يقع انفجارا دمشق أمس عند تقاطع مسارات عدة تجعل البحث عن المستفيد منها
بمثابة تربيع للدائرة، حيث تنحني كل الأسهم لتشير إلى متهم واحد.
في الجريمتين العديد من العناصر التقنية والأمنية التي تصعب مناقشتها من
نوع: كيف يمكن إدخال أكثر من ألف كيلوغرام من المتفجرات إلى دمشق (بحسب
بيان وزارة الداخلية السورية)، أو الحصول عليها هناك، وتجميع عبوتين منها،
وتجهيز انتحاريين يتوجهان إلى موقعين حساسين من المدينة، من دون أن تتسرب
أي إشارات إلى أجهزة الأمن الكثيرة العدد والعالية الشراسة؟ ولماذا حصل
الانفجاران بعد انتخابات مجلس الشعب وقبل إعلان النتائج؟ وكيف تتعرض
المراكز الأمنية في دمشق وحلب وغيرهما لهذا النوع من الهجمات في حين أن
الحراسة في محيط المقرات مشددة ودقيقة؟ ولماذا تُستهدف مناطق معينة في
المدن السورية للتفجيرات تكراراً (حي الميدان في دمشق مثلاً)، فيما تسلم
مناطق أخرى ذات تركيبة طائفية وأهلية مختلفة؟
يمكن إضافة أسئلة عدة إلى المذكورة أعلاه: لماذا يبالغ الإعلام الرسمي
في عرض الأشلاء المقطعة والدماء في سلوك ينتهك حرمة الموت وأخلاقيات
المهنة؟ (للتذكير، امتنعت وسائل الإعلام الأميركية كلها عن عرض صورة أي جثة
لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001). وما معنى استقدام المؤيدين للهتاف أمام
المراقبين الدوليين بحياة رئيس الدولة فيما الجثث منتشرة في المكان؟ والصور
التي بثتها محطات التلفزة ونشرتها وكالة «سانا» تثير الدهشة لاستسهالها
عرض الأجزاء البشرية المقطعة والمشوهة.
لا تنفصل الممارسة الإعلامية، في بلد مثل «سورية الأسد» عن نظيرتيها
السياسية والأمنية. ومن آيات ذلك، حديث سكان دمشق عن دوي انفجارات كل ليلة
تقريباً يتبعه إطلاق صليات من الأسلحة الرشاشة، ليتبين في الصباح التالي أن
الأمر لا يزيد عن رمي قنابل صوتية في الأحياء السكنية. ومعلوم عند العقل
الأمني أهمية زعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي للمدنيين في حالات الأزمات
وفرض جو من الرهبة والقلق عليهم لحملهم على التمسك بالوضع القائم وعدم
السير نحو المجهول. وجرى أمر مشابه في لبنان في ربيع وصيف عام 2005 حيث كان
انفجار ضخم يدمر مجمعاً تجارياً أو يهز شارعاً مهماً كل بضعة أيام، بهدف
خلخلة الشعور بالأمن عند اللبنانيين ورفع درجة التوتر النفسي عندهم.
بعد تحقيق هذا الهدف، يمكن توقع رد فعل المواطنين الساعين إلى الحفاظ
على حياتهم وحياة أحبتهم وسبل رزقهم. وأن يطالب هؤلاء بفرض الأمن بأي ثمن
والابتعاد عن أي طرح تبرز منه أفكار التغيير أو التمرد على النظام القائم.
بيد أن الفرضية هذه لا يجب أن تلغي تمام الإلغاء إمكان دخول أطراف تملك
جداول أعمال مختلفة وتسعى إلى تصفية الحسابات الكثيرة المتراكمة على رصيد
النظام السوري. وهذا ما يعيد البحث، عملياً، إلى المسؤولية السياسية لحكم
حزب البعث والنمط الذي أدار فيه خلافاته في سورية والمنطقة منذ ما يقارب
نصف قرن. ومن الشعب السوري ومعارضته إلى السلفيين الجهاديين إلى منظمة
التحرير الفلسطينية والدول القريبة والبعيدة، لم يترك الرئيسان حافظ وبشار
الأسد جهة إلا ومارسوا عليها سياسات التهويل والقسر والإكراه وصولاً إلى
إرسال السيارات المفخخة والانتحاريين وحملة المسدسات الكاتمة للصوت. وليس
محالاً في منطقتنا أن يبادر البعض إلى «رد الصاع» عندما تسنح الفرصة.
المفارقة هنا، أن التفجيرات تصب – في ظل الوضع الراهن – في مصلحة الحكم كائناً من كان مرتكبها المباشر.
