المجلس الوطني واستحقاقات الثورة السورية ؟
بقلم : ابو ياسر السوري
- لا أحد ينكر أن المجلس الوطني كان محط آمال الثوار ، وأنهم كانوا يطالبونه باستحقاقات كبيرة ، لم يتمكن من أدائها على الوجه المطلوب . – ولا أحد ينكر أن المجلس ، لم يكن يصارح شعبه بحقيقة موقفه ، فظهر وكأنه كان يغرد خارج السرب ، وظهر وكأنه مسبوق من ثورته بخطوات ، ذلك لأن المجلس في واقع الأمر، كان بعيدا عن الثورة التي يمثلها ، ولم تكن صلته بأبطالها إلا كصلة الحكومات العربية بشعوبها ، هي في واد وشعوبها في واد . وإليك نماذج من هذا التباين في المواقف ، بين المجلس وشعبه : بقلم : ابو ياسر السوري
- طالب الشعبُ بالتدخُّلِ الدولي ، على غرار ما كان في ليبيا ، فقال المجلسُ : (لا) للتدخل الدولي ...
- وطالب الشعبُ بالمنطقة العازلة والممرات الآمنة ، فقال المجلسُ : (لا) للمنطقة العازلة ، و(لا) للممرات ...
- وطالب الشعبُ بالاعتراف بالجيش الحر ؟ فقال المجلسُ : (لا) لانقسام الجيش على نفسه، وهذا تخريب المؤسسة العسكرية الوطنية ..
- وقال الشعبُ : لا نريد تدخل الجامعة العربية ، لأن تدخلها سيزيد القضية تعقيدا ؟ فقال المجلسُ : نعم لتدخل الجامعة العربية ...
- وقال الشعبُ أخيرا : (لا) للمراقبين الدوليين ، فقال المجلسُ : نعم للمراقبين الدوليين ...
- وقال الشعبُ : نريد تسليح الجيش الحر ، فلم يحرك المجلسُ الوطني ساكناً في هذا المضمار ...
- وكان الشعب يطالب بكرامة المواطن ، والمجلس يتمسك بالسيادة الوطنية .. والشعب يثور على العصابة الحاكمة ، والمجلس يتخوف من سقوط دولتها . ولسانُ حال الشعب يقول : عليَّ وعلى أعدائي ، فلتهدم دولة الظلم ، ولْنَبْنِ مكانَها دولة الحقِّ والعدل والكرامة والحرية ..!!
أفلا يحق لنا بعد هذا كله ، أن نسيء الظنَّ بهذا المجلس ، الذي نقول له : يمين ، فيقول : شمال . ونقول له : غرب ، فيقول : شرق .!؟
ومما زاد الطينَ بِلَّة ، أن موقفَ المجلسِ الوطني كان في جل آرائه متماشياً مع موقف هيئة التنسيق ، التي ثبت لدينا أنها لا تتحرك إلا رهن إشارة النظام المجرم ، وهذا موقع شبهة ، كان على المجلس الابتعاد عنه ، وعدم تعريض نفسه لإساءة الظن والقدح والتجريح ، نعم لقد كان هذا من المجلس ، فكوفئ على هذا الموقف بنظرات الريبة ، وهمسات التخوين ، وكان يعز علينا أن ننظر إلى برهان غليون – مع الأسف - نظرتنا إلى هيثم مناع .!؟
ومما زاد الأمر سوءاً أيضاً ، أن تصريحات المجلس كان يقع فيها شيء من التناقضات . مما ولَّد لدى بعض أعضائه شعوراً بالإقصاء والتهميش ، وارتفعت أصوات هؤلاء المهمشين بالشكوى من دكتاتورية المجلس ، واستبداده بالأمر من دونهم .!؟
لم نكن ندري أن المجلس مغلوب على أمره ، وأنه كان يعمل ليل نهار للحصول على تأييد الدول العربية ، ولكن العرب خذلوه . ولم نكن ندري ، أنه كان يستجدي تأييد الدول الغربية ، ولكنها تخلت عنه ..
وغلطةُ المجلس أنه لم يتعامل مع شعبه بشفافية ، ولم يشأ أن يصارحه بتحركاته السياسية ، أو بإخفاقاته في مساعيه ، وآثر أن يحتفظ بأسراره لنفسه ، مخافة أن يترتب على صراحته شيء من اليأس أو الإحباط ... أقول هذا لأني لم أعد ميالا إلى لغة التخوين ، فمؤداها خدمةٌ للنظام ، وأُذكِّرُ هنا بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبى أن يأمر بقتل المنافق ابن سلول ، مخافة أن يقال : إن محمدا يقتل أصحابه ، فينفر الناس بعد ذلك من الدخول في الإسلام .
