المساعدات الاقتصادية الإيرانية لنظام الأسد فقدت قيمتها ?ui=2&ik=768a77f578&view=att&th=133e6f89fa8ad574&attid=0

سعود القصيبي


من ايوان كسرى حُكِمت بلاد فارس, ويذكر التاريخ انه عندما قُتل وفد السلام الذي جاء إلى كسرى, ثم معركة القادسية التي انهارت على اثرها الدولة الساسانية, وحتى انتهاء الخلافة العباسية, حكم بلاد فارس العديد من الطامحين إلى إرجاع أمجادها, كل باسلوبه من دون جدوى, متخذين من "الأسد" شعارا لهم. إلى أن أتى الخميني في أوائل الثمانينات بايدلوجية دينية وبرؤية ستراتيجية تستهدف بناء قوة عظمى. ولا يخفى على أحد حاليا قوة التحالف الإيراني وتعاظمه مع نظام الأسد الابن والذي بات واضحاً ولاسيما بعد انتفاضة الشعب السوري في وجه النظام الحاكم .
ومنذ أن تناول الملك الأردني الحديث صراحة عن خطورة الهلال الشيعي, وتولي الأسد الابن سدة الرئاسة منذ 11 عاما والكل يلمس أفاق التعاون السوري الإيراني تتزايد وتصل إلى حد اتخاذ مواقف تعد في الاساس ضد أهداف وفكر البعث السوري العلماني العربي الوحدوي, كدعم إيران الإسلامية في امتلاك القنبلة النووية, وكذلك دعم النظام السوري البعثي لحزب الله اللبناني الموالي لطهران والذي يطمع في فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة ومن ثم ولاية الفقيه. وإذا وقفنا امام التقرير الصادر عن اللجنة المشكلة للتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري سنجد أن تجهيز الحافلة التي انفجرت في لبنان تم في سورية ومن ثم تخبئتها في مبان تابعة لحزب الله في لبنان , وهو الامر الذي يدعونا للتأمل في مدى التأثير السلوكي الفعلي لهذه العلاقة.
وبجانب ذلك الميراث السياسي والتاريخي يتبقي أحد أهم أوجه التعاون بين إيران ونظام الأسد متمثلا في طبيعة المساعدات المباشرة وغير المباشرة سواء الاقتصادية أو العسكرية.
ففي الجانب الاقتصادي وقعت سورية العام الحالي اتفاقيات تفاهم وبرامج تنفيذية مع إيران للتعاون في مجالات التجارة والاستثمار والتخطيط والإحصاء والصناعة والطيران والبحرية والنقل والاتصالات والمعلومات والتقنية والصحة والزراعة والسياحة والإسكان والتعمير والصادرات والشباب والرياضة والإدارة المحلية, كما أُسس هذا العام في دمشق مصرف إيراني سوري برأس مال يبلغ 30 مليون دولار تمتلك إيران 60% من أسهمه. ووقع البلدان اتفاقية لنقل الغاز الطبيعي الإيراني بواسطة أنابيب عبر سورية تحصل بموجبها على 20 إلى 25 مليون قدم مكعب في يوميا, وفي هذا الاطار أعلن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية مساندته لإنشاء مركز ستراتيجي لدعم سورية بمبلغ 5.8 مليار دولار, وعن دعم حليفه في دمشق بشار الأسد, بأكثر من 290 الف برميل بترول يوميا. كما أفادت تقارير عدة أن نظام الأسد هو الجسر التي يتم من خلاله الدعم المالي لحلفاء إيران في الشرق الاوسط. وكشفت تقارير صحافية أن الحكومة العراقية وافقت على تقديم 10 مليارات دولار إلى النظام السوري, تحت ضغط القيادات الإيرانية لمساعدته على الخروج من أزمته الحالية. وذكر خبراء اقتصاديون نقلاً عن مصادر ديبلوماسية أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضخت للاقتصاد السوري ستة مليارات دولار نقداً للحيلولة من دون انهيار الليرة السورية. بالإضافة إلى استثمار إيران لثلاثة مليارات دولار في مشاريع بسورية.
