومة الأردنية بعد محاولة اغتيال فاشلة لرئيس وزراء الأردن عام 1981 م فإنه طلب من جنود سرايا الدفاع في حدود الساعة الثالثة فجرا الاجتماع بلباس الميدان الكامل في سينما اللواء 40 حيث كان الرائد معين ناصيف بانتظارهم ، وألقى فيهم خطبة قال فيها: " هدول الإخوان المسلمين ما عم يفرقوا بين مسلم علوي ومسلم سني ومسيحي وعم بقتلوا في الشعب وامبارح حاولوا اغتيال الرئيس. لذلك اليوم راح تقوموا بهجوم على أكبر وكر لهم وهو سجن تدمر. قال : مين ما بدو يقاتل؟ ما حدا رفع إيده، الأمر العسكري" ( من شهادة عيسى إبراهيم فياض أحد المشتركين في مجزرة سجن تدمر) .
بعد ذلك توجهت اثنتا عشرة طائرة مروحية من مطار المزة، قرب دمشق إلى سجن تدمر تقل كل واحدة منها ثلاثين عنصرا من سرايا الدفاع وطوقت السجن وأخرجت الحرس منه ،ثم فتحت النار على المعتقلين دون أدنى كلام، أو إنذار مسبق. واستخدم جنود سرايا الدفاع القنابل اليدوية في الإجهاز على المعتقلين. وقد تمكن أحد المعتقلين من الاختباء في دورة المياه القريبة من باب أحد المهاجع، وتمكن من انتزاع البندقية من أحد القتلة، وأجهز عليه، ويدعى الرقيب إسكندر أحمد، وجرح شخصين آخرين، لكن أحد الجنود أطلق عليه النار وقتله. ثم أخذ الجنود بتقليب الجثث وتفقد من لم يمت بعد، والقضاء على من وجدوا فيه بقية رمق (حمامات الدم في سجن تدمر)
بعد الفراغ من المذبحة عاد منفذوها إلى مطار المزة بتمام الساعة الثانية والنصف ، وانصرفت كل مجموعة إلى لوائها. وكان الرائد معين ناصيف بانتظار المجموعة التي خرجت من اللواء 40 ليشكرهم على جهودهم وقال لهم: ( أنتم قمتم بعمل بطولة بعمل رجولة). ثم أمرهم بكتمان العملية ،وقال لهم إنها لا ينبغي أن تخرج عن دائرتهم، بل تبقى سرية ومكتومة. وفي اليوم التالي كوفئ جميع العناصر الذين اشتركوا في المجزرة بمائتي ليرة سورية!!( انظر: حمامات الدم في سجن تدمر).
عدد ضحايا المجزرة:
لم تتحدث المصادر الرسمية عن المجزرة، مما أدى إلى اختلاف الروايات حول عدد ضحاياها. أشارت بعض المصادر الأجنبية إلى مصرع قرابة 600 شخص ، بينما تشير بعض المعلومات إلى أكثر من ذلك بكثير فلقد قدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن الرقم 1181 ضحية أكثر موثوقية، وتذهب بعض المصادر إلى أن عدد ضحايا المجزرة يقتربون من الألفين يشكلون نخبة من الأطباء والمهندسين والمحامين والقضاة والأدباء والشعراء والمثقفين والطلاب والفلاحين وصغار السن. وتحتفظ اللجنة السورية لحقوق الإنسان بقصة مجند كان يعمل طابعاً للآلة الكاتبة في قيادة الأركان بدمشق وردته قائمة أسماء 813 ضحية ليطبعها، قتلوا في سجن تدمر في اليوم المذكور، ولقد نقل القصة لبعض أصدقائه واستأمن أحدهم على نسخة من الأسماء، لكن يبدو أن الخبر انتشر وعرف أنه المصدر، فحكمت عليه محاكمة ميدانية بالإعدام ونفذ فيه الحكم فكان الضحية 814 في هذه المجزرة. (تدمر: شاهد ومشهود: ص193) . واستطاعت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن توثق أسماء أكثر من 450 معتقلاً كانوا محتجزين في سجن تدمر قبيل وقوع المجزرة ثم اختفى كل أثر لهم بعدها مما يؤكد أنهم من ضحاياها.
