حتى كتابة هذه السطور أُعلن عن قبول النظام السوري طلب جامعة الدول العربية لإرسال مراقبين إلى سوريا، للتأكد من الممارسات العنيفة والقتل والقمع التي يقوم بها النظام بحق شعبه، لأكثر من تسعة أشهر، وهي الفترة التي انطلقت فيها الثورة السورية الكبيرة على النظام الأسدي.
وكانت وكالات الأنباء، وتحديدا وسائل الإعلام المقربة من نظام الأسد، سربت خبرا في الساعات الأخيرة من ليل الأحد، يوم انقضاء المهلة السابعة من جامعة الدول العربية لنظام الأسد، بأن سوريا سترسل ردا إيجابيا على طلب جامعة الدول العربية، وطبعا مغزى كلمة «رد إيجابي» غامض ومحير، وأسلوب الأخذ والرد والإيجاب من قبل المسؤولين السوريين على طلب الجامعة العربية والمجتمع الدولي يذكرني بمؤتمرات حزب البعث، التي تستمر لأيام وليالٍ وبالساعات الطويلة جدا في كل يوم، هي مناسبات لا شيء فيها سوى خطابات خشبية وعبارات وشعارات لا معنى لها البتة، مليئة بالمط والإعادة لاجترار مفاهيم فارغة الغرض منها تعبئة عقول الناس وتخديرهم.
ولعل أجمل عبارة سمعتها من مسن دمشقي عتيق كان بجانبي ونحن نشاهد أحد المسؤولين الكبار في حزب البعث السوري، وكان تحديدا عبد الله الأحمر، وهو يلقي كلمة، ثم تلاه زهير مشارقة، ثم عبد الرؤوف الكسم، حيث التفت إلي ببرود شديد، وقال لي بابتسامة صفراء وبنبرة حادة ولكنها ساخرة: «علاك». كلمة واحدة اختزلت المعنى كله، وهو نفس المشهد يتكرر اليوم مع النظام الأسدي عن طريق الأستاذ وليد المعلم، وزير الخارجية المغلوب على أمره، فهو يخاطب الأمين العام للجامعة العربية طالبا منه شرح مصطلح «الشبيحة»، لأنه لم يمر عليهم وغير معروف، وطبعا الإعلام الرسمي السوري نفسه يستخدم هذه المفردة، افتخارا بالمدافعين عن النظام، ولكن الأستاذ وليد المعلم اختار سياسة «الجدبنة مقابل الوقت»، وهي طبعا وسيلة جربت من قبل في مواقع كثيرة من قبل النظام في سوريا، الغرض منها «تسويف» المواضيع؛ بالإغراق في التفاصيل، والبعد عن لب الموضوع والهدف الرئيسي منه.
لم يدرك النظام في سوريا أن وقته قد انتهى، وأن المباراة انتهت، وحتى الوقت الضائع، هذا الذي يغامر ويقامر ويراهن عليه النظام، لن يكون محسوبا أصلا. التنازل عن السلطة وخروج جميع عناصر النظام من السلطة هو المطلب الوحيد، لا مجال لقتلة الشعب لأن يبقوا في الحكم.. هذا هو المطلب الشعبي السوري، وهذا هو المطلب الدولي لكل من يقتنع ويؤمن بكرامة الشعوب ويحمي حقوقها.
شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي انقضت أيامه منذ قليل، والذي كان فيه أكبر حراك وأخذ ورد لأجل المبادرة العربية، قام النظام السوري فيه بقتل أكثر من 750 شخصا، وهو أول شهر يشهد أرقام القتل بهذا الشكل المقيت، مما يدل بوضوح على أن النظام لا يرغب في حل سلمي، ويدرك تماما أن أي قبول بفكرة الحوار والتنازل والاحتكام لمراقبين مستقلين من الخارج سيفضح أمر أجهزة قمعه، ويخضعه لسلطة المحكمة الجنائية الدولية، وإخراج آلاته القمعية من أمام الشعب الثائر سيخرج كل الشعب بلا استثناء، النظام يدرك كل ذلك تماما، ويعلم أن فرص البقاء قد انتهت وأن عليه إطالة أمد اللحظات والدقائق لأنه لم يعد لديه القدرة على إبقاء الساعات ولا الأيام ولا الأسابيع.
