هل عادت الحرب الباردة أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟:
بقلم : أبو ياسر السوري
الصراعُ بين المعسكرين الشرقي والغربي ، تالد طريف ، قديم جديد . فقد وقعتْ قديماً حروبٌ طاحنة بين الفرس والرومان ، كان آخرها في صدر الإسلام ، يوم انتصرتِ الفُرْسُ على الروم ، فأحزنَ المسلمين انتصارُ الوثنيين على أهل الكتاب ، فأنزل الله تعالى ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ*) .
ثم عَلَتْ كلمةُ الإسلام ، فدَحَرَ المسلمون هاتين القوتين ، وكانت لهم الغلبةُ في الأرض ، إلى أن تمكَّن الشرقُ والغربُ من الإطاحة بالخلافة الأموية في الأندلس ، والخلافة العثمانية في الشرق الأوسط .
ثم بدأتِ الحربُ الباردة ، بين القطبين الرئيسيين في العالم ، أمريكا وروسيا ، مما مَهَّدَ لنشوءِ الأحلاف العالمية ، كالحلف الأطلسي ، وحلف وارسو ... وقد حرصت كل من هاتين الدولتين العظميين ، على أن تضم إليها أنصاراً ومؤيدين وموالين .
ثم انفرط عقدُ الاتحاد السوفياتي ، في عهد الرئيس غورباتشوف ، ولم تَعُدْ روسيا قطباً مُعتدّاً به في اللعبة الدولية . فانفردت أمريكا بزعامة العالم كله . وانتهى عهد الحرب الباردة ، وتوقَّف سباقُ التسلح ، ولم يعد متصوراً أنْ تُنَافَسَ أمريكا على قيادة العالم .. فقد أمسكت بناصية الزعامة العالمية .. واستمر الحال هكذا ، إلى أن جاءت ثورات الربيع العربي ، ففاجأت العالم بأسره ، وأُطيحَ بأربعة زعماءَ عربٍ مستبدين : زين العابدين ، ومبارك ، والقذافي ، وعلي صالح ..
ثم انطلقت ثورة الحرية والكرامة في سوريا ، للإطاحة بخامس المستبدين العرب ، بشار الأسد .. وهنا تذكرت روسيا أنها دولةٌ عظمى ، وأنه يجب أن يكون لها كلمةٌ في الأحداث الدولية ، فانحازتْ إلى النظام المجرم ضد شعبه ، واستدرجتِ الصينَ وراءها ، وشجعتْ إيران والعراق وحزب الله على مساندة الأسد ، والانحياز إلى الجزار في مواجهة الضحية ، فكانت هذه الدولُ أحجارَ عَثَرَاتٍ في طريق ثورتنا المباركة ، المطالبة بالحرية والكرامة .
فهل يمكننا القول بأن الحرب الباردة قد عادت إلى الظهور من جديد ، وأن هذه العودة لها ، إنما كانت على حساب الدماء السورية الذكية .. فها هي ذي روسيا والصين تعودان إلى مخالفة المعسكر الغربي بزعامة أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، وتستخدمان حق الفيتو أكثر من مرة ، لتعطيل أي قرار يدين بشار الأسد ، أو يسمح بكبح جماحه ، ومنعه من الاستمرار في إجرامه ضد شعبه الأعزل .
ولو سلمنا جدلا بأن الحرب الباردة قد عادت من جديد ، فبأي حقٍّ تختار أن تعود على حساب أشلائنا وضحايانا ؟؟ وبأي حق تتخذ منا هذه الدولُ المتنافسةُ ورقةً للمساومة فيما بينها .. ألم يحسبوا كم كانت تكلفة هذه المنافسة الجوفاء بينهما على السوريين .؟ لقد دفعنا ثمنا لذلك عشرات آلاف القتلى ، ومئات آلاف الجرحى والمعوقين ، ومئات آلاف المشردين في الداخل والخارج ، وهنالك أكثر من مليوني إنسان بحاجة إلى مساعدات دولية ، من غذاء وكساء ودواء وإيواء .. لقد قام النظام الغاشم بحرق بيوت الشعب ومحاله التجارية بعد نهبها ، وما زال هذا النظام يرتكب الفظائع في حق السوريين ، وموسكو والصين يلقون بثقلهما في تأييده ، ضد شعب مطالب بحريته وكرامته !؟
ومرة أخرى نسأل فنقول : لو سلمنا جدلا بأن الحرب الباردة قد عادت من جديد ، وأن المعسكر الشرقي قد اختار أن يقف مع بشار الأسد ويؤيده في ارتكاب جرائمه ضد الإنسانية في سوريا .. فهل حقا يقف الغرب عاجزا عن منع بشار من إبادته للسوريين ؟؟
إن الوقائع تقول غير ذلك ، فقد استطاعتْ أمريكا وحليفاتُها أن تتدخل في كوسوفو ، وتوقف التصفية العرقية هناك ، ثم اقتادت المجرمين إلى المحكمة الدولية في لاهاي ، وأعدمتهم .
