استوقفتني مقولة للحجاج يصف بها أهل الشام ويبقيها لمن سيلحق به من الطغاة كنصيحة ودستور، فيقول فيها: “ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم.. فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا
والتاج على رأسه.. وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه“.
فأدركت أن صبر هذا الشعب لهذه اللحظة عما حل ويحل به من سفك لدمه وانتهاك
لأعراضه وسلب لمتلكاته على يد طغاته ومستبديه هو عناد فطرة وقبس من الله،
وليس عناد طفرة وسحابة صيف، وازداد يقيني -بعد الإيمان بالله ووعده- بنصر
سيمرغ أنوف الطاغاة بالتراب.
فطاغيتنا لحسن حظنا أنه لم يقرأ التاريخ فلو قرأه واستجاب لنصيحه أجداده
الطغاة لحاول لملمة أخطاء إمعاته في بداية الأحداث، وما أقصده طبعًا وأسقط
التاريخ على الحاضر فيه هي أحداث درعا في بداياتها، وقصة جزارنا وصبيانه
مع الأطفال التي خطت أناملهم على جدران مدارسهم العنوان العريض لمرحلة
سوريا المستقبل، ولكن أراد الله أن يعمي بصره وبصيرته ويدق أسافيل قبره
بيده إسفيلاً وراء إسفيل مع كل رصاصة يحاول قتل عزيمة هذا الشعب الذي تجاوز
في صبره وشجاعته مفاهيم الصبر ومفاهيم الشجاعة، فلم يعي جزارنا، بفطترته
الغرائزية التي ورثها عن أبيه بولهه لسفك الدماء، حجم الخطأ الفادح الذي
قام به عبيده ومرتزقته، وبغبائه لم ترتسم في عقليته الضحلة تبعات ما ستؤول
إاليه الأمور، فأراد الله أن يقر أمرًا كان مفعولاً.
فكان ما كان من تصعيد وتفنن في الإجرام ما بعده تفنن، وتحالفات ومؤمرات
أسقطتت كل أوراق التوت عن عورة هذا النظام الوحشي، وأسقطت مفاهيم الممانعة
ونظريات التحرر، والقضية الفلسطينية وحق العودة للجولان وأرضنا المحتلة.
وبلحظة تم تغيير التاريخ والجغرافيا، وبات العدو الإسرائيلي حبيب التقية
وعدو الظاهر، حبيب الظاهر والباطن والمستقبل، وراح أزلام النظام و صبيانه
يرسمون ملامح دولة الممانعة بربطها بمصير دولة العم سام.
فكل ما حدث وسيحدث، أو ربما سيحدث مختزل بقوله تعالى “فلا تستعجلوه”
فهذه الأحداث -والله أعلم- هي ليست مجرد ثورة محلية رسمت وترسم أحداثها في
بقعة صغيرة اسمها سوريا الحبيبة، فمن يتابع تسارع الأحداث وتبعاتها يعي
تمامًا ما يمكن أن تؤول إليه الأمور، فنيران الدولة المجوسية وحلم عودتها
والخوف على الأسس التي كانت إيران تعمل عليها مئات السنين مع حلفائها في
المنطقة، ومن أهمهم النظام السوري، بدأت تستشعر بالخطر مع أول شهيد سقط على
أرض سوريا الغالية، وراحت تحيك الخطط والمؤمرات والخطط البديلة ورسم ملامح
المرحلة المقبلة.
وفي المقابل حبيبة النظام السوري وحامي حماها دولة إسرائيل فبعد التجربة
المصرية وما آلت إليه الأمور من نصر للثورة وتبعات لهذا النصر كان آخرها
إلغاء معاهدة تصدير الغاز لإسرائيل، كان لا بد لدولة إسرائيل الدعم الكامل
لنظام الممانعة، سياسيًا وإعلاميًا وعسكريًا، وما عرض الأسلحة الإسرائيلة
التي تم عرضها على التلفزيون السوري على أنها كانت مع الثوار إلا قمة غباء
يسجل في مجموعة غينس لغباء هذا الإعلام وهذه السلطة.
والذي يهمنا أيها الشعب العظيم في النهاية، بعيدًا عن كل هذه الألاعيب
القذرة والمؤامرات الدفينة، أن نعي وعيًا كاملاً أن نصر الله قادم لا
محالة، فالمجد ثمنه باهض، كما قال الشاعر:
لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله ••• لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
ومن ينظر إلى مسيرة العظماء من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى نيلسون منديلا سيعرف أن الفجر لابد قادم بعد أي ليل طويل، فالصبر ما لنا
سواه سلاح بعد أن تكالب علينا العرب والعجم، ولنعرف أن صراخنا وتكبيراتنا
وهتافاتنا هي -والذي رفع السماء- أشد وقعًا في قلوبهم من هذا السلاح الذي
ما زالوا يحاولون فيه قتل عزيمتنا على مدار سنة كاملة، ولكن هيهات هيهات،
لأن الله معنا وولينا وناصرنا ، في حين أن كل شياطين الجن والإنس معهم،
وستخذلهم بعون الله.
عاشت سوريا حرة