من أجل الكرسي يضحي آل الأسد بالوطن والمواطن :
بقلم : أبو ياسر السوري
في كل جمهوريات العالم ما عدا سوريا ، يتم اختيار الرئيس بانتخاب حقيقي ، فإذا وقع عليه الخِيَار ، جَلَسَ على كرسي الرئاسة بضع سنوات ، أربعاً كما في أمريكا ، أو ستّاً كما في مصرَ ولُبنان ، أو سبعاً كما في فرنسا وسوريا سابقاً... ويحق لهذا الرئيس أن يرشح نفسه مرة ثانية فقط ، فإما أن يفوز ويستمر ، وإما أن ينزل عن الكرسي ، ليخلفه رئيس جديد ، كما حصل في فرنسا بالأمس القريب ، حيث نزع أغلبُ الشعب الفرنسي ثقته من الرئيس السابق ساركوزي ، وأعطاها للمرشح الجديد فرانسوا هولاند ، ليأخذ الفائز طريقه إلى قصر الأليزيه بعد أيام قلائل ، وعندها ستجري عملية الاستلام والتسليم ، ويتبادل الرئيسان كلمات الشكر والثناء ، وتستقبل فرنسا عهدا جديدا ، في ظل رئيس جديد ، وقف بعد الفوز مباشرة ، يعاهد شعبه على المضي في خدمتهم والسهر على راحتهم وأمنهم ، ما استطاع إلى ذلك سبيلا ...
أما عندنا في سوريا ، فقد جاء حافظ الأسد إلى كرسي الرئاسة بانقلاب عسكري ، سماه الحركة التصحيحية في 16 / 11 / 1970 ، فَزَجَّ رفاقه المقربين في السجون ، وأودعهم المعتقلات ، وشرد قسماً آخر منهم إلى العراق ، ومَهَّد بهذه الحركة ، لاستلام الحُكْمِ بعد شهور قليلة ليصبح رئيسا في 12/ 3 / 1971، ثم أتبعها بدستور مفصل على مقاسه ، ووجه وسائل إعلامه العاهرة ، لتجعل منه الرئيسَ الأوحدَ ، والأسطورةَ الرمزَ ... وهو في حقيقة الأمر الحاكمُ المستبد ، والكابوسُ الجاثم على صدور المواطنين ، ولمدى ثلاثين سنة تالية ...
ثم مات الأسد الأب ، فوَرَّثَ الرئاسة من بعده لولده بشار ، الذي كان في سنٍّ أصغر من السنِّ المشروطة للرئيس ، فجرى تعديل الدستور في دقائق معدودة ، ليكون موافقا لسنِّه ، وليحَكَمَنَا بعدها الرئيس الابنُ الوريث ، إحدى عشرة سنة ، لَوَّحَ في مطلعها بحزمة من المواعيد ، متكفلاً فيها بالتغيير ، واستئناف عهد سعيد جديد ، بيد أنها كانت كمواعيد عرقوب ، التي قال فيها الشاعر :
وعدتَ فكان الخُلْفُ منكَ سَجِيَّةً : مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أخاهُ بيَثْرِبِ
ولم يلبث الشعب السوري أن تأكَّد في نهاية المطاف ، أنه لا تجديد ، ولا تغيير ، ولا إصلاح ، ولا تبديل ، وأن الحال مع هذا الرئيس الابن هي أسوأ مما كانت عليه في زمن أبيه . وعرف الشعب السوري أيضاً ، أنه كان في السابق يراوح في المكان ، فصار أخيراً يمشي إلى الوراء . وكان البلد فيما مضى يتمتع باستقلالية نسبية في اتخاذ القرار ، فصار اليوم مستباح الحريم ، تجوسُ خلاله مخابراتُ الباسيج الإيرانية ، وميليشياتُ مقتدى الصدر العراقية ، وعناصرُ حزب اللات اللبنانية . وصار القرار السوري في أيدي أحمدي نجاد، والمالكي، ونصر اللات .
لم يكن حافظ الأسد ليهتم لشيء إلا للكرسي الجالس عليه ، فكان يضحي بكل شيء في سبيل هذا الكرسي . باع رفاقه لأجله ، وباع الجولان لأجله ، وأذل لبنان لأجله ، وأباد الفلسطينيين في تل الزعتر لأجله . وارتكب مجزرة حماة التي أباد فيها خمسين ألف مواطن لأجله . وأعدم من أهل حلب مئات الآلاف لأجل هذا الكرسي المشؤوم .
