الاكراد في سوريا، و تحميل الثورة عبء انشاء دولة كردستان
كلنا لا نتمنى ان ندخل في الجدل في هذا الموضوع الشائك، و كنا نتمنى من الجميع تفويت الفرصة على عصابة الاسد المجرمة في اكتساب مزيد من الوقت و التسلي بارتكاب المزيد من جرائم القتل و التعذيب و الاغتصاب و احراق المنازل و تشريد العائلات. و لكن سنة الله في خلقه هي الاختلاف، و يجب علينا ان نتعامل مع هذا الواقع مهما كنا لا نريده.
و قبل ان ندخل في موضوع التاريخ و الجغرافيا، و الحقوق التاريخية و المدنية، يجب ان نبدأ بالمسألة من اساسها، و هي ما هو مطلب أي انسان سواءاً كان كردياً او عربياً او تركياً او فارسياً او هندياً او صينياً؟ هل غاية كل انسان في الحياة هي مجرد ان يحكمه شخص من قوميته؟ هل غاية الانسان هي ان ينغلق على نفسه و قومه و يتكلم بلغته و لهجته؟ و اخيراً، هل من حق أي انسان ان يحصل على مكتسبات غير شرعية لمجرد ان اجداده قد استولوا على مكان معين؟
هذه هي الاسئلة الحقيقية التي يجب ان يوجهها كل طائفي و كل عرقي و كل جهوي لنفسه.
ثم هناك ايضاً مشكلة أخرى و هي انه بمرور الزمن تتشابك علاقات الناس، فينتقلون من اراضيهم، و يتزوجون من خارج عرقيتهم و يمتزجون بالاخرين. و هذه المشكلة تتعقد اكثر اذا تدخلت احدى الحكومات القمعية الظالمة و فرضت اوضاع معينة، و صادرت اراضي و ممتلكات، و اجبرت اناس على الرحيل، و ادخلت اناس جدد فقراء و محرومين و ملكتهم الاراضي. و هذه السياسة تتبعها الحكومات المجرمة عادة لتشغل الفقراء و المحرومين ببعضهم البعض، بل و تجعل الحكومات من نفسها حكماً بين هؤلاء الفقراء بدلاً من كونها الخصم و اللص الذي سرق و نهب.
و هنا يكون عندنا مفترق طرق، و هو هل المشكلة هي مشكلة اضطهاد عرقية معينة و تهميشها و سرقة حقوقها؟ ام المشكلة هي مشكلة ظلم وقع على جميع المحرومين و المضطهدين و المظلومين و يجب ايجاد حلول ترضي جميع الاطراف؟
و هنا ما اسهل ان يقوم الانسان بدافع الانانية و العصبية القومية ان يجعل من قوميته و عصبيته شيئاً مقدساً فوق جميع الناس، و هو ما يعبر عنه الشاعر الجاهلي بقوله:
ونشرب إن وردنا الماء صفوا *** ويشرب غيرنا كدرا وطينا
فهو لا يرى في الدنيا شيئاً غير عرقيته و عصبيته و قبيلته و قريته و عائلته، و تتحول العدالة في نظره الى تحقيق رغباته و شهواته و ليذهب الاخرين الى الجحيم.
و من باب العدالة يجب ان نقول ايضاً، بانه في الوقت الذي نعيب فيه على القوميين المتشنجين، فاننا يجب ان نلوم جميع القوميين المتعصبين سواءاً كانوا عرباً او كرداً او تركماناً او اتراكاً او حتى فرساً و اشوريين.
و يجب ان نتفق ان غاية كل انسان ان يحيا كريماً محترماً، يأخذ كافة حقوقه و يعامل بعدالة. و هذه هي مواصفات النظام السياسي الذي يسعى الناس من جميع القوميات و الاعراق و المذهبيات الى العيش فيه.
و على هذا فالقومية العربية ملعونة عندما تتحول الى اداة للظلم و الاجرام و سرقة اموال الناس و توزيعها على الاهل و الاقارب و الاصحاب و الابواق و المنافقين.