المقابر الجماعية:
بعد الانتهاء من المجزرة تم دفن الضحايا في مقابر جماعية في وادي عويضة على بعد اثني عشر كيلومتراً شمال شرق تدمر ،وتم التكتم تماما على أسماء الضحايا أو حيثيات المذبحة كما أن أهالي الضحايا لا يزالون يجهلون مصير أحبائهم داخل السجن : أقضوا في المذبحة أم ما زالوا على قيد الحياة. وقد أثير موضوع المذابح الجماعية في تدمر مجدداً عام 2001 بعدما أعلن الناشط في حقوق الإنسان نزار نيوف أنه قام بفتح بعض هذه المقابر قبيل اعتقاله في عام 1991 م ، ووجد فيها كميات من العظام، تبدو عليها آثار الطلقات النارية وبقايا شظايا القنابل اليدوية التي ألقيت على المعتقلين. وقد ذكر نيوف أن الأجهزة الأمنية المعنية بهذه الجرائم أعطت أوامر حديثا بنقل هذه المقابر إلى منطقة أخرى بعد إثارتها إعلاميا ( نزار نيوف في مؤتمر صحفي في باريس 2001).
تستر قانوني على مجزرة تدمر
لم تمض عشرة أيام على المجزرة حتى أقر مجلس الشعب السوري في السابع من تموز/يوليو/ (القانون 49/1980) بناءً على مشروع محول من رئيس الجمهورية، يقضي بتجريم كل منتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو مرتبط بها والحكم عليه بالإعدام . وجاء في حيثيات القانون أن من يسلم نفسه للسلطات وينسحب من الجماعة خلال شهر من تاريخه لا يطبق عليه القانون. وفي إشارة ذات مغزى إلى الذين قتلوا في تدمر والتستر على قتلهم، بل وجعله قانونياً، نص القانون أنه لا يستفيد من هذا مهلة العفو من هم في قبضة الدولة، وليس للقانون أثر رجعي في العفو. وتحت مظلة هذا القانون الاستئصالي تم القضاء على آلاف الإسلاميين وغير الإسلاميين من المعارضين والرهائن وصغار السن ،وما تزال إلصاق التهم جاهزة بكل من عثرت به أقداره مع هذا النظام الآبد في زمانه، المتفرد في أدواته القمعية. (انظر القانون 49 لعام 1980 في الجريدة الرسمية)
شهادات وروايات عن المجزرة
ذكر بعض من دونوا شهادتهم أن عملية إخفاء معالم المجزرة لم تنفع كثيراً. فعمليات الدهان والترميم لإزالة الدماء عن الجدران لم تفلح في طمس معالم المذبحة. فلقد روى عبد الله الناجي في مذكراته أن لطخات الدم على الجدران ونثرات اللحم البشري/ المتقدد/ الناتئة تحت الدهان تفضح أمام أعين المعتقلين ما اقترفته سرايا رفعت.