كان ينبغي للمجلس أن يضع في حسبانه أن حياة الشعب أولى من كل اعتبار . ولكنه تمسك بمنطلقاتٍ عُرُوبيَّة ، فولَّي وجهه باتجاه جامعة الدول العربية ، وغاب عنه أن منسوبي هذه الجامعة يمثلون أنظمة ، هي في مجملها حليفة للنظام ، ومحال أن تساعد على إسقاطه . لأن هذه الأنظمة ليست حريصة على حياة الشعوب ، وزوال أمة بكاملها أهون لديهم من زوال حاكم .
وكان ينبغي للمجلس أيضاً ، أن لا يعلق آماله بالمجتمع الدولي ، لأنه لن يخرج عن رأي الأنظمة العربية ، ولن يقوم بأي إجراء يخالف رغباتها . ولو قرأ المجلس الموقف صح ، لعلم كذلك أن إسرائيل لا تريد إسقاط النظام ، وأن المجتمع الدولي كله تبع لها في ذلك ...
كان المطلوب من هذا المجلس ، أن يكون مجلسا ثوريا ، لا مجلسا سياسيا . وأن يجعل جُلَّ اهتمامه تلبيةَ مطالب الشارع الثائر ، وأن يُقدِّمَ له العونَ الماديَّ والمعنويّ ، فيوصل إليه المساعدات المالية ، ويشتري له السلاح والعتاد ، ويعمل على إدخاله إليه بأية وسيلة ، وتجار السلاح يتكفلون بإدخاله إلى حيث يريدون ..
وكان على المجلس أنْ يَعمَلَ على فتح قنوات تلفزيونية في الدول الغربية ، تتبنى شرح قضيتنا ، وتثير الرأي العام العالمي ضد العصابة الأسدية . وكان ينبغي عليه أن يشكل لجانا ثورية ، تتبنى عمل التظاهرات، وتحريك الشوارع في أكثر العواصم الغربية ...
ولو سلك المجلس الوطني هذا المسلك لفرض احترامه في الداخل والخارج ، ولكان لدى المجتمع الدولي مخطوبا وليس خاطبا ، ولجاءته الوفود من دول هذا المجتمع المتخاذل ، وعرضت عليه تقديم المساعدات التي يريد .
كنا نريده مجلسا ثوريا ، يعبر بلسان حال ثورة ، يتصدى أبناؤها لأعتى نظام إجرامي ، ويتحدونه بصدورهم العارية ، على مدى 15 شهرا متوالية ، وقد احتملوا جَرَّاءَ هذه الوقفة النبيلة ، ما لم يحتمله شعب آخر على مدار التاريخ ، نعم إن المجلس الوطني هو لسان حال ثورتنا، والمتحدث باسمها ، والرافع لشعاراتها، والداعي إلى نصرتها، والمُجَيِّشُ لتأييدها في الخارج ، ثم إنه ممثلها في التفاوض على عملية تسليم واستلام السلطة عند إسقاط النظام ..
ومهما يكن من أمر هذا المجلس ، فإنني لأنكر أشد الإنكار ، أن يُشبَّهَ بسفارةٍ عربية ما ، فقد عرفنا أن أكثر هذه السفارات ، يحركها الغرب أو الشرق بالريموت كونترول . ليس مجلسنا سفارةً تُمثّلُنَا ، وإنما هو مجموعةٌ من الشرفاء ، وقفت نفسها لخدمة الثورة ، تتكلم بلسانها ، وتطالب باسمها ، وتَفرِضُ نفسها على المجتمع الدولي فرضاً ، وتُطالبه بالوقوف إلى جانب الحقِّ الذي تُمثّلُه ، فإن لم يَستجبْ لها العالَمُ ، مَضَتْ في طريقها بدُونِهِ ، حتى تنتهي إلى غايتها ، وتُحقِّقَ أهدافها ، وترمي بهذه العصابة ورئيسها إلى مزابل التاريخ ...وعندها يكونُ الحسابُ .. نعم عندها نُحاسَبُ كلُّ مَنْ خَذَلَنا ، ومالأ النظامَ على حساب دمائنا وأشلائنا ... ولَسَوْفَ نخرج من الجامعة العربية ، ولا يشرفنا أن ننتمي إليها بعد اليوم .. ولسوف نقاطع كلَّ المنظمات الدولية ، وأولها مجلس الأمن ، والأمم المتحدة ، ولسوف ندعو إلى إسقاطها كما سَقَطَتْ عُصْبَةُ الأمم من قبل ... وليندمنَّ المجتمعُ الدولي على إغضائه عن جرائم هذه العصابة المارقة . ولسنا من الذين يقولون ما لا يفعلون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .
أما بعد فيا أيها السادة :
ليكن لنا مِنْ خذلان العالَمِ حافزاً لنا على التحدي ، ولْيكُنْ لنا مِنْ تَمادي النظام في الإجرام ، دافعاً على مواصلة النضال حتى إسقاطه ، مهما كانت التكاليف والتضحيات .