الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد تنزع أحشاء اقتصاد البلاد، مما يهدد بشدة مجتمع الأعمال وطبقات التجار المزدهرة، والتي يعتمد عليها النظام المحاصر للمساعدة في الإبقاء على قبضته على السلطة.
منذ شهرين تقريبا من الاحتجاجات العنيفة في مختلف أنحاء البلاد …تراجعت حركة الاعمال . وتأثرت السياحة وانزلق نظام الأسد إلى مستنقع سياسي لم يسبق له مثيل عبر انتفاضة وجدت جذورها في انتفاضات في مصر وتونس. وتراجعت معدلات النمو الاقتصادي الذي بلغ حوالي 3،5 في المئة في السنة المالية 2010، وفقا لبعض التقديرات، والمقاولات لتصبح 3 في المئة في السنة المالية 2011.
وادت الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشارالى الكثير من المتاعب بالنسبة للرئيس الذي تلقى تعليمه في الغرب، والذي قضى سنوات في تحويل هذا البلد بعيدا عن الاشتراكية الكئيبة التي تبناها والده، وفي هذه العملية ، قام بدعم طبقة التجار مما حول المشهد الاقتصادي الى مشهد نابض بالحياة لكن بقيت زخارف النظام السياسي دون تغيير. وحتى الآن ، مازال دورهم هامشيا في الانتفاضة ، ولكن ما ان يصل الانكماش الاقتصادي اليهم ، فلا شك ستتغير قواعد اللعبة، كما يقول المحللون.
وقال جوشوا لانديس، مدير مركز جامعة أوكلاهوما لدراسات الشرق الأوسط ، لوكالة اسوشيتد برس «الحكومة سوف تفشل ببطء، إذا ما استمرت (المعارضة)في فعل ما يكفي لتشل الاقتصاد السوري — – كما هو مشلول الآن»
النظام يعاني بالفعل، على الصعيدين المحلي وأمام المجتمع الدولي. بسبب حملة القمع الوحشية ضد المعارضة والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص منذ منتصف آذار / مارس، كما تقول جماعات حقوق الانسان، في حين أن مصادر الدخل الرئيسية مثل السياحة تجف تدريجيا. والتجارية منها متوقفة، والمؤسسات الخاصة قد تفلس مما يجعل الحكومة غير قادرة على دفع رواتب موظفي الدولة،وبالتالي لن يكون هناك سوى القليل جدا لدعم النظام.
وبصرف النظر عن المشاكل الداخلية، فان حكومة الأسد تواجه الضغوط الخارجية.
اذ فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات على النظام، مما قد يعجل من الأضرار الآقتصادية الخطيرة في سوريا. كما قام الاتحاد الأوروبي بتجميد الأصول وحظر التأشيرات يوم الاثنين على الاسد وتسعة أعضاء من نظامه، كما ان عقوبات الولايات المتحدة الجديدة تستهدف أيضا الاسد وكبار مساعديه
لكن في الوقت الراهن، على المعارضة ان تستقطب الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة في دمشق وحلب، احدى كبريات القوى الاقتصادية في سوريا.
وقال لانديس أيضا «إن الطبقات فوق المتوسطة أيضا لديها الكثير لتخسره من عدم الاستقرار لفترات طويلة ، والمعارضة لا يمكن أن تقدم لهم أي سيناريو مقنع لانتقال سلمي إلى الديمقراطية أو تغيير النظام» وهم يخشون عدم الاستقرار بسبب قمع النظام».
و منذ اندلاع الانتفاضة في منتصف آذار / مارس في محافظة درعا الجنوبية الفقيرة، تتواصل الاحتجاجات الضخمة التي تجري كل أسبوع في المناطق الفقيرة نسبيا.
ومن العوامل الحفازة التي أشعلت اضطرابات في أماكن أخرى من العالم العربي,ارتفاع نسبة البطالة، والتفاوت الكبير في توزيع الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة وغيرها. وضرب الجفاف مناطق البلاد مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الناس من المناطق الزراعية، ووضع المزيد من الضغوط على الاقتصاد .