ويقول محمد سليم حماد في مذكراته إنه التقى بسجين من معارضي البعث اليمينيين من حماة ،حيث قص عليه هذا السجين البعثي أنه في زمن المجزرة كان في تدمر وأنه فصل وبعض البعثيين العراقيين في جناح خاص بعيداً عن سجناء الإخوان والاتجاه الإسلامي، ويروي أنهم سمعوا في صبيحة اليوم التالي أصوات طائرات مروحية تحلق فوق المهاجع، وتنزل في مكان قريب، ولم تمض برهة حتى بدأوا يسمعون أصوات الرصاص، وانفجارات القنابل، وأصوات التكبير، في الباحات المجاورة. ثم لم تلبث أن هدأت الأصوات وعادت المروحيات فغادرت.... وعرف من سجناء جدد فيما بعد سمعوا بالمجزرة حقيقة ما سمع في ذلك اليوم. (تدمر : شاهد ومشهود ص 194)
سجن تدمر : المجزرة المستمرة
قد يهون الأمر لو اقتصر الأمر على هذه المجزرة في سجن تدمر. لقد كانت المجزرة التي بدأت في سجن تدمر منذ عام 1979 استمرت حتى عام 2001 . استمرت قوافل الضحايا مرة أو مرتين في الأسبوع ، واستمر شلال الدماء يسيل غزيراً في تدمر، واستمر إزهاق الأرواح البريئة على أيدي جفاة، غلاظ، حاقدين. كانت أصابع رفعت وراء كثير من الحقد والغل والبطش والموت. يتذكر محمد سليم حماد (وما لا ينسى من أيام عام 1984 المريرة أننا شهدنا فيها أحدى أكبر عمليات الإعدام الجماعي إن لم تكن أكبرها على الإطلاق. فبعد انقطاع تنفيذ الأحكام عدة أشهر في تلك الفترة فوجئنا بالمشانق تنصب ذات يوم في الساحة السادسة بأعداد كبيرة، وراح الزبانية يخرجون من الأخوة المعتقلين فوجاً إثر فوج إلى حتفهم. يومها قدر الأخوة الذين تمكنوا من مشاهدة جانب مما يجري من خلال شق في الباب عدد الذين أعدموا بمائتين من غير مبالغة، كان من بينهم كما بلغنا الأخ يوسف عبيد من دمشق. ومع تسرب الأخبار فيما بعد قدرنا أن تلك الإعدامات ترافقت مع حالة النزاع التي حصلت بين رأسي النظام حافظ الأسد وأخيه رفعت، والتي شهدت حشوداً عسكرية حقيقية بينهما. وفسرنا ما حدث بأن رفعت كان يهيئ نفسه لاستلام الحكم بعد المرض الذي ألم بأخيه، و أراد أن يصفي أكبر قدر ممكن من السجناء وينهي كل خطر مستقبلي محتمل.) (تدمر: شاهد ومشهود ص159 - 160 ) ويذكر شهود عديدون تمكنوا من النجاة وأطلق سراحهم بأن أفواج الإعدام كانت تتراوح أسبوعياً بين العشرين والخمسين، لم تتوقف إلا في فترات قليلة، بل لربما تضاعفت في بعض الفترات حتى إنه كان ينفذ أسبوعيا الإعدام بأكثر من فوج.
إغلاق سجن تدمر
استمر شلال الدم ينزف من سجن تدمر، وتوالت الروايات الرعيبة عن التعذيب وسوء المعاملة، وصدر مذكرات لبعض من نجا من جحيم هذه المحرقة، وخرج من البلد، فصدر كتاب تدمر:سنتان في القاع ، وكتاب حمامات الدم في سجن تدمر، وكتاب تدمر: شاهد ومشهود وغيرها.
وبعد موت حافظ الأسد ، وفي آب/أغسطس 2001 أعلن النظام عن إغلاق القسم السياسي في سجن تدمر ونقل حوالي ألف سجين، وهم من بقي على قيد الحياة بعد حمامات الإعدام والتصفيات الواسعة ، وبعد إطلاق سراح أعداد تقدر نسبتها بعشرين بالمائة من الذين قضوا فيه. لكن هل انتهى فصل سجن تدمر؟!لا بل إن ملفاته كلها عالقة تحتاج إلى الحل والتسوية!!!
خطوات سريعة وملحة في هذا الملف العالق
1- الكشف عن القصة الكاملة لهذه المجزرة
2- الكشف عن أسماء الضحايا، وتسجيلهم في عداد المتوفين لدى دوائر الأحوال المدنية
3- الكشف عن تواريخ وفاتهم وأماكن دفنهم.
4- الكشف عن أماكن القبور الجماعية والسماح للأهل بنقل رفات ذويهم إذا أرادوا ذلك.
5- الكشف عن أسماء الذين أمروا بتنفيذ المجزرة الكبرى عام 1980.
