إخوتي :
علينا التمييز بين مصطلح الحرب الأهلية و الفتنة الطائفية أو الاقتتال الطائفي و المفهوم العالمي للحرب الأهلية بحسب معاهدة جنيف لعام 1977 خاصة ما يتعلق منها بحماية المقاومة ..
عمد وزير الخارجية الروسي مرات عدة إلى وصف الحالة السورية على أنها حرب أهلية و قد أثارت تصريحاته تلك ردود فعل شاجبة من أوساط السياسية الأوروبية و الأمريكية على حد سواء ربما كان أظهرها ما لإطلقه مارك تونر، نائب المتحدث باسم كلينتون, و الذي كان قد انتقد التحذير الذي أطلقه سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي بعد هجوم المنشقين على مقر للاستخبارات السورية بالقرب من دمشق فقد قال تونر: "نعتقد أن ذلك تقييما خاطئا. فإن كانت روسيا تعتبر ذلك حربا أهلية، فنحن ننظر إليه على أنه أشبه ما يكون بشن نظام الرئيس السوري بشار الأسد حملة من العنف والمضايقة والقمع ضد متظاهرين سلميين .
لكن المفارقة كانت في ما فعلته وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، الجمعة حين حذَّرت من أنَّ هنالك ثمَّة إمكانية لاندلاع حرب أهلية في سورية، "قد يديرها أو يتسبَّب بها منشقون عن الجيش السوري".
ففي حديث لمحطة إن بي سي الأخبارية الأمريكية، قالت كلينتون: " أعتقد أنه قد يكون هنالك حرب أهلية مع وجود معارضة مصمِّمة للغاية وحسنة التسليح، وفي نهاية المطاف جيدة التمويل".
وقالت الوزيرة الأمريكية: "إن لم تُدَرْ (أي الحرب الأهلية) من قبل منشقِّين عن الجيش، فهي بالتأكيد متأثِّرة بهم "
فما المقصود من كل ما سبق و ما هو التوصيف الصحيح للحالة السورية و هل وصفها بأنها حرب أهلية يصب في مصلحة أحد أم أنه مجرد توصيف لا يخدم أحداً ؟؟ فلنر
أولاً : ما هي الحرب الأهلية ؟
أسوق عدة تعاريف موجودة في الأدبيات السياسية للتفريق نشرت بعضها شبكة البصرة منها :
"الحرب الأهلية": كل قتال داخلي منظم ومخطط له ، وذو أهداف "سياسية" محددة ويسعى للسيطرة على الحكم أو فصل جزء من الدولة أو الهيمنة عليه ، سواء اتخذ شكلا دينيا أو مذهبيا أو سياسيا أو عرقيا أو غير ذلك، وهي بمعنى أشمل تمثل صراعا سياسيا مسلحا بين فريقين أو أكثر في أراضي دولة ما ، تجري أحيانا بين جيش نظامي وميليشيات مسلحة أو بين فصائل مسلحة سياسية أو دينية أو مذهبية أو إثنية ، تشترك وتشتبك فيما بينها أحيانا ، ومع القوات النظامية في أحيان أخرى.
يقصد بالحرب الأهلية تلك الصراعات المسلحة التي تقع داخل الدولة الواحدة، بين الأفراد والدولة أو بين مجموعة من الأفراد وأخرى أو بين قوات الدولة عندما يحصل تمرد أو عصيان مسلح.
والرأي السائد في القانون الدولي في الوقت الحاضر عن الحروب الاهلية يقوم على اساس، أن تحديد الحرب الأهلية يعتمد على أن يكون القتال بين المدنيين وليس بين الدولة والقوات المسلحة. فالقتال الذي ينحصر بين أطراف مدنية تسيطر كل فئة فيه على بقطعة معينة من الأرض ويكون لها إدارة منظمة علنية، كما هو الحال في الحرب الاسبانية واللبنانية والسودان والصومال.
و كل ماسبق يؤدي إلى ملاحظة شيء مهم جداً و هو:
أن الحرب الأهلية تعني وقوف الأطراف الأقليمية والدولية على حياد ولا ملامة عليهم في ذلك
فما هو المفهوم الدقيق للحرب الأهلية ؟؟
بالتحليل للمسمى فالحرب هي صراع مسلح بين جهتين يحمل كل منهما السلاح في وجه الآخر هجوماً و دفاعاً و الهجوم نوعان هجوم عدوان و هجوم ارتدادي فالأول من نوع التحرش و الثاني من نوع الرد , أما لفظ الأهلية فيعني أن الصراع هو صراع بين جهات أهلية لا دخل للسلطات الرسمية بها لكن أساس الصراع لا علاقة له بالمنطلق الديني أو الطائفي للفئات المتناحرة و إلا انقلب الصراع طائفياً و لكن الصراع ينشأ في هذا النوع من الصراعات عن اختلاف المبادئ السياسية أو الاختلاف في تطبيق الأحكام و غالباً ما تنشأ هذه الحروب الأهلية في دول تتمتع بجو ديموقراطي كالحرب الأهلية اللبنانية و الإسبانية و الأمريكية وووووو و كلها ديموقراطيات معروفة .
وقد ينشأ الصراع الأهلي عن اختلاف المذاهب السياسية وصولاً إلى السلطة و قد ينشأ عن عدوان جهة على أخرى أو عن اعتداء فردي ثم يتوسع ليشمل طيفاً واسعاً من الأهالي و تناصر كل جهة بمجموعات من الأهالي و لكن بشكل مسلح .
فالحرب الأهلية هي صراع مسلح بين جهتين مسلحتين في دولة واحدة تتبنى كل منهما ايديولوجيا مختلفة ولا تكون سلطات الدولة طرفاً فيها و لا داعماً لجهة منها .