وفي حين شهدت البلاد طفرة في نمو الائتمان ، والمصارف الخاصة، والمخازن والمقاهي العصرية كجزء من التحرر الاقتصادي ، فقد فشلت فوائد الإصلاح في سورية، كما هو الحال في مصر وتونس,
على ان المشاكل الحالية تعكس صورة صامتة عن الحالة الاقتصادية قبل بدء الاضطرابات. اذ يبلغ الدين العام في سوريا حوالي 74 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو يلي مباشرة لبنان، وفقا للارقام الصادرة عن الخدمات الاستشارية ومقرها لندن، عاصمة الاقتصاد.و العجز في الانفاق من المتوقع أن يتوسع باعتبار ان وعود الاسد الاصلاحية والساعية لتهدئة الاضطرابات قد فشلت حتى الان في اقناع المتظاهرين، تلك الوعود المتمثلة بتقديم حوافز جديدة في شكل إعانات جديدة ، وانخفاض أسعار البنزين، وغيرها.
غياب التجار والطبقة الوسطى في الاحتجاجات حتى الآن تشكل واحدا من العوامل القليلة التي تعمل لصالح الأسد،
وهو تناقض صارخ مع الثورات في مصر وتونس التي شهدت مشاركة اوسع لكافة شرائح المجتمع .
ففي مصر على سبيل المثال ، كانت الطبقة الوسطى من بين الطبقات الاكثر تضررا خلال السنوات القليلة الماضية.في حين ازداد الفقراء فقرا , وسط تفشي الفساد والمحسوبية التي ميزت النظام السابق لحسني مبارك، ورأى المهنيين أن تكلفة المعيشة ترتفع في حين بقيت رواتبهم ثابته لم تزد. وساعد هذا النوع من الظلم على خروج مجموعة من الناس الى الشوارع — من مضاربي الاسهم إلى الأصوليين، ومن المصرفيين إلى الخبازين.
وسارعت سوريا إلى التقليل من تأثير الانتفاضة، على الرغم من اعتراف وزير خارجيتها في 23 مايو ان العقوبات ستضر البلاد.
ولكن هناك علامات واضحة علىتوترسوريا، فعلى عكس بعض الدول العربية الأخرى التي تمكنت من تفادي الاضطرابات مع ثروتها النفطية، لا تملك سوريا الا القليل للتراجع.
وفي الشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي معدل النمو الاقتصادي في سوريا هذا العام من 5،5. في المئة الى 3 في المئة. بينما المعهد الدولي للتمويل يرسم صورة أكثر قتامة، توقع أن الناتج المحلي الإجمالي قد ينكمش بنسبة تصل إلى 3 في المئة في السنة المالية 2011.
اما العملة فهي الأكثر تضررا. اذ بعد وقت قصير من بدء الأزمة، فقدت الليرة السورية بقدر 17 في المئة من قيمتها في السوق السوداء لتصل الى 54 جنيه للدولار — أدنى مستوى له في خمس سنوات، وفقا للتجار.
وفي الوقت نفسه، انخفضت السياحة بشكل حاد ، والتي شكلت العام الماضي لنحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وشاركت في 8 مليارات دولار .
وقال لويس حبيقة، وهو خبير اقتصادي في جامعة نوتردام في لبنان. «إن الاقتصاد السوري في حالة من الفوضى،» و «لن يكون هناك أي سياحة. من الذي يريد أن يذهب للسياحة في سورية؟ »
الجواب واضح في غياب زوار سوق دمشق الحميدية التاريخي، وهي منطقة من العاصمة السورية المزدحمة عادة بالسياح الغربيين والآسيويين والعرب. في هذه الأيام، وهناك عدد قليل من المشترين.
وقال محمد (52 عاما) صاحب متجر لبيع الهدايا الشرقية و الذي كان يقف في متجره الفارغ «نحن نريد عودة الهدوء قريبا،»


وكالة الأسوشيتد بريس الأميركية