كما تمكَّنتْ أمريكا وحليفاتُها من التدخل في ليبيا ، غير مكترثين بمعارضة المعسكر الشرقي ، بل إن فرنسا بدأتْ بضرب قوات القذافي قبل صدور أي قرار من مجلس الأمن ، ثم إن المجتمع الدولي أجازها أخيراً ، فاعتبر الإجازة اللاحقة ، كالإذن السابق ، ولم يوجه مجلس الأمن لفرنسا أي لوم على مبادرتها بإنقاذ بنغازي من براثن القذافي .!! فكيف استطاع الغرب ، أن يوقف القتل في كوسوفو وليبيا ، وعجز عن مثل ذلك في سوريا .؟؟
لقد ساندت روسيا والصينُ أكثرَ من حليفٍ مستبد ، ثم أسقطهم الغربُ رغماً عنهما ، فقد حدثَ ذلك في كل من البوسنة والهرسك ، وفي بغداد ، وفي تونس ، وفي مصر ، وفي ليبيا ، وفي اليمن ... ولم تكن روسيا ولا الصينُ راضيةً بسقوط حكام تلك الدول .. ومع ذلك أسقطهم الغَرْبُ ، ولم يحسب لروسيا ولا للصين أيَّ حساب ..
بل إن أمريكا اخترقت الأجواء الباكستانية ، وقتلت ( ابن لادن ) على أراضيها ولم تستأذن الباكستان في ذلك ، ولا احتاجتْ إلى استصدار قرارٍ من مجلس الأمن . وما زالتْ أمريكا تُهاجِمُ الطالبان في أفغانستان ، وتهاجمُ كل مطلوبٍ لها على وجه الأرض ، فتقتلهم في اليمن وفي غيرها من أقطار العالم دون استئذان من أحد ...
وهذا ما يجعلنا نقول : إن وراء الأكمة ما وراءها ؟ وأعني بالأكمة هنا ، ما تُخفيه هذه الدول ، مما اتفقتْ عليه فيما بينها ، وأظهرتْ شيئا آخر ، وأنَّ ما يجري الآن على الساحة الدولية ، من انقسام بين معسكرين ، ما هو سوى تآمرٍ دوليٍّ على الشعب السوري ، يقوم فيه المجتمع الدولي بتقاسم الأدوار ، فَتَظْهَرُ فيه أمريكا وبريطانيا وفرنسا بمَظْهَرِ المناصرين للشعب المطالب بالحرية والديمقراطية في سوريا ، وتظهر روسيا والصين بمظهر المساندين لنظام الأسد المستبد ... وكلاهما في واقع الأمر مؤيدٌ لبقائه ، وغير جاد في إسقاطه ، مهما اختلفت بينهما الأدوار .
أما بعد يا سادة :
فسواء أكان هنالك حربٌ باردةٌ أم أنَّ وراء الأكمة ما وراءها ، فقد عَلِمَ الشرقُ والغربُ ، والقاصي والداني ، أنَّ الثورةَ السوريةَ منتصرةٌ ، لأنها تعبيرٌ عن إرادةِ شعبٍ ، ومهما قَوِيَ المستبدُّ فلن يتمكَّنَ من كَسْرِ إرادة الأحرار ... فأحرى بالمجتمع الدولي أنْ يكفَّ عن التسبُّبِ في سفك دماء السوريين ، فهي دماء جديرةٌ منهم بكل حماية وتكريم .
