بعد أن دخل الجيش الفرنسي دمشق، ذهب الجنرال غورو الى قبر
صلاح الدين بجانب الجامع الأموي بدمشق وركل القبر بقدمه قائلا: ها قد عدنا
يا صلاح الدين. وعندما استقر الجيش الفرنسي في حماة، دعا الضابط الفرنسي
الذي يتولى إدارة سلطة الاحتلال في حماة علماء ووجوه المدينة وعندما استقر
المجلس التفت اليهم قائلا: انتم تعلمون أن الجامع الكبير بحماة كان كنيسة
قبل الفتح الاسلامي، واليوم أريد أن نتفاهم على اعادته كنيسة مرة ثانية.
فوجئ الجميع وأظهروا الكثير من الاستغراب والرفض عدا مفتي حماة الذي بقي
صامتا، التفت الضابط الفرنسي لمفتي حماة وقال: ما رأيك يا سيدي أراك صامتا؟
رفع مفتي حماة رأسه بهدوء شديد وقال: لا مانع عندي على أن تدفعوا لنا
الثمن المناسب. تهلل وجه الضابط الفرنسي وقال مستبشرا: نعم نعم هذا رأي
العقل أيها الشيخ الجليل، نحن مستعدون لذلك فاطلب الثمن الذي يناسبكم. نظر
مفتي حماة الى عيني الضابط بتركيز شديد وقال: لن نطلب كثيرا نريد فقط الثمن
الذي دفعه أجدادنا حين أخرجوا الروم من هذه المدينة اذهب للجامع الكبير
وانظر بقايا ضربات السيوف في نوافذه، لقد امتلأت ساحة المسجد بدماء الشهداء
ادفعوا لنا الثمن وبعد ذلك خذوا الجامع وافعلوا به ما تريدون. بهت الضابط
الفرنسي وانفض المجلس وبقي الجامع الكبير.
للأسف لا يعرف كثيرون اليوم في سوريا أن الشعب السوري دفع ما
يقرب من عشرين ألف شهيد في معارك النضال ضد الاستعمار الفرنسي من أجل
الاستقلال، حين كان عدد هذا الشعب يزيد قليلا عن ثلاثة مليون نسمة فقط أي
اقل من محافظتي حمص وحماة اليوم، وهذا يعادل 170 ألف شهيد حسب تعداد الشعب
السوري اليوم، دفع الشعب السوري هذا الثمن العظيم راضيا من أجل حرية سوريا
ووحدة أراضيها في وجه محاولات المستعمر الفرنسي المستميتة لتقسيم سوريا الى
دويلات. لقد أسقط العلويون محاولة فرنسا انشاء دولة علوية وأسقط أبناء جبل
العرب محاولة فصل جبل العرب واسقط الشعب السوري بجميع طوائفه تقسيم سوريا
بالنضال والدماء والشهداء ونالت سوريا الاستقلال والوحدة.
أستحضر كل ذلك وأنا أتابع بمرارة كيف يضع بعض المعارضين
خارطة سوريا على الطاولة لتكون موضع مساومة رخيصة ونفاق سياسي لبعض الكتل
السياسية الكردية، والحديث يجري عن عملية ابتزاز سياسي لانتزاع اعتراف (ليس
له أي قيمة بالحقيقة) بفكرة أن سوريا ليست عربية الهوية وإنما هي دولة
“متعددة القوميات”. والحقيقة أن من دواعي السخرية أن دولة تزيد فيها نسبة
العرب عن 90.3% حسب تقدير جهاز الإستخبارات الأميركية (سي أي أيه) في
موقعها وورلد فاكت بووك – حقائق أساسية عن دول العالم توضع عروبتها موضع
نقاش، علما بأن نسبة 9.7% المتبقية تضم التركمان والشركس والأرمن
والآشوريين اضافة للأكراد. فاذا أخذنا بالاعتبار أن مجموع التركمان والشركس
والأرمن والآشوريين يزيد بالتأكيد عن عدد الأكراد مما يعني أن نسبة
الأكراد الحقيقية لا تزيد فعليا عن 4% من السكان بمن فيهم اولئك الذين
هاجروا من تركيا والعراق خلال العقود الخمسة السابقة بسبب الاضطهاد او
الحروب واستقروا حديثا في منطقة الجزيرة.(تقصدت الاستشهاد بجهة غربية
معروفة بتعاطفها مع الأكراد في تقدير نسب السكان حتى لا أتهم بالتقليل من
عددهم وهو آخر تقدير تم تحديثه حتى تاريخ 12 نيسان/ابريل2012).
