حدثتنا كتب التاريخ عن ملاحم اليونان والإغريق، الإلياذة والأوديسا.. أبطال من نسج الخيال كانت لهم صولات وجولات، فاستهوتنا حكاياتهم الأسطورية وأفعالهم البطولية. صنعوا أمجاد أوطانهم وطار صيتهم في الآفاق فتناقلتها الأجيال عبر العصور. كنا نحلق بعيداً مع تلك الأساطير نعبر بخيالنا المحيطات ونسافر خلف البحور بزورق الخيال. نرهف السمع لصليل سيوفهم وصيحاتهم المجلجلة وهم يسطرون الملاحم. ولكن ما يحدث في حمص البطولة والرجولة يفوق الوصف ويتجاوز الخيال، فتغدو كل الأساطير أمامها لوحة مزيفة باهتة الألوان مطموسة المعالم.
هنا في حمص الشهامة والعنفوان يكبر الأطفال قبل أوانهم فيغدو رجالاً.. ويا زين الرجال. مشاهد لا يستوعبها عقل إنسان ولا تخطر على قلب بشر، وكأن المدينة ساحة حرب مع الأعداء!
أزيز الرصاص يلعلع في كل مكان.. الانفجارات تصم الأذان وصواريخ الردع تدك البيوت الآمنة على رؤوس ساكنيها والناس نيام تحت ذريعة المقاومة والمؤامرة الكونية. يستأسدون على أبناء جلدتهم والعدو يقبع خلف ظهرانيهم ويضحك ملء شدقيه!! أطفال بعمر الزهور تعلو فوق الجراح وتتجلد على الشدائد برغم عمق الجراح.. أجساد مشوهة المعالم وأشلاء مقطعة بوحشية فاقت كل عنصرية!
حرائر كرام تفيض أعينهن بالدمع وتستغيث.. تستصرخ ضمائركم يا عرب الهوية واللسان ولا مجيب يسمع أنين الجرحى أو يبلسم جراحات الثكالى. ويحكم يا عرب!! هل ماتت ضمائركم وفقدتم نخوتكم؟ هانت عليكم دماء أخوتكم.. ألا تشعرون بوخز الضمير؟ حرائر تنعي أحبتها.. تنهمر عبراتها مثل حبات اللؤلؤ فتحرق القلوب.
لله دركم يا أشجع وأنبل الرجال تكتبون التاريخ بصفحات ناصعة مثل قلوبكم النقية الطاهرة، وتسطرون الملاحم بدمائكم الزكية وعزيمتكم التي لم تغادر أرواحكم المفعمة بحب الأوطان. نذرتم الروح رخيصة للوطن المعطاء ولم تعبئوا بكل اَلتهم القمعية، وسخرتم من جرائمهم الوحشية. تلقيتم الرصاص بصدوركم العارية فكأنها أوسمة تزدان على صدوركم بعزيمة حيرت العالم!
يا لهذه الأرواح التي تشع نفحات نورانية، تجترح المعجزات وتذلل الصعاب وتسطر صفحات المجد في مشهد جليل ومهيب تخشع له القلوب وتشرأب له الأعناق، وترتفع له أكف الضراعة في جوف الليل.. أن يا رب أشدد من أزرهم، وسدد رميهم، وأحفظ أهلهم.
الكاتب : محمد الفاضل
المصدر: أرفلون نت