بقلم : أبو ياسر السوري
الصراعُ بين المعسكرين الشرقي والغربي ، تالد طريف ، قديم جديد . فقد وقعتْ قديماً حروبٌ طاحنة بين الفرس والرومان ، كان آخرها في صدر الإسلام ، يوم انتصرتِ الفُرْسُ على الروم ، فأحزنَ المسلمين انتصارُ الوثنيين على أهل الكتاب ، فأنزل الله تعالى ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ*) .
ثم عَلَتْ كلمةُ الإسلام ، فدَحَرَ المسلمون هاتين القوتين ، وكانت لهم الغلبةُ في الأرض ، إلى أن تمكَّن الشرقُ والغربُ من الإطاحة بالخلافة الأموية في الأندلس ، والخلافة العثمانية في الشرق الأوسط .
ثم بدأتِ الحربُ الباردة ، بين القطبين الرئيسيين في العالم ، أمريكا وروسيا ، مما مَهَّدَ لنشوءِ الأحلاف العالمية ، كالحلف الأطلسي ، وحلف وارسو ... وقد حرصت كل من هاتين الدولتين العظميين ، على أن تضم إليها أنصاراً ومؤيدين وموالين .
ثم انفرط عقدُ الاتحاد السوفياتي ، في عهد الرئيس غورباتشوف ، ولم تَعُدْ روسيا قطباً مُعتدّاً به في اللعبة الدولية . فانفردت أمريكا بزعامة العالم كله . وانتهى عهد الحرب الباردة ، وتوقَّف سباقُ التسلح ، ولم يعد متصوراً أنْ تُنَافَسَ أمريكا على قيادة العالم .. فقد أمسكت بناصية الزعامة العالمية .. واستمر الحال هكذا ، إلى أن جاءت ثورات الربيع العربي ، ففاجأت العالم بأسره ، وأُطيحَ بأربعة زعماءَ عربٍ مستبدين : زين العابدين ، ومبارك ، والقذافي ، وعلي صالح ..
ثم انطلقت ثورة الحرية والكرامة في سوريا ، للإطاحة بخامس المستبدين العرب ، بشار الأسد .. وهنا تذكرت روسيا أنها دولةٌ عظمى ، وأنه يجب أن يكون لها كلمةٌ في الأحداث الدولية ، فانحازتْ إلى النظام المجرم ضد شعبه ، واستدرجتِ الصينَ وراءها ، وشجعتْ إيران والعراق وحزب الله على مساندة الأسد ، والانحياز إلى الجزار في مواجهة الضحية ، فكانت هذه الدولُ أحجارَ عَثَرَاتٍ في طريق ثورتنا المباركة ، المطالبة بالحرية والكرامة .
فهل يمكننا القول بأن الحرب الباردة قد عادت إلى الظهور من جديد ، وأن هذه العودة لها ، إنما كانت على حساب الدماء السورية الذكية .. فها هي ذي روسيا والصين تعودان إلى مخالفة المعسكر الغربي بزعامة أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، وتستخدمان حق الفيتو أكثر من مرة ، لتعطيل أي قرار يدين بشار الأسد ، أو يسمح بكبح جماحه ، ومنعه من الاستمرار في إجرامه ضد شعبه الأعزل .
ولو سلمنا جدلا بأن الحرب الباردة قد عادت من جديد ، فبأي حقٍّ تختار أن تعود على حساب أشلائنا وضحايانا ؟؟ وبأي حق تتخذ منا هذه الدولُ المتنافسةُ ورقةً للمساومة فيما بينها .. ألم يحسبوا كم كانت تكلفة هذه المنافسة الجوفاء بينهما على السوريين .؟ لقد دفعنا ثمنا لذلك عشرات آلاف القتلى ، ومئات آلاف الجرحى والمعوقين ، ومئات آلاف المشردين في الداخل والخارج ، وهنالك أكثر من مليوني إنسان بحاجة إلى مساعدات دولية ، من غذاء وكساء ودواء وإيواء .. لقد قام النظام الغاشم بحرق بيوت الشعب ومحاله التجارية بعد نهبها ، وما زال هذا النظام يرتكب الفظائع في حق السوريين ، وموسكو والصين يلقون بثقلهما في تأييده ، ضد شعب مطالب بحريته وكرامته !؟
ومرة أخرى نسأل فنقول : لو سلمنا جدلا بأن الحرب الباردة قد عادت من جديد ، وأن المعسكر الشرقي قد اختار أن يقف مع بشار الأسد ويؤيده في ارتكاب جرائمه ضد الإنسانية في سوريا .. فهل حقا يقف الغرب عاجزا عن منع بشار من إبادته للسوريين ؟؟
إن الوقائع تقول غير ذلك ، فقد استطاعتْ أمريكا وحليفاتُها أن تتدخل في كوسوفو ، وتوقف التصفية العرقية هناك ، ثم اقتادت المجرمين إلى المحكمة الدولية في لاهاي ، وأعدمتهم .
