إن النفس البشرية دائما تحب الراحة ، وتحب الأمن والسلام ، وتنفر من الجهد والتعب والعناء ، وتكره الحرب والإقتتال وسفك الدماء ، وهذا ما عبر عنه خالق النفس البشرية ، والعليم بكينونتها ، ومداخلها ومساربها ، والبصير بمشاعرها وهواجسها وأحاسيسها ، إذ قال في محكم كتابه : كُتب عليكم القتال وهو كره لكم ، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
والنفس البشرية تضيق ذرعا بالمعاناة ، والألم واللأواء والعذاب ، وتضجر من تحمل سياط الجلادين ، وتستعجل النصر على الطغاة والمستبدين ، حتى ترتاح وتشعر بالأمان والإطمئنان ، في جو يسوده السلام والإستقرار ، والدعة والرخاء ، إلا أن سنة الله قضت وتقتضي ، أن يكون ثمة اختبار لهذه النفس البشرية ، فالحياة الدنيا ليست دار سلام وراحة ، ونعيم مقيم ، إنها دار ابتلاء واختبار ، وتمحيص وفرز ومعرفة الطيب من الخبيث ، وهذا ما عبر عنه الله تعالى في محكم تنزيله : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ؟ ألا إن نصر الله قريب .
وهنا أحب أن أستشهد بكلمات شهيد الإسلام ... شهيد العروبة ....شهيد الحرية ... شهيد الكلمة ..سيد قطب رحمه الله في تعليقه على تلك الآية الكريمة ، فكلماته لا يمكن أن يصوغ مثلها أي إنسان ، إنها البلسم الشافي ، والعقار المداوي :
وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة . . عندئذ تتم كلمة الله , ويجيء النصر من الله:
(ألا إن نصر الله قريب). .
إنه مدخر لمن يستحقونه . ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء . الذين يصمدون للزلزلة . الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله , وعندما يشاء الله . وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها , فهم يتطلعون فحسب إلى (نصر الله), لا إلى أي حل آخر , ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله . ولا نصر إلا من عند الله .
بهذا يدخل المؤمنون الجنة , مستحقين لها , جديرين بها , بعد الجهاد والامتحان , والصبر والثبات , والتجرد لله وحده , والشعور به وحده , وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .
إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة , ويرفعها على ذواتها , ويطهرها في بوتقة الألم , فيصفو عنصرها ويضيء , ويهب العقيدة عمقا وقوة وحيوية , فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها . وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجا كما وقع , وكما يقع في كل قضية حق , يلقي أصحابها ما يلقون في أول الطريق , حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين . .
على أنه - حتى إذا لم يقع هذا - يقع ما هو أعظم منه في حقيقته . يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى
(ألا إن نصر الله قريب). .
إنه مدخر لمن يستحقونه . ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء . الذين يصمدون للزلزلة . الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله , وعندما يشاء الله . وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها , فهم يتطلعون فحسب إلى (نصر الله), لا إلى أي حل آخر , ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله . ولا نصر إلا من عند الله .
بهذا يدخل المؤمنون الجنة , مستحقين لها , جديرين بها , بعد الجهاد والامتحان , والصبر والثبات , والتجرد لله وحده , والشعور به وحده , وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .
إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة , ويرفعها على ذواتها , ويطهرها في بوتقة الألم , فيصفو عنصرها ويضيء , ويهب العقيدة عمقا وقوة وحيوية , فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها . وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجا كما وقع , وكما يقع في كل قضية حق , يلقي أصحابها ما يلقون في أول الطريق , حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين . .
على أنه - حتى إذا لم يقع هذا - يقع ما هو أعظم منه في حقيقته . يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى
الأرض وشرورها وفتنتها , وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة , والحرص على الحياة نفسها في النهاية . . وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها , وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء . كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون , والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته .
وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف . . وهذا هو الطريق . .
وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف . . وهذا هو الطريق . .
ولكن بالرغم من حب النفس البشرية للراحة وتجنب البأساء والضراء ، إلا أن أهل سورية الشجعان الأشراف الأحرار ، تغلبوا على هذه الغريزة الفطرية الطبيعية ، وتعالوا وتساموا ، وطمحوا إلى نيل الحرية والعزة والكرامة ، ولو تعرضوا إلى الأذى والضر والتعب ، غير أنهم بالرغم مما قدموا من تضحيات هائلة وكبيرة ، وعلى مدى تسعة أشهر تقريبا ، لم يحرزوا النصر المطلوب
لماذا؟؟؟
1- لأن الشعب يواجه أعتى وأشد ، وأخبث وأفظع ، نظام طاغوتي حاقد ، عرفته البشرية في القرن الأخير .
2- لأن النظام الأسدي يرفع رايات القومية والعروبة ، والمقاومة والممانعة ، ومحاربة أمريكا واسرائيل ، وتجد هذه الشعارات المزيفة طريقها إلى عقول فئة من المخلوقات البدائية التفكير والساذجة والبسيطة ، فتنخدع بها بسهولة وتصدقها .
3- لأن استفاقة واستيقاظ الفئات المخدوعة والمُضَلَلة ، بشعارات محببة للنفس العربية ، تحتاج إلى وقت طويل ، وتحتاج إلى مناظر ومشاهدات لجرائم وقتل وسفك دماء صادمة وعنيفة ومزلزلة للنفس البشرية ، حتى تصحو وتكتشف كذب هذه الشعارات والرايات.
