محمد فاروق الإمام

يوم أمس خرجت المدن السورية بشيبها وشبابها وأطفالها ونسائها تعبر عن غضبها في جمعة أسموها (الجامعة العربية تقتلنا)، إشارة إلى مواقف الجامعة العربية الهزيلة والمترددة التي تمنح النظام السوري المهلة تلو المهلة، ليسرف القاتل في القتل ويوغل السفاح في القمع دون محاسب أو رقيب، اللهم إلا من أدوات بسيطة تصور وتوثق ما يرتكبه هذا النظام السادي من جرائم وآثام وموبقات، تحملها أكف الثائرين الذين ثاروا لانتزاع الحرية من مخالب طاغية الشام ونمرودها، الذي استغل هذه المهل وهذا التردد المريب لهذه الجامعة التي عقدنا عليها الآمال – واهمين – بأنها ستقف إلى جانب الشعب السوري الذي انتفض وثار ينشد الحرية بعد مصادرتها لنحو نصف قرن كما فعل الأشقاء في تونس ومصر وليبيا، أسوة بمواقف الجامعة من هذه الثورات التي وقفت إلى جانبها منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، وكان للجامعة موقف جريء وسريع تجاه الثورة الليبية عندما شعرت أن القذافي قد يرتكب مجزرة بحق أهل بنغازي، وهي تعرف إمكانياتها المتواضعة التي لا يمكنها منع القذافي من ارتكاب مثل هذه الجريمة، فأحالت الملف الليبي إلى مجلس الأمن وأمّنت الغطاء العربي للتدخل الدولي السريع الذي حال دون ارتكاب القذافي أي جريمة حمقاء بحق الشعب الليبي، وهذه الجامعة اليوم تقف متفرجة على ما يرتكبه طاغية دمشق من مجازر ومذابح بعد تسعة أشهر دامية، استباح فيها هذا الوحش المدن السورية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، مقطّعاً بآلته العسكرية الجهنمية البرية والبحرية والجوية أوصال المدن، فارضاً عليها وعلى أهلها الحصار ومانعاً عنها الماء والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات، مطلقاً ذئابه المفترسة وضباعه الجائعة وكلابه الضالة لتفتك وتقتل وتنتهك الأعراض والمقدسات وتنهش لحم كل من يتحرك أو تقع العين عليه.

تسعة أشهر دامية وثّقتها منظمة (هيومن رايتس ووش) التابعة للأمم المتحدة في تقريرها المرعب والمخيف الذي رفعته إلى مجلس الأمن يوم الأربعاء 14/12/2011، الذي كان الهدف الأساسي منه – كما نوهت المنظمة - هو "تسمية المسؤولين عن القمع والانتهاكات التي تحصل في سوريا منذ أكثر من تسعة أشهر"، ولا يكفي القول – كما جاء في التقرير – "بأن هناك قمع وانتهاكات".

ويؤكد التقرير عن الأمل الأكيد في "أن تتم معاقبة المسؤولين". كما أكد التقرير في إحدى توصياته الأساسية عن رغبته في "إحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، كي يكون هنالك تحقيق محايد ودولي لهؤلاء الأشخاص".

ولم تعف المنظمة بشار الأسد من المسؤولية مما يحدث في سورية من قمع وانتهاكات، بل حملته "المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم بصفته رئيساً للجمهورية وقائداً للقوات المسلحة"، وقالت أن "أربعة وسبعين شخصية متهمة بالقمع والقتل والتعذيب، وفي مقدمتهم بشار الأسد، سيحالون إلى محكمة الجنايات الدولية لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية".

الشعب السوري المثخن بالجراح والآهات والعذابات يقف حائراً أمام موقف أشقائه العرب متسائلاً: أما يكفي مقتل ستة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى؟! أما يكفي خمسة عشر ألف مفقود؟! أما يكفي تسعون ألف معتقل ومغيب في السجون؟! أما يكفي نزوح عشرات الألوف داخل وبين المدن السورية؟! أما يكفي تهجير ثلاثين ألف سوري إلى خارج الحدود؟!

كم تنتظرون أيها الأشقاء من ضحايا وجرحى ومفقودين ونازحين ومهجرين وأرامل وأيتام وثكالى ودمار وخراب واستباحة أعراض وتدنيس مقدسات، حتى تغلي الدماء في عروقكم وتتمعر منكم الوجوه؟!

أليس فيكم مروءة جاهلية بني شيبان وحميتهم، الذين هبوا للثأر لدم الملك الجاهلي النعمان بن منذر الذي قتله ملك الفرس كسرى، على قلة عددهم وقلة ما بأيدهم في مواجهة إمبراطورية فارس التي كانت تحكم نصف العالم في زمانها.. فمرغوا أنف فارس وملكها يوم ذي قار؟!

وأنتم اليوم تقولون ولا تفعلون.. وتقررون ولا تنفذون.. أكثر من شهرين وقراراتكم حبر على ورق ثم الغرق، وبين مهلكم لهذا الفرعون الصغير تدفقت أنهار من دماء السوريين، فكيف أنتم يوم الجمع أمام أحكم الحاكمين بينكم وبين من قُتّلوا وظلموا، عندما يقال لكم: ويحكم لمَ لمْ تنصروا إخوانكم المظلومين وتنصفوهم من ظالميهم وكنتم قادرون على ذلك؟!