لقد كان تقمص شخصية
هتلر و أخيه في الإجرام ستالين هو سمة بارزة في كثير ممن أتى من بعدهم من مجرمين و
انتهازيين و طغاة. و ما يجمع هاتين
الشخصيتين هو القدرة على قيادة جماهير الناس لارتكاب فظائع و جرائم و تجريدهم من
كل إنسانية أو أخلاق. و كل هذا بذريعة
الانتقام لمظالم و جرائم قد حصلت في الماضي من قبل "الآخرين". كما ان هناك دائماً الإرث الاشتراكي الذي يبيح
دماء و أموال كل من هو ليس اشتراكي، و يبيح لنفسه التجسس و السجن و القتل و
التعذيب لمجرد الشك في نوايا أي شخص يشك في ولائه لأي شيء غير الحزب الاشتراكي و
زعيمه "القائد الملهم المخلص لشعبه".
و لم يكلف هتلر و لا
ستالين نفسيهما عناء فهم تسلسل الأسباب التاريخية و السنن الإلهية التي تؤدي إلى
ضعف و انهيار الأمم، و لا إلى فهم كيفية إدارة الموارد الاقتصادية، و لا إلى دراسة
السلبيات في مجتمعاتهم و كيفية معالجتها. و
إنما كل ما فعلوه هو إشعال نار الحقد و الحسد على "الآخرين"، و كأنه عند
قتل و سرقة أموال "الآخرين" فأن الأمور ستصبح بألف خير و سيعيش الجميع
في هناء و سعادة.
و قد كان مدخل هتلر
هو نظرية النشوء و التطور، حيث وصف العرق الألماني بأنه أفضل الأعراق (و طبعاً
اضطر للقفز على التاريخ الهمجي للقبائل الألمانية)، و انه قبل ان تقل موارد الأرض
و تضيق على العرق الألماني النبيل، فإنه يجب ان يكون قد افرغ الأرض المجاورة لألمانيا
من السلالات و العرقيات "الأخرى" عن طريق القتل و التدمير. و طبعاً، ساعد هتلر في نظرياته الإجرامية هذه،
ما حصل لألمانيا من ذلة و مهانة بعد خسارتها للحرب العالمية الأولى. و لكن هتلر لم
ينظر إلى ان ألمانيا لم يكن هناك اعتداء عليها في بداية الحرب، و أنها هي التي
دخلت الحرب مندفعة بالهجوم على فرنسا التي لم تبدأ بالاعتداء عليها. و لكن في نظر هتلر هذا لا يهم، فالعرق الألماني
يجب ان يسود الأرض بغض النظر عن أي شيء. و هذه الأفكار التي يملؤها الكبر و
الكراهية و الحسد، لابد ان تجد لها زبائن و مؤيدين، من العاطلين و الفاشلين و
السفلة و السفهاء. الذين لا يريدون ان
يعملون بجد و إخلاص، و لا يريدون اكتساب ثقة و مودة الناس، و لا يريدون ان يضربون
في الأرض يبتغون من فضل الله يكسبون لقمتهم بالحلال و الشرف. و ما يتمناه هؤلاء الفاشلون الحاقدون الحاسدون
هو نيل الثروة و الجاه بأسرع و اقصر الطرق. و نتيجة لامتلاء ألمانيا بعد الحرب
العالمية الأولى، بالجنود المهزومين و العاطلين و المفلسين، فقد وجدوا في كلام
هتلر و خطبه النارية أفضل و اقصر وسيلة للانتقام من "الآخرين" و رد
الصاع صاعين، و اكتساب ثروة هائلة بعد قتل الجيران من "الآخرين" و سرقة أموالهم.