6- الكشف عن أسماء الذين أمروا بإعدام الدفعات المتوالية من معتقلي سجن تدمر.
7- تحويل الذين أمروا بالمجزرة والإعدامات الجماعية للتحقيق معهم أمام لجنة خاصة ، تقرر بعدها إحالتهم إلى المحاكم المختصة بالنظر في هذه الأعمال.
8- تحويل كل من مارس التعذيب في سجن تدمر للتحقيق والقضاء تحت مراقبة منظمات حقوقية وإنسانية محايدة.
9- إشراك الهيئات الحقوقية والإنسانية المحلية والعالمية في مراقبة التحقيقات للتأكد من جديتها وحياديتها.
القصة الكاملة للجريمة التي ارتكبها النظام الطائفي في سورية بحق الأبرياء العُزّل**
(كما رواها بعض المنفّذين)
التحضير للعملية:
في تمام الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم 27/6/1980 دُعيت مجموعتان من سرايا الدفاع للاجتماع بلباس الميدان الكامل، المجموعة الأولى من اللواء (40)، الذي يقوده الرائد معين ناصيف (زوج بنت رفعت أسد)، والمجموعة الثانية من اللواء (138)، الذي يقوده المقدم علي ديب، وكل من المجموعتين يزيد تعداد عناصرهما على مائة عنصر.
أما مجموعة اللواء (40) فقد اجتمعوا في سينما اللواء، حيث ألقى فيهم معين ناصيف كلمة، قال فيها: (راح تقوموا بهجوم على أكبر وكر للإخوان المسلمين، وهو سجن تدمر .. مين ما بدو يقاتل؟)، وبالطبع، فلم يرفع أحد منهم يده، ثم انتقل المجموعة الموجودة إلى مطار المزة القديم، حيث التقت المجموعتان، حيث كانت في انتظارهم عشر طائرات هيلوكوبتر، وكل طيارة تتسع لـ 24 راكب.
كان قائد العملية المقدم سليمان مصطفى، وهو قائد أركان اللواء (138)، وكان من جملة الضباط المشاركين: الملازم أول ياسر باكير، والملازم ألو منير درويش، والملازم أول رئيف عبد الله.
أقلعت طائرات الهيلوكبتر حوالي الساعة الخامسة صباحاً، ووصلت إلى مطار تدمر حوالي الساعة السادسة، وعقد اجتماع لضباط العملية، تمّ فيه توزيع المهمات وتقسيم المجموعات، ثم أعطي العناصر استراحة لمدة ثلاث أرباع الساعة.
في هذه الأثناء كان سجن (تدمر) هادئاً، وقد اتخذت ترتيبات مُعينة؛ مثل: إجراء تفقد للمعتقلين وتسهيل مهمة مجموعات سرايا الدفاع، فلم تكن هناك عراقيل أو اعتراض، بل كانت الشرطة العسكرية المكلفة بالحراسة مستعدة على الباب الخارجي، كما كان رئيس الحرس وشرطته العسكرية مجتمعين في ساحة السجن.
ثمّ دُعي عناصر سرايا الدفاع إلى الاجتماع؛ حيث تمّ تقسيمهم ثلاث مجموعات:
ـ المجموعة الأولى: وهي مكوّنة من (80) عنصراً، وكلفت بدخول السجن، وسُميت "مجموعة الاقتحام".
ـ المجموعة الثانية: وهي مكونة من (20) عنصراً، وكُلّفت بحماية طائرات الهيلوكبتر.
ـ المجموعة الثالثة: وهي مكونة من بقية العناصر، وقد بقيت في المطار للاحتياط.
ركبت مجموعة الاقتحام سيارات (دوج تراك)، وحين وصلت إلى السجن؛ انقسمت المجموعات الموجودة إلى مجموعات صغيرة، كل منها بإمرة أحد الضباط، وقد سلّم مدير السجن مفاتيح المهاجع إلى ضباط سرايا الدفاع، كما زوّدوا بمرشدين لغرف السجن وباحاته.
