عندما تحصل الإحداث بدون
إرادتنا أو تخطيطنا، عادة ما تقل أو تنعدم أمامنا الخيارات. و عندها تصبح الخيارات المتاحة في أفضل الأحوال هي
إما إجازة أمور لا نحبها و ربما لم نكن نرتضيها في الظروف العادية أو السعي
لعرقلتها، و في أسوأ الأحوال تكون الخيارات محصورة إما في الشعور بالفرح و الترقب،
أو التشاؤم و الجزع.
و الثورة السورية
اليوم، لم يخطط لها احد و لم يسعى إليها احد، و إنما هي نتاج نفاذ الصبر من الوعود
الكاذبة بالإصلاح و من حياة الذل و فقدان الأمل في المستقبل. فقد حرص النظام السوري و باقي النظم القمعية على
سحق المعارضة قبل ان تنشأ و تتبلور، و قبل ان يتعرف عليها الناس و يبدون رأيهم
فيها. و لذلك فالمعارضة اليوم تتفق بجميع أطيافها على رفض نظام عائلة الأسد، و
لكنها قد تختلف في كل شيء عدا ذلك. كما
انه بسبب الظروف التاريخية التي مرت على سوريا و على المنطقة و أدت إلى اختلال مفهوم
الشرعية، عندما رضي الشعب بحكم قادة الانقلابات العسكرية، فإن ذلك أدى إلى ان يكون
قائد الانقلاب العسكري هو الممثل الأوحد و الصوت الأوحد للشعب أمام العالم.
و عندما يكون هذا هو
الحال، فإن خيار الشعب لتحديد من يمثله في هذه الظروف الاستثنائية الحرجة يكون
محدوداً، و يكون خيار اكبر المتضررين (و هم الشعب في الداخل) هو الخيار المقدم عن خيارات
المغتربين الذين لا يعيشون التهديدات و العذاب اليومي.
و مع العلم بان
الخيارات التي يفرضها الآخرين قد تكون خطيرة هي بدورها و ربما تؤدي إلى إعادة إنتاج
نظام الأسد بصورة أو بأخرى، و لكن ينبغي ان يكون هذا هو العامل الوحيد في
الاختيار. و الذي يميز نظام الأسد و باقي الأنظمة
الاستبدادية القمعية، هي عدم قدرة الناس على محاسبة النظام أو إبداء الرأي فيما
يقوم به النظام، أو حتى توجيه النصيحة. و
لكن إذا تم تقديم ضمانات للمحاسبة و إبداء الرأي و النصيحة، فليس عندي مشكلة في ان يمثلني أي أحد.
و تبقى هناك مشكلة، و
هي ان سرعة الإحداث و تقلبها في مواجهة نظام الأسد و حلفاؤه الإقليميين و الدوليين
قد تعوق السياسي عن القيام بواجباته في سماع الآخرين و تقبل الآراء المختلفة، كما
ان العمل السياسي قد يتطلب إخفاء بعض الخطط و الترتيبات حتى تكلل بالنجاح. و لذلك قد يبدو على السياسي شيء من الاستبداد و الإقصاء.
و لكن يمكن معالجة هذه المشكلة بان يقوم
الناس بتذكير السياسي و الجميع بأهمية إعطاء الفرصة للمحاسبة و المشورة في اقرب فرصة،
كما يجب على الناس إرسال ممثلين عنهم لمحاسبة و مشاورة السياسي مع تقدير الظروف
الحرجة. و في جميع الأحوال يمكن الكتابة و
النشر و تقديم النقد البناء.
و ما ينبغي التأكيد
عليه هو ان الذي يفسد الحياة السياسية عادة هو أحد شيئين:
الأول، ان يكون الحكم مبني على أسطورة أو على
صاحب موقف تم تضخيمه. و هذا يحصل عادة عندما تشعل و تقود الثورة شخصية معينة، بحيث
ينسب جميع الفضل لهذه الشخصية، و هذا بحمد الله لم يحصل في الثورة السورية حتى ألان.
و الثاني، هو ان يكون
الحكم عبارة عن اتفاق بين السياسيين و رجال المال، و هذا أظن انه لم يحصل حتى ألان.
أما ما سوى ذلك فيمكن
إصلاحه بسهولة.
و
أخيراً، اذكر الجميع بثمن كل ثانية تمر على الناس في داخل سوريا.