ثم لقَّنَ الأسد الأبُ أبناءه فكرة التمسك بالكرسي ، والقضاء على كل من يريد انتزاعه منهم في يوم من الأيام ، فكرسيُّ الرئاسة في سوريا - بحسب الرئيس المقبور - استحقاقٌ أسديٌّ ، يجب أن يستأثر به الرئيس منهم مدى حياته ، ثم يورثه من بعده إلى ولده . ليورثه الولدُ إلى الحفيد .. وهكذا دواليك .. وتمهيدا لهذه الفكرة الأنانية ، أوحى حافظ الأسد لزبانيته ، أن يرددوا على مسامع الشعب شعارات التملك والاستحواذ على مقدرات البلاد ، من مثل قولهم : ( سوريا الأسد ) و( الأسد إلى الأبد ) و( الأسد أو لا أحد ) ثم مهد الأسد قبل موته لفكرة توريث الكرسي لأبنائه ، مخالفاً في ذلك النسق الذي تسير عليه الجمهوريات في العالم كله ، ومبتدعا شكلا جديداً للحكم ، ليس بالجمهوري ، ولا بالملكي ، وإنما هو نظام جمهوري ملكي ، يمكن أنْ نُطلِقَ عليه بَعدَ النَّحتِ والمَزْجِ اسمَ ( نظامِ الحُكْمِ الجَمْلَكِيّ ) .
نعم ، أيها السادة :
إنَّ منصبَ الرئاسة في سوريا ، لم يَعُدْ كبقية مناصبِ رؤساء العالم ، فأولئك يجلسون فيه إلى أجل مسمى ، وآل الأسد عندنا يريدون أن يجلسوا عليه إلى أجل غير مسمى . يعني خالدين فيه أبدا .
ورؤساءُ العالم ، يعملون على خدمة أوطانهم وسلامة ترابها ، وراحة مواطنيهم وأمنهم .. وآلُ الأسد عندنا ، يحرصون على قمع المواطنين وإذلالهم ، ويبيعون تراب الوطن مقابل البقاء في الكرسي ، وها هو ذا بشار الأسد وأخوه ماهر يقومان بخراب سوريا كلها إرضاء لإسرائيل .
قرأتُ منذ ثلاثين عاما ، خبراً أورده الدكتور محمد عوض محمد في كتابه ( الاستعمار ) ذكر فيه أن بريطانيا مارستْ ضغوطا كبيرة على إمبراطور اليابان ، ليسمح بدخول الحشيش إلى بلاده ، فرفض ذلك بشدة ، فهددوه بالإطاحة به ، فأصرَّ على رفضه ، مؤثراً حمايةَ شعبِهِ على بقاء مُلْكِهِ ...
والذي فعله ذلك الإمبراطور آنذاك ، هو الموقف الذي يفرضه الواجب الوطني ... ومهما كان وقع المقارنة أليماً على النَّفْسِ ، فلا بُدَّ لنا من مقارنة شيء بشيء ، وذكر الفرق الشاسع ، والمدى الواسع ، ما بين الموقف النبيل لإمبراطور اليابان ، الذي فضل أن يزول عرشه ، ولا يساهم في إضرار شعبه .. وبين الموقف الخسيس لبشار الأسد ، الذي يقوم اليوم بإبادة شعبه من أجل البقاء في كُرسِيِّهِ . فشتَّانَ ما بينَ الحاكمين في المنزلة ... وما أكثر ما يتكرر أمثال هذين الرجلين في الناس ، فيرجع المحسنُ منهم بالثناء العاطر ، ويبوء المسيءُ بالوصف العائر ... من ذلك ما فرق به الشاعر العربي ، ما بين الجواد سهيل بن عثمان ، والبخيل سهيل بن سالم ، فقال فيهما :
رأيتُ السُّهَيْلَيْنِ استوَى الجودُ فيهما : على بُعدِ ذا مِنْ ذاك في حُكْمِ حاكمِ
سهيلُ بن عثمانٍ يجودُ بمالِهِ : كما جادَ بالسُّوْءَى سُهيلُ بنُ سَالِمِ
بقلم : أبو ياسر السوري