كان في سجن تدمر العسكري (34) مهجعاً، في كل منها (20-70) معتقلاً؛ تبعاً لحجم المهجع، وقد تنظيم العملية بقتل المعتقلين على دفعتين: الدفعة الأولى شمل الغرف المطلّة على الباحات (1 و2 و3)، والدفعة الثانية تشمل الغرف المُطلّة على الباحات (4 و5 و6)؛ وبسبب انخفاض المهاجع وعتمتها في غرف الباحات (1 و2 و3)؛ تقرر إخراج المعتقلين إلى الباحات لتنفيذ الإعدام فيهم.
وتوزّعت مجموعات سرايا الدفاع على المهاجع والباحات، وفُتحت الأبواب، وبموجب نظام السجن؛ وقف المعتقلون عند فتح أبواب المهاجع مغمضي العيون ووجوههم إلى الصقف، وقدم رئيس كل مهجع الصف (ويكون أحد السجناء، ويُطلب منه ترتيب السجناء وتنظيمهم، ويكون له نصيب أكبر من العذاب، انظر كتاب شاهد ومشهود).
ـ في الباحة رقم (1) تم إخراج نزلاء المهجعين (5 و6)، ونزلاء المهجع (4)، وجُمعوا في زاوية الباحة الشمالية الشرقية.
ـ في الباحة رقم (2) تمّ إخراج نزلاء المهاجع الثلاثة (8 و9 و10)، وجُمعوا في آخر الباحة الجنوبية الغربية، مقابل المهجع (8) ذي الشرفة الواسعة من الأمام.
ـ في الباحة رقم (3) تمّ جمع المعتقلين من المهاجع (12 و13 و16 و17)، في الزاوية الشرقية الجنوبية من الباحة أمام المهجع (12).
وهكذا تمّ تجميع المعتقلين مع أغراضهم بشكل يجعل عملية القتل والإبادة تبدأ في الباحات الثلاثة في وقت واحد.
والجدير بالذكر أن المعتقلين جميعاً خضعوا في اليوم السابق لأنواع من التعذيب الشديد الذي لم يسبق له مثيل، فقد اندفعت عناصر الشرطة العسكرية تطوف بالمهاجع، وتضرب المعتقلين بالسياط والعصي، كما أخرجوا نزلاء بعض المهاجع إلى الباحات بالتسلسل، وانهالوا عليهم ضرباً بالعصي والسياط، فأصيب الكثيرون من المعتقلين بكسور وجروح مختلفة.
بدء المجزرة الوحشية:
بعد ذلك أعطيت الإشارة البدء لعناصر سرايا الدفاع، فانطلقت الآلات النارية تصبّ وابل الحمم على المعتقلين العزل الأبرياء، وألقيت عدة قنابل ـ لا سيما في الباحة رقم (2)، واستخدمت بعض قاذفات اللهب مع إطلاق النار الكثيف في كل من الباحات الثلاث، على حيت تعالت أصوات المعتقلين بهتافات: الله أكبر.
وخلال دقائق قليلة انتهى الأمر، لكن بعض المعتقلين في الباحة رقم (1)؛ تمكنوا من الهروب، وتمكنوا من دخول المهجع الكبير المزدوج (4 و5)، فتواروا فيه، فلحق بهم بعض عناصر سرايا الدفاع، فقتلوهم ومثّلوا بهم.
حين انتهت العملية في الساحات الثلاث، تجمع القتلة وانطلقوا إلى الباحات الثلاث الأخرى، ولكيلا تتكرر عملية هرب بعض الضحايا إلى المهاجع؛ قرر الضباط دخول المهاجع على المعتقلين، وقتلهم فيها.
اندفعت ست مجموعات من القتلة إلى الباحة رقم (4)، وفيها ثلاثة مهاجع مليئة بالمعتقلين، فتوجهت كل مجموعتين إلى مهجع، وفتح الباب، وقدم رئيس كل مهجع الصف، فدخلوا عليهم، وأمروهم بالابتعاد عن الباب، ثم ألقوا على المهجع قنبلتين دفاعيتين، ثم دخلوا عليهم، وأخذوا يُطلقون رصاصهم رشاً على الضحايا الذين ارتمى معظمهم على الأرض بين قتيل وجريح، واستمروا في ذلك إلى أن أتمّوا قتل من في المهجع.