و أما ستالين، فهو
مثال على الشخص الوضيع الانتهازي المجرد من الأخلاق، الذي يريد الوصول إلى السلطة
و البقاء فيها بأي ثمن. و قد وفرت له
الشيوعية ما يريد عندما أنكرت وجود الله و أنكرت الأديان السماوية و أنكرت معها الأخلاق. و بهذا كانت الطريق ممهدة أمام ستالين ليتصرف
كنبي يضع ما يشاء من الشرائع و الأخلاق، ثم كرب يعبده الناس. و لان الشيوعية تعادي
كل ما هو غير شيوعي، حتى لو كان من أبناء الشعب، حتى لو كان جاراً أو حتى أخا أو أبا،
فالشيوعية تتحسس الخطر في كل شيء ممكن ان يعمل "ردة" رجعية تؤثر في حركة
المجتمع التقدمية. و طبعاً، يمكن اتهام
جميع المخالفين لستالين بأنهم رجعيون أو ان فيهم ميولاً رجعية، و لذلك لابد من قتلهم
و تصفيتهم أو سجنهم و تعذيبهم حتى يتوبوا و يعودون موالين لستالين "القائد
الملهم العظيم".
و كما كانت النازية و
الفاشية تجمع السفهاء و الفاشلين و العاطلين و السفلة، و تمنيهم بالثراء و السيادة
ان هم قتلوا و سرقوا و استباحوا "الآخرين"، كذلك كانت الشيوعية أول ما
تخاطب كانت تخاطب هؤلاء العاطلين الحاقدين الحاسدين، و تشق لهم طريقاً سريعاً و
سهلاً نحو الثراء و السيادة، حيث ان كل المطلوب منهم هو القتل و الإجرام و تخويف
الناس و "الولاء للزعيم".
و أما ما كان يمن به
ستالين على الشعب الروسي و الشعوب الأخرى التي حكمها بالقتل و القهر و الاغتصاب (الجمهوريات
الإسلامية، دول البلطيق و أوروبا الشرقية فيما بعد)، فهو النهضة الصناعية و التي
قتل من اجلها عشرات الملايين من الشعب، و أفقر من اجلها (بالإجبار على أعمال
السخرة، و سرقة محاصيل المزارع، و مصادرة أموال) عشرات الملايين الأخرى و اشتراها
شراءاً (من عند عدوه الأمريكي و الأوربي)، فهي كانت من اجل المظاهر الفارغة، إذ ان
معظم الشعب كان يعيش في فقر مدقع، بينما يتباهى ستالين في موسكو بالمنجزات
العظيمة، و الويل كل الويل لمن يعترض.
و بسبب أمراضه
النفسية، و تشريعاته الخرقاء، و إصراره على التدخل في كل شيء و نسبة الفضل لنفسه
في كل شيء، فقد افسد ستالين الجيش السوفيتي و اعدم الضباط الأكفاء، و وضع بدلاً
منهم الأكثر ولاءاً و الأكثر غباءاً، مما جعله
يخسر بشكل فادح أمام الجيش الألماني، الذي لم يوقفه غير البرد الشديد و طول خطوط الإمداد. بينما اكتفي ستالين بحرق و تدمير المدن و القرى
و المزارع القريبة من الجيش الألماني. كما
ان (الأعداء) الأمريكان و الأوروبيين، كانوا يساعدون الروس و يرسلون لهم المؤن
الغذائية و كميات من الأسلحة لتدعيم جبهاتهم حتى لا تسقط أمام الألمان. فالجيش الروسي لم يقف على قدميه و يتحول إلى
ثاني اقوي قوة عالمية، إلا بفضل المساعدات الغربية، و استيلاءه على أراضي الغير ( أجزاء
كبيرة من شمال أسيا و أوروبا الشرقية) و
بعد سقوط الألمان.
فستالين لم يكن سوى
مجرم انتهازي وضيع، قد أتى على حين غفلة من الناس و أوهمهم بأنه الزعيم الملهم
المخلص، و ان كل ما على الناس فعله هو تقديسه و طاعته، و قتل و سجن و تعذيب و سرقة
"الآخرين".
و طبعاً، إذا كان
الناس مئة و سرقت أموال تسعين و أعطيتها لعشرة، فقد جعلت العشرة أغنياء، و التسعين
هم مجرد مجموعة من "الآخرين" .
عدل سابقا من قبل عبد الله التلي في الأحد ديسمبر 18, 2011 11:58 am عدل 1 مرات