في كل جمهوريات العالم ما عدا سوريا ، يتم اختيار الرئيس بانتخاب حقيقي ، فإذا وقع عليه الخِيَار ، جَلَسَ على كرسي الرئاسة بضع سنوات ، أربعاً كما في أمريكا ، أو ستّاً كما في مصرَ ولُبنان ، أو سبعاً كما في فرنسا وسوريا سابقاً... ويحق لهذا الرئيس أن يرشح نفسه مرة ثانية فقط ، فإما أن يفوز ويستمر ، وإما أن ينزل عن الكرسي ، ليخلفه رئيس جديد ، كما حصل في فرنسا بالأمس القريب ، حيث نزع أغلبُ الشعب الفرنسي ثقته من الرئيس السابق ساركوزي ، وأعطاها للمرشح الجديد فرانسوا هولاند ، ليأخذ الفائز طريقه إلى قصر الأليزيه بعد أيام قلائل ، وعندها ستجري عملية الاستلام والتسليم ، ويتبادل الرئيسان كلمات الشكر والثناء ، وتستقبل فرنسا عهدا جديدا ، في ظل رئيس جديد ، وقف بعد الفوز مباشرة ، يعاهد شعبه على المضي في خدمتهم والسهر على راحتهم وأمنهم ، ما استطاع إلى ذلك سبيلا ...
أما عندنا في سوريا ، فقد جاء حافظ الأسد إلى كرسي الرئاسة بانقلاب عسكري ، سماه الحركة التصحيحية في 16 / 11 / 1970 ، فَزَجَّ رفاقه المقربين في السجون ، وأودعهم المعتقلات ، وشرد قسماً آخر منهم إلى العراق ، ومَهَّد بهذه الحركة ، لاستلام الحُكْمِ بعد شهور قليلة ليصبح رئيسا في 12/ 3 / 1971، ثم أتبعها بدستور مفصل على مقاسه ، ووجه وسائل إعلامه العاهرة ، لتجعل منه الرئيسَ الأوحدَ ، والأسطورةَ الرمزَ ... وهو في حقيقة الأمر الحاكمُ المستبد ، والكابوسُ الجاثم على صدور المواطنين ، ولمدى ثلاثين سنة تالية ...
ثم مات الأسد الأب ، فوَرَّثَ الرئاسة من بعده لولده بشار ، الذي كان في سنٍّ أصغر من السنِّ المشروطة للرئيس ، فجرى تعديل الدستور في دقائق معدودة ، ليكون موافقا لسنِّه ، وليحَكَمَنَا بعدها الرئيس الابنُ الوريث ، إحدى عشرة سنة ، لَوَّحَ في مطلعها بحزمة من المواعيد ، متكفلاً فيها بالتغيير ، واستئناف عهد سعيد جديد ، بيد أنها كانت كمواعيد عرقوب ، التي قال فيها الشاعر :
وعدتَ فكان الخُلْفُ منكَ سَجِيَّةً : مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أخاهُ بيَثْرِبِ
ولم يلبث الشعب السوري أن تأكَّد في نهاية المطاف ، أنه لا تجديد ، ولا تغيير ، ولا إصلاح ، ولا تبديل ، وأن الحال مع هذا الرئيس الابن هي أسوأ مما كانت عليه في زمن أبيه . وعرف الشعب السوري أيضاً ، أنه كان في السابق يراوح في المكان ، فصار أخيراً يمشي إلى الوراء . وكان البلد فيما مضى يتمتع باستقلالية نسبية في اتخاذ القرار ، فصار اليوم مستباح الحريم ، تجوسُ خلاله مخابراتُ الباسيج الإيرانية ، وميليشياتُ مقتدى الصدر العراقية ، وعناصرُ حزب اللات اللبنانية . وصار القرار السوري في أيدي أحمدي نجاد، والمالكي، ونصر اللات .
لم يكن حافظ الأسد ليهتم لشيء إلا للكرسي الجالس عليه ، فكان يضحي بكل شيء في سبيل هذا الكرسي . باع رفاقه لأجله ، وباع الجولان لأجله ، وأذل لبنان لأجله ، وأباد الفلسطينيين في تل الزعتر لأجله . وارتكب مجزرة حماة التي أباد فيها خمسين ألف مواطن لأجله . وأعدم من أهل حلب مئات الآلاف لأجل هذا الكرسي المشؤوم .