ثم انطلقت المجموعات إلى الباحات رقم (5 و6)، حيث توزّعت على المهاجع الخمسة الباقية، وتم فتح الأبواب عليهم، وبُدئ بإطلاق النار على المعتقلين العُزّل.
وفي أحد مهاجع الباحة رقم (5) اختبأ أحد المعتقلين في دورة المياه بالقرب من الباب، وحين دخلت العناصر المسلحة، وبدأت بإطلاق النار على المعتقلين العُزّل، انقضّ هذا المعتقل من دورة المياه، وتمكّن من انتزاع السلاح من أحد عناصر سرايا الدفاع، وهو الرقيب اسكندر أحمد، وأطلق عدة طلقات أدت إلى مقتل هذا الرقيب وجرح إثنين آخرين ، لكن بقية العناصر المسلحة بادرت إلى إطلاق النار على المعتقل البطل حتى استشهد.
قام بعض الضباط والعناصر بتقليب جُثث الضحايا، والتأكد من مقتلها أو الإجهاز على من فيه بقية رمق؛ حتى تلطّخت أيديهم وثيابهم وصدورهم بالدماء، مثل الملازم: رئيف عبد الله، والملازم منير درويش، والرقيب علي محمد موسى.
بقي دم الضحايا البريئة يغمر أرض السجن؛ وتجمد في كثير من الأماكن من الباحات والمهاجع، فتم تنظيف الساحات، وتم طلاء جدران السجن بسرعة لإخفاء معالم الجريمة، أما المجرمون منفذو العملية فقد عادوا إلى مطار المزة في الساعة 12.30 ظهراً، وانصرفت مجموعة اللواء 138 إلى لوائها، كما انصرفت مجموعة اللواء 40 إلى لوائها، وكان بانتظارهم الرائد معين ناصيف، حيث اجتمع بهم في السينما، وشكرهم على جهودهم، وعزاهم بوفاة الرقيب اسكندر، وقال لهم: أنتم ققمتم بعمل بطولي، بعمل رجولي، ثم أمرهم بكتمان العملية، وقال لهم: ما لازم تطلع هالعملية خارج منا، يعني لازم تظل مكتومة وسرية.
وفي اليوم التالي وزعت السلطة مبلغ 200 ليرة سورية على كل عنصر من العناصر الذين اشتركوا في هذه الجريمة.
ملاحظة:
هذه التفاصيل جاءت ضمن اعترافات الرقيب المجرم عيسى إبراهيم فياض، والعريف المجرم أكرم علي جميل بيشاني، وكلاهما علويان من سرايا الدفاع، اشتركا في محاولة فاشلة لاغتيال رئيس الوزراء الأردني السابق مضر بدران، وأدليا باعترافاتهما كاملة على شاشة التلفزيون الأردني، ونشرت في كتاب الوثائق الأردنية – 1981، والذي طبعته وزارة الإعلام الأردنية بتاريخ 25/2/1981.
هذا وقد اطلعت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، التي انعقدت في جنيف في دورتها السابعة والثلاثين على وقائع مجزرة تدمر، خلال مناقشتها للبند 13 من جدول الأعمال الخاص بانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، ووزعت على اللجنة الوثيقة رقم (E/CN/4/1469) تاريخ 4/3/1981، والتي تضمّنت إفادات المشاركين في مجزرة تدمر، (عيسى إبراهيم الفياض وأكرم بيشاني). وناقشت اللجنة بجلستها رقم 1632 تاريخ 9/3/1981 مضمون المذكرة وشارك في النقاش مندوبو الأردن والعراق وسورية.
بقلم ابراهيم الحاج علي
مدير المركز الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان و الحريات العامة