مع تصاعد وتيرة إجرام السلطة الأسدية ووصولها إلى الحلقة الأعنف، وهي
ومحاولة تخير الشعب بين السلطة القائمة بهرميتها الفاسدة والعودة إلى ما
يسمى مجازًا الأمان الذي كان ينعم به الشعب السوري -على حد زعم السلطة-
وبين حالة من العنف والإرهاب ممثلاً بتفجيرات متفاوتة العنف، النظام السوري
له باع طويل فيها وفي درجات تفاوتها وفي رسم فصولها الإجرامية، فبدأها
بالتدريج من تفجيرات غبية صبيانية إلى تفجيرات رُسمت بحرفية عالية رأينا
ملامحها مسبقًا في العراق وفي لبنان في حادثة اغتيال الشيخ رفيق الحريري
تحديدًا، محاولاً بهذا الفعل طمس معالم الثورة السورية ويلبسها ثوب الإرهاب
الذي لا يخفى على أحد أن مقرات الفروع الأمنية للنظام السوري هي أشهر
معامل هذه السلعة الدموية وتصديرها للعالم.
لكن بين هذا وذاك خيار ارتضاه ثوار سوريا بما يحملوه من عزيمة وتصميم
وأمل موقنين حق اليقين أن النصر لهذه الثورة لابد قادم، فكما أن للنظام
خيارات يطرحها بشكل معلن أو غير معلن، فالشعب السوري له خيار وحيد أيضًا،
ولا تقية له في هذا الخيار، وهو: الشعب يريد إسقاط النظام، مهما حاول
النظام أن يفعل من أفعال لكسب الرأي العالمي له وتبني مصطلحاته الخبيثة،
والذي يعتبر الإرهاب سيد أسياد هذه المصطلحات، فراح أزلامه يتغنون بهذه
السمفونية ويعزفون على أوتارها لكن لم يدرِ هذا النظام أن مبتكر هذا
المصطلح يعي تمامًا ما تخفيه هذه الكلمة من قلب للحقائق وتزيف للواقع، فهذا
ماعبر عنه أوباما ولو بشكل غير معلن في تصريحاته عن تفجيرات دمشق أن هذه
التفجيرات تشكل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي، فهذه العبارات قيلت من
قبل في أحداث كوسوفو والخوف من قبل السلطة الأمريكية وقتها من المسلمين
الذين بدؤوا بالرجوع لأمر الله في وجوب الجهاد الشرعي امتثالاً لأمره تعالى
بالدفاع عن دماء و أعراض و حرمات المسلمين التي تمت استباحتها على مرأى
ومسمع من العالم وفي قلب أوروبا “حقوق الإنسان ” فجاء الدعم الأمريكي
للتدخل الفوري فيها.
وبعيدًا عن هذه الحسابات الدولية والمصطلحات هناك شعب يرسم مستقبله
بدمائه غير آبه لكل ما يدور حوله من مؤامرات وتحليلات وتفصيلات ومصالح، فقد
عقد تحالفًا ارتضاه لنفسه ولثورته و آمن تمامًا أنه هو الطريق الوحيد
للوصول إلى النصر مهما تطورت الأحداث، هذا التحالف الذي طفى على السطح
بقطبه الأهم في شعارات وكتابات وهتافات وأحلام الثوار، فبعد زيف وكذب وكشف
النوايا الدفينة للعالم، ارتضى الشعب السوري بصموده وصبره أن يكون الله هو
محور وأس ما يقوم به ،وهذا ما تؤكده تسميات الجمع الأخيرة وصولاً إلى هذه
الجمعة بتسميتها المباركة “نصر من الله وفتح قريب”.
فبرغم جميع جراحه وما يتعرض له هذا الشعب من دموية لم يشهدها تاريخ
البشرية الحديث إلا في مواضع قليلة، يعجب المرء ويقف بكل إجلال لهذه
الإرادة التي رسمت لها طريقًا وحيدًا هو طريق النصر، وراحت تتغنى في هذه
الكلمة وفي هذا الطريق يمدها حليفها الأوحد والوحيد بثقة وعزيمة وصبر و
إيمان منقطع النظير، فشعب مثل هذا الشعب وتصميم مثل هذا التصميم وصبر مثل
هذا الصبر وثورة مثل هذه الثورة وحليف مثل هذا الحليف لابد أن يبزغ فيها
فجر ارتضاه هذا الشعب لنفسه ولمستقبله وهو فجر الحرية والنصر.