نعم ... نعم ... نعم نقولها بالصوت العالي المدوي المجلجل المزلزل لأركان النظام الأسدي ، ولأركان الدول الغربية المتباكية على الأقلية في سورية ... نقولها بالفم الملآن ، وبإيماننا بربنا ، ويقيننا بعقيدتنا ، وثقتنا بأنفسنا أنه لا أقلية في سورية بعد اليوم .
الأقلية عندنا هي أكثرية حتى نأخذ لها حقها كاملاً غير منقوص ، والأكثرية عندنا هي أقلية حتى نأخذ منها الحق كاملاً غير منقوص ، نتأسى بذلك بقول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأول حينما قال في الخطبة الأولى بعد توليه الخلافة :
الضعيف عندي قوي حتى آخذ له حقه ، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق .
نقول هذا الكلام ، دون خوف ولا وجل ، ولا تلعثم ولا تردد ، نقوله من منطلق مبدئ ، عقيدي ، أخلاقي ، أساسي ، استراتيجي ، منهجي ، سلوكي ، وليس تكتيكي ، ولا استرضائي ولا تزلفي ولا نفاقي ، ولا رشوة ولا تقربا ولا مداهنة ، إننا نقولها عن قناعة كاملة ... نقولها لأن ربنا ، ورب الأقلية ، ورب السموات والأرض ، يأمرنا بهذا ، فليس لنا في هذا خيار ، وليس لنا فيه فضل ولا منة على الأقلية ، وتاريخنا الإسلامي عبر أربعة عشر قرنا حافل بالمآثر ، ومليئ بالشواهد ، تاريخنا الناصع البياض ، المشرق الوضاء ، تاريخنا الذي كان ولا يزال يكفل حرية العبادة – أيا كانت هذه العبادة – وكانت أوامر مشددة ومؤكدة من الخلفاء ، إلى قادة جند الفتح في بلاد الشام والعراق وفارس وما وراء النهر ومصر وشمال أفريقيا : إياكم وإياكم أن تزعجوا راهبا أو كاهنا يتعبد في صومعته ، وإياكم وإياكم أن تهدموا معبدا – أيا كان – ولا يزال حتى الآن يتناقل أهالي حمص ، تلك القصة العجيبة الرائعة حينما فتح خالد بن الوليد المدينة وأخذ من أهلها الجزية التي كانت عبارة عن مبلغ من المال تفرض على أهل البلاد المفتوحة لقاء حمايتهم من الرومان والدفاع عنهم ، ولما اضُطر للخروج من حمص نتيجة هجوم معاكس من الرومان أعاد المال إلى أهلها وقال لهم نحن الآن عاجزون عن حمايتكم فلا يجوز لنا أن نأخذ منكم هذا المال ، ولذا ها نحن نعيده إليكم .
وكان لهذا السلوك الحضاري الراقي السامي العالي للمسلمين الفاتحين أكبر الأثر في دخول أهل حمص في الإسلام طواعية ودون إكراه ، وبقوا على الإسلام إلى هذه اللحظة ، حماة للإسلام ومدافعين عنه بأرواحهم وأموالهم ، ومجرد مقارنة بسيطة جدا بين هذا السلوك الأخلاقي الإسلامي الرباني ، وبين سلوك الصليبيين الفرنجة الذين دخلوا الأندلس بعد سقوط غرناطة كيف ذبحوا المسلمين ، وكيف عذبوهم ، وأقاموا لهم محاكم التفتيش وأبادوهم على بكرة أبيهم لم يبقوا مسلما واحدا ولا مسجدا واحدا ، وأحداث سربينستيا في البوسنة ، ليست ببعيدة عنا حينما ذبح الصرب أهلها ، وأبادوهم إبادة جماعية ( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة ، يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ) .
لا نريد الآن أن ننكأ الجراح ، بل نحن نتعالى عليها ، ونتسامى على الأحزان ، ورائدنا في هذا قول الله العزيز الحكيم جبار السموات والأرض ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون ).
نعم ... نعم لن نؤذي أي مخلوق – أيا كان دينه أو مذهبه – طالما أنه لم يؤذينا ، ولم يساعد أو يحرض على إيذائنا ، ولكن سنقتل كل مخلوق – أيا كان دينه ومذهبه ولو ادعى أنه إمام المسلمين ومفتي الجمهورية – قتل أو حرض على القتل أو دافع عن القاتل ، ففي هذا لا تسامح ولا صفح ولا عفو ، لأن هذا دم الشعب كله ، إنه حق عام وليس خاص .
ولا بد من الإشادة هنا بقول الكاتب المنصف ميشيل كيلوا الذي علق في إحدى كلماته على مطالبة الأقلية بضمانات من الأكثرية فقال فيما معناه : الأكثرية هي التي تحتاج إلى ضمانات ، وذكر أيضا مستشهدا بالحالة التواددية والتآلفية والتحابب والتعاون بينه وبين جيرانه من المسلمين ، ويؤكد على أنه لم يتلق في حياته أي أذى أو ضر من المسلمين ، ولزيادة التأكيد والتوضيح نذكر تصريح مطران تونس الرائع العظيم الذي يدل على صحة وتوثيق وتثبيت ما قلناه آنفا حيث يقول : المسيحيون لا يتخوفون من سيطرة الإسلام ويرحبون بالربيع العربي :
ومنذ استقلال سورية في 17-4-1946 لم تحدث حادثة واحدة تم فيها اعتداء على الأقلية بل إن سورية تفخر بأن أحد رؤوساء وزرائها بعد الإستقلال كان مسيحيا وهو بشارة الخوري ، وبموافقة ومباركة شيخ الإسلام في ذلك الوقت ، الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى ، وأن شارعا هاما في مدينة حمص في حي القصور الذي أسكنه يطلق عليه اسم شارع بشارة الخوري ، والمدرسة التي تعلمت فيها الإعدادية قبل خمسين سنة كانت تسمى إعدادية رزق سلوم وكان مسيحيا ، وهنا أسأل هذه الدول الغربية الحريصة على الأقلية في سورية – التي ترفع عقيرتها بالمطالبة بحق الأقلية في سورية بعد سقوط نظام الأسد - هل سمحت لشخص مسلم واحد أن يستلم وزارة ، ونسبة المسلمين في الغرب لا تقل عن نسبة المسحيين في سورية ؟؟؟؟ أين حقوق المسلمين في أوربا وأمريكا وهم الذين يتعرضون للإضطهاد والتمييز ؟؟؟
وعلى كل حال نحن نؤكد ونعلن على الملأ أجمع أن الشعب السوري واحد ... واحد ، وهذا ما أكدته شعارات الثوار في داخل سورية وخارجها منذ إنطلاقتها في 15-3-11 ، ولن نتراجع عنها ، لا لخوف من الغرب أو الشرق ، ولا لإسترضائهم ، ولا للإستجابة لدعواتهم ، وإنما استجابة لأمر ربنا الآمر الناهي .
فهل في هذا كفاية لأن يقتنع العالم الغربي أو الشرقي بصدق حديثنا ، وصحة توجهنا ، وثبات مبدئنا؟؟؟
Top of Form
Bottom of Form