رسائل إلكترونية جديدة تملأ صفحات الديلي تلغراف البريطانية، أرسلها
بشار الأسد إلى زوجته والمقربين منه. الرسائل الجديدة تستهزئ بالدين
الإسلامي، هذا الدين الذي لا يتبعه فقط معظم السوريين، بل يصل أتباعه إلى
مليارات الأشخاص في مختلف أنحاء العالم. الرسائل الجديدة تسخر من الدين
الإسلامي ومن المسلمين، خاصة أولئك اللواتي يضعن الحجاب، فالله -حاشا له-
يرسل المطر إلى المكسيك لأن مقدمات النشرة الجوية هناك شبه عاريات، بينما
تتشح مقدمة النشرة الجوية في بلادنا بالسواد، بينما لا يستطيع طفل مسلم أن
يجد أمه لأنه لم يرها قط، فهي منقبة.
قد تبدو هذه الرسائل صادمة لشخص لم يتابع الثورة السورية منذ بدايتها،
أو لا يزال يبقي في قلبه شيئاً من احترام الأسد، ولكنها، من وجهة نظرنا،
تبدو عادية جداً، فالعرب يقولون: ليس بعد الكفر ذنب. فهل نحاسب من يستهزئ
بتصرفات المسلمين ومعتقداتهم قبل أن نحاسبه على قتل هؤلاء المسلمين
وتشريدهم، بل وقتل أطفالهم وانتهاك حرماتهم؟
قبل الثورة بعام وتحديداً في شهر رمضان، قام بشار الأسد في سابقة لم
تشهدها سوريا من قبل بالامتناع عن دعوة العلماء إلى مأدبة الرئيس، مع أن
هذا التقليد متبع في معظم دول العالم الإسلامية بل وغير الإسلامية، حتى
الرئيس جورج بوش لم ينس مثل تلك الدعوة على مدار سني حكمه الثمانية. لكن
بشاراً استغنى عن دعوة العلماء ودعا بدلاً منهم «الفنانين والمثقفين»، وكان
بينهم نجدت أنزور المخرج الذي قدم للمسلمين مسلسل «وما ملكت أيمانكم» في
العام نفسه، ذلك المسلسل الذي أساء للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وأذكر أن البوطي قال خلال عرض ذلك المسلسل: إن الاستمرار في عرضه سيأتي
بكارثة على سوريا وبغضب إلهي وخيم النتائج. لكن الأسد لم يستمع للبوطي
واستمر عرض المسلسل، بل ودعي صاحبه إلى مأدبة إفطار الرئيس.
في الشهر العاشر من العام 2010، اعتقلت قوات الأمن السورية الشيخ
عبدالرحمن الكوكي من المطار، وكانت قبل ذلك قد هاجمت بيته وفتشته تفتيشاً
دقيقاً بل وصادرت حاسوبه الشخصي. لم يكن الشيخ عبدالرحمن قد ارتكب ذنباً،
لكنه ظهر في برنامج الاتجاه المعاكس الذي تبثه الجزيرة، وتحاور مع خصم
مصري، وبالفعل فقد عبر الشيخ الكوكي وقتها عن نبض الشارع السوري، بل وعن
السياسة السورية كما كنت أتصورها ذلك الحين، فقد انتقد موقف شيخ الأزهر
طنطاوي من علاقته بإسرائيل ومصافحته لبيريز وعدم انتصاره للأقصى الشريف.
وكما يلاحظ القارئ العزيز، فإن ما قاله الشيخ هو ظاهر سياسة الحكومة
السورية في ذلك الوقت، ولكنه اعتقل مع ذلك. وبعد تمحيص تبين أن الكوكي قد
أخطأ في حق العلمانية السورية خلال مداخلته عن النقاب، إذ انتقد موقف
طنطاوي من تهجمه اللفظي على فتاة مصرية منتقبة في إحدى مدارس الأزهر
الشريف. وانتقد أيضاً الهجوم على النقاب بشكل عام في المدارس الأزهرية، مما
دفع عبدالرحيم علي المحاور المصري في البرنامج للقول: قل للسيدة أسماء
الأسد زوجة بشار أن تتنقب.
غضب الأسد على الكوكي لأنه دافع عن النقاب، فالأسد كان قد أعطى أوامره
بمنع دخول المنتقبات إلى الحرم الجامعي في الشهر السابع من العام ذاته،
ولهذا فقد وجد أن خطأ الكوكي كان كبيراً، وقد أصدرت المحكمة حكمها بالسجن
على الشيخ الكوكي لمدة عامين، خففت لمدة سنة واحدة، وجاء في حيثيات القرار
أن الشيخ قد نال من هيبة الدولة ومن مقام رئيس الجمهورية، ولم نفهم هاتين
العبارتين حتى الآن.
ليس هذا فحسب، بل تأكدنا يقيناً أن الأسد وزوجته، كليهما، كانا يفكران
قبل بداية الثورة بأشهر فقط بإزالة مادة التربية الدينية من المدارس في
سوريا، وتعويضها بمادة تتحدث عن الأخلاق بشكل عام. ويعرف القاصي والداني أن
الأسد أمر برفع علم سوريا في حديقة تشرين بوسط دمشق، بشرط أن يتجاوز
ارتفاع سارية ذلك العلم أطول مئذنة في دمشق.
إن قصف مآذن المساجد وتدنيسها منذ بداية الثورة، لا يدل إلا على أن
الرجل له موقف ما من هذا الدين، وهذا ما ظهر أيضاً من خلال حرق المصحف في
عدد من المساجد.
يطلب شبيحة الأسد وقوات الأمن من الشعب السوري المسلم أن يشهد بربوبية
بشار، ولقد رأى العام كله، كيف يجبر المساجين على القول: لا إله إلا بشار،
أو لا إله إلا ماهر. كذلك يفاخر شبيحة النظام بالقول إنهم يعبدون بشاراً،
وإنهم يسجدون لصورته. بينما يتطاول «مثقفو» النظام على الذات الإلهية حتى
على وسائل الإعلام المحلية والعربية. وقد فعل ذك طالب إبراهيم عندما قال:
أتحدى الذي خلقك أن… بينما قال خالد عبود، إن الملائكة تنشق عن الله ولا
ينشق الجيش عن بشار.. والأمثلة لا تزال كثيرة.
وباختصار، فإنه من غير المستغرب أن تصدر تلك الرسائل عن بشار الأسد
ومقربيه، وهم الذين حكموا سوريا بالقوة رغماً عن أهلها، واستباحوا أبناءنا
وديارنا. إنما المستغرب أن يقف المسلمون في الدول العربية متفرجين على رجل
يستهزئ بدينهم ويقتل إخوتهم، منتظرين أن يوافق أوباما على تسليح الجيش
الحر، أو إقامة مناطق عازلة. إن واجب المسلمين اليوم الوقوف مع الشعب
السوري بكل قوة والعمل على الإطاحة ببشار الأسد بكل الوسائل الممكنة.
د. عوض السليمان