أصداء الوطن" ينشره كاملاً.. مفتي حلب "د. إبراهيم السلقيني" في حوار هو الأول له منذ بداية الأحداث:
نبض الشارع في حلب ليس بعيداً عما يجري و الحل يبدأ بحوار فوري بعد وقف العنف والإفراج عن المعتقلين وإعادة المبعدين..

يكثر الحديث هذه الأيام عن الأوضاع في سورية وما يمكن أن تؤول إليه الأمور وعن سبل الحل للخروج من الأزمة الراهنة، وكذلك يكثر الحديث عن مدينة حلب وعن دور علماء الدين فيها، والذين كانوا (بحسب كثيرين) عاملاُ مهماً في تهدئة الأمور فيها حتى هذه اللحظة، ولعل من أبرز وجوه علماء حلب في وقتنا الراهن، الشيخ الدكتور إبراهيم السلقيني مفتي حلب وهو الرجل الذي يقف على أعتاب الثمانين من عمره، والذي اختار حتى ما قبل هذا الحوار الصمت تجاه وسائل الإعلام بكافة أشكالها حيال ما يجري في سورية، واكتفى بطرق التواصل مع بعض المسؤولين والمعنيين على مختلف مستوياتهم، وكان من ذلك لقاءه ووفد من علماء حلب مع الرئيس الأسد بالتزامن مع بداية الأحداث تقريباً.

في الحوار التالي، يجيب الدكتور السلقيني عن كثير من التساؤلات حول دور العلماء، ودوره شخصياً في الأزمة الراهنة، وكذلك حول ما أشيع عن استقالته ويرد على من طالبه بذلك، إضافة إلى رؤيته للخروج من الأزمة الحالية وطريق الحل السليم بحسب ما يراه، وهنا يبدأ مفتي حلب حديثه عن لقاء علماء حلب مع السيد رئيس الجمهورية، وعن انطباعه بعدها، حيث يقول السلقيني:

"كان الهدف من اللقاء النصح أولاً، ونقل الصورة الصحيحة عما ينبض به الشارع ثانياً، وذلك من باب الغيرة على الوطن ووحدته وصيانته من كل سوء، والشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه أمتنا ومجتمعنا قيادة وأفراد و مؤسسات، وقد بدأت حديثي - وبحضور ثلة من أهل العلم من حلب - بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). وقد كان اللقاء في قمة الشفافية، واستمع السيد الرئيس لكل الأمور، ومن جميع الحضور، ولم تتعلق القضايا المطروحة بالشؤون الدينية فحسب، بل امتدت إلى أمور الحياة ومسألة الحريات وأمور المعيشة، وكنا قد خرجنا من اللقاء ونحن متفائلون بأن حال البلد سيتغير للأفضل، مع إعطاء الوقت الكافي لهذه التغيرات، وخصوصاً بعد وعد السيد الرئيس بتكرار هذه اللقاءات التي تهدف للإصلاح، ونقل الصورة الصحيحة وتلاحم القيادة والشعب بجميع أطيافه".

* ثم ماذا حصل بعدها؟
- منذ أيام حاولت الاتصال ببعض المسؤولين، ومتابعة ما يجري بعد ذلك اللقاء، ولكن لم يتم التواصل.

* ما كان الهدف من محاولة الاتصال؟
- كان الهدف هو نقل تأثرنا الكبير لما يسيل من دماء، وتأثر كل مواطن سوري، فكل دم غال علينا من أي جهة كانت، وحرمة الدماء يتساوى فيها الجميع، لا فرق في ذلك بين مسؤول ورعية. وكذلك كان الهدف الطلب من القيادة ضبط النفس وتهدئة الأوضاع الجارية بالحكمة، والإسراع في معالجة الأمور التي كانت سبباً في هذه الأحداث، ومحاسبة المتسببين من أي طرف.

* يتردد الكثير مؤخراً عن دور العلماء في مدينة حلب، حيث يعتبرهم البعض (صمام أمان) لعدم تفجر الأوضاع، فما قولكم في ذلك؟
- إن نبض الشارع في حلب لم يكن بعيداً عما يجري في سورية، ويخطئ من يظن أن حلب هادئة كما تردد مؤخراً. لقد كنا مع التهدئة وإعطاء الفرصة الكافية للإصلاحات، لكن لكل صمام طاقة، وقد وصلني ما قيل عن أهل حلب أنهم نيام، وأن مشايخها كذلك. ولكن نحن والحمد لله نتعامل مع الأمور وفق المفهوم الشرعي، وليس وفق إملاءات أوتحت أي ضغط من أحد، وقد كان هذا نصحي سابقاً للرئيس الراحل في مطلع الثمانينات، بأن هناك غلياناً وتوتراً في الشارع السوري، إن لم يُتعامل معه بالحكمة وحسن التصرف فإن ذلك سيولد الانفجار، وفي حال حدوث ذلك فلن يُنظر حينها إلى رأي الشرع والدين.