ثم لقَّنَ الأسد الأبُ أبناءه فكرة التمسك بالكرسي ، والقضاء على كل من يريد انتزاعه منهم في يوم من الأيام ، فكرسيُّ الرئاسة في سوريا - بحسب الرئيس المقبور - استحقاقٌ أسديٌّ ، يجب أن يستأثر به الرئيس منهم مدى حياته ، ثم يورثه من بعده إلى ولده . ليورثه الولدُ إلى الحفيد .. وهكذا دواليك .. وتمهيدا لهذه الفكرة الأنانية ، أوحى حافظ الأسد لزبانيته ، أن يرددوا على مسامع الشعب شعارات التملك والاستحواذ على مقدرات البلاد ، من مثل قولهم : ( سوريا الأسد ) و( الأسد إلى الأبد ) و( الأسد أو لا أحد ) ثم مهد الأسد قبل موته لفكرة توريث الكرسي لأبنائه ، مخالفاً في ذلك النسق الذي تسير عليه الجمهوريات في العالم كله ، ومبتدعا شكلا جديداً للحكم ، ليس بالجمهوري ، ولا بالملكي ، وإنما هو نظام جمهوري ملكي ، يمكن أنْ نُطلِقَ عليه بَعدَ النَّحتِ والمَزْجِ اسمَ ( نظامِ الحُكْمِ الجَمْلَكِيّ ) .
نعم ، أيها السادة :
إنَّ منصبَ الرئاسة في سوريا ، لم يَعُدْ كبقية مناصبِ رؤساء العالم ، فأولئك يجلسون فيه إلى أجل مسمى ، وآل الأسد عندنا يريدون أن يجلسوا عليه إلى أجل غير مسمى . يعني خالدين فيه أبدا .
ورؤساءُ العالم ، يعملون على خدمة أوطانهم وسلامة ترابها ، وراحة مواطنيهم وأمنهم .. وآلُ الأسد عندنا ، يحرصون على قمع المواطنين وإذلالهم ، ويبيعون تراب الوطن مقابل البقاء في الكرسي ، وها هو ذا بشار الأسد وأخوه ماهر يقومان بخراب سوريا كلها إرضاء لإسرائيل .
قرأتُ منذ ثلاثين عاما ، خبراً أورده الدكتور محمد عوض محمد في كتابه ( الاستعمار ) ذكر فيه أن بريطانيا مارستْ ضغوطا كبيرة على إمبراطور اليابان ، ليسمح بدخول الحشيش إلى بلاده ، فرفض ذلك بشدة ، فهددوه بالإطاحة به ، فأصرَّ على رفضه ، مؤثراً حمايةَ شعبِهِ على بقاء مُلْكِهِ ...
والذي فعله ذلك الإمبراطور آنذاك ، هو الموقف الذي يفرضه الواجب الوطني ... ومهما كان وقع المقارنة أليماً على النَّفْسِ ، فلا بُدَّ لنا من مقارنة شيء بشيء ، وذكر الفرق الشاسع ، والمدى الواسع ، ما بين الموقف النبيل لإمبراطور اليابان ، الذي فضل أن يزول عرشه ، ولا يساهم في إضرار شعبه .. وبين الموقف الخسيس لبشار الأسد ، الذي يقوم اليوم بإبادة شعبه من أجل البقاء في كُرسِيِّهِ . فشتَّانَ ما بينَ الحاكمين في المنزلة ... وما أكثر ما يتكرر أمثال هذين الرجلين في الناس ، فيرجع المحسنُ منهم بالثناء العاطر ، ويبوء المسيءُ بالوصف العائر ... من ذلك ما فرق به الشاعر العربي ، ما بين الجواد سهيل بن عثمان ، والبخيل سهيل بن سالم ، فقال فيهما :
رأيتُ السُّهَيْلَيْنِ استوَى الجودُ فيهما : على بُعدِ ذا مِنْ ذاك في حُكْمِ حاكمِ
سهيلُ بن عثمانٍ يجودُ بمالِهِ : كما جادَ بالسُّوْءَى سُهيلُ بنُ سَالِمِ