ثانياً : هل ينطبق هذا التوصيف على ما يحدث في سورية الآن ؟
ما يحدث على أرض الواقع له أطراف ثلاثة :
1- شعب ينتفض بالتظاهر السلمي على الظلم و القهر و القمع واستبداد أسرة واحدة بالحكم منذ أربعين عاماً .
2- و سلطة تسكت كل صوت سلمي بالقتل و القصف بمختلف وسائل القمع و بالسلاح الثقيل و الطيران فتكتسح المدن و تقصف المدن و تعتقل المدنيين و تمنع الإعلام لتغطي على جرائمها و كذبها و تقتل حملة الكميرات بل و الهواتف المحمولة و تسوق لقتنة طائفية من خلال أعمال ابتزاز و خطف نساء و تسليط فئة من المجرمين من ضعاف النفوس من طوائف معينة ( شبيحة )بغية تحويل الموضوع إلى حرب طائفية .
3-و منشقون عن السلطة ممن سيقوا لحمل السلاح بوجه المدنيين المنتفضين تقودهم حفنة من رجال أمن النظام و شبيحته لتوجيههم حتى إذا ما تبينوا الحقيقة انشقوا عن الجيش لا لأنهم يحملون أجندة سياسية مسبقة و لا لأنهم ينتمون لتيارات معينة أو طوائف معينة فليس لهم ايديولوجيا أصلاً و لكن انشقوا لمعرفتهم ببراءة هذا الشعب المظلوم و لعلمهم بأنهم برفضهم القتل العشوائي فإن من يسوقهم سوف يقتلهم .
لتحديد توصيف دقيق للحالة السورية يجب توصيف طبيعة العلاقة بين كل جهة مع كل من الجهتين الأخريين :
فالعلاقة بين الشعب و المنشقين هي علاقة لجوء و حماية
و علاقة الشعب بالسلطة و الشبيحة هي علاقة منتفضين سلميين مع قتلة يقمعونهم و يحاصرونهم و يمنعون عنهم الغذاء و الدواء و الإعلام و يرتكبون بحقهم أبشع صور الجرائم ضد الإنسانية .
و علاقة المنشقين بالسلطة و شبيحة النظام علاقة منتفض هرب من الإجبار على ارتكاب الجرائم فتعرض للملاحقة بالسلاح فرد بما يحمل من سلاح مما وضعه النظام في يده لقتل الشعب دون أن يكون له إيديولوجيا أو أجندة سياسية غير مجرد الموقف الإنساني .
بهذا المعنى الواضح و البسيط فما يحدث في سورية الآن إذن ليس حرباً أهلية فالأهالي لا يقتتلون و لا يوجد تناحر و إنما حملات دهم و اعتقال و قصف عشوائي و تعذيب و قتل و إرسال شبيحة مأجورين للسلب و خطف الناس و خاصة البنات و المطالبة بفدية مالية لتصوير الواقع على أنه فتنة طائفية و هذا ما دفع بعض هذه الفئات نفسها للانشقاق عن أجهزة السلطة و تشكيل نوع من حماية للمتظاهرين السلميين حال تعرضهم للعدوان و لا يصنف هذا الفعل تحت مسمى الحرب الأهلية حسب ما قدمنا أعلاه فهم ليسوا من الأهالي و ليسوا أصحاب إيديولوجيا و العمليات التي يقومون بها ضد من يلاحقهم و يستهدفهم و يقتل بالناس ما هي إلا رد فعل على وحشية تطال كل الناس فهي مقاومة إنسانية مسلحة تدافع عن الإنسانية و لا تتناحر مع أحد و كل همها أن تنجو بنفسها و بالناس من حولها من شر من يتربص بها و حين كفت أجهزة السلطة و شبيحته يدها عن المتظاهرين في حماة و لمدة طويلة لم تتدخل قوات المنشقين بأحد و لم يتعرض أحد حتى لشتيمة .
إن أفضل مسمى للحالة السورية هو وصفها بأنها ثورة على الظلم و انتفاضة ضد الاستبداد و أدق ما يمكن وصف المنشقين به هو أنهم مقاومة مسلحة .
أما الاقتتال الطائفي الذي يحاول النظام الأسدي إشعاله من خلال أعمال التشبيح بهدف استجرار البعض للقيام بأعمال انتقامية فهو محاولة فاشلة و مكشوفة لتمييع التوصيف الدقيق للثورة و تسويق فكرة ردع العنف الطائفي أمام العالم و هذا يستدعي من صاحب الفكرة دعم فكرته بالشفافية المطلقة و فتح الأبواب مشرعة أمام الإعلام الحر لكشف الحقائق بحيادية مطلقة و هذا عكس ما يفعله النظام السوري تماماً و لذلك فقد فشل فشلاً ذريعاً في تسويق هذه الفكرة و لا خوف منها البتة على سمعة الثورة و الثوار أمام الرأي العام العالمي .
أخيراً فإن ما قام به النظام من استهداف للمساجد و الكنائس يكشف تماماً أنه نظام مجرم لا يقيم للقيم الإنسانية و الدينية وزناً فكل الناس بكافة طوائفهم لا يقبلون بفكرة إهانة القيم الدينية أياً كانت و لذلك فكلهم متفقون على معاداة من يعادي الله علناً .
و الخلاصة أنه علينا التمييز بين كل هذه الأنواع و ما يستتبع ذلك من مفاهيم مع الأخذ بعين الاعتبار ما يعنيه ذلك في المصطلح العالمي ..و لا حاجة هنا لأقول بأننا لسنا في وارد حرب أهلية و لا حرب طائفية لبدهية ذلك في ذهن كل متبصر .... أبو الحكي