* تردد بعض الكلام مؤخراً عن استقالتكم من منصبكم، فيما تساءل آخرون لماذا لم يستقل المفتي من منصبه، فما تعليقكم؟
- لو كانت استقالتي فيها حقن للدماء وتحقيق للإصلاحات المنشودة لفعلت، ويجب أن نتنبه إلى أن الإفتاء بالأصل ليس منصباً سياسياً، بل يعد مرجعاً دينياً وشرعياً وعلمياً، وهو مسؤولية تجاه من يريد أن يعرف حكم الشرع الذي أُمرنا أن نرجع إليه في كل أمور حياتنا، ومن هنا فأنا لست مع تهميش هذا الدور، وهذا مما ناقشته في لقائي مع السيد الرئيس، حيث بينت أن رعاية الشأن الديني وتربية الأمة على مبادئ الشريعة وأخلاق الدين، هو الحل لجميع مشكلاتها وتحقيق الإصلاح فيها بأقرب طريق، بإيجاد الرقابة الإلهية الداخلية فيها التي تفوق رقابة القانون والسلطة وتدعمهما، ويرجع للفرد والأمة كرامتهما، ويكون السلاح الأقوى لتحرير فلسطين وأراضينا المحتلة.

* ماذا تقولون والدماء السورية تنزف اليوم؟
- كما ذكرت لكم فقد حرم الله سفك الدماء، وحرمتها أكبر عند الله تعالى من هدم الكعبة، وكائناً من يكون الفاعل فلا مبرر له في قتل الأبرياء، أو انتهاك الحرمات من دور للعبادة وأيضاً للمؤسسات العامة والخاصة أو الاعتداء على الآخرين. ولكن بالحكمة وبدور عقلاء الأمة والمخلصين منهم ينزع فتيل الفتنة.

* نسمع من بعض وسائل الإعلام أخباراً غير مؤكدة عن وجود بعض الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين، فما قولكم؟
- تبقى هذه أخباراً ضمن الاحتمالات، والعلاج لهذا فيما أرى، تشكيل لجان في مستوى المسؤولية والنزاهة، تقوم بزيارة المواقع والتثبت والتأكد، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك في حال ثبتت صحة هذه الأخبار.

* ما تعليقكم على مواقف الدول الغربية مما يجري في سورية، وما يتردد عن محاولات تدخل في الشؤون الداخلية؟
- نحن نرفض رفضاً مؤكداً قطعياً أي تدخل خارجي في شؤوننا الداخلية، وهو رفض يجمع عليه الشعب السوري بكل أطيافه حتى لو كان التدخل ظاهره الحرية والديمقراطية، كما نرفض أيضاً استغلال تلك المواقف والتدخلات في وأد الأصوات الحرة بحجة أنها تتبع لإملاءات خارجية.
وأشير هنا أيضاً، إلى رفض الشعب السوري أيضاً للنعرات الطائفية، واستخدام العنف وأي اعتداء على الأنفس والمؤسسات، وأدعو الجميع إلى ضبط النفس، وإلى التوجه إلى الله تعالى خالق الكون والإنسان والحياة بأن يحفظ هذه الأمة من كل شر وسوء وأن يجمع كلمتها على الحق والعدل.

* كيف يمكن تحقيق الهدوء والاستقرار برأيكم؟
- فتح باب الحوار الفوري مع أطياف المجتمع وشرائحه كافة دون استثناء، ولن ينفع الحوار إلا مع من يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً، ولنجاح هذا الحوار، هناك خطوات ضرورية لا بد من القيام بها، يمكن تلخيصها بما يأتي:
التقيد بأمر وقف إطلاق النار ووقف كل أساليب العنف، خاصة من قبل من يمثل السلطة التي هي راعية لأبناء الوطن وحامية لهم وساهرة على أمنهم.
وكذلك إطلاق سراح جميع المعتقلين وخاصة الذين اعتقلوا بعد مرسوم رفع حالة الطوارئ، وإعلان العفو العام سواء كان للمعتقلين أو لمن هم خارج البلاد وفتح باب العودة لهم، سعياً وراء تحقيق مصالحة وطنية شاملة ،غايتها بناء وطن مزدهر آمن وعصي على كل مؤامرة.
وأيضاً تصفية ما نجم عن أحداث الثمانينات، والإعلام عن مصير المفقودين ليصار إلى تصفية الحقوق القانونية والشرعية من مواريث وطلاق ونحو ذلك، إضافة للجوانب الإنسانية المتعلقة بهذا الأمر.
ولا بد أيضاً من جدولة الإصلاحات، والإسراع بالإسعافية منها ولا تتطلب سوى اتخاذ قرار، حرصا على تهدئة الأوضاع، ومحاسبة الفاسدين والظالمين لاسيما من كان سببا في إشعال الفتنة وقتل الأبرياء، وملء الهوة بين القيادة والشعب.
وأخيراً أقول:
إن مسارعة القيادة إلى تقوية الروابط بينها وبين الشعب بما يرضي الله تعالى، هي التي ستشكل سداً منيعاً، يحمي البلاد من كل سوء، ويجعل الجميع صفاً واحداً، وعند هذا يتحقق نصر الله إن شاء تعالى.
_________________________________________________

د. إبراهيم السلقيني:
الدكتور إبراهيم السلقيني من مواليد العام 1934 في مدينة حلب، حائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بمصر، عمل مدرساً ومديراً لعدد من مدارس حلب، وأستاذاً في كلية الحقوق في جامعتي دمشق وحلب، وكذلك أستاذاً في أصول الفقه في كليات: الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، وأستاذاً زائراً للتدريس في الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة أم القرى، كما عمل الدكتور السلقيني عميداً لكلية الشريعة بجامعة دمشق، وكذلك عميداً لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.
كما كان الدكتور السلقيني عضواً في مجلس الشعب السوري في دورته الأولى من العام 1973 وحتى 1977، حيث نال أعلى
الأصوات في حلب يومها، وكان مستقلاً.

أجرى الحوار الزميل: سامر كنجو