لم يكن فشل نظام البعث في سوريا في بسط سيطرة القانون على الدولة والمجتمع
عفوياً أو نتيجة سوء اجتهاد أو تصرف، وإنما كان فعلاً قصدياً وبرنامج عمل،
خاصة بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم في سوريا وانقلابه على البعث، انقلب
الرفيق على رفاقه والتلميذ على معلميه، لقد عمل الأسد الأب بدأب وإصرار
على تدمير الوحدة الوطنية وعلى شخصنة مؤسسات الدولة السورية.. ولم تكن
الجبهة الوطنية التقدمية التي أنشأها الأسد الأب تحالفا بين البعث وباقي
الأحزاب الشيوعية والناصرية والاشتراكية إلا مطية لتمجيد حكمة القائد الفذ
الملهم، كان يرسم صورته الأبدية كقائد تاريخي لم يعرف له التاريخ بديلاً،
وكان يمزق صورة الأحزاب الوطنية خاصة تلك المتمتعة بجماهيريتها، وقد ورطها
الأسد بالصراعات الداخلية والانقسامات، تفاوض مع المنقسمين وضمهم إلى جبهته
العريضة بكل دهاء.
أضحت هذه الأحزاب بعيدة عن جماهيرها والتصقت بالأسد الأب كالطفيليات
التي لا تعيش إلا على بقاء حكمه، كانوا يمجدونه ويقدسونه بشغف، قال صفوان
قدسي في لقاء تلفزيوني: إذا لم يكن هناك حافظ الأسد ماذا سيحل بالعرب؟ بل
ماذا سيحل بالعالم؟
إن النزعة العائلية الطائفية المتأصلة في عقلية حافظ الأسد أدت إلى
تفتيت الوحدة الوطنية وإثارة النعرات الطائفية والعرقية، قام الأسد الأب في
بداية حكمه ببسط نفوذه المطلق على المؤسسة العسكرية، استبدل ضباط الجيش
السوري بضباط موالين له عائلياً وطائفياً مع تزيين رموز الفساد ببعض الضباط
المنحدرين من أصول ريفية نادت بالولاء للأب القائد. حرض الأسد الأب ضباط
الريف ضد ضباط المدن، وقد توج كل هذه التغييرات بشعارات قومية تقدمية تخفي
داخلها الأهداف العائلية الطائفية للأسد الأب الذي احتكر المناصب الحساسة
والمؤثرة في الجيش والأمن بعائلته وأقاربه، شيطن حافظ الأسد المدن السورية
وضباطها وبدأ إعلامه بضخ الأكاذيب حول عدم الاستقرار والانقلابات التي تورط
بها أجداد هؤلاء الضباط العملاء لإسرائيل ولأميركا.
غاب الشعور الوطني وغاب الانتماء للدولة، فانتمى المجتمع للقائد، انتشرت
الشعارات القومية والتقدمية والوطنية، وتحت هذه الشعارات قُمِع مئات
الآلاف من الأكراد السوريين وجرى قتلهم وتعذيبهم وتهجيرهم بحجة أنهم عملاء
لأميركا ولإسرائيل، وشكك إعلام الأسد بوطنية الأكراد وأبعدهم عن كل مكونات
الدولة وشيطنهم أمام باقي الشعب السوري فسهل عليه قمعهم واضطهادهم.
دخلت قوات الأسد مدينة حماة ومشطت الأحياء شارعاً شارعاً وبيتاً بيتاً،
كانوا يخرجون الناس من بيوتهم ويعدمونهم في الشوارع، حاول أهل المدينة
الدفاع عن مدينتهم فهدموا البيوت فوق رؤوس ساكنيها، خرج الأسد الأب وألقى
كلمة أمام جمهور بصم بدمه للقائد الملهم الخالد، قالها بصراحة: يمدّون يدهم
إلى الأجنبي وإلى عملاء الأجنبي وإلى الأنظمة الأميركية العميلة على
حدودنا، يمدون إلى هؤلاء أيديهم ليقبضوا المال وليأخذوا السلاح ليغدروا
بهذا الوطن.
