عبد الرحمن الراشد
الحكومة السورية الآن تشن هجمة دعائية لإفشال مهمة المراقبين الدوليين
الذين جاءوا للتحقيق في المجازر التي ترتكبها في أنحاء سوريا. فجأة مع بدء
عمل المحققين الدوليين أصيبت العاصمة دمشق وإدلب وغيرهما بسلسلة تفجيرات
كانت ملائمة جدا لإلصاق التهمة بالثورة لإقناع الخارج بأنها ضحية لجماعات
إرهابية.
في العقود الماضية كانت تقنع كثيرين بمثل هذه القصص، لكنها الآن وصلت
إلى نهاية حبل الكذب الطويل. للنظام السوري تاريخ وتجارب طويلة في إدارة
معاركه وفق ركنين، التخويف والتضليل. لنحو أربعين عاما مارس هذا الأسلوب في
المنطقة ضد خصومه اللبنانيين والأردنيين والعراقيين والفلسطينيين
والمصريين. وما يفعله الآن ضد المعارضة السورية هو تمرين مكرر. وكان آخر
وأطول معاركه ضد المعارضة في لبنان، الذي احتله لنحو أربعة عقود بخليط من
القوة العسكرية والأكاذيب الدعائية.
قبل سبع سنين لم تكتف السلطات السورية باحتلال لبنان بل قررت فرض
هيمنتها الكاملة وتصفية معارضيها. ولهذا الغرض أطلقت حملة أكاذيب ضد
خصومها، لتشويه سمعتهم وتخوينهم، ثم بدأت بتصفيتهم واحدا بعد آخر لأكثر من
عامين. بدأت بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، وعندما لم يتوقف رئيس
الوزراء الأسبق رفيق الحريري عن معارضته دبرت اغتياله وادعت أن إسرائيل خلف
الجريمة. ثم قامت بقتل اثنين من مثقفي لبنان البارزين لإسكات البقية، سمير
قصير وجبران تويني، وحاولت قتل المذيعة مي شدياق التي نجت لكنها فقدت
ساقها ويدها. واستمرت في قتل اثنين وعشرين شخصية لبنانية من نواب برلمان
وسياسيين، وكل من انتقدها من مسيحيين ومسلمين. وعندما أقرت الأمم المتحدة
لجنة للتحقيق في جرائم الاغتيال لجأ النظام السوري إلى تهديد المحققين
الدوليين أنفسهم، وقام باغتيال أحد أبرز رجال أمن لبنان عندما نجح في جمع
معلومات تثبت تورطه.
الآن نحن نشهد نفس الفيلم السوري الذي لم يعد يصدقه أحد، فالسلطة تفتعل
مسرحيات انفجارات تتهم بها المعارضة للتشويش على التحقيقات الدولية. فعلتها
في المرات السابقة وتعيد فعلها هذه الأيام!
لقد ضحك النظام السوري على قطاع كبير من العرب الذين صدقوا شعاراته
وأعذاره، ورفعوه إلى مصاف الأبطال ومنقذي الأمة، في حين كان يقتات على
الشعارات ويدير حروبه بالأكاذيب. كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات
أكثر من يشتكي من النظام السوري ويحذر بأنه أخطر عليه حتى من أعدائه
الإسرائيليين لكن الكثيرين، بسبب الدعاية السورية الشريرة، خاصموا عرفات
وأساءوا له.
لا ننسى ما فعله النظام السوري في القمة العربية ببيروت عام 2002، فقد
أوعز إلى دميته الرئيس اللبناني السابق لحود بمنع عرفات من إلقاء كلمته
المتلفزة. وكانت إسرائيل بدورها أيضا منعت عرفات من السفر وأبقته حبيس بيته
في رام الله. جلس عرفات أمام الكاميرا لثلاث ساعات ينتظر ليخاطب المؤتمر
لكن السوريين أصروا على منعه من إلقاء كلمته، حتى تدخلت السعودية والإمارات
وخفضتا مستوى تمثيلهما في المؤتمر احتجاجا، كذلك انسحب الوفد الفلسطيني
غاضبا، واضطر السوريون مرغمين لاحقا إلى السماح لعرفات أن يلقي كلمة الشعب
الفلسطيني بعد أن أهانوه أمام الملأ نهارا كاملا. ماذا كان رد الحكومة
السورية على فعلتها البشعة؟ قالت إنها منعت عرفات من المشاركة خشية أن يدخل
شارون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، على الخط التلفزيوني. طبعا كان عذرا
سخيفا لكن بكل أسف نجح نظام الأسد وحزب الله في غسل دماغ ملايين العرب
لسنين طويلة وفي قضايا كثيرة.
النظام يعتقد أنه يستطيع الاستمرار في الحكم بنفس الأسلوب طامعا في الخروج من جرائمه كما فعل طيلة أربعين عاما.