لا أحد بالطبع يريد النقاش في مواطنية جميع الأكراد وحقوقهم
وإزالة كل المظالم التي لحقتهم، وحقهم بالتمتع بلغتهم وثقافتهم بحرية
ومساواة، لكن ذلك شيء وما تحاوله بعض النخب السياسية الكردية من استغلال
اللحظة التاريخية للتمهيد لسلخ جزء من الوطن بنسف هوية سورية العربية أولا
وطرح فكرة الدولة (متعددة القوميات) ثانيا هو شيء مختلف كل الاختلاف وهو لا
يصب في مصلحة أكراد سوريا بل يضع حواجز وأوهام بين أبناء الشعب الواحد.
تقوم فكرة الدولة متعددة القوميات علميا عندما لا توجد في
الدولة قومية تبلغ 60% من تعداد سكان الدولة ووفقا للعالمين بيتر تيلور
وكولن فلنت:
أما الدول التي لا تكتمل فيها مسوغات القومية حيث لا يوجد
فيها جماعة عرقية واحدة تمثل 60% من مجموع السكان فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة
أنماط، نمط وسيط حيث تشكل جماعة عرقية واحدة ما بين 40 إلى 60% من مجموع
السكان مثل السودان. نمط ثنائي القومية حيث توجد جماعتان عرقيتان تشكلان
معاً أكثر من 65% من مجموع السكان مثل بلجيكا. نمط متعدد القوميات حيث تسود
حالة من التشرذم العرقي مثل الهند ونيجيريا. (راجع كتاب “كتاب الجغرافيا
السياسية لعالمنا المعاصر” تأليف: بيتر تيلور- كولن فلنت).
اذن لا يوجد أي مبرر علمي يسند فكرة تعدد القوميات في بلد
تزيد نسبة القومية العربية فيه عن 90.3% هذا بغض النظر عن تاريخ طويل وعريض
من الثقافة والحضارة تجعل من انتماء هذا البلد وهويته بديهة البديهات.
بكل احترام وجدية نقول للأخوة الأكراد، في سوريا المستقبل،
سوريا الديمقراطية، دعونا نبدأ بإحصاء حقيقي تتوضح فيه النسبة الحقيقية
للأكراد، ودعونا نحكّم العقل ومصلحة التعايش المشترك بين الأخوة والمعايير
العلمية والدولية المعترف بها، مما يستحيل معها القول بدولة متعددة
القوميات في ظل الواقع الديمغرافي والتاريخي لسوريا حسبما سبق، ولا يغركم
ما تنتزعونه من هذا المعارض أو ذاك فثمنه لا يزيد عن ثمن الحبر الذي كتب
به، فشعب سوريا لن يفرط بشبر من ترابه الوطني ولحظة الاحتلال الأميركي
للعراق انتهت تاريخيا ولن تعود، الأكراد في سوريا هم مواطنون سوريون أصلاء،
ولن ينزلقوا وراء وهم الانفصال، ومن يعمل لذلك سيجد نفسه معزولا ضمن
الأكراد ولن يحصد إلا الخيبة.
أما اولئك المعارضون الأشاوس الذين يفتحون البازارات على وحدة سوريا وأرضها وهويتها العربية فتعسا لهم وأحبط أعمالهم.
معقل زهور عدي