كما تمكَّنتْ أمريكا وحليفاتُها من التدخل في ليبيا ، غير مكترثين بمعارضة المعسكر الشرقي ، بل إن فرنسا بدأتْ بضرب قوات القذافي قبل صدور أي قرار من مجلس الأمن ، ثم إن المجتمع الدولي أجازها أخيراً ، فاعتبر الإجازة اللاحقة ، كالإذن السابق ، ولم يوجه مجلس الأمن لفرنسا أي لوم على مبادرتها بإنقاذ بنغازي من براثن القذافي .!! فكيف استطاع الغرب ، أن يوقف القتل في كوسوفو وليبيا ، وعجز عن مثل ذلك في سوريا .؟؟
لقد ساندت روسيا والصينُ أكثرَ من حليفٍ مستبد ، ثم أسقطهم الغربُ رغماً عنهما ، فقد حدثَ ذلك في كل من البوسنة والهرسك ، وفي بغداد ، وفي تونس ، وفي مصر ، وفي ليبيا ، وفي اليمن ... ولم تكن روسيا ولا الصينُ راضيةً بسقوط حكام تلك الدول .. ومع ذلك أسقطهم الغَرْبُ ، ولم يحسب لروسيا ولا للصين أيَّ حساب ..
بل إن أمريكا اخترقت الأجواء الباكستانية ، وقتلت ( ابن لادن ) على أراضيها ولم تستأذن الباكستان في ذلك ، ولا احتاجتْ إلى استصدار قرارٍ من مجلس الأمن . وما زالتْ أمريكا تُهاجِمُ الطالبان في أفغانستان ، وتهاجمُ كل مطلوبٍ لها على وجه الأرض ، فتقتلهم في اليمن وفي غيرها من أقطار العالم دون استئذان من أحد ...
وهذا ما يجعلنا نقول : إن وراء الأكمة ما وراءها ؟ وأعني بالأكمة هنا ، ما تُخفيه هذه الدول ، مما اتفقتْ عليه فيما بينها ، وأظهرتْ شيئا آخر ، وأنَّ ما يجري الآن على الساحة الدولية ، من انقسام بين معسكرين ، ما هو سوى تآمرٍ دوليٍّ على الشعب السوري ، يقوم فيه المجتمع الدولي بتقاسم الأدوار ، فَتَظْهَرُ فيه أمريكا وبريطانيا وفرنسا بمَظْهَرِ المناصرين للشعب المطالب بالحرية والديمقراطية في سوريا ، وتظهر روسيا والصين بمظهر المساندين لنظام الأسد المستبد ... وكلاهما في واقع الأمر مؤيدٌ لبقائه ، وغير جاد في إسقاطه ، مهما اختلفت بينهما الأدوار .
أما بعد يا سادة :
فسواء أكان هنالك حربٌ باردةٌ أم أنَّ وراء الأكمة ما وراءها ، فقد عَلِمَ الشرقُ والغربُ ، والقاصي والداني ، أنَّ الثورةَ السوريةَ منتصرةٌ ، لأنها تعبيرٌ عن إرادةِ شعبٍ ، ومهما قَوِيَ المستبدُّ فلن يتمكَّنَ من كَسْرِ إرادة الأحرار ... فأحرى بالمجتمع الدولي أنْ يكفَّ عن التسبُّبِ في سفك دماء السوريين ، فهي دماء جديرةٌ منهم بكل حماية وتكريم .