ويمر حول كامل على نقش هذه العبارة على مداخل مدينة درعا الصامدة على
الجسور والجدران.. وما ذكرني بهذه العبارة آثارٌ لواحدة منها تحت جسر
الخربة، أحد المداخل الشرقية لمدينة درعا، تختزل بين طيات حروفها مشاهد
الخيبة والخذلان من هذا الجيش البربري الذي فاجأ أهله قبل أن يفاجئ العالم
بمدى وحشيته وغبائه وتلذذه بسفك الدماء، فبُنيت الآمال عليه بعد النماذج
الإنسانية والوطنية التي سطرها الجيش المصري والتونسي التي اختار الجيش
فيها أن يكون في مكانه الصحيح، وبفطرة أهل حوران النقية وحسن ظنهم بالأشياء
خطوا هذه العبارة كرسالة لهذه الجحافل التي بدأت طلائعها تقبل كقطعان
الثيران الهائجة، فتبادر في ذهن الثوار في درعا أن هذا الجنون جنون تضليل
وليس جنون فطرة، ونسجت القصص الشعبية حول دجل النظام وقياداته المسلحة بأن
هذه المعركة معركة تحرير للأراضي المغتصبة من اليهود، فبادر فتيان القرى
وشبابها يخطون عبارات عربية ويمحون حتى العبارات الأجنبية على اللافتات
التي تدل على القرى حتى لا يضلل الجندي البسيط، خطوها وهم معتقدون أن يكون
المجرمون في هذا الجيش فرعًا، والأحرار فيه أصل، لكن مع تسارع الأحداث أثبت
هذا الجيش البربري أنه أداة قتل غبية قد مزجت بأقذر الخصال، وتاج رأسها
وأسها الإجرام.
وأول ما تم لطمس ملامح الحقيقة هي هذه العبارات، وكنت مستغربًا كيف بقيت
هذه العبارة حتى اللحظة، ومرت جحافل التتار بأسلحة بعضها معروف وكثير منها
لم نعهده، وقد أخرجوه من سباته الطويل لمعركة حياتهم أو موتهم وراحت أصوات
القذائف تملؤ الأفق عويلاً وآهات وبكاء، راحت تدك أصحابها الذين دفعوا
ثمنها من عرق جبيهم لغير هذا الموقف وغير هذا السبب، وبفطرة الدرعاوي
الرافضة للذل والمهانة هب الأشاوس في وجه هذه الآليات الدونكشوتية، ظاهرها
فيل وباطنها صرصور.
وصمدت درعا الأبية، وبالأخص درعا البلد شرارة الثورة، في وجه كل هذا
الإجرام والقتل والتنكيل أكثر من إسبوع بما تيسر لها من الدفاع عن نفسها
وعرضها بالأسلحة البسيطة المتشبعة بالإيمان، وتخلل هذه الأحداث مجازر كان
أكثرها وحشية مجزرة صيدا، ولم يعرف هذا النظام وهذه القيادات البربرية حجم
هذا الخطأ الكبير التي قامت به باقتحام درعا، وأن هذه الدماء الطاهرة التي
سفكت غدت رابطة وحدت الصفوف وصهرت الخلافات لتغدوا بوتقة قوة في وجه طاغية
ظن أن الخلود كرسيه في الحكم، فهبت سوريا كلها تهتف باسم درعا لتغدو رمزًا
بجميع معالمها، كل شارع فيها يروى قصة وفصلاً من فصول الإجرام، وظن الطاغية
أنه انتصر، وإذا بسوريا تلوح لهذا الجيش وهذا النظام بأصابع النصر وتكشف
عن صدورها وتصدح بصوت هز عرش المستبد تهتف “كلنا درعا” فتحركت غريزة التعطش
لسفك الدماء إلى أعلى درجاتها، فراحت تصول وتجول شرقًا وغربًا شمالاً
وجنوبًا على غير هدى، تقتل حينًا وتحرق حينًا، وتعتقل وتعذب أحيانًا أخرى.
وفي الجهة الأخرى شعب سطر ملاحمًا أدهشت العالم بهذا الصمود الأسطوري
والإرادة العظيمة، وعبارات النصر والإباء تصدح من حناجره غير آبه بآلة
السفك والإجرام، فإجرام مثل هذا الإجرام، ونظام مثل هذا النظام، وظلم مثل
هذا الظلم لا بد أن يزول، وسيزول بعون الله.. بصبرنا وصمودنا فالذي يرتضي
الله وليًا لا ولي له سواه.. لابد منتصر ولو بعد حين، فالذي أثبتته الأحداث
أن نظام الأسد في الدلال قبل نظام العم سام في إسرائيل.