أما عسكريا, فقد اتفقت سورية مع إيران هذا العام على بناء قاعدة عسكرية لفيلق القدس الإيراني في اللاذقية بقيمة 23 مليون دولار لتسهيل نقل المعدات العسكرية إليها. وقد ذكرت تقارير الأمم المتحدة أن إيران خالفت الحظر المفروض عليها حيث شوهدت معدات عسكرية إيرانية في سورية, كما صادرت تركيا شحنات لأسلحة إيرانية متجهة إلى سورية بعد الحظر الذي فرض على دمشق . ولايران بطبيعة الحال تجاوزات لا تعد ولا تحصى لقرارات مجلس الأمن خلال السنوات الماضية, حيث تم حجز شحنات لمتفجرات وغيرها من الأسلحة كانت متجهة من إيران لسورية وصودرت هذه الشحنات من قبل إيطاليا وقبرص, وقد قدمت إيران منذ سنوات معونات عسكرية مباشرة بقيمة مليار دولار إلى سورية.
وضمن التعاون المعلوماتي بين الدولتين قام نظام الأسد بتركيب أجهزة متقدمة زودته بها إيران لرصد حركة الطائرات العسكرية المعادية لإيران. وقد ذكرت المعارضة السورية أن طهران سارعت منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة السورية إلى تدريب الأمن السوري على قمع المحتجين وتزويده ببعض الأسلحة للقضاء على المظاهرات في مهدها, كما وثقت تنسيقيات الثورة السورية شهادات لضباط منشقين, وعناصر من الأمن والشبيحة تم القبض عليهم من قبل الثوار أكدوا خلالها قيام حكومة طهران بإرسال عناصر من المخابرات الإيرانية إلى النظام السورى للاستعانة بهم كخبراء في مجال قمع المظاهرات السلمية.
وقد شهد الأسبوع الأخير من أكتوبر تدهوراً ملحوظاً في العلاقات بين طهران ودمشق وإشارات إلى موافقتها على تنحي الأسد وهو ما يعني ان كل تلك المساعدات لم تفلح في انقاذ نظام الاسد رغم ارتفاع كلفة الفاتورة , وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني والمرشد الأعلى "علي خامنئي" قد اتفقا بعد مناقشة تأثير الأوضاع في سورية على إيران, على أن نظام "بشار أسد" كما نطق مقدم على انهيار يصعب تفاديه. وتقرر في ذلك الاجتماع إعادة صياغة الستراتيجية الإيرانية تجاه سورية, كما تردد الحديث عن إمكانية دعم طهران لمشروع تشكيل حكم ائتلافي بديل تتوافق عليه الأطراف الإقليمية ويتعهد بدوره بالمحافظة على المصالح الإيرانية, كما ذكر رئيس الحكومة الإيرانية لوسائل الإعلام الغربية بأنه يرى أن على الحكومات أن تستمع إلى مطالب واحتياجات شعوبها, وأن تحقق أمنهم وتحفظ حقوقهم, مضيفاً: "سنقوم ببذل جهود لتشجيع الحكومة السورية والأطراف الأخرى للوصول إلى اتفاق, ونعتقد بأنه يجب ألا يكون هناك تدخل من الخارج". أي أن إيران لا ترغب في أي تدخل خارجي سوى عن طريق طهران.
وإذا كان انهيار العديد من الأنظمة التي حكمت ايران بدءاً من سقوط ايوان كسرى, له أي مغزى فهو أن نظام الأسد وايديولوجية الثورة الإيرانية قد انتهيا بسقوط الضحايا الأبرياء من الشعب السوري. والمواقف التي اتخذتها جامعة الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلفائها ضد النظام في سورية ما هي إلا معبر تاريخي لعهد جديد, وكل تلك المساعي السلمية لوقف آلة البطش والقتل والقمع ليست إلا نذير لسقوط الأسد القريب جدا .