4- لأن الله تعالى يريد أن يزداد تعلق عباده به وطلب النصر منه وحده ، وتثبيت اليقين في النفوس أن النصر منه وحده ، وهذا ما بدأ يردده أهل سورية الأحرار حينما يئسوا من الناس ، فأخذوا ينادون بأعلى أصواتهم : مالنا غيرك يا الله ، وهذا بداية طريق النصر .
5- أن الله يريد أن تتثبت القلوب ، ويزداد يقينها وقناعتها بما يضمره لها أعداؤها – سواء كانوا في داخل سورية أو خارجها – من شر وكيد وحقد وعداء ، حتى ينفضح أمرهم ، وتنكشف عوراتهم وحقيقتهم ، وهذا من محبة الله بأهل سورية.
6- وبالتالي كلما زاد نزف الدم ، وزاد القتل وزاد إجرام المجرمين ، كلما امتلأت النفوس أكثر وأكثر بالرغبة الجامحة العارمة للثأر والإنتقام ، وتطبيق القصاص فيهم ، انقيادا لأمر الله تعالى : ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ، وقوله تعالى أيضا : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل مااعتدى عليكم ، وهذا فيه تطهير للبلد من المجرمين ، والتخلص منهم وإراحة البلاد والعباد من شرورهم ، ودون النظر إلى ما يقال أنه بحجة التسامح والعفو والصفح المزيف الذي يراد به أن يبقى المجرمون يرتعون ويلعبون ويعيثوا في الأرض فسادا وخرابا ودمارا بحجة أشنع وأقبح وهي التعالي والتسامي عن الإنتقام وعدم معاملة المجرم بمثل ما أجرم .
فهذا المخلوق الذي يفكر بهذا التفكير هو مجرم أكثر من المجرم الحقيقي ، لأنه لا يعفو عن المجرم إلا مجرم ، يخاف عليه ويعطف عليه والله الرحمن الرحيم الرؤوف بعباده أكثر من الأم بوليدها يقول : ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام . وقوله أيضا : فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ، إن الله عزيز ذو انتقام .
7- حتى يقتنع القاعدون والصامتون بوجوب الإنحياز إلى الثوار الأحرار ، وحتى يتيقن المتخلفون عن الركب ، أنه لا مفر اليوم ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم ، وأنه لا بد من المشاركة في هذه الثورة ، التي فيها العزة والكرامة والحرية للجميع ، وهذا من محبة الله في هذه الفئة الطيبة يريدها أن تتحرك وتحظى بالأجر ، لأنه يعلم أنها متضايقة ومنزعجة من نظام بشار ، ويتفطر قلوبها على المذابح التي تراه بأم أعينها يوميا ، إلا أنها خائفة .
8- يريد رب العالمين أن يتخذ منكم شهداء ، ليس فقط لتدخلوا الجنة ، ولكن لتشهدوا على ظلم وإجرام عائلة الأسد ومن شايعها ، ليحق عليهم قول الله بالعذاب المهين الأبدي السرمدي في قعر جهنم .
9- يريد رب العالمين أن يزداد كره الناس وبغضهم لعائلة الأسد ، وأن يعملوا بجد وصدق وإخلاص للتخلص منها ومن شرورها وطغيانها وهمجيتها ووحشيتها ، وأن يتيقن العالم كله بعدالة ومشروعية مطالبكم ، وبأنكم على الحق المبين .
10- حتى تزداد شهرتكم أكثر عند العالم أجمع ، وحتى يحفظ الناس كلهم أسماء قراكم ومدنكم الشاهدة على إجرام عصابات الأسد ، ليتشوقوا لزيارتها ومشاهدتها بعد سقوط بشار ، وتزداد عظمتكم وتهابكم شعوب الأرض أجمع ، وتشهد على أنكم شعب عظيم شجاع حر يأبى الضيم والذل والهوان ، ويفضل الموت على المذلة ، وتضرب بكم المثل الأعلى ، وتحذو حذوكم شعوب الأرض المظلومة المقموعة ، المضطهدة المهانة فتنتفض على طغاتها وجلاديها .
11- يريد رب العالمين أن تكونوا أنتم الأسوة الحسنة والسراج المنير ، في درب الحرية والتحرر من الإستعباد والطغيان ، تضيئون الطريق لشعوب الأرض قاطبة ، كي تسير خلفكم تهتدي بهداكم ، وتقتفي أثركم وتقتبس من نوركم الوضاء .
12- يريد رب العالمين أن تكونوا أنتم الرمز الأعلى الحقيقي للحرية يتوهج في سماء الدنيا كلها ، ويستضئ به الخلق كلهم – وليس كتمثال الحرية المزيف المنتصب على بوابة أمريكا التي لا تعرف من الحرية إلا حجرها وصنمها –
13- رب العالمين يريد أن يكرمكم ويعلي مقامكم في الدنيا والآخرة ، ويريد أن يزكيكم ويطهركم من الذنوب والخطايا ، ويطهر أرضكم المباركة من الرجس والدنس ، ومن العبيد الصعاليك المهازيل ، فأرضكم أرض المحشر والمنشر ، وأطهر أرض بعد مكة والمدينة .
14- فهل بعد هذه المحبة الإلهية محبة ، وهل بعد هذا الإكرام الرباني إكرام ، فهنيئا لكم وطوبى لكم بأجنحة ملائكة الرحمن ترفرف فوق أرضكم .
15- وإنا والله لمنتصرون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .