إن حب الذات ، وحب الظهور ، وحب البروزة ، وحب الهيمنة والسيطرة على الآخرين ، وحب الرئاسة والسيادة على الناس ، وحب الإستبداد والعناد والتشبث بالرأي ، وحب الجاه والسلطان ، وحب التأمر والتحكم بعباد الله ، وحب الجلوس على كرسي الملك ، وحب الزعامة والقيادة من أشد الغرائز المغروسة في جسم الإنسان وأقواها .
إنها أقوى من غريزة حب المال ، والطعام والشراب ، وحب الجنس والتمتع بالنساء .
إنها متغلغلة في كيان وفي جينات ومورثات الإنسان ، منذ بدء الخليقة ، وفي سبيل تحقيقها يضحي الإنسان ، بماله وولده وزوجته ونفسه ، إنه يقاتل إلى آخر رمق ، وإلى آخر قطرة دم – كما حصل بالقذافي حيث قاتل وقاتل للحفاظ على منصب ملك ملوك أفريقيا أو ملوك الدنيا حتى قُتل أبشع قِتلة ، وهذا هوبشار أفندي ، يكرر نفس الكلمات سيقاتل حتى آخر قطرة من دمه – بل قد يقتل أباه أو أخاه أو عمه أو أقرب المقربين إليه ليحتفظ بمنصب الولاية أو الإمارة أو السيادة أو لينتزعها منهم ، والتاريخ القديم والحديث حافل بالشواهد والأمثلة الدالة على صحة هذا الكلام .
وهذه الغريزة تتجلى مظاهرها منذ الأيام الأولى للطفولة ، وتكون عند الصبيان أكثر بروزا من البنات ، فيظهر عند بعض الصبيان حب الهيمنة والتأمر على بقية الأطفال الآخرين ، ومن هنا نستنتج أن هذه الغريزة ليست منتشرة عند البشر بدرجة واحدة ، بل هناك تفاوت كبير بينهم ، ولكن ثمة حد أدنى موجود عند كل البشر .
ومن هنا نلاحظ أنه حينما تكون هذه الغريزة متواجدة بأعلى طاقتها وقوتها ، وأوج سطوتها وعنفوانها في حاكم ما في هذه الكرة الأرضية ، فإن الشعب المحكوم لدى هذا الحاكم المعتوه المفتون بسطوته وجبروته وقوته يعاني كل أصناف الذل والعبودية ، والهوان والظلم ، لأنه لا يريد ولا يقبل ، ولا يستسيغ ، أي مخلوق يعترض على حكمه ، أو يبدي مجرد ملاحظة على حكمه ، وإذا ما تجرأ هذا الشعب المضطهد المعذب أن يتحرر من طغيانه واستبداده ، تعرض للقتل والذبح ، والقمع والتنكيل – كما يحصل الآن في سورية مع المجرم بشار ، الذي أقسم على أن يحافظ على كرسيه ، ولو قتل الشعب كله - .
ومن هذا المنطلق ، ومن هذه المقدمة ، يتوجب على الشعب السوري أن يبدأ من الآن ، وقبل سقوط نظام بشار ، أن يتدرب ويتعلم ، كيف يكون نكران الذات الذي يعني التغلب والسيطرة على غريزة حب الذات وكسر جماحها – خاصة وأن الشعب السوري يتميز عن غيره من شعوب المنطقة ، بنمو غريزة حب الذاب بشكل مفرط ، ولا أدل على ذلك من كثرة الإنقلابات العسكرية التي بدأت في عام 1949 قبل أي بلد عربي آخر ، وتتالت الإنقلابات حتى كان آخرها بقيادة المجرم حافظ في عام 1970 .