دمر الأسد الأب حماة وفرض تعتيماً إعلامياً على مجازره، قتل الناس ودمر
القوى الوطنية السورية، قتل المعارضين الخطرين على حكمه وسجن كل معارضيه
ومن يحتمل أن يعارض أو يفكر في معارضته، واختزل الشعب السوري بجماعة
الإخوان المسلمين ونسب إليهم كل ما يمكن أن يخيف المجتمع السوري منهم،
والتهمة جاهزة وهي العمالة لأميركا ولإسرائيل.
أسس الأسد حكمه على الخوف، طلب الخلود لكنه مات، مات الأسد تاركاً وراءه
الهوامش، الأسد الابن الضعيف والفساد الذي يسيطر على كل مفاصل حكمه.
مشى الأسد الابن على خطى الأب في شخصنة الدولة، خاطب الخارج طوال فترة
وراثته للحكم ونسي الداخل، لم يعرف أن الشعب السوري تغير، وأن جيلاً شاباً
نشأ في الظل بعيداً عن ثقافة الخوف.
خرج صوت من دمشق القديمة (الشعب السوري ما بينذل) كُسر حاجز الخوف،
وانتشرت كلمات لم يرد الأسد الابن سماعها، الحرية والكرامة، فسلك سلوك الأب
في التصدي لرغبة الشعب السوري في الحرية والكرامة، شيطن الثورة والثوار
فلم يصدقه أحد، اعتقل الأطفال وقتلهم تحت تعذيب سادي، سحل الناس، داس على
الشهداء، اغتصب النساء، حاصر المدن وقطع أوصالها ومنع الماء والغذاء
والدواء والكهرباء والاتصالات عن سكانها، قصفها براجمات الصواريخ والمدفعية
الثقيلة، هدم البيوت على رؤوس أصحابها لتقضي تحت الأنقاض عوائل كاملة من
جرَّاء قصف وحشي، أدخل الشعب السوري في حرب أهلية، وقسم المجتمع لأعراق
وطوائف وخوف الجميع من الجميع.
لم يكن القتل الذي مارسته كتائب الأسد الابن وقواه الأمنية عفوياً أو
نتيجة سوء تقدير أو تصرف، وإنما كان فعلاً قصدياً وبرنامج عمل، هي الثقافة
ذاتها، ثقافة الخوف التي أسس الأسد الأب حكمه عليها.
لكن أسس الخوف ماتت وتركت وراءها الهوامش.
حسان الصالح
عفوياً أو نتيجة سوء اجتهاد أو تصرف، وإنما كان فعلاً قصدياً وبرنامج عمل،
خاصة بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم في سوريا وانقلابه على البعث، انقلب
الرفيق على رفاقه والتلميذ على معلميه، لقد عمل الأسد الأب بدأب وإصرار
على تدمير الوحدة الوطنية وعلى شخصنة مؤسسات الدولة السورية.. ولم تكن
الجبهة الوطنية التقدمية التي أنشأها الأسد الأب تحالفا بين البعث وباقي
الأحزاب الشيوعية والناصرية والاشتراكية إلا مطية لتمجيد حكمة القائد الفذ
الملهم، كان يرسم صورته الأبدية كقائد تاريخي لم يعرف له التاريخ بديلاً،
وكان يمزق صورة الأحزاب الوطنية خاصة تلك المتمتعة بجماهيريتها، وقد ورطها
الأسد بالصراعات الداخلية والانقسامات، تفاوض مع المنقسمين وضمهم إلى جبهته
العريضة بكل دهاء.
أضحت هذه الأحزاب بعيدة عن جماهيرها والتصقت بالأسد الأب كالطفيليات
التي لا تعيش إلا على بقاء حكمه، كانوا يمجدونه ويقدسونه بشغف، قال صفوان
قدسي في لقاء تلفزيوني: إذا لم يكن هناك حافظ الأسد ماذا سيحل بالعرب؟ بل
ماذا سيحل بالعالم؟
إن النزعة العائلية الطائفية المتأصلة في عقلية حافظ الأسد أدت إلى
تفتيت الوحدة الوطنية وإثارة النعرات الطائفية والعرقية، قام الأسد الأب في
بداية حكمه ببسط نفوذه المطلق على المؤسسة العسكرية، استبدل ضباط الجيش
السوري بضباط موالين له عائلياً وطائفياً مع تزيين رموز الفساد ببعض الضباط
المنحدرين من أصول ريفية نادت بالولاء للأب القائد. حرض الأسد الأب ضباط
الريف ضد ضباط المدن، وقد توج كل هذه التغييرات بشعارات قومية تقدمية تخفي
داخلها الأهداف العائلية الطائفية للأسد الأب الذي احتكر المناصب الحساسة
والمؤثرة في الجيش والأمن بعائلته وأقاربه، شيطن حافظ الأسد المدن السورية
وضباطها وبدأ إعلامه بضخ الأكاذيب حول عدم الاستقرار والانقلابات التي تورط
بها أجداد هؤلاء الضباط العملاء لإسرائيل ولأميركا.