سوريا وافقت على مبادرة الجامعة العربية، ولكنها تطلب تعديلات وتغييرا في التفاصيل، وهو «علاك» آخر مستمر مع نظام لن يفهم حتى يزال من السلطة، وهذا مبتغاه، وعلى العالم أن يفهم ويتحرك باتجاه ذلك.
م / ن
وكانت وكالات الأنباء، وتحديدا وسائل الإعلام المقربة من نظام الأسد، سربت خبرا في الساعات الأخيرة من ليل الأحد، يوم انقضاء المهلة السابعة من جامعة الدول العربية لنظام الأسد، بأن سوريا سترسل ردا إيجابيا على طلب جامعة الدول العربية، وطبعا مغزى كلمة «رد إيجابي» غامض ومحير، وأسلوب الأخذ والرد والإيجاب من قبل المسؤولين السوريين على طلب الجامعة العربية والمجتمع الدولي يذكرني بمؤتمرات حزب البعث، التي تستمر لأيام وليالٍ وبالساعات الطويلة جدا في كل يوم، هي مناسبات لا شيء فيها سوى خطابات خشبية وعبارات وشعارات لا معنى لها البتة، مليئة بالمط والإعادة لاجترار مفاهيم فارغة الغرض منها تعبئة عقول الناس وتخديرهم.
ولعل أجمل عبارة سمعتها من مسن دمشقي عتيق كان بجانبي ونحن نشاهد أحد المسؤولين الكبار في حزب البعث السوري، وكان تحديدا عبد الله الأحمر، وهو يلقي كلمة، ثم تلاه زهير مشارقة، ثم عبد الرؤوف الكسم، حيث التفت إلي ببرود شديد، وقال لي بابتسامة صفراء وبنبرة حادة ولكنها ساخرة: «علاك». كلمة واحدة اختزلت المعنى كله، وهو نفس المشهد يتكرر اليوم مع النظام الأسدي عن طريق الأستاذ وليد المعلم، وزير الخارجية المغلوب على أمره، فهو يخاطب الأمين العام للجامعة العربية طالبا منه شرح مصطلح «الشبيحة»، لأنه لم يمر عليهم وغير معروف، وطبعا الإعلام الرسمي السوري نفسه يستخدم هذه المفردة، افتخارا بالمدافعين عن النظام، ولكن الأستاذ وليد المعلم اختار سياسة «الجدبنة مقابل الوقت»، وهي طبعا وسيلة جربت من قبل في مواقع كثيرة من قبل النظام في سوريا، الغرض منها «تسويف» المواضيع؛ بالإغراق في التفاصيل، والبعد عن لب الموضوع والهدف الرئيسي منه.
لم يدرك النظام في سوريا أن وقته قد انتهى، وأن المباراة انتهت، وحتى الوقت الضائع، هذا الذي يغامر ويقامر ويراهن عليه النظام، لن يكون محسوبا أصلا. التنازل عن السلطة وخروج جميع عناصر النظام من السلطة هو المطلب الوحيد، لا مجال لقتلة الشعب لأن يبقوا في الحكم.. هذا هو المطلب الشعبي السوري، وهذا هو المطلب الدولي لكل من يقتنع ويؤمن بكرامة الشعوب ويحمي حقوقها.
شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي انقضت أيامه منذ قليل، والذي كان فيه أكبر حراك وأخذ ورد لأجل المبادرة العربية، قام النظام السوري فيه بقتل أكثر من 750 شخصا، وهو أول شهر يشهد أرقام القتل بهذا الشكل المقيت، مما يدل بوضوح على أن النظام لا يرغب في حل سلمي، ويدرك تماما أن أي قبول بفكرة الحوار والتنازل والاحتكام لمراقبين مستقلين من الخارج سيفضح أمر أجهزة قمعه، ويخضعه لسلطة المحكمة الجنائية الدولية، وإخراج آلاته القمعية من أمام الشعب الثائر سيخرج كل الشعب بلا استثناء، النظام يدرك كل ذلك تماما، ويعلم أن فرص البقاء قد انتهت وأن عليه إطالة أمد اللحظات والدقائق لأنه لم يعد لديه القدرة على إبقاء الساعات ولا الأيام ولا الأسابيع.
سوريا وافقت على مبادرة الجامعة العربية، ولكنها تطلب تعديلات وتغييرا في التفاصيل، وهو «علاك» آخر مستمر مع نظام لن يفهم حتى يزال من السلطة، وهذا مبتغاه، وعلى العالم أن يفهم ويتحرك باتجاه ذلك.
م / ن