حسام عيتاني
بمثابة تربيع للدائرة، حيث تنحني كل الأسهم لتشير إلى متهم واحد.
في الجريمتين العديد من العناصر التقنية والأمنية التي تصعب مناقشتها من
نوع: كيف يمكن إدخال أكثر من ألف كيلوغرام من المتفجرات إلى دمشق (بحسب
بيان وزارة الداخلية السورية)، أو الحصول عليها هناك، وتجميع عبوتين منها،
وتجهيز انتحاريين يتوجهان إلى موقعين حساسين من المدينة، من دون أن تتسرب
أي إشارات إلى أجهزة الأمن الكثيرة العدد والعالية الشراسة؟ ولماذا حصل
الانفجاران بعد انتخابات مجلس الشعب وقبل إعلان النتائج؟ وكيف تتعرض
المراكز الأمنية في دمشق وحلب وغيرهما لهذا النوع من الهجمات في حين أن
الحراسة في محيط المقرات مشددة ودقيقة؟ ولماذا تُستهدف مناطق معينة في
المدن السورية للتفجيرات تكراراً (حي الميدان في دمشق مثلاً)، فيما تسلم
مناطق أخرى ذات تركيبة طائفية وأهلية مختلفة؟
يمكن إضافة أسئلة عدة إلى المذكورة أعلاه: لماذا يبالغ الإعلام الرسمي
في عرض الأشلاء المقطعة والدماء في سلوك ينتهك حرمة الموت وأخلاقيات
المهنة؟ (للتذكير، امتنعت وسائل الإعلام الأميركية كلها عن عرض صورة أي جثة
لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001). وما معنى استقدام المؤيدين للهتاف أمام
المراقبين الدوليين بحياة رئيس الدولة فيما الجثث منتشرة في المكان؟ والصور
التي بثتها محطات التلفزة ونشرتها وكالة «سانا» تثير الدهشة لاستسهالها
عرض الأجزاء البشرية المقطعة والمشوهة.
لا تنفصل الممارسة الإعلامية، في بلد مثل «سورية الأسد» عن نظيرتيها
السياسية والأمنية. ومن آيات ذلك، حديث سكان دمشق عن دوي انفجارات كل ليلة
تقريباً يتبعه إطلاق صليات من الأسلحة الرشاشة، ليتبين في الصباح التالي أن
الأمر لا يزيد عن رمي قنابل صوتية في الأحياء السكنية. ومعلوم عند العقل
الأمني أهمية زعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي للمدنيين في حالات الأزمات
وفرض جو من الرهبة والقلق عليهم لحملهم على التمسك بالوضع القائم وعدم
السير نحو المجهول. وجرى أمر مشابه في لبنان في ربيع وصيف عام 2005 حيث كان
انفجار ضخم يدمر مجمعاً تجارياً أو يهز شارعاً مهماً كل بضعة أيام، بهدف
خلخلة الشعور بالأمن عند اللبنانيين ورفع درجة التوتر النفسي عندهم.
بعد تحقيق هذا الهدف، يمكن توقع رد فعل المواطنين الساعين إلى الحفاظ
على حياتهم وحياة أحبتهم وسبل رزقهم. وأن يطالب هؤلاء بفرض الأمن بأي ثمن
والابتعاد عن أي طرح تبرز منه أفكار التغيير أو التمرد على النظام القائم.
بيد أن الفرضية هذه لا يجب أن تلغي تمام الإلغاء إمكان دخول أطراف تملك
جداول أعمال مختلفة وتسعى إلى تصفية الحسابات الكثيرة المتراكمة على رصيد
النظام السوري. وهذا ما يعيد البحث، عملياً، إلى المسؤولية السياسية لحكم
حزب البعث والنمط الذي أدار فيه خلافاته في سورية والمنطقة منذ ما يقارب
نصف قرن. ومن الشعب السوري ومعارضته إلى السلفيين الجهاديين إلى منظمة
التحرير الفلسطينية والدول القريبة والبعيدة، لم يترك الرئيسان حافظ وبشار
الأسد جهة إلا ومارسوا عليها سياسات التهويل والقسر والإكراه وصولاً إلى
إرسال السيارات المفخخة والانتحاريين وحملة المسدسات الكاتمة للصوت. وليس
محالاً في منطقتنا أن يبادر البعض إلى «رد الصاع» عندما تسنح الفرصة.
المفارقة هنا، أن التفجيرات تصب – في ظل الوضع الراهن – في مصلحة الحكم كائناً من كان مرتكبها المباشر.
حسام عيتاني