غاب الشعور الوطني وغاب الانتماء للدولة، فانتمى المجتمع للقائد، انتشرت
الشعارات القومية والتقدمية والوطنية، وتحت هذه الشعارات قُمِع مئات
الآلاف من الأكراد السوريين وجرى قتلهم وتعذيبهم وتهجيرهم بحجة أنهم عملاء
لأميركا ولإسرائيل، وشكك إعلام الأسد بوطنية الأكراد وأبعدهم عن كل مكونات
الدولة وشيطنهم أمام باقي الشعب السوري فسهل عليه قمعهم واضطهادهم.
دخلت قوات الأسد مدينة حماة ومشطت الأحياء شارعاً شارعاً وبيتاً بيتاً،
كانوا يخرجون الناس من بيوتهم ويعدمونهم في الشوارع، حاول أهل المدينة
الدفاع عن مدينتهم فهدموا البيوت فوق رؤوس ساكنيها، خرج الأسد الأب وألقى
كلمة أمام جمهور بصم بدمه للقائد الملهم الخالد، قالها بصراحة: يمدّون يدهم
إلى الأجنبي وإلى عملاء الأجنبي وإلى الأنظمة الأميركية العميلة على
حدودنا، يمدون إلى هؤلاء أيديهم ليقبضوا المال وليأخذوا السلاح ليغدروا
بهذا الوطن.
دمر الأسد الأب حماة وفرض تعتيماً إعلامياً على مجازره، قتل الناس ودمر
القوى الوطنية السورية، قتل المعارضين الخطرين على حكمه وسجن كل معارضيه
ومن يحتمل أن يعارض أو يفكر في معارضته، واختزل الشعب السوري بجماعة
الإخوان المسلمين ونسب إليهم كل ما يمكن أن يخيف المجتمع السوري منهم،
والتهمة جاهزة وهي العمالة لأميركا ولإسرائيل.
أسس الأسد حكمه على الخوف، طلب الخلود لكنه مات، مات الأسد تاركاً وراءه
الهوامش، الأسد الابن الضعيف والفساد الذي يسيطر على كل مفاصل حكمه.
مشى الأسد الابن على خطى الأب في شخصنة الدولة، خاطب الخارج طوال فترة
وراثته للحكم ونسي الداخل، لم يعرف أن الشعب السوري تغير، وأن جيلاً شاباً
نشأ في الظل بعيداً عن ثقافة الخوف.
خرج صوت من دمشق القديمة (الشعب السوري ما بينذل) كُسر حاجز الخوف،
وانتشرت كلمات لم يرد الأسد الابن سماعها، الحرية والكرامة، فسلك سلوك الأب
في التصدي لرغبة الشعب السوري في الحرية والكرامة، شيطن الثورة والثوار
فلم يصدقه أحد، اعتقل الأطفال وقتلهم تحت تعذيب سادي، سحل الناس، داس على
الشهداء، اغتصب النساء، حاصر المدن وقطع أوصالها ومنع الماء والغذاء
والدواء والكهرباء والاتصالات عن سكانها، قصفها براجمات الصواريخ والمدفعية
الثقيلة، هدم البيوت على رؤوس أصحابها لتقضي تحت الأنقاض عوائل كاملة من
جرَّاء قصف وحشي، أدخل الشعب السوري في حرب أهلية، وقسم المجتمع لأعراق
وطوائف وخوف الجميع من الجميع.
لم يكن القتل الذي مارسته كتائب الأسد الابن وقواه الأمنية عفوياً أو
نتيجة سوء تقدير أو تصرف، وإنما كان فعلاً قصدياً وبرنامج عمل، هي الثقافة
ذاتها، ثقافة الخوف التي أسس الأسد الأب حكمه عليها.
لكن أسس الخوف ماتت وتركت وراءها الهوامش.
حسان الصالح