إنه لمن الضروري جدا ، والهام جدا ، أن نسعى كلنا وخاصة رؤوس المعارضة ، إلى أن نتعلم من هؤلاء الشهداء ، الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الحرية ، ما كانوا يطمعون إلى منصب وزاري ، أو جمهوري ، أو إداري ولا إلى جاه أو سلطان ، ما كانوا يريدون إلا الحرية ، ولا يهتفون إلا للحرية ، في معظمهم أناس بسطاء من عامة الشعب ، تنكروا لذاتهم ، وقمعوا وكبحوا غريزة حب الذات ، وحب الحياة ، واستعلوا عليها ، وحلقوا بأرواحهم إلى السماء ، طالبين أكبر من الدنيا وما فيها ، إنهم لا شك ولا ريب ، هم العظماء وهم السلاطين ، وهم الملوك الذين يجدر بنا ، ويتوجب علينا ، أن نطأطئ رؤوسنا ، مهابة لهم ، وإجلالا واحتراما ، وتقديرا لتضحياتهم الكبيرة ، فهم بحق سادتنا وأسيادنا ، رغما عن أنوفنا ، ورغما عن جميع المستكبرين والمتكبرين والطواغيت .
إن لم نهيئ أنفسنا من الآن ، ونروضها ونهذبها ، ونربيها على نكران الذات ، والعمل لهدف أسمى وأعلى من الذات ، العمل لأجل إرضاء الله تعالى أولا ، ثم لخدمة بلدنا ، وتنميته وتطويره ، وتقويته ، الذي هو بحد ذاته كافٍ لوحده أن يعطينا عظمة ، وذكراً حسناً عند الله ، ثم عند الناس أكبر بكثير مما لو حرصنا ، وتكالبنا وتنافسنا على إبراز ذاتنا ، وهل هناك شرف أعلى وأسمى ، من أن يكون الإنسان خادما للشعب ؟؟؟ بل إنه لأعظم من أن يكون خادما للحرمين الشريفين ، لأن قيمة الإنسان المسلم ، لهي أعلى عند الله تعالى من الكعبة المشرفة ذاتها ، التي هي رمز المسلمين ، وقبلتهم التي يتوجهون إليها بالصلاة كل يوم خمس مرات.
أقول إن لم نفعل من الآن ، على تجهيز النفوس لسورية الغد ، سورية الحرية ، سورية الديموقراطية ، وبقينا نركز وندور حول الذات ، ونختلف على المناصب والكراسي ، فسيحصل اقتتال وتسال دماء قد – لا سمح الله – تكون أشد من الآن ، وأحداث أفغانستان بعد تحريرها من الإحتلال السوفياتي في عام 1989 ليست ببعيدة عنا ، وكيف حصل الإقتتال وسالت الدماء بين الأفغانيين أنفسهم حتى تمكنت حركة طالبان بعد خمس سنوات من السيطرة على بقية الحركات الأخرى وتحقيق السلام في عام 1994.
إنه علينا من الآن واجبا كبيرا ، أن نحصن أنفسنا من الإنزلاق ، مرة أخرى ، وراء تعظيم وتكبير وتضخيم الذات ، وأن نرفض رفضا قاطعا ، ظهور أي شخص ، فيه علائم أو سمات أو مظاهر أو ملامح ، الإستبداد والسيطرة والهيمنة على الناس ، ولو كان هذا الشخص من أعظم عظماء الدنيا ، ونابغة وفريد عصره وزمانه ، ولو كان يحمل أعلى شهادات الدنيا ، وحتى لو ادعى أنه المهدي أو المخلص ، علينا ألا نسمح له بالتحكم فينا برأيه الشخصي فقط ، - أما إذا كان عنده دليل من الله تعالى وبرهان ، فذلك شئ آخر - ولو كان هذا بإسم الرب أو بإسم الكهنوت أو بإسم الدين أو بإسم القومية أو الأرض أو المقاومة أو الممانعة أو أي اسم من تلك الأسماء الخادعة المزيفة .
كل هذا هرطقة وهراء ، علينا ألا نمكن بعد اليوم أي طاغوت أو ديكتاتوري يتحكم فينا ، سواء كان هذا الطاغوت دينيا أو علمانيا أو ليبراليا أو قوميا أو وطنيا أو اقتصاديا أو ثقافيا ، أو أي نوع من أنواع الطاغوت ، فالطاغوت واحد أيا كانت صفته أو مسماه .