قرار مجلس الامن و مهمة عنان بين المأمول و المتوقع
قبل ان ندخل مباشرة للموضوع يجب ان نستعيد بعض المعلومات التاريخية بشكل مختصر حتى نحاول فهم الدوافع الحقيقية لما يجري.
لقد كان العالم منذ الالاف السنين تحكمه الامبراطوريات و الممالك التي تتصارع تارة و تتحالف مع بعضها ضد بعض تارة اخرى. و لقد استمر هذا الوضع حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عندما تم تدمير معظم الامبراطوريات و لم تتبقى إلا امبراطورية اليابان. و ذلك قد يعود الى تغلب الفكر الشعبوي (الذي يجعل السيادة للشعب و الحاكم ينتخب من قبل الشعب) على الفكر الامبراطوري و الملكي الذي يعطي ما يشبه الحق الالهي للإمبراطور او الملك ليحكم الشعب وفق هذا الحق المفترض.
و قبيل الحرب العالمية الثانية حصل نوع من الانقسام بين الدول العظمى الى فريقين، فريق هو اقرب الى الفكر الشعبوي الديمقراطي (دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية و الاتحاد السوفيتي و الصين)، و الفريق الاخر هو اقرب الى الفكر الامبراطوري (الذي يقوم على فكرة الزعيم الملهم / الديكتاتور كما في المانيا هتلر، موسوليني في ايطاليا، اليابان الامبراطور)
و كما نعلم فقد خرج الحلفاء منتصرين في الحرب العالمية الثانية، و هم الذين يحملون الفكر الديمقراطي (سواءاً كان بشكل شبه حقيقي كما في الغرب أو مجرد ادعاء و تلاعب كما في روسيا البلشفية و الصين بعد الثورة).
و لكن هذا الانتصار لم يلغ الفكر الامبراطوري الاستعماري من الوجود، فبريطانيا و فرنسا و عدد من الدول الاوروبية كانت لها مستعمرات في اسيا و افريقيا. و هذه الدول قد استبدلت فكرة الحق الالهي في الحكم ببعض المبادئ التي استمدتها من نظرية النشوء و التطور، فجعلت لنفسها السيادة و الوصاية الجبرية على الشعوب الضعيفة، و خصوصاً تلك التي تم تدمير الامبراطوريات و الممالك التي كانت تحكمها (مثل ممالك الهند و شرق اسيا و تفكك الدولة العثمانية في اسيا و اجزاء من اوروبا). و من الجهة الأخرى فقد قامت الدول الشيوعية، مثل روسيا و الصين، بالاستيلاء على اراضي و استعمار شعوب باسم نشر الثورة الشيوعية.
و طبعاً لان الامم المتحدة قامت لمنع قيام حروب عالمية جديدة بين الدول العظمى بالأساس، فقد رعت تركيبة مجلس الامن هذا الموضوع، بحيث تقوم الدول العظمى بتقاسم مناطق النفوذ في العالم و بحيث تدار الصراعات و النزاعات بشكل مصغر و مسيطر عليه، بدون ان تتدخل هذه الدول العظمى بجيوشها ضد بعضها البعض بشكل مباشر. و مما زاد هذا الموضوع تأكيداً هو ظهور الاسلحة النووية ذات التدمير العالي بعد الحرب العالمية الثانية.
و لذلك فانه على الرغم من قيام الامم المتحدة و مجلس الامن و الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الا ان كل هذا لم يكن ليحمي الشعوب الضعيفة من ان تستعمرها و تجتاح اراضيها احدى الدول العظمى، طالما ان بقية الدول العظمى قد عبرت عن موافقتها أو على الاقل عدم اعتراضها بشكل صريح و حاسم على هذا التعدي.
و هذا يعني انه لا بد للشعوب الضعيفة ان تدخل في تحالف مع احدى الدول العظمى او مع مجموعة منها لتحمي نفسها من خطر الدول العظمى الباقية. و لقد تصدرت امريكا الدول الغربية التي تراجعت مكانتها و انشأت ما يعرف بالمعسكر الغربي، و من الجهة الاخرى فقد تصدر الاتحاد السوفيتي الدول الشيوعية و انشأ ما يعرف بالمعسكر الشرقي او حلف وارسو. و هذا انشأ سياسة الاستقطاب و ما يعرف بالحرب الباردة بين المعسكرين، حيث كان كلاً منهما يسعى الى ضم المزيد من الدول الى حلفه.
و طبعاً، لم يمر موضوع تقلب الدول بين المعسكر الشرقي و الغربي بدون انقلابات عسكرية، و حروب اهلية دموية، و ظهور نزاعات اقليمية مدمرة بين الدول الضعيفة و داخل كل دولة من تلك الدول بواسطة الانقلابات العسكرية المدعومة من احد المعسكرين. و كانت وظيفة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن هو غض النظر عن تلك النزاعات و الاكتفاء ببعض التصريحات العلنية الباهتة، او الزمجرات الفارغة.
لان الصراع في حقيقته يدار من تحت الطاولة، و تحدده توازنات القوى و الجغرافيا و الظروف الداخلية للدول العظمى. و لكن لا بأس بخروج المعركة على شكل مسرحية اخلاقية يمارس فيها المفترسون الاقوياء دور الوعاظ الاخلاقيين، مع انهم يعلمون ان جميع الدول الضعيفة مرتبطة بشكل وثيق بواحدة أو اكثر من الدول العظمى. فالمال و السلاح و المعونات الاستخباراتية و التغطية السياسية انما تأتي من الدول العظمى، و لا تأتي من داخل تلك الشعوب الضعيفة.
و هذا الوضع هو عودة بشكل او باخر الى زمن الامبراطوريات. لان كل دولة من الدول الكبرى و العظمى تتصرف على انها امبراطورية و لها شعوب تتبعها، و تكون الخلافات بين الامبراطوريات على هذه الشعوب التابعة، و لكن هذه الخلافات لا يسمح لها بالتطور الى حروب مباشرة بين الامبراطوريات.
و رجوعاً الى حالتنا السورية و ما حصل في مجلس الامن، فلا اظن ان اياً من الدول الكبرى تحتاج الى مراقبين و لا الى مهمة مراقبين. فجميع الدول الكبرى (وحتى اسرائيل) لها اجهزة استخبارات تقوم بجمع المعلومات من داخل و خارج سوريا على مدار الساعة، و حتى بالاقمار الصناعية. كما ان الاسلحة التي تستخدمها عصابة بشار في القتل، مصادرها معروفة و هي روسيا و ايران و الصين و كوريا الشمالية و حتى بعض الاطراف الأوروبية، و القنوات المالية التي تمول حرب بشار على شعبه معروفة.
و سوريا ليست قضية حيوية بحد ذاتها لا لروسيا و لا للصين، و بالطبع لم تكن قضية اصلاً بالنسبة لامريكا و بريطانيا و فرنسا. فقد تركت سوريا في حضن الاسد الاب و تم مباركة توريثها للابن طوال الاربعين عاماً الماضية، بدون اعتراض من أي طرف. فقد حرص حافظ الاسد على اللعب على جميع الحبال و ارضاء جميع الاطراف الخارجية، مع استخدام القبضة الحديدية و جميع الاعمال الاجرامية ضد شعبه في الداخل.
و مع كل هذا، فان عدم رضا الشعب في سوريا و عدم تحمله للمزيد من الاذلال، قد خلق نقطة توتر قد يكون لها انعكاسات كبيرة على المنطقة، و هذا فقط ما يدعو الدول الكبرى الى التدخل. فالدول الكبرى لم يهمها و لم يكن يهمها فساد و اجرام أي نظام مع شعبه، بل المهم عندها هو مصالحها مع النظام و مع جيران النظام. و لذلك، فلو توقفت الثورة السورية في أي لحظة، فالدول الكبرى لن يهمها ماذا يحصل في الداخل السوري، طالما ان مصالحها داخل و خارج سوريا محفوظة.
و لذلك فقد تركت الدول الغربية لروسيا المهمة القذرة للحد من متطلبات و تطلعات الشعب السوري عن طريق ارهاقه بالاعمال الاجرامية من قبل النظام، و ذلك تمهيداً لفرض الحلول المائعة عليه.
فيجب ان نعرف ان جميع الدول الكبرى قد استثمرت في ال الاسد بشكل او بآخر طوال الاربعين عاماً الماضية و هي تعلم مدى فساده و اجرامه، و هذه الدول مهتمة فقط بتقليل الخسائر، او ربما بتحصيل بعض المكاسب من أي وضع جديد.
و لكن تبقى قدرتنا على الصمود على اهداف الثورة و عدم التفريط في دماء الشهداء و انتهاك الاعراض و الحرمات و التدمير و التشريد، و قبل كل هذا، استعانتنا بالله رب العالمين و توكلنا عليه هي المحددة لمكاسب ثورتنا المباركة.
و الله غالب على امره و لكن اكثر الناس لا يعلمون
و اختم بالاية الكريمة
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
ال عمران 179
و الاية
( ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ( 37 ) ) الانفال