سعود القصيبي
11/12/2011
زئير المال في حلبة الأسد
وقفت متأملا قصة النمرود ملك بابل الذي حكم شعبه بالحديد والنار وكيف أن بعوضة دخلت إذنه فطلب من الناس أن يضربوه في رأسه حتى هلك... بالمقابل نرى كيف وصم الرئيس الأسد المتظاهرين المحتجين على ممارسات نظامه الوحشية بالجراثيم, وكيف أن جموعا عزلا استطاعت هز عرش أكثر الدول قمعا وبطشا, وكلما قرأت عن قصص اليتامى والثكالى والمعاناة المستمرة للشعب السوري من ممارسات النظام, ازددت قناعة أن نظام الأسد زائل لا محالة ولن يكون ذلك بالأمر البعيد, حيث جاءت آثار المقاطعة العربية والأوروبية والتركية والأمريكية على الاقتصاد السوري كما في قصة النمرود بالضرب على الرأس لتلقي بتداعياتها ومخاطرها لتؤكد حتمية زوال النظام محطمة آمال المنتفعين منه في رهانهم على استمراره, وكرس ذلك الاتجاه الاوضاع النقدية وموقف المصارف والحالة العامة للاقتصاد المتأزم كمؤشر لما هو مقبل .
فعلى صعيد إدارة النقد وسعر الصرف, أصدر المصرف المركزي السوري مؤخرا قرارا بتخفيض قيمة الليرة السورية بمقدار10% حيث تم تسعير الدولار ب¯54 ليرة سورية معلناً هبوطه بنسبة لا تقل عن 35% منذ بدء الأزمة مع تجاوز سعرها في السوق السوداء عن 62 ليرة للدولار. ويحاول المركزي وقف استمرار الهبوط عن طريق التعاون مع الجهات الأمنية باعتقال بعض الصرافين ثم إغلاق بعض مكاتب الصرافة والتحويل ووقف مزادات بيع الدولار من المركزي. والاستعانة بوزارة الإعلام السورية لوضع أخبار من شأنها وقف المزيد من انهيار سعر الصرف. وفي إشارة لمدى أهمية سعر الصرف على النظام, ذكر المركزي في وقت سابق أن المستهدف من العقوبات هو سعر صرف الليرة السورية من حيث نفاد الاحتياطي النقدي ما يُترجم بأن الانخفاض هو نضوب لموارد النظام.
وفي موازاة انهيار الليرة السورية, أوقفت المصارف السورية عملية الإقراض وهبطت ودائعها وزادت ديونها المتعثرة, كما زاد معها سحب الودائع ما يهدد إمكانية استمرارها و احتمال إفلاسها. وفي هذا الشأن أصدر المصرف المركزي تصريحا أفاد فيه أنه يدعم المصارف المحلية ويحميها من الإفلاس ما يؤكد قرب حدوثه الوشيك في وقت يعاني المركزي ذاته من استهلاك احتياطية النقدي كما في تصريحات سابقة له واستغلال أموال البنوك لدعم عجز المركزي كما بينته المقاطعة الأميركية الأخيرة. وكانت النتيجة الحتمية هبوط الأصول المصرفية بنحو 20 % عن السنة الماضية وأكثر من 30 % للودائع, كذلك تراجع السيولة في المصارف الخاصة 20% و الإقراض بنسبة 16%.
وعلى الرغم من تصريحات سابقة للمركزي من أن إفلاس المصارف الخاصة شائعة كشائعة الحجز على أموال المركزي وطباعة العملة محليا إلا أنه لم يبرر وجود طبعة أخرى لليرة يتم تداولها حاليا , وفضلا عن جملة التداعيات الخطيرة السابقة تم حجز أموال المصرف المركزي السوري كما حدث في الأردن تطبيقا لقرارات الجامعة العربية حيث تم التحفظ على نحو 500 مليون دولار من أموال المركزي والمصرف التجاري موزعة على عدة بنوك ما يعزز من القول بقرب إغلاق أبواب بعض المصارف الخاصة.
وفي الشأن الاقتصادي العام, دعا رئيس اتحاد الغرف التجارية في سورية "جميع التجار والمنتجين السوريين إلى انتهاج أسلوب - دبر رأسك, باعتباره اختراعا سوريا بامتياز, لمواجهة الأزمة" كتعبير عن عدم وجود خيارات وبدائل متاحة. كما ذكر رئيس غرفة تجارة دمشق أنه "حتى اللحظة الأخيرة لم أكن اعتقد أن جامعة الدول العربية ستتخذ مثل هذا القرار. لقد كان الأمر موجعا". وفي سياق التأزم الاقتصادي, تراجع النشاط التجاري والاستثمار بنحو 50 % وتراجعت كذلك التقديرات الخاصة بحجم الانكماش الاقتصادي خلال العام الحالي بين 12 و20 في المائة. ومن المتوقع أن تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءا خاصة مع وجود تسريح كبير للعمالة في المنشآت التجارية والصناعية وتوقف العديد منها عن العمل في الوقت الذي وصل فيه معدل البطالة إلى 22 %. كما بلغت نسبة الاشغال في الفنادق 15 % أو أقل, كذلك أشهرت الكثير من المطاعم إفلاسها في ظل اقتصاد ثلث موارده من السياحة. كما يعاني كذلك قطاع الإنشاءات هو الآخر, حيث لا توجد أي مشاريع حكومية جديدة وتوقفت بعض المشاريع القائمة.
وعلى الرغم من تسويق الإدارة السورية عدم فعالية المقاطعة ووجود خيارات لديها لتهدئة التجار والمنتفعين منه رغبةً منها في عدم انضمامهم لثورة الكرامة, إلا أنه بات من الواضح من كيفية وأسلوب المقاطعة الجديد في ظل التعاون الدولي, أن النظام في انحدار شديد لا رجعة فيه وزائل لا محالة ومقبل على انقلاب وشيك عليه من قبل التجار والمنتفعين منه للمحافظة على مكتسباتهم وأموالهم وتجارتهم لا سيما بعد خروج الشارع السوري واستمرار حركة انشقاق الجيش, وبالتالي النظام بات وقته محدوداً فإن لم يكن بأيام فهي أسابيع معدودة.
*كاتب سعودي