و القومية الكردية ملعونة عندما تقوم بنفس الشيء
و كل القوميات و المذاهب ملعونة اذا كانت تحمل الظلم و الطغيان و التجبر و اكل اموال الناس بالباطل
فالله لا يرضى الظلم و يلعن الظالمين كلهم سواءاً بسواء
و تبقى هناك مسألتين، مسألة اقامة دولة كردستان المبنية على العرقية الكردية حصراً، و مسألة ايجاد حلول لواقع الظلم الذي وقع على جميع من يعيشون في المناطق ذات الاغلبية الكردية و باقي المناطق المحرومة و المظلومة.
فمسألة اقامة دولة كردستان العرقية، و ان كان يروج لها على انها منتهى حلم كل انسان من العرقية الكردية، الا انها فكرة لا معنى حقيقي لها، و هي فكرة يروج لها قادة سياسيين قد ظهر للناس سرقتهم و نهبهم للاموال تحت غطاء القومية الكردية. و هي تشابه فكرة القومية العربية التي تم الترويج لها بواسطة المستعمرين الانجليز و الفرنسيين، و التي انتهت بحكام مجرمين و انظمة تسلطية قهرية. فالمجرم و الظالم و الخائن قد يكون من أي عرقية و أي عنصرية. و عم الرسول الكريم ابو لهب هو شخص ملعون و محتقر، و أمرأته العربية القرشية شريفة النسب في قومها هي ملعونة ايضاً، و هي محتقرة.
ثم من الناحية الواقعية، موقع اقليم كردستان هو موقع جبلي و معزول يعيش الناس فيه على الرعي و الزراعة المحدودة، و لا يستطيع التواصل مع العالم الخارجي الا من خلال الجيران، و لا يوجد حل الا بقتل و ازالة احد الجيران (او كلهم) و الوصول الى منفذ بحري و اراضي سهلية صالحة للزراعة. فهل هذا كلام مقبول؟! هذا جنون.
ان من يتكلم عن دولة كردستان هو في الحقيقة يتكلم عن مشروع قتل و اجتياح لاراضي الجيران، او يتكلم على قطع الاكراد في قراهم الجبلية عن العالم الخارجي. و حتى وجود النفط او الغاز لن يحل المشكلة، لان النفط و الغاز يجب ان يمر من خلال اراضي الجيران.
و المسألة التي يجب ان يركز الجميع افكارهم فيها هي مسألة ايجاد حلول ترضي جميع المتضررين بدون تفرقة. و يجب ان تكون بشكل ثنائي بين اصحاب الارض الاصليين و المهجرين اليها بإشراف لجان مصالحة. و يمكن ان يكون هناك ما يشبه صندوق او بنك للتراضي، بحيث يقوم بالتعويض عن المنازل و المزارع التي يطلب اخلاؤها في حالة فقر المهاجر او يقوم بتعويض صاحب الارض الاصلية في حالة قيام مصانع و منشأت تصعب ازالتها من ارضه، على ان تعود له الملكية بعد زمن يتم الاتفاق عليه.
و في سنة الرسول الكريم، ان مال الزكاة كان يؤخذ من اغنياء القبيلة فيرد على فقرائها. و اما المناجم و المصادر الطبيعية فهي للنفع العام ينفق منها على جميع المناطق بالتساوي لعمل الطرق و المستشفيات و المدارس و الخدمات. و قد يكون من المناسب بدء مشاريع النفع العام من الاراضي التي تحوي هذه المصادر الطبيعية.
هذا لمن اراد الوصول الى العدالة و الحق، و طلب الحق لا يكون عبر الابتزاز و المواقف الرخيصة الانانية الدنيئة التي تفيد النظام في ارتكاب الجرائم.
http://kurdnas.net/index.php?option=com_content&view=article&id=1252:2012-05-09-22-41-16&catid=37:2012-01-